الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن بعده إلى يومنا هذا.
3 - ومن الأسباب التي تعود إلى العوامل البشرية:
أولًا: التصحيف والتحريف
وهما من الأمور الطارئة التي تقع في الحديث سندًا ومتنًا عند بعض الرُّواة، وهو من الأمور المؤدية للاختلاف بين الرُّوايات في الحديث.
وأبدأ بمعناه اللغوي ثم أتبعه بمعناه الاصطلاحي عند المحدثين.
قال أبو أحمد العسكري في كتابه: «شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف» (1): فأما معنى قولهم: (الصحفي) و (التصحيف) فقد قال الخليل بن أحمد: إن الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف بأشباه الحروف.
وقال غيره: أصل هذا أن قومًا كانوا أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه التغيير، فيقال عنده: قد صحفوا، أي: رددوه عن الصحف، وهم مُصَحِّفوِن، والمصدر التصحيف ا. هـ.
وقال ابن منظور: والمُصَحِّفُ والصحفي الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف، مولدة .. والتصحيف: الخطأ في الصحيفة (2).
وقال الفيومي: والتصحيف: تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد من الموضع، وأصله: الخطأ، يقال: صحفه فتصحف، أي: غيَّره فتغير حتى التبس (3).
(1) 1/ 13، وكتابه أيضًا «تصحيفات المحدثين» 1/ 22.
(2)
«لسان العرب» 4/ 2405 مادة: صحف.
(3)
«المصباح المنير» ص: 274 مادة: ص: ح ف.
وقال الجُرْجانيّ في «التعريفات» (1): التصحيف: أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراد كاتبه، أو على (2) ما اصطلحوا عليه. ا. هـ.
ومن الملاحظ على هذه التعريفات أنها تختص بنوع واحد من أنواع التصحيف، وهو تصحيف البصر، وبعضهم خصَّه بما يترتب عليه تغير المعنى، ولا شك أن التصحيف أعم من ذلك.
أما التحريف: فقد قال ابن منظور: وتحريف الكلم عن مواضعه: تغييره، والتحريف في القرآن والكلمة: تغيير الحرف عن معناه، والكلمة عن معناها، وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير التوراة بالأشباه، فوصفهم الله تعالى بفعلهم فقال:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ} [سورة النساء آية: 46](3).
وقال الجُرْجانيّ: التحريف: تغيير اللفظ دون المعنى (4).
ومن الملاحظ أن القدامى من المحدثين لم يعتنوا بتعريف التصحيف والتحريف أكثر من اعتنائهم بسرد أمثلة كثيرة من التصحيفات الواقعة في المتون والأسانيد تحذيرًا من الوقوع فيها، وبيان وجه الصواب فيها.
كما أنهم لم يفرقوا بين التصحيف والتحريف، وإن كانت كلمة التصحيف أكثر استعمالًا عندهم؛ لأنها المصطلح الذي اختص به أهل الحديث وتولد في أحضانهم.
بل إن بعضهم كان يستعمل كلمة التصحيف بدلًا من التحريف
(1) ص: 59
(2)
قلت (الباحث) كذا ورد في الأصل المطبوع، والجادة أن يزاد فيها لفظة:(خلاف) مثل الجملة الأولى المعطوف عليها قبلها.
(3)
«لسان العرب» 2/ 839 مادة: حرّف.
(4)
«التعريفات» ص: 53
والعكس.
حتى جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852) هـ وعرف التصحيف والتحريف وفرق بينهما.
قال ابن حجر في «نزهة النظر شرح نخبة الفكر» :
إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمُصَحَّف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمُحرَّف (1). ا. هـ.
يشير هذا التعريف الذي وضعه الحافظ ابن حجر إلى أن التصحيف هو تغيير الحرف أو الحروف الناتج عن تغيير النقط في الحروف المتماثلة في الرسم مثل: (الباء والتاء والثاء والياء والنون)، و (الجيم والحاء والخاء) و (الدال والذال) و (الراء والزاي)، و (السين والشين)، و (الصاد والضاد)، و (الطاء والظاء)، (والعين والغين) و (الفاء والقاف).
فهذه الحروف متماثلة في الرسم لا يميزها عن بعضها إلا النقط.
وأما معنى التحريف عند ابن حجر فمرده إلى التغيير في الحرف أو الحروف الناتج عن التشابه في شكل الحروف كالدال والراء والذال واللام والميم والعين .. إلى آخره.
وهذا التعريف الذي وضعه الحافظ ابن حجر للتصحيف والتحريف مفرقًا بينهما بما سبق، مما انفرد به، ونظرًا لمنزلته ومكانته، فإن من جاء بعده نقل عنه هذا التعريف، حتى اشتهر وانتشر بين المحدثين.
والناظر في أقوال المحدثين القدامى قبل ابن حجر يجد أنهم لا يفرقون بين التصحيف والتحريف كما قال ابن حجر، وإنما اعتبروا أي
(1) ص: 69.
تغيير في صورة الكلمة يعد عندهم تصحيفًا.
قال الشافعي رحمه الله (204) هـ كما نقله عنه الحاكم بإسناده في «معرفة علوم الحديث» : صحف مالك في عمر بن عثمان، وإنما هو عمرو بن عثمان، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب (1). ا. هـ.
فقد أطلق الشافعي لفظ التصحيف على ما لا يتعلق بنقط الحروف.
وكذلك فعل الإمام أحمد بن حنبل (241) هـ فقد روى من طريقه عن محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة بن مالك بن عرفطة .... قال: صحف شعبة فيه رحمه الله وإنما هو خالد بن علقمة (2).
يقصد في قوله: عن مالك بن عرفطة.
وأطلق الخطابي (388) هـ التصحيف على سقط بعض الحروف كما في كتابه «إصلاح غلط المحدثين» حيث قال في كلمة حيري الدهر: يصحفون فيه فيقولون: حير الدهر (3).
وكذلك الحاكم في كثير من الأمثلة يطلق لفظ التصحيف على ما ليس بتغيير في النقط كما قال في «معرفة علوم الحديث» : ذِكْر (الوجه) تصحيف من الرُّواة لاجتماع الثقات والأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على
(1) ص: 444 (393) في الفرع الخامس والثلاثين. وتعقبه الحاكم قائلا: قوله رحمه الله في عبد العزيز وَهْمٌ فإنه عبد العزيز بن قرير بلا شك وليس بعبد الملك بن قُريب فإن مالك بن أنس، لا يروي عن الأصمعي، وعبد العزيز هذا قد روى عنه غير مالك. ا. هـ «معرفه علوم الحديث» ص:445.
(2)
«معرفة علوم الحديث» للحاكم ص: 441 (388)
(3)
ص: 42
روