الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
نسخة اليُونِينِيّ (701) ه
ـ
بعد البحث والتحري استطاع اليُونِينِيّ الوقوف على عدة أصول لنسخ روايات امتازت كل نسخة بمميزات عن غيرها.
فقام بجمع ما وقف عليه من الأصول واعتمد أحدها أصلًا، ثم قابل باقي النسخ عليها بقراءة جملة من المشايخ والعلماء.
وقبل البدء في وصف هذا العمل يجب التنبيه على عدة أمور:
أولًا: يجب مراعاة الفرق بين الأصول المكتوبة التي وقف عليها شرف الدين اليُونِينِيّ وبين الروايات التي سمع «الصحيح» من خلالها.
فالأصول التي اعتمد عليها في نص المتن خمسة قد ذكرها في مقدمته وعلقت عليها فيما يأتي.
أما الروايات التي روى الصحيح من خلالها فهي غير هذه الأصول، وإن كانت الأسانيد تنتهي إلى أصحاب هذه الروايات وهي:
1 -
رواية أبي عبد الله الحسين بن أبي بكر الزبيدي عن أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي عن الفربري، وهذا هو أصل سماعه.
2 -
رواية كريمة المروزية: رواها عن شيخه أبي الحسن علي بن شجاع بن سالم (661) هـ، عن شيوخه الثلاثة:(أبو القاسم البوصيري (598) هـ، وأبو عبد الله محمد ابن أحمد بن مفرج الحنبلي (601) هـ، ـ وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله عتيق بن باقا (608) هـ) بأسانيدهم إلى كريمة المروزية عن الكشميهني عن الفربري.
3 -
رواية الأصيلي: رواها عن والده أبي عبد الله محمد عن أبي طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي بإسناده إلى الأصيلي عن أبي زيد المروزي وأبي محمد الجرجاني كلاهما عن الفربري.
4 -
رواية ابن عساكر: رواها إجازة عن شيخه المكي بن علان (680) هـ وزين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد عن مؤرخ الشام ابن عساكر.
5 -
رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة:
رواها إجازة عن أبي جعفر الهمداني عن الحافظ أبي طاهر السلفي إجازة عن الإمام القاضي عياض عن أبي علي الصدفي عن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي عن أبي ذر الهروي رحمه الله. .
ثانيًا: مراعاة عدم وجود كتابات قديمة أو حديثة، قد بسطت الكلام على منهج هذا الإمام في هذه النسخة، وإنما كان الكلام عليها إشارات سريعة (1).
(1) توجد دراسة صغيرة في مجلة «الجامعة الإسلامية» المجلد العاشر العدد الأول لسنة 2002 م من ص: 223 إلى ص: 260 بعنوان: «الإمام اليُونِينِيّ وجهوده في حفظ صحيح الإمام البُخَارِيّ وتحقيق رواياته» بقلم الشهيد نزار عبد القادر الريان، الدكتور بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة بفلسطين، وهي دراسة تكلمت عن اليُونِينِيّ وعمله في «صحيح البُخَارِيّ» وهي دراسة متخصصة إلا أنه لم يفرق بين الروايات التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ، حيث لم يفرق بين الأصول وبين الروايات التي سمع «الصحيح» من خلالها خيث ذكر أن اليُونِينِيّ اعتمد على أربع عشرة نسخة واستمد ذلك من خلال الرموز الموجودة في أول الطبعة السلطانية والواقع غير ذلك فجعل الروايات الثلاث التي اعتمد عليها أبوذر الهروي كل واحدة منهن نسخة ثم جعل رِوَاية أبي ذر واحدة أخرى وهكذا.
وللشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - مقالة بعنوان «النسخة اليُونِينِيّة من صحيح البُخَارِيّ» قد وضعتها دار الجيل في مقدمة الطبعة التي طبعوها من «النسخة السلطانية» مما يوهم أنه أشرف على هذه الطبعة، والحقيقة غير ذلك؛ حيث نص أنه لم يتيسر له ذلك.
وتناول في هذا المقال التعريف باليُونِينِيّ، وتكلم عن عمله في نسخته، والنسخ التي وقف عليها، وقارن بينها وبين النسخة المطبوعة التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد الثاني، والتي أشرف عليها علماء من الأزهر، وتكلم عن مصير هذه النسخة ومكانها في مكتبات العالم.
كما كتب عنها محمد زهير بن ناصر في مقدمة طبعة دار طوق النجاة التي أخرجوا فيها الطبعة السلطانية التي طبعت سنة 1313 هـ، وتكلم عن نسخة اليُونِينِيّ وتوثيقها والنسخ التي اعتمد عليها، إلا أنها دراسة صغيرة جدًّا لا تفي بهذا العمل الجليل.
ثالثًا: كتب اليُونِينِيّ - رحمه الله تعالى - عدة أوراق ذكر فيها منهجه في هذه النسخة، ورقومه فيها وأصوله التي اعتمد عليها، ورواياته التي سمع «الصحيح» بها، ومشايخه الذين أخد عنهم «الصحيح» وهي على صغر حجمها حيث لا تتعدى الست ورقات إلا أنها في غاية النفاسة؛ حيث أزالت كثيرًا من الإشكالات التي أثيرت، وبقيت مدة طويلة لا تعرف إلا من خلال إشارات العلماء الذين استفادوا من هذه النسخة، مثل إشارات العلامة القَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» .
بل يمكن القول: إن كل من كتب عن هذه النسخة اعتمد على ما ذكره القَسْطَلّانِيّ في المقدمة، ومن العجيب أنه لا يوجد أحد ممن اهتم بطباعة هذه النسخة حتى القائمين على طباعة النسخة «السلطانية» - التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد - قد ذكر المقدمة التي كتبها اليُونِينِيّ والتي هي بمثابة المفتاح لهذه النسخة.
وقد وقفت - بفضل الله تعالى - على صورة لمخطوط مجموع فيه عدة أجزاء حديثية، وفيها ورقات هي مقدمة اليُونِينِيّ، ولها صورة في المكتبة الأزهرية ودار الكتب المصرية وكاتبها متأخر، ويبدو أنها منسوخة من نسخة أقدم منها، وكاتبها هو أحمد بن محمد السحيمي القرشي القلعي سنة (1173) هـ كما وجدت ذلك في آخر النسخة.
ولقد قمت بنسخها، وآثرت ذكرها كاملة؛ لما فيها من فوائد وأمور، ستكون مدار الحديث عن هذه النسخة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العلامة أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِيّ عفا الله عنه:
الأصول المشار إليها مما أحلت عليه في هوامش نسختي من «صحيح البُخارِيّ» ، وما أعلمت عليه في نفس الكتاب بين الأسطر.
فما وقع عليه اتفاق الأئمة الحفاظ الأربعة وهم: أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، والحافظ أبو ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ، والحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي، والأصل المسموع على أبي الوَقْت بقراءة الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني.
كتبت عليه (هـ ص: س ظ) هكذا، وما اتفق عليه ثلاثة منهم أسقطت رسم أحدهم، وكذلك إن اتفق اثنان منهم رُقم ما جعل رسمًا لهما.
وإن لم يكن عندهم فإما أن أكتب على الهامش سقط عند (هـ ص: س ظ) أو أكتب عليه: (لا) وأرقم رسم من ليس عنده.
مثاله: إنه وقع في أصل سماعي حديث بدء الوحي: (جمعه لك في صدرك).
ووقع عند (5 ص: س ظ)(جمعه لك صدرك) بإسقاط: (في).
فأنا أرقم على: (في)(لا)، وأرقم فوقها أو إلى جانبها (هـ ص: س ظ).
هذا إن وقع الاتفاق على سقوطها.
وإن كانت عند أحدهم وليست عند الباقين كتبتُ عليها: (لا)، ورقمت عليها الحرف المصطلح عليه، وعلى ذلك فقس في كل ما تراه مرقومًا عليه، فافهم الرسم، واحذر من الغلط، وراقب رَقْم أبي ذر ومشايخه الثلاثة: الحَمُّوييّ، والمُسْتَمْلِيّ، وأبي الهيثم، فيما خالف أصل سماعي، فإن
كانت المخالفة من الجميع كتبته في الهامش ورقمت عليه (هـ) هكذا أو صححت عليه (صح) هكذا، وإن وافق أحد مشايخه أصل سماعي كتبتُ الذي خالف، إما في الأصل بين الأسطر ورقمت عليه ما تقرر من الاصطلاح إنه قد رسم له، أو في الهامش وكتبت فوقه الرَقْم.
فالحَمُّوييّ رَقْمُهُ (حـ) هكذا، والمُسْتَمْلِيّ (سـ) هكذا، والكشيمهني (هـ) هكذا، فإن كان عند الحَمُّوييّ والمُسْتَمْلِيّ رقمت عليه (حسـ) هكذا، أو إن كان عند الحَمُّوييّ وأبي الهيثم رقمت عليه (حهـ) هكذا، وإن كان عند المُسْتَمْلِيّ وأبي الهيثم رقمت عليه (سهـ) هكذا.
وإن كان ثابتًا عند أحدهم دون الآخر رقمت عليه رسمه، إما في الأصل أو في الهامش.
وقد وقع شيء كثير من التراجم والأحاديث والكلمات ويرقم عليها في رِواية أبي ذر: إنها عند المُسْتَمْلِيّ وحده، وهى في أصل سماعي من «صحيح البُخارِيّ» الذي أخبرني به الإمام العالم الثقة أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر عبد الله المبارك بن محمد ابن يحيى بن الزبيدي الربعي السلامي، بقراءة سيدي ومولاي والدي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِيّ.
والحافظ الإمام العلامة مفتي الفرق، رئيس الأصحاب، حجة العلماء، تقي الدين أبو العباس أحمد (1)، ابن الإمام العلامة الحافظ عز الدين محمد
(1) هو شيخ الحنابلة المولود في إحدى وتسعين وخمسمائة، سمع من الخشوعي وأسعد بن روح وغيرهما، روى عنه العز بن العماد، والشمس بن الواسطي، وغيرهما، مات سنة ثلاث وأربعين وستمائة (ينظر سير أعلام النبلاء 23/ 212 (128).
وجده تقي الدين كان شيخًا محدثًا، صاحب «الأحكام الكبرى» ولد سنة (541) هـ وتوفى سنة (600) هـ ينظر «سير أعلام النبلاء» 21/ 444.
ابن الإمام العلامة حجة الحفاظ الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن على ابن سرور.
وقراءة ابن عمه الإمام العالم شرف الدين أبي محمد الحسن (1) بن الإمام الحافظ جمال الدين بن أبي موسي عبد الله بن الحافظ عبد الغني.
والإمام العالم المحدث سيف الدين أبي العباس أحمد بن عيسى بن الإمام العلامة موفق الدين محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيين (2).
وذلك في شهر رمضان سنة (635) هـ بدمشق المحروسة في قلعتها.
عن الشيخ الثقة، الصدوق الصالح السديد بقية الأشياخ أبي الوَقْت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي الهَرَويّ قراءة عليه في شهور سنة (583) هـ.
أنبأنا الإمام جمال الإسلام، أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد معاذ بن سهل بن الحكم الدّاوُدِيّ، قراءة عليه ببوشنج، في ذي القعدة سنة (495) هـ.
أنبأنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه بن أحمد بن يوسف بن أيمن السَّرْخَسي، قراءة عليه في صفر سنة (381) هـ عن الفَرَبْريّ
(1) المولود سنة خمس وستمائة، أفتى ودّرَّس ورحل في الحديث، وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وغيره، وكتب عنه الأبيوردي والدمياطي وكثير من الحفاظ، توفي سنة تسع وخمسين وستمائة، ينظر «تذكرة الحفاظ» 4/ 1451، و «تاريخ الإسلام» 48/ 381.
(2)
ولد سنة خمس وستمائة وسمع من جده الكثير ومن أبى اليمن الكندي وغيرهما، جمع وصنف، وكان ثقة حافظًا ذكيا متيقظا ومحاسنه كثيرة، عاش ثمانية وثلاثين سنة. «تذكرة الحفاظ» 3/ 1446.
عن البُخارِيّ.
وإنما سقت سندي حتى يعلم أنه عن الحَمُّوييّ، وقد خالفت رِواية الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد بن عفير الهَرَويّ عن الحَمُّوييّ لرِواية الحسن الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ في أشياء ثابتة عند الحَمُّوييّ.
وكذلك يرقم على ما ترجمته أنها ليست عند الحَمُّوييّ من روايته، وهي ثابتة في أصل سماعي من رِواية الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ، أو يرقم فوقها بما اصطلح الحافظ أبوذر عليه من هـ هكذا أنها عنده وهي ثابتة عن الحَمُّوييّ من رِواية (حـ) هكذا أو (سـ) هكذا فيعلم ذلك.
وليس ما أعلمت عليه من أنه عند أبي الهيثم على ما أرقم عليه أن ذلك ليس في روايتي، وإنما رقمت فوقه أو نبهت عليه إما في أصل أو في هامش، حتى يعلم أنه عند الحافظ أبي ذر كذلك، وهو ثابت عند الحَمُّوييّ من طريق الدّاوُدِيّ فيعلم ذلك.
وعنيت برِواية الإمام الحافظ أبي ذر لأمرين:
أحدهما: أني قرأت جميع «صحيح البُخارِيّ» رضي الله عنه على الشيخ الإمام المحدث، شيخ القراء وكبيرهم بالديار المصرية، أبي الحسن علي بن شجاع (1)
بن سالم العباس الضرير المنعوت بكمال الدين في شهور سنة (661) هـ، بالقاهرة المحروسة من أصل سماعه بحق روايته له عن المشايخ الثلاثة الثقات المسندين:
أبي القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت بن غالب بن هاشم
(1) مسند الآفاق في القراءات والحديث، وتزوج ابنة الشاطبي، وسمع الشاطبية وصححهها دروسًا على الشاطبي، وقرأ عليه كثيرون، منهم الدمياطي والوزيري وغيرهم.
توفي سنة إحدى وستين وستمائة، ينظر «الوافي بالوفيات» 21/ 152 - 153.
الأنصاري الخزرجي المعروف بالبوصيري (1).
والإمام المقرئ الصالح أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مفرج الحنبلي المصري (2).
والثقة المسند أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله عتيق بن باقا البغدادي.
قال البوصيري: أنبأنا الإمام العلامة اللغوي النحوي أبو عبد الله محمد بن بركات ابن هلال بن عبد الواحد السعيدي الصوفي رحمه الله.
وقال الأرتاحي: أَخْبَرَنا الشيخ المسند أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء إجازة (3) قالا: أخبرتنا الحرة العالمة أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المَرْوَزيّة.
وقال البوصيري أيضًا: أَخْبَرَنا الشيخ المسند أبو صادق مرشد بن يحيى بن قاسم ابن علي بن خلف بن محمد بن رعبل المدني (4) إجازة إذ
(1) المتوفى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة له ترجمة في «التكملة لوفيات النقلة» 1/ 414 (647)، «تاريخ الإسلام» 42/ 375، «الوافي بالوفيات» 27/ 304.
(2)
هو الشيخ الصالح أبو عبد الله الأنصاري الأرتاحي، ثم المصري الأدميّ الحنبلي. قَال الحافظ عبد العظيم: كان مولده في حدود سنة (517) هـ. سمع من أبي الحسن الأرتاحي، وأجاز له أبو الحسين الفراء، وكتب عنه جماعة من الحفاظ. روى عنه الحافظ عبد الغني، وقال الضياء: كان شيخنا هذا ثقة دينًا ثبتا، وكانت وفاته سنة إحدى وستمائة. ينظر:«تاريخ الإسلام» 43/ 70، و «سير أعلام النبلاء» 21/ 415 - 416، «النجوم الزاهرة» 6/ 188.
(3)
سبقت ترجمتهم.
(4)
كان ثقة صحيح الأصول، وتوفى سنة سبع عشرة وخمسمائة، ينظر:«تاريخ الإسلام» 35/ 418، «سير أعلام النبلاء» 19/ 475، «مرآة الجنان» 3/ 222، «شذرات الذهب» 4/ 57.
لم يكن سماعًا، أخبرتنا كريمة المَرْوَزيّة.
قال السعيدي: بقرأتي سنة ست، وقال أبو صادق: قراءة وأنا أسمع في شوال سنة سبع ثم اثنتين وخمسين وأربعمائة بمكة شرفها الله تعالى.
قالت: أنبأنا أبو الهيثم محمد بن المكي بن محمد بن المكي بن زراع الكُشْمِيهَني قراءة عليه وأنا أسمع في جمادى الأولى سنة (389) هـ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بن إبراهيم الفَرَبْريّ بفربر، قراءة عليه وأنا أسمع، في شهر ربيع الأول سنة (325) هـ، أنبأنا الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن الأحنف الجعفي مولاهم البُخارِيّ بصحيحه مرتين، مرة بفربر سنة ثمان وأربعين، ومرة سنة (253) هـ (1).
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله عتيق بن باقا، أنبأنا أبو الوَقْت، أَخْبَرَنا الدّاوُدِيّ، أَخْبَرَنا الحَمُّوييّ، أَخْبَرَنا الفَرَبْريّ، أَخْبَرَنا البُخارِيّ.
الأمر الثاني: أن أصل سماعي الوقف بخانقاه (2) الشيخ أبي القاسم السُّمَيْساطِي (3) الذي سمع على الشيخ أبي الوَقْت ببلاد خراسان بقراءة
(1) في المخطوط (352) وهو خطأ والصواب: ما أثبته.
(2)
(خانقاه) كلمة فارسية معناها بيت، وقيل أصلها خونقاه، أي الموضع الذي يأكل فيه الملك، والخوانق حدثت في الإسلام في حدود الأربعمائة من الهجرة، وجعلت لتخلي الصوفية فيها لعبادة الله تعالى وجمعها خوانق، ومن هذه الخوانق: خانقاه أقبغا، وهي موضع من المدرسة الأقبغاوية بجوار الجامع الأزهر، أفرده الأمير أقبغا عبد الواحد، وجعل فيه طائفة يحضرون للتصوف، وأقام لهم شيخًا وأفرد لهم وقفًا يختص بهم، وهي باقية إلى يومنا هذا. ينظر «الخطط» للمقريزي 3/ 399، 422.
(3)
خانقاه السميساطي بمهملات وتسمى الخانقاه السميساطية. كانت هذه الخانقاه دار عبد العزيز ابن مروان بن الحكم أمير المؤمنين، وهي بدمشق، اشتراها أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي، من أكابر الرؤساء بدمشق، ولي مشيختها كثير من العلماء والأكابر، منهم أبو المظفر الفلكي (560) هـ، وتقي الدين العثماني (747) هـ ينظر:«الدارس في تاريخ المدارس» 2/ 151 - 161.
والسميساطي هو أبو القاسم على بن محمد بن يحيى السلمي، كان متقدمًا في علم الهندسة وعلم الهيئة، ينظر في ترجمته:«الإكمال» لابن ماكولا 5/ 141 - 142، «الأنساب» 7/ 246 (2167)، «تاريخ الإسلام» 3/ 346 - 347.
الإمام الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني (1)، فإنه مسموع من رِواية كريمة المرزوية، وقد جمع فيه بين روايتي أبي الوَقْت وكريمة، فعنيت برِواية أبي ذر؛ لأن أحد مشايخه - وهو أبو الهيثم شيخ كريمة المَرْوَزيّة - وقد خالف كريمة المَرْوَزيّة في روايتها عن الكُشْمِيهَني للحافظ أبي ذر في أشياء من روايته عن الإمام أبي الهيثم الكُشْمِيهَني.
والأصل الذي قابلت به من طريق أبي ذر هو مسموع على الشيخ الإمام الثقة العالم الفقيه المسند أبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة، عن الشيخ الفقيه العالم أبي عبد الله محمد بن منصور الحضرمي، عن الشيخ الفقيه أبي القاسم عبد الجليل بن أبي سعد، عن الحافظ أبي ذر الهَرَويّ، وهى نسخة صحيحة معني بها حجة.
قال الإمام الحافظ العارف الزاهد العابد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد
(1) هو الحافظ البارع العلامة أبو سعد عبد الكريم ابن الحافظ أبي بكر محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي، السَّمْعَاني صاحب «الأنساب» ولد سنة ست وخمسمائة، قيل: بلغت شيوخه سبعة آلاف شيخ، توفي في سنة اثنتين وستين وخمسمائة وله ست وستون سنة، ينظر:«تذكرة الحفاظ» 4/ 1318، «وشذرات الذهب» 4/ 205 - 206.
بن الأزهر الصريفيني شيخنا (1): هذه النسخة من «صحيح البُخارِيّ» مفزع يلجأ إليه لصحتها وإتقانها.
وأما الأصل المعزو إلى الأصيلي فإنه وقف في مدرسة شيخنا الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (2)، وعليه الحواشي بخط الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري وهو أصل صحيح تظهر عليه مخايل النباهة والصحة.
وأما الأصل المعزو إلى الحافظ أبي القاسم مؤرخ الشام علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر فإنه أصل سماعه، وقد سمع عليه غير مرة.
وأما الأصل المعزو إلى الحافظ أبي سعد السَّمْعاني فإنه أصل أصيل، وهو أحد أصول سماعات دمشق المحروسة وخراسان، ردها الله إلى المسلمين، وهو قد سمع على جماعة من الحفاظ وسمع بقراءة جماعة من الحفاظ.
واخترت لأبي ذر: (هـ) على الشكل علامة؛ لأنه غلب عليه النسبة إلى
(1) المولود ستة إحدى وثمانين وخمسمائة، كان ثقة حافظًا، صالحًا، سمع الكثير وكتب وأفاد، وولي مشيخة دار الحديث بمنبنج، وسكن حلب، ومات في سنة إحدى وأربعين وستمائة، ينظر «تذكرة الحفاظ» 4/ 1433.
(2)
تسمى المدرسة الضيائية المحمدية، وهي بسفح قاسيون شرقي الجامع المظفري، أنشأها الشيخ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ أحد الأعلام صاحب «المختارة في الأحاديث» ولد سنة تسع وستين وخمسمائة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
وهذه المدرسة أوقف لها كثيرًا من الكتب بخطه، ووقف عليها أوقافا كثيرة أخرى، وجعل هذه المدرسة دار حديث. فرحمه الله تعالى. (ينظر الدارس في تاريخ المدارس» للنعيمي 2/ 91 - 98، وينظر في ترجمة الضياء «تذكرة الحفاظ» 4/ 1405، 1406.
بلده فلا يقال إلا الحافظ الهَرَويّ، وللأصيلي (ص:) هكذا؛ لأنه غلب عليه النسبة إلى بلده وهو أزيلة فقلبت إلى الصاد وغلبت على الزاي (1).
وللحافظ الدمشقي مؤرخ الشام (س) هكذا؛ لأنه لا يقال له إلا: ابن عساكر.
وأما ابن السَّمْعاني فاخترت له (الظاء)؛ لحفظه وإتقانه وتقدمه على أقرانه فيعلم ذلك.
وكذلك ربما وقع الخلاف في حرف واحد من كلمة، مثل أن يكون في أصل سماعي:(فقال) وفي غيره: (وقال) بالواو أو بالعكس فربما كتبت الحرف المختلف فيه فقط ورقمت فوقه أو إلي جانبه بالحرف المصطلح عليه، وكذلك إذا كان الخلاف في الياء والتاء أو غير ذلك من الحروف.
وقد أخبرني بالجامع الصحيح من رِواية الإمام الحافظ أبى عبد الله الأصيلي رحمه الله، فأخبرني سيدي ومولاي والدي أبو عبد الله محمد رحمه الله إذنًا، أَخْبَرَنا الشيخ الثقة المسند أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات الخشوعي إجازة (2)، أَخْبَرَنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن محمد عتاب إذنًا، أخبرني والدي (3)، عن أحمد بن ثابت
(1) قَال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» 1/ 70: الأصيلي بفتح الهمزة مقصورة منسوب إلى أصيلة مدينة بالمغرب مشهورة، ويقال: بالزاي مكان الصاد أيضًا، والصاد هنا أشهر.
(2)
المولود في سنة عشر وخمسمائة، والمتوفى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. روى كتبًا كثيرة بالسماع والإجازة، سمع من هبة الله الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وأجاز له أبو علي الحداد من أصبهان. (ينظر ترجمته في، «سير أعلام النبلاء» 21/ 357 - 358، و «شذرات الذهب» 4/ 335)
(3)
من أهل قرطبة، ومن أكابر الشيوخ الأندلسيين في علو الإسناد وسعة الرحلة، ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتوفي سنة عشرين وخمسمائة. ينظر «الصلة» 2/ 348 - 350 (749)«هدية العارفين» 1/ 518، «معجم المؤلفين» 2/ 116 (7012)، وأبوه العلامة المحدث مفتي قرطبة، توفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة ينظر:«سير أعلام النبلاء» 18/ 328.
الواسطي (1) وغيره، عن الأصيلي، عن أبي زيد محمد ابن أحمد المَرْوَزيّ وأبي محمد يوسف الجُرْجانيّ، كلاهما عن الفَرَبْريّ.
قال أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب: وأخبرني بالجامع الصحيح أبو عبد الله بن نبات إجازة عن الأصيلي.
وأما رِواية الحافظ أبى القاسم مؤرخ الشام للجامع الصحيح فحدثني بها إجازة الشيخ السديد المكي بن علان القيسي (2) وزين الأمناء (3) بحق
(1) سبقت ترجمته.
(2)
هو المسلم بن محمد بن مسلم بن مكي بن خلف بن المسلم بن أحمد بن محمد بن حصن بن صقر بن عبد الواحد بن علي بن علان، القاضي الجليل المسند، شمس الدين أبو الغنائم ابن علان القيسي، الدمشقي الكاتب، أجاز للذهبي مروياته، ولي نظر بعلبك ثم انفصل عنها، ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وتوفي سنة ثمانين وستمائة. ينظر ترجمته في «تاريخ الإسلام» 50/ 373 - 374، «ذيل مرآة الزمان» 4/ 125 - 131، «تذكرة الحفاظ» 4/ 1466، وغيرها.
(3)
الشيخ العالم الجليل المسند العابد زين الأمناء، أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر الدمشقي، سمع من أبي العشائر محمد بن الخليل، ومحمد بن محمد الكُشْمِيهَني، وغيرهم، وحدث عنه عز الدين بن الأثير، وأمين الدين أبو اليمن حفيده وآخرون. قَال البرزالي: ثقة كريم نبيل. توفي رحمه الله تعالى في يوم الجمعة سادس عشر صفر سنة سبع وعشرين وستمائة. ينظر ترجمته في «التكلمة لوفيات النفلة» 3/ 258 (3277)، «الوافي بالوفيات» 12/ 253 (231، «سير أعلام النبلاء» 22/ 284 (163).
سماع شيخنا زين الأمناء من عمه مؤرخ الشام.
وهذا الرسم الذي أشرت إليه وجعلته مضافًا إلى رِواية الحافظ أبي ذر فهو رسم روايتي في الأصل الذي رواه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن السَّمْعاني على أبي الوَقْت (هـ).
وإنما وقع اختياري على هذه النسخة المنسوبة إلى الحافظ أبى ذر لتحقق ضبطها وتحريره، وما قاله شيخنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أزهر الصريفيني من جودة ضبطها أنها يلجأ إليه وإن خالفتها النسخة التي في الوقف السميساطي من بعض رسم ما فيعلم ذلك.
وقد أخبرني نازلًا برِواية الحافظ أبي ذر بدرجات الشيخ المقرئ أبو جعفر الهمداني إجازة عن الحافظ أبي طاهر السلفي، إجازة عن الإمام أبى الفضل عِياض إجازة.
قال القاضي عِياض: أخبرني القاضي الشهيد أبو علي الحسين بن محمد الصَّدفي عن القاضي أبى الوليد سليمان بن خلف الباجي عن أبي ذر رحمه الله تعالي.
تمت الفهرسة المباركة على يد كاتبها أحمد بن محمد السحيمي القرشي القلعي لسنة (1173) هـ ا. هـ
وبعد ذكر نص المقدمة أبدأ في الكلام على هذه المقدمة
الأصول التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ في كتابته لهذه النسخة.
بعد قراءة المقدمة التي ذكرها اليُونِينِيّ والتأمل لصنيعه في نسخته يلاحظ ما يلي مما يتعلق بالأصول التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ:
أولًا: وقف الحافظ اليُونِينِيّ على خمسة أصول لروايات (1)«الصحيح» وهذه الخمسة كلها تنتهي بأشهر الروايات عن الإمام البُخارِيّ وهي رِواية الفَرَبْريّ، مما يدل على أن اليُونِينِيّ لم يعتمد على رِواية أخرى غير رِواية الفَرَبْريّ، وهذه الأصول الخمسة هي:
الأصل الأول: نسخة أبى الوَقْت وقد سبق الكلام عليها في الباب الأول: وهو الذي جعله أصلًا لسماعه، واعتمده أصلًا لنسخته، وهو الأصل المسموع على أبي الوَقْت، ويلاحظ عليه أشياء:
الأول: أنه أصل سماعه من «صحيح البُخارِيّ» الذي أخبره به الإمام أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر عبد الله المبارك الزبيدي الربعي السلامي (631) هـ، عن الشيخ الثقة الصدوق الصالح السديد بقية الأشياخ أبي الوَقْت عبد الأول بن عيسى بن شعيب ابن إبراهيم الهَرَويّ (553) هـ قراءة عليه، عن الإمام جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي، عن الإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ، عن الفَرَبْريّ (320) هـ عن البُخارِيّ (256) هـ رحمه الله تعالى.
الثاني: أن سماع اليُونِينِيّ رحمه الله كان بقراءة مجموعة من العلماء وهم:
والده أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِيّ (658) هـ.
والحافظ الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الإمام عز الدين محمد بن الإمام محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور.
(1) أعنى بأصول الرِّواية: النسخ الخطية التي تمثل رِوَاية هؤلاء الرُّواة المذكورين.
وابن عمه الإمام شرف الدين أبو محمد الحسن بن جمال الدين بن أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني (659) هـ.
والإمام المحدث سيف الدين أبو العباس أحمد بن عيسى بن الإمام موفق الدين محمد بن عبد الله بن قدامة المقدسي.
الثالث: أن ذلك كان في سنة (635) هـ بدمشق في شهر رمضان المعظم.
الرابع: أن هذا الأصل من رِواية أبي الوَقْت كان وقفًا بخانقاه الشيخ أبي القاسم السُّمَيْساطِي الذي سُمع على الشيخ أبي الوَقْت ببلاد خراسان بقراءة الإمام الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني، وهذا الأصل مسموع أيضًا من رِواية كريمة المَرْوَزيّة عن الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ.
وقد جمع فيه الشيخ أبو القاسم السُّمَيْساطِي بين روايتي أبي الوَقْت وكريمة، فهذه الرِّواية بمثابة رِواية أخرى عن الكُشْمِيهَني غير رِواية أبي ذر الهَرَويّ عنه.
وهو أصل أصيل أحد سماعات دمشق وخراسان وقد سمع على جماعة من الحفاظ وكان يقراءة جمع من الحفاظ.
الأصل الثاني: أصل أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة: الكُشْمِيهَني، والحَمُّوييّ السَّرْخَسي، والمُسْتَمْلِيّ.
وهو مسموع على الشيخ الإمام أبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة، عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن منصور الحضرمي، عن الشيخ الفقيه أبي القاسم عبد الجليل بن أبي سعد عن الحافظ أبي ذر (1).
(1) وهذا الأصل محفوظ بالمغرب منه نسختان وينظر أصول أبى ذر الهروي عند الكلام على روايته من الباب الأول.
وهي كما قال اليُونِينِيّ: نسخة صحيحة معني بها حجة.
وقال في بيان منزلتها الإمام الحافظ العارف الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن الأزهر الصريفيني (641) هـ شيخ اليُونِينِيّ:
هذه النسخة من «صحيح البُخارِيّ» مفزع يلجأ إليه لصحتها وإتقانها.
الأصل الثالث: أصل معزو إلى الأصيلي عن أبي زيد المَرْوَزيّ.
وهو وقف في مدرسة الشيخ الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي وعليه حواشٍ بخط الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري. وهو أصل صحيح تظهر عليه مخايل النباهة والصحة كما قال اليُونِينِيّ.
الأصل الرابع: الأصل المعزو إلى الحافظ أبي القاسم مؤرخ الشام علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، وهو كما قال اليُونِينِيّ أصل سماعه، وقد سمع عليه غير مرة.
وهذا الأصل لم يذكر اليُونِينِيّ من أي الروايات هو، وقد ذكر ابن عساكر في «تاريخ دمشق» أحاديث رواها من طريق:
أبي عبد الله عن أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي وأبو سهل محمد بن أحمد الحفصي كلاهما عن محمد المكي الكشمهيني عن الفَرَبْريّ.
ومن طريق أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وأبي الوَقْت عبد الأول بن عيسى كلاهما عن الدّاوُدِيّ عن عبد الله بن أحمد حموية عن الفَرَبْريّ (1).
كما روي أيضا أحاديث من الصحيح عن أبي بكر خلف بن عطاء بن أبي عاصم الهَرَويّ النجار عن المليحي عن النُّعيمي عن الفَرَبْريّ (2)
(1)«تاريخ دمشق» 9/ 192، 16/ 13.
(2)
«تاريخ دمشق» 9/ 192، 16/ 13، وفي «سير أعلام النبلاء» 20/ 64 - 65 ترجمة الفضيلي ذكر الذَّهبي ابن عساكرَ فيمن روى عنه.
وعن أبي عبد الله الفراوي، عن سعيد بن محمد العيار، عن محمد بن عمر بن شَبُّويه، عن الفَرَبْريّ (1).
فهذه أربع روايات عن الفربري، ويبدو أن نسخة ابن عساكر التي وقف عليها اليونيني كانت تضم أكثر من رواية، لأني وجدت رموزًا تدل على نسخ أخري لابن عساكر، وذكرت هذه الرموز في رموز اليونيني في نسخته.
الأصل الخامس: أصل الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني المسموع على أبي الوَقْت بقراءته.
وهو أصل أصيل، وهو أحد سماعات دمشق وخراسان، وقد سمع على جماعة من الحفاظ وسمع بقراءة جماعة من الحفاظ.
عمل اليُونِينِيّ في التنسيق بين هذه الأصول:
سبق أن أشرنا إلى أن مراد اليُونِينِيّ الوصول إلى تحرير نص «الصحيح» ، وذلك بجمع أصح النسخ، والمقارنة بينها لفظةً لفظة، وذكر مواضع الاختلاف والاتفاق بين هذه النسخ.
ولذا ابتكر اليُونِينِيّ منهجًا فريدًا من نوعه لحكاية هذه النسخ وغيرها مما وقف عليه.
فهو وضع في الأصل نص سماعه من «الصحيح» ، الذي سبق الإشارة إليه وهو الأصل الأول فيما سبق، وبعد ذلك المتفق عليه بين جميع الروايات يكتب بلا رقوم، فإذا كانت هناك كلمة أو جملة غير موجودة في بعض النسخ، وهي في أصل سماعه وضع فوق هذه الكلمة أو الجملة أو الحركة ما يدل على حذفها عند هذه الروايات، ووضع لذلك رقومًا للدلالة على الحذف ورقومًا تدل على الروايات، وسأذكرها بالتفصيل فيما بعد.
(1)«تاريخ دمشق» 16/ 13.
وإذا كانت هناك زيادات في بعض الروايات، وليست في أصل سماعه، فإنه يذكرها في الحاشية، ويضع فوقها ما يدل على الرِّواية التي جاءت فيها.
ويلاحظ أن اليُونِينِيّ وضع رموزًا أصلية ورموزًا فرعية.
فالرموز الأصلية هي للأصول التي وقف عليها، وسبق وصفها. والرموز الفرعية هي للدلالة على الحذف والإثبات في روايات أبي ذر عن شيوخه الثلاثة.
كما وضع رموزًا للدلالة على الصحة كما وضع رموزًا لحكاية الوجهين معًا ورموزًا للتقديم والتأخير، ورموزًا لنسخ أخرى وقف عليها كانت موجودة في هوامش الأصول التي اعتمد عليهاٍ.
واشتمل حكاية الخلاف على كل كلمة أو جملة أو حركة حتى الكتب والأبواب زيادة ونقصًا، تقديمًا وتأخيرًا، كل ذلك في منهج فريد لم يسبق إليه.
واليُونِينِيّ رحمه الله تعالى لم يقصد من عمله هذا الترجيح بين هذه الروايات والخروج منها بصورة مختارة، وإنما كان قصده حكاية وجمع هذه الروايات كلها في مكان واحد، تيسيرًا على من أراد الانتفاع بها من العلماء، وإغناء له عن التنقيب عنها في مختلف المظان، وقد استطاع أن يحقق هذه الغاية على وجه الاختصار عندما استعان بالرموز وصنع من حروف الهجاء علامات يضعها على موضع الخلاف.
وبذلك حكى ألفاظ «الصحيح» ، وميزها كما وقعت عنده في الأصول الأربعة التي قابل عليها أصله وهو يسبق بذلك المستشرقين في تحقيق النصوص وضبطها.
فأيادي اليُونِينِيّ رحمه الله تعالى في حفظ روايات ونسخ «الصحيح» وارفة، لا يعرفها إلا من كابد النظر في الفروق بين النسخ، فصارت طوع يد أهل الحديث، تراها في صفحة واحدة ينهل منها كل من جاء بعده.
لكن العجب العجاب أنك تجد كثيرًا من المعاصرين الذين لا يقفون على جهود السابقين؛ قد خدعوا بأعمال المستشرقين، ووصفوهم بأنهم قادة العلماء في التحقيق والتدقيق، وعلى أيديهم اكتشف الناس ضبط النصوص وتحقيقها، دون الإشارة إلى سبق المسلمين في هذا الميدان، لا من زمن اليُونِينِيّ فحسب بل من قبله بمئات السنين، فهذا هشام بن عروة يروي عن أبيه أنه كان يقول: كتبت؟ فأقول نعم، فيقول: عرضت كتابك؟ قلت: لا، قال: لم تكتب، وغير ذلك من النقول كثير، وقد تكلمت عن عناية المحدثين بذلك في التمهيد فأغنى عن إعادته هنا.
رموز اليُونِينِيّ:
قد بالغ اليُونِينِيّ رحمه الله تعالى في ضبط ألفاظ وروايات «الصحيح» زيادة ونقصانا، تقديمًا وتأخيرًا، راقمًا عليه بما يدل على مراده، وبعد حصر هذه الرموز يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
أولًا: رموز أصلية تدل على الأصول التي اعتمد عليها وهي:
(هـ): علامة لأبي ذر الهَرَويّ، واختار له الهاء؛ لأنه غلب عليه النسبة إلى بلده.
(ص): علامة للأصيلي هكذا لأنه غلب عليه النسبة إلى بلده وهي أزيلة، فقلبت إلى الصاد وغلبت على الزاي فيقال: الأصيلي.
(س): علامة لابن عساكر الدمشقي.
(ظ): علامة لابن السَّمْعاني، واختار له الظاء لحفظه وإتقانه وتقدمه على أقرانه، فأخذ من الحفظ الظاء.
واختار لمشايخ أبي ذر الثلاثة رقومًا خاصة بكل واحد منهم منفردين ومجتمعين، فإذا ذكر رمز (هـ) هكذا فقط معناه اتفاق الثلاثة على ما رقم فوقه.
واختار لكل واحد منهم رَقْما خاصًّا به عند الانفراد وهي:
(حـ): للحموي السَّرْخَسي.
(سـ): للمستملي.
(هـ): للكشميهني.
أما رموز اجتماع اثنين منهم فهي:
(حهـ): للحموي والكُشْمِيهَني.
(حسـ): للحموي والمُسْتَمْلِيّ.
(سهـ): للمستملي والكُشْمِيهَني.
وهناك رموز أخرى مثل:
(لا): توجد قبل الرمز إشارة إلى سقوط الكلمة عند أصحاب الرمز.
إلى: توجد في آخر الجملة التي عليها (لا) إشارة إلى آخر الساقط عند صاحب الرمز (1).
(صحـ): إشارة إلى صحة الرواية في هذه الكلمة عند المرموز له، أو عند الحافظ اليُونِينِيّ عند عدم وجود رمز.
هذه هي الرموز التي ذكرها اليُونِينِيّ في مقدمته.
ثانيا: رموز أخرى موجودة في مقدمة الطبعة «السلطانية» .
وذكر المراد بها محققو النسخة «السلطانية» وقالوا: قد وجدنا في النسخ الصحيحة المعتمدة التي صححنا عليها هذا المطبوع رموزًا لأسماء الرُّواة.
فذكروا ما سبق من رموز وأضافوا إليها:
(1) وأحيانا يكرر لفظ (لا إلى) كما فصل في هامش 3، 7 في 1/ 54، وكما في 1/ 73 آخر كتاب: الحيض.
(ك): رمزًا لرِواية كريمة المَرْوَزيّة.
(ع): قالوا لعلها لابن السَّمْعاني.
(ج): لعلها للجرجاني.
(ق): لعلها للقابسي.
(ح)، (عط)، (صع): رموزًا لنسخ لم يعلم أصحابها.
(خـ) أو (ـخـ) أو (خ): إشارة إلى نسخة أخرى.
ثالثا: رموز وقفت عليها من خلال التتبع:
وهي كثيرة، وكررت كثيرًا، وسأكتفي بضرب أمثلة مع الإحالة إلى مواضع ذكرها في الطبعة «السلطانية»:
(معًا): إشارة إلى صحة الوجهين في كلمة معينة مثل كلمة:
البَكالي (1) وضعت على حرف الباء للدلالة على صحة الرواية في كسر الباء وفتحها.
ومشبّهات (2) وضعت على حرف الباء للإشارة إلى صحة الرواية في كسر الباء وفتحها.
وكلمة الوضوءُ (3) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في رفعها ونصبها.
الجنةِ (4) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في جرها ونصبها.
(1) 1/ 35 (ح 122) كتاب العلم، باب: ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم.
(2)
1/ 20 (52) كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه.
(3)
1/ 47 (180) كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
(4)
1/ 48 (184) كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل.
كَفة (1) وضعت على حرف الكاف للدلالة على صحة الرواية في ضم الكاف وفتحها.
والنبيَّ (2) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في رفعها ونصبها.
يغتسلْ (3) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في الرفع والجزم.
الغُسل (4) وضعت على حرف الغين للدلالة على صحة الرواية في فتح الغين وضمها.
غيرُ (5) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في الفتح والنصب.
مضطجعةٌ (6) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في الفتح والنصب.
ويضع فوق بعض رموز الرواة رموزًا أخرى مثل:
(هـ هـ)(هـ حـ)(هـ سـ)(هـ هسـ) لاختلاف النسخ عند أبي ذر عن مشايخه مجتمعين أو منفردين.
(صحـ): للدلالة على نسخة أخرى عند الأصيلي مثل (تَبِعَ)(7).
(1) 1/ 49 (191) باب من مضمض واستنشق.
(2)
1/ 55 (225) باب البول عند صاحبه.
(3)
1/ 57 (239) باب الماء الدائم.
(4)
1/ 59 كتاب الغسل، باب الوضوء قبل الغسل.
(5)
1/ 61 كتاب الغسل، باب هل يدخل الجنب يده في الإناء.
(6)
1/ 72 (323) كتاب الحيض، باب من أخذ ثياب الحيض.
(7)
هامش (19) 1/ 18 (47) كتاب: الإيمان، باب: اتباع الجنائز.
(س خ) أو (س خـ)(س هـ): نسخة أخرى لابن عساكر مثل كلمة (بشبع)(1) من قول أبي هريرة: (وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه) حيث رمز على كلمة: (بشبع) بما يدل على صحة الرواية عند أبي ذر الهروي عن مشايخه الثلاثة وابن عساكر وأبي الوقت والأصيلي بلفظ: (لشبع) ثم وضع الرمز السابق على لفظ: (ليشبع) أي بزيادة المثناة من تحت.
وينظر أيضًا: كلمات (تَبِع)(2)، و (الشهر)(3)، و (يحدثه)(4) فقد رمز فيها لنسخ أخرى عند ابن عساكر.
(خف): إشارة إلى أن الحرف الذي وضعت عليه مخفف، مثل حرف اللام من كلمة (سلام)(5) وهو شيخ البخاري محمد بن سلام، وحرف الياء في كلمة (بروميَة)(6)، وحرف اللام من كلمة (زلَفها)(7)، وحرف الياء في كلمة (الثُّديّ)(8) حيث أشار إلى أن الياء عند الأصيلي وأبي ذر عن مشايخه الثلاثة وكريمة عن الكشميهني بجعل الياء ألفًا مقصورة.
(1) ينظر هامش (4)، 1/ 35 (118) كتاب: العلم، باب: حفظ العلم.
(2)
هامش (19) 1/ 18 (47) كتاب: الإيمان، باب: اتباع الجنائز.
(3)
هامش (10) 1/ 20 (53) كتاب: الإيمان، باب: أداء الخمس من الإيمان.
(4)
هامش (11) 1/ 21 (59) كتاب: العلم، باب: من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه.
(5)
1/ 47 (181) كتاب: الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه.
(6)
1/ 10 (7) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي.
(7)
1/ 17 (41) كتاب: الإيمان، باب: حسن إسلام المرء.
(8)
هامش (29)، 1/ 13 (23) كتاب: الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.
(سقط): إشارة إلى سقوط الكلمة عند المرموز له، مثل كلمة (هذا)(1) حيث أشار إلى سقوط هذه الكلمة عند أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، (والبعير)(2) حيث أشار إلى سقوط هذه الكلمة عند الأصيلي، وأيضًا كلمة (أنه)(3) فهي ساقطة عند الأصيلي.
ومن الملاحظ أنه كثيرًا ما يستخدم هذه الكلمة في التعبير عن السقط، ويسخدمها في الأصل والحاشية، ولذلك أمثلة كثيرة.
(ساقط): إشارة أيضًا إلى سقوط الكلمة أو الجملة، مثل جملة (تقتله الفئة الباغية)(4)، حيث أشار لسقوط هذه الجملة عند أبي ذر عن مشايخه والأصيلي.
وقد يؤكد السقوط بأكثر من إشارة، كما فعل في المثال السابق حيث أشار إلى السقوط عند من سبق ذكرهم وجاء هكذا (لا ساقط هـ ص: إلى) ووضع هذه الرموز فوق الجملة السابقة.
وقد يعبر عن السقوط بقوله: (لاسقط) مثلًا عند كلمة (باب)(5)، للتعبير عن سقوط هذه اللفظة عند أبي ذر والأصيلي.
وأحيانًا يعبر عن الحذف برمز (ليس) قبل الرمز الدال على الرِّواية التي سقطت منها اللفظة أو الجملة، مثل (ليس ص:) كما في كلمة (بن عقبة)(6)،
(1) 1/ 78 (349) كتاب: الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء.
(2)
1/ 107 كتاب: الصلاة، باب: الصلاة إلى الراحلة.
(3)
1/ 127 (622) كتاب: الأذان، باب: الأذان قبل الفجر.
(4)
1/ 97 (447) كتاب: الصلاة، باب: التعاون في بناء المسجد
(5)
1/ 149 كتاب: الأذان، باب: الخشوع في الصلاة.
(6)
1/ 82 (368) كتاب: الصلاة، باب: ما يستر من العورة.
(بن شداد)(1).
ويضعه أيضًا فوق الرمز هكذا: (سـ لا): للدلالة على الحذف عند ابن عساكر كما في قوله: (سرًّا وعلانية)(2).
(م
…
م): إشارة إلى التقديم والتأخير عند المرموز له.
وقد يكون بين جمل مثل (قال ابن أبي مريم ..) و (قال علي بن عبد الله: حَدَّثَنا ..)(3) حيث أشار إلى تقديم الجملة الثانية على الأولى عند الأصيلي.
وقد يكون بين كلمات مثل: (مسجدًا) و (طهورًا)(4) حيث أشار إلى تقديم الكلمة الثانية على الأولى عند الأصيلي، و (خليلًا) و (من أمتي)(5) وتقديم الثانية على الأولى عند أبي ذر الهروي، و (أحدٌ) و (من أهل الأرض)(6) حيث أشار إلى تقديم الجملة الثانية على الكلمة الأولى عندأبي ذر والأصيلي وابن عساكر، و (لا ينبغي) و (هذا)(7) حيث أشار إلى تقديم الثانية على الأولى عند الأصيلي، و (من الصبح) و (ركعة)(8) حيث أشار إلى تقديم الكلمة الثانية على الأولى عند ابن عساكر، و (المنابذة)
(1) 1/ 85 (379) كتاب: الصلاة، باب: إذا أصاب ثوب المصلي امرأته.
(2)
1/ 122 (592) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت.
(3)
1/ 87 (393) كتاب: الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة.
(4)
1/ 95 (438) كتاب: الصلاة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدًا ..»
(5)
1/ 100 (466) كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد.
(6)
1/ 118 (569) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: النوم قبل العشاء.
(7)
1/ 84 (375) كتاب: الصلاة، باب: من صلى في فروج حرير.
(8)
1/ 120 (579) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من أدرك من الفجر ركعة.
و (الملامسة)(1) حيث أشار إلى تقديم الثانية على الأولى عند الأصيلي.
(قصر) للدلالة على أن الكلمة مقصورة، مثل وضعها على لفظ (الحيا)(2).
وقد يرمز لعدم ثبوت لفظة في أي نسخة من النسخ التي بين يديه وصورتها (لاخـ) كما جاء في حاشية حديث أبي جهيم: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ» (3) حيث وضع في الحاشية جملة (من الإثم) ووضع عليها هذه العلامة دلالة على عدم ثبوتها في أي نسخة، وهذا من دقته وشدة تحريه في إثبات ألفاظ «الصحيح» (4).
مصير النسخة «اليُونِينيّة» :
لا توجد اليوم أي إشارة عن وجود النسخة الأصلية لليونيني في أي مكتبة من مكتبات العالم. حسب علمي بعد استقراء وتتبع.
واليُونِينِيّ رحمه الله تعالى توفي بدمشق سنة (701) هـ، ولاشك أن نسخته كانت معه حتى وفاته، واستنسخ الناس منها في حياته نسخًا كثيرة، قابلوها بها وصححوها عليها وأسموها فروعًا إذ اعتبروا نسخة اليُونِينِيّ أصلًا، وقد كانت أصلًا وحجة.
قال القَسْطَلّانِيّ في مقدمة «إرشاد الساري» (5): ولقد وقفت على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل، فرأيت من أجلها الفرع الجليل الذي لعله
(1) 1/ 121 (584) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الصلاة بعد الفجر ..
(2)
1/ 13 (22) كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.
(3)
1/ 108 (510) كتاب: الصلاة، باب: إثم المار بين يدي المصلي.
(4)
وينظر الكلام على هذا الحديث في أسباب الاختلافات من الباب الثاني من هذه الرسالة.
(5)
1/ 141 طبعة (منحة الباري).
فاق أصله وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد الغزولي (1) وقف التنكزية بباب المحروق خارج القاهرة (2)، المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ غير مرة
…
إلخ. اهـ.
فهذا النص يتضمن ثلاثة فروع عن أصل اليُونِينِيّ فرع الغزولي،
(1) المولود سنة 697 هـ سمع من أبي الحسن ابن القيم ومن حسن بن عبد الكريم ومن العماد المقدسي توفي سنة 777 هـ.
وينظر ترجمته في: «ذيل التقييد» 1/ 46 (23)، و «الدرر الكامنة» 3/ 319 (859)، و «إنباء الغمر» 1/ 119 وفيات سنة 777 هـ.
(2)
هو أحد أبواب القاهرة القديمة: وكان للقاهرة من جهتها القبلية بابان متلاصقان، يقال لهما باب زويلة، ومن جهتها البحرية بابان متباعدان: أحدهما باب الفتوح، والآخر باب النصر.
ومن جهتها الشرقية ثلاثة أبواب متفرقة: أحدها: باب البرقية، والآخر الباب الجديد، والباب المحروق، ومن جهتها الغربية ثلاثة أبواب: باب القنطرة، وباب الفرج، وباب سعادة، وباب آخر يعرف بباب الخوخة ينظر:«الخطط» 2/ 77.
والباب المحروق كان يعرف قديمًا بباب القراطين، فلما زالت دولة بني أيوب واستقلّ بالمُلكِ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني، أول من ملك من المماليك بمملكة مصر في سنة خمسين وستمائة، كان حينئذ أكبر الأمراء البحرية - ممالك الملك الصالح نجم الدين أيوب - الفارس أقطاي الجمدار، وقد استفحل أمره وكثر أتباعه، ونافس المعز أيبك، وتزوج بابنة الملك المظفر، صاحب حماة، وبعث إلى المعز بأن ينزل من قلعة الجبل، ويخليها له حتى يسكنها بامرأته المذكورة.
فقلق المعز منه وأهمه شأنه ففتك به، وقتله وانتشر الصوت بقتله في البلد، وحاول أنصاره الخروج من مصر، متوجهين إلى الشام من باب القراطين هذا، وكان من عادة الأبواب أن تغلق، فألقوا عليه النار حتى سقط، فسمي بالمحروق من وقتها. ينظر «الخطط» 2/ 82 بتصرف يسير.
وفرعين آخرين وقف مدرسة الحاج.
ويذكر القَسْطَلّانِيّ أن أصل اليُونِينِيّ لم يكن بين يديه عندما قام بشرح «الصحيح» وإنما اعتمد في ألفاظ الصحيح على الفرع المنسوب للغزولي هذا.
ويذكر أنه وقف في يوم الإثنين ثالث عشر من جمادى الأولى سنة عشرة وتسعمائة بعد انتهائه من الشرح المذكور على المجلد الأخير من أصل اليُونِينِيّ وقابل ألفاظ شرحه عليه.
ثم قال بعد ذلك: إنه وُجد الجزء الأول من أصل اليُونِينِيّ يُنادى عليه للبيع بسوق الكتب، فعُرِفَ وأُحضر إليه فقابل عليه شرحه.
يقول: فكملت مقابلتي عليه جميعه حسب الطاقة.
ويدل نص القَسْطَلّانِيّ السابق ذكره على أن أصل اليُونِينِيّ يتكون من جزأين، وكان هذا الأصل موقوفًا بمدرسة آقبغا آص بسُويْقة العِزَّي خارج باب زويلة من القاهرة المعزية (1).
(1)(سويقة العزي) هذه السويقة خارج باب زويلة قريبًا من قلعة الجبل، كانت من جملة المقابر التي خارج القاهرة، فيما بين الباب الجديد والحارات وبركة الفيل، وبين الجبل الذي عليه الآن قلعة الجبل.
عرفت هذه السويقة بالأمير عز الدين أيبك العزي، نقيب الجيوش، وذلك في حدود سنة تسعين وستمائة، وهذه السويقة عامرة بعمارة ما حولها. «الخطط» للمقريزي 2/ 481
وقد كان بمدينة القاهرة ومصر وظواهرها من الأسواق شيء كثير جدًا، قد باد أكثرها وحولها حوانيت كثيرة.
وقد ذكر المقريزي في خططه كثيرًا منها. يراجع 2/ 459 وما بعدها.
وباب زويلة هو أحد الأبواب التي في سور القاهرة. ينظر في 2/ 77 من «الخطط» .
كما يفهم أيضًا أن آقبغا آص بذل فيه ما يقرب من عشرة آلاف دينار، وأنه رأى ذلك مكتوبًا على ظاهر بعض نسخ الصحيح الموثوق بها والموقوفة برواق الجبرت من الجامع الأزهر.
وكلام القَسْطَلّانِيّ يدل على أن الجزء الثاني من أصل اليُونِينِيّ كان موجودًا في مدرسة آقبغا آص حتى انتهائه من شرحه.
والجزء الأول منه فُقد من المدرسة بعد حصول آقبغا عليه نحو خمسين سنة إما بالسرقة، وإما بالعارية في معنى السرقة ثم وجد في عصر القَسْطَلّانِيّ.
ولم أقف بعد القَسْطَلّانِيّ المتوفى سنة (923) هـ فيما وقفت عليه من مصادر على ذكر لهذا الأصل (1)، وجاءت سنة (1311) من الهجرة النبوية في عصر السلطان عبد الحميد الثاني في الخلافة العثمانية وأمر بطبع
(1) إلا ما ذكره الأستاذ المنوني في مقاله: «صحيح البُخَارِيّ في الدرسات المغربية» [ص: 158] حيث يقول عن هذه النسخة: ويبدو أن موقوفات هذه المدرسة (يقصد المدرسة التي أشار إليها القَسْطَلّانِيّ فيما سبق) طرأ عليها تبديد في فترة لاحقة، فضاع منها الأصل اليُونِينِيّ بجملته إلى أن عثر عليه العالم المغربي محمد بن محمد بن سليمان السوسي الروداني ثم المكي، المتوفى بدمشق عام 1094 هـ / 1683 م، ومن حوزته انتقل إلى ملكية الشيخ محمد أكرم ابن محمد بن عبد الرحمن الهندي نزيل مكة المكرمة، ثم استعاره من هذا الأخير محدث الحجاز عبد الله بن سالم البصري فصار يسمع منه، ثم علق على ذلك في الحاشية قائلًا: ورد هذا خلال إجازة من عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الحاج إلى محمد بن موسى بن محمد بن الشيخ أبى عبد الله بن ناصر، وتقع أول مجموع خ. ع. ق 172.
ثم استطرد حديثه عن أصل اليُونِينِيّ قائلًا: وكان هو عمدته في نسخته - أي نسخة عبد الله بن سالم البصري آنفة الذكر - التي كتبها من «الجامع الصحيح» ومن هنا ينسدل الغموض على مصير أصل الشرف اليونيبي. اهـ.
«صحيح البُخارِيّ» على أصح نسخة وهي نسخة اليُونِينِيّ.
والمفهوم من تقرير الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر سنة (1313) هـ، المطبوع في مقدمة الطبعة «السلطانية» ، أن أصل اليُونِينِيّ محفوظ في الخزانة الملوكية بالأستانة العلية، وأنه أرسل إلى مشيخة الأزهر ليقوم العلماء المكلفون بالتصحيح والمقابلة بالاعتماد عليه.
قال الشيخ حسونة بعد أن تكلم عن أمر السلطان بطبع «صحيح البُخارِيّ» :
فأمر وأمره الموفق بأن يطبع في مطبعة مصر الأميرية، لما اشتهرت به من دقة التصحيح وجوده الحروف بين كل المطابع العربية، وبأن يكون طبع هذا الكتاب في هذه المطبعة على النسخة «اليُونِينيّة» ، المحفوظة في الخزانة الملوكية بالأستانة العلية لما هي معروفة به من الصحة
…
، وبأن يتولى قراءة المطبوع بعد تصحيحه في المطبعة جمع من أكابر علماء الأزهر الأعلام، الذين لهم في خدمة الحديث الشريف قدم راسخة بين الأنام
…
، ثم بعث دولته إلينا بالنسخة «اليُونِينيّة» والنسخ المطبوعة على يد صاحب السعادة عبد السلام باشا المويلحي للمقابلة عليها
…
ا. هـ.
ولكن بالنظر في نص المقدمة التي كتبها مصححو المطبعة، والموجودة في أول الطبعة «السلطانية» يوجد فيها بالنص:
وأن يعتمد في تصحيحه على نسخة شديدة الضبط، بالغة الصحة من فروع النسخة «اليُونِينيّة» المعول عليها في جميع روايات «صحيح البُخارِيّ» الشريف، وعلى نسخ أخرى خلافها شهيرة الصحة والضبط
…
إلخ.
فظاهر كلام الشيخ حسونة شيخ الأزهر يدل على أن الطبع كان بالمقابلة على النسخة الأصلية لليونيني، وظاهر كلام مصححي الطبعة «السلطانية» يدل على أن التصحيح كان على فرع من فروعها.
ولذلك لا نستطيع أن نجزم - كما قال الشيخ أحمد شاكر - بصحة أحدهما حتى يوجد الأصل الذي طبع عنه، وحتى نعرف مصير النسخة «اليُونِينيّة» .
وإذا كانت النسخة «اليُونِينيّة» قد جاءت إلى مصر للمقابلة فهل بقيت بعد التصحيح هنا في الأزهر أم أعيد الأصل إلى مقره في الخزانة الملوكية بالأستانة العلية؟ فالله أعلم.
ولقد بحثت عنها كثيرًا في المكتبة الأزهرية، ودار الكتب المصرية، ومكتبة معهد المخطوطات العربية، فلم أجد لها أي ذكر كما أني راجعت الكتب المعنية بذكر أماكن المخطوطات وفهارس المكتبات، وسألت كثيرًا ممن لهم عناية بتتبع أخبار المخطوطات، فلم أجد لها أثرًا، وأقرب الاحتمالات وجودها في مكتبات تركيا؛ فما زال الكثير من المخطوطات النادرة هناك لم يفهرس ولا يعرف عنه شيء.
هذا ما يتعلق بالأصل اليُونِينِيّ.
أما عن الفروع القديمة لهذا الأصل، فأول الفروع التي وقفت عليها هو الفرع الغزولي وهو الفرع الذي ذكره القَسْطَلّانِيّ في مقدمة «الإرشاد» يقول القَسْطَلّانِيّ:
ولقد وقفت على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل، فرأيت من أجلها الفرع الجليل الذي لعله فاق أصله، وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد المقريء الغزولي (1) وقف التنكزية بباب المحروق خارج القاهرة، المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ المذكور غير مرة، بحيث إنه لم يغادر منه شيئا - كما
(1) ترجمته في «الدرر الكامنة» 3/ 319 (859).
قيل - فلهذا اعتمدتُ في كتابة متن البُخارِيّ في شرحي هذا عليه، ورجعت في شكل جميع الحديث وضبطه إسنادًا ومتنًا إليه، ذاكرًا جميع ما فيه من الرويات، وما في حواشيه من الفوائد والمهمات. ا. هـ.
ففي هذا النص يذكر القَسْطَلّانِيّ أنه وقف على الفرع المنسوب للغزولي، وهو مقابل على فرع مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ.
وفرع الغزولي هذا لا يزال النصف الثاني منه موجودًا بدار الكتب المصرية في 177 ورقه بخط الغزولي نفسه، فرغ منه يوم الثلاثاء 12 جمادى الآخرة عام 735 هـ / 1335، وفي آخره سماعات لأفاضل من العلماء، كما جاء ذلك في فهرسة الكتب العربية الموجودة بالكتبخانة الخديوية (1) وهذا الفرع قد اعتمد عليه المصححون في الطبعة «السلطانية» ويسمونه بالفرع التنكزي (2).
2 -
ويوجد بدار الكتب أيضا فرع آخر من «اليُونِينيّة» في مجلد يشتمل على 301 ورقة بها خروم في أثنائها، كتبه - بخطه الشرقي - محمد بن إلياس بن عثمان المتصوف، وفرغ منه يوم الأحد 20 ربيع النبوي عام 748 هـ 1347 م. (3).
وهذا الفرع من أهم ما يميزه بالإضافة إلى كتابته بعد اليونيبي بفترة قليلة أنه مقابل على نسخ أخرى وهي:
1 -
مقابل بنسخة قوبلت على نسخة اليُونِينِيّ الأصل، وقابله عليها العلامة أحمد ابن محمد بن عبد الرحمن العسجدي.
2 -
قابله مرة أخرى العلامة أحمد بن على السبكي الشافعي في مدة آخرها رمضان عام (761) هـ معتمدًا على نسخة صححها جمال الدين المزي (742) وشمس الدين الذَّهبي (748) هـ ونسخة أخرى صححها تقي الدين علي السبكي، وعلاء الدين التركماني.
3 -
توجد عليه مجموعة من خطوط العلماء الأفاضل.
وهذا الفرع أيضا وقف عليه المصححون في الطبعة «السلطانية» (1).
3 -
وهناك الفرع الثالث الذي استمرت شهرته حتى يومنا هذا، وهو فرع إمام الصناعة عبد الله بن سالم بن محمد البصري ثم المكي (2) المتوفى سنة (1134) هـ (1722) م ونقل الكتاني عن محدث اليمن الوجيه عبد الرحمن بن سليمان الأهدل في كتاب «النفس اليمانى» أن نسخته صارت يرجع إليها من جميع الأقطار التي وجد فيها ما في «اليُونِينيّة» وزيادة وقد أخذ في تصحيحها وكتابتها نحوًا من عشرين سنة (3).
فنقل الكتاني نقلا عن السيد أزاد البلجرامي الهندي في «تسلية الفؤاد» لما ترجم للبصرى قال: والنسخة التي نسخها بيده الشريفة - يقصد نسخة «صحيح البُخارِيّ» - هي أصل الأصول للنسخ الشائعة في الآفاق، رأيتها عند مولانا محمد أسعد الحنفي المكي، من تلامذة الشيخ تاج الدين المكى ببلد أركات، كان أخذها الشيخ عن ولد المصنف بالاشتراء، فقلت للشيخ محمد أسعد: هذه النسخة المباركة حقها أن تكون في الحرمين ولا ينبغي أن تنقل منها إلى مواضع أخرى، لاسيما إلى الديار الشاسعة. فقال الشيخ:
(1) 4/ 193.
(2)
ينظر ترجمته في: «فهرس الفهارس» 1/ 193 وما بعدها.
(3)
«فهرس الفهارس» 1/ 198.
هذا الكلام حسن ولكن ما فارقتها لفرط محبتي لها، ثم أرسل الشيخ كتبه من أركات إلى أورنقاباد، وهي موجودة بها إلى الآن حفظها الله. ا. هـ (1)
ثم قال الكتاني عقب ذلك: قلت: رأيت في المدينة المنورة عند الحكيم المسند الشيخ طاهر سنبل نسخة عبد الله بن سالم البصري بخطه من الصحيح ثمانية، وهي في نهاية الصحة والمقابلة والضبط والخط الواضح، وأخبرني أنه أحضرها إلى الأستانة ليصحح عليها النسخة الأميرية التي طبعت هناك من «الصحيح» وفرقها السلطان عبد الحميد على المساجد والآفاق، وعليها ضبطت، ولا أدري من أين اتصلت بسلفه (2). ا. هـ.
وهذا الفرع قد اعتمد عليه مصححو هذه الطبعة، وقد جاء ذكرها في مواضع كثيرة (3)، وصرحوا فيها باسمه كما عبروا عنها أيضا بالفرع المكي (4).
بعض الملاحظات على «اليونينية»
توجد بعض الأبواب وأحاديثها ليست في «اليونينية» وهي في أصول أخرى للصحيح مثل ما جاء في كتاب البيوع (5).
ففيه: (باب: أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ببيع أرضيهم حين أجلاهم. فيه المقبري عن أبي هريرة.)
(1)«فهرس الفهارس» 1/ 198 - 199.
(2)
«فهرس الفهارس» 1/ 199.
(3)
منها مثلا 2/ 81، 94.
(4)
انظر مثلا: 1/ 11، 13، 29، 31، 38، 29، 2/ 43، 3/ 83، 89، 123 وغير كثير.
(5)
بعد حديث (2227) 3/ 83 هامش (1).
فهذا الباب وما فيه ذكره ابن حجر في الفتح (1) وأشار إلى أنه في رواية أبي ذر، وذكر التعليق الوارد فيه في كتابه «تغليق التعليق» (2).
وذكر الباب أيضًا والمعلق الذي فيه: ابن الملقن في شرحه (3)، ولم يذكره الكرماني في شرحه (4).
وقال مصححوا السلطانية في الموضع السابق: هذا الباب وما معه في بعض الأصول، وليس هو في «اليونينية» ، وهو ملحق في الفرع المكي ا. هـ.
ورقمه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي برقم (107).
كماسقطت جملةٌ من «اليونينية» وهي في كتاب: الاجارة، باب: ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب (5).
ففي الحاشية على قوله: (على إحياء العرب) قال المصححون: هذه الجملة مضروبٌ عليها في «اليونينية» وفرعها، وهي ثابتةٌ في أصولٍ كثيرةٍ، بل قال ابن حجر في الفتح: هي ثابتة عند الجميع (6) أ. هـ.
قلت (الباحث): وأسقطها ابن بطال في شرحه (7)، وذكرها ابن الملقن في روايته التي شرح عليها الصحيح (8) ثم قال: سقط في بعض النسخ من هذه الترجمة لفظ: (على إحياء العرب). ثم ذكر سبب سقوطها عند من أسقطها قائلاً:
(1) 4/ 418.
(2)
3/ 269.
(3)
14/ 575.
(4)
10/ 77
(5)
3/ 92 هامش (8).
(6)
«فتح الباري» 4/ 452.
(7)
6/ 404.
(8)
15/ 76 - 77.
لأن الحكم لا يختص به، وعلى إثباتها سببه أن الواقعة وقعت فيهم. ا. هـ.
ومن في الأمثلة التي خالفت فيها «اليونينية» كثيرًا من الأصول ما جاء في تصحيف جملة: (ويروى عن عمرو بن عوف)
وذلك في كتاب الحرث والمزارعة، باب: من أحيا أرضًا مواتًا (1) فقد جاء في «اليونينية» (ويروى عُمَرَ وابنِ عوف) وفي الحاشية كتب المصححون: كذا في الأصول التي بأيدينا، وقال القسطلاني: وفي بعض النسخ المعتمدة، وهي التي في الفرع وأصله:(عن عَمْرِو بن عوف). وصحح هذه الكرماني ا. هـ.
وقال ابن حجر: ووقع في بعض الروايات: (وقال عمر وابن عوف) على أن الواو عاطفة، وعمر بضم العين، وهو تصحيف ا. هـ (2).
وعند ابن بطال في شرحه (3)(ويروى عن عمر وابن عوف) بإثبات حرف العطف، وجاء عند ابن الملقن في روايته التي شرح عليها على الصواب (4) ثم قال: وحديث عمرو حديث محفوظ كما قال الجياني ثم ساق بسنده الجياني في «تقييد المهمل» (5) وذكر القاضي عياض أن رواية الجمهور بفتح العين في عمرو، ورواية الأصيلي بضم العين وفتح الواو للعطف.
ثم قال: والأول الصواب وهو عمرو بن عوف المزني اهـ (6).
وقال الجياني في «تقييد المهمل» بعد أن ساقه على الصواب بفتح
(1) 3/ 106 (2334).
(2)
«فتح الباري» 5/ 19.
(3)
6/ 473.
(4)
«التوضيح» 15/ 270 - 271.
(5)
2/ 621 - 622.
(6)
«مشارق الأنوار» 2/ 114.
العين: وقع في روايتنا عن أبي زيد وأبي أحمد: (ويُروى عن عُمرَ وابن عوف) وعند ابن السكن وأبي ذر: (عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم)(1).
ومما يجب التنبه له في هذا المثال السابق أن (عمرو بن عوف) الذي صحف إلى راوٍ آخر غيره هو عمرو بن عوف المرئي جد كثير بن عبد الله، وليس لعمرو بن عوف هذا في البخاري غير هذا الموضع مما يعطي أهمية كبيرة لتصويب هذا الموضع حيث جهل بذلك من رواة الصحيح. وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري (2).
ومن التصحيف في الأسماء وترتب عليه اختلاف الراوي ما جاء في تصحيف (أبو هارون) إلى (أبو هريرة) في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من كتاب: الجنائز، باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة (3) وفيه: (قال سفيان: وقال أبو هريرة وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان .... الخ.
كذا جاء في «اليونينية» (أبو هريرة) ورمز أنه كذا عند الأصيلي أيضًا، وفي الهامش رمز إلى أن في رواية أبي ذر الهروي مصححًا:(وقال أبو هارون) ا. هـ.
وقال ابن حجر في الفتح: قوله (قال سفيان: وقال أبو هارون .. الخ) كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثيرٍ من الروايات (وقال أبو هريرة) وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هارون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط، بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي، واسمه: إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل، وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان،
(1) 2/ 621 - 622.
(2)
ينظر «فتح الباري» 5/ 19.
(3)
2/ 92 (1350).
فسماه عيسى، ولفظه: حدثنا عيسى بن أبي موسى. فهذا هو المعتمد. ا. هـ (1).
القَسْطَلّانِيّ والنسخة «اليُونِينيّة» :
العلامة أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد القَسْطَلّانِيّ القاهري الشافعي (851 - 923) هـ
أحد من قاموا بشرح «صحيح البُخارِيّ» وله جهد كبير في ضبط ألفاظه ورواياته، وقد اعتمد في شرحه هذا على النسخة «اليُونِينيّة» مما جعله يحفظ كثيرًا من معالم هذه النسخة، وبعض نصوص المقابلات والسماعات التي كانت على النسخة الأصلية لليونيني، وقد عقدت فصلًا خاصًّا ببيان جهد القَسْطَلّانِيّ رحمه الله تعالى، وذكرت نماذج من عمله هذا مبرزًا فيها دوره في بيان اختلاف الروايات والنسخ.
وذلك في الفصل الثالث من هذا الباب.
ابن مالك والنسخة اليونينية:
ابن مالك هو جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجَيّانيّ الشافعي، نزيل دمشق، ولد سنة ستمائة، وسمع بدمشق، وتصدر بحلب لإقراء العربية، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين.
وكان إماما في القراءات وعللها، صنف فيها قصيدة دالية، وكان إمامًا في اللغة النحو والصرف، مطلعًا على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو، فكان أمرًا عجبًا، وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره.
وكان بجانب ذلك مطلعًا على الحديث عالمًا به، فكان أكثر ما يستشهد به من القرآن، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث، فإن لم
(1)«فتح الباري» 3/ 215.
يكن فيه شيء عدل إلى أشعار العرب.
هذا مع ما هو عليه من الدين والعبادة وكثرة النوافل وحسن السمت وكمال العقل.
روى عنه: ولده بدر الدين، وعلاء الدين ابن العطار، وأبو عبد الله الصيرفي، وغيرهم.
كانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وستمائة (1)
وابن مالك سبق بيان أنه سمع الصحيح من اليونيني في مجالس، ووجه الروايات في اللغة العربية وجمع ذلك في كتاب وسماه:«شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح»
وهذا الكتاب ضمن فيه بعض المباحث العربية التي بسط فيها الكلام على بعض المشكلات، التي كانت تمر عليه أثناء سماع «الصحيح» بحضرة جماعة من الفضلاء ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مرَّ بهم لفظ ذو إشكال، بين فيه الصواب وضبطه على مقتضى علمه بالعربية، وما افتقر إلى بسط عبارة وإقامة دلالة، أخَّره إلى هذا الجزء ليسوق له ما يحتاج إليه من نظير وشاهد؛ ليكون الانتفاع به عامًا والبيان تامًا.
وقد كتب ابن مالك هذا بخطه على ظاهر الورقة الأولى من المجلد الأخير من النسخة اليُونِينيّة كما حكاة الشهاب القَسْطَلّانِيّ في مقدمة «إرشاد الساري» والكتاب مقسم إلى مباحث بلغت واحدًا وسبعين مبحثًا. وبعض المباحث كانت تتضمن عدة مطالب، والعمدة عنده في المبحث هو الاستشهاد بالكلمة أو الجملة من الحديث كما جاءت وصحت الرِّواية عند
(1) ينظر في ترجمته: «تاريخ الإسلام» 50/ 108 (83)، و «توضيح المشتبه» 2/ 149 «فوات الوفيات» 3/ 407 - 409 (472)، و «شذرات الذهب» 5/ 295.
البُخارِيّ، وبعد ذلك يقرر القاعدة، ثم يأتي لها بنظائر من القرآن الكريم واللغة والشعر.
فمثلا جعل أول مبحث في الكلام على قول ورقة بن نوفل: (يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ). فقال: المبحث الأول في (يَا لَيْتَنِي) وفي استعمال (إذ) مكان (إذا) وبالعكس وفي تركيب: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟)(1).
وفي هذا الموضع عند اليُونِينِيّ جاءت كل الروايات بحذف (يا) وصح من رِواية الأصيلي إثباتها (2). فوجه ابن مالك كلتا الروايتين، وبين أنها ليست ياء النداء، وإنما الأقوى عنده أنها (يا) للتنبيه. ثم بسط القول في ذلك.
ومن الأمثلة أيضًا:
ما ذكره في المبحث العاشر في ترك تنوين ثماني، وجعل فيه مطلبًا في حذف تنوين (منع وهات) الوارد في الحديث، ثم ذكر قول أبي برزة رضي الله عنه (3): غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ ثَمَانِي. ثم ذكر أوجه ذكر ثماني بدون تنوين.
قلت (الباحث): قد جاءت الرِّواية وصحت عند اليُونِينِيّ عند جمهور الرُّواة: (أو ثمان) وفي الحاشية مصححًا علية من رِواية أبى ذر الهَرَويّ عن شيخيه المُسْتَمْلِيّ والحَمُّوييّ: (أو ثماني) وفي نسخة أخرى عن أبى ذر غير معلومة: (ثمانيًا).
(1)«شواهد التوضيح» ص: 4. والحديث في الصحيح كتاب: بدء الوحي، حديث (3) 1/ 7.
(2)
ينظر 1/ 7.
(3)
2/ 64 - 65 (1211) كتاب: العمل في الصلاة، باب: إذا انفلتت الدابة في الصلاة.
فقد جاء فيها ثلاثة أوجه من الرِّواية: ثمان، ثماني، ثمانيًا، فبدأ ابن مالك يوجه الثلاثة أوجه من ناحية العربية، مستدلًا على كل ما يقول بالشواهد من القرآن والحديث والشعر والقواعد العربية
…
إلخ (1).
(1)«شواهد التوضيح» ص: 47، والحديث في الصحيح كتاب: العمل في الصلاة، باب: إذا انفلتت الدابة حديث (1211) 2/ 64 - 65.
وكتاب «شواهد التوضيح» مطبوع متداول من مصورات دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بتحقيق وتعليق الشيخ محمد فؤاد بعد الباقي. وذكر في آخر الكتاب أن هذه الطبعة طبعت عن الطبعة الأولى المطبوعة ببلدة إله آباد الهندية عام 1319 هـ وقد طبعت هذه عن نسخة عتيقة كتبت في سنة 701 هـ.
كما توجد له طبعة أخرى بتحقيق الدكتور طه محسن، من مطبوعات مكتبة ابن تيمية في طبعتين: الأولى في سنة 1405 هـ، والثانية في سنة 1413 هـ.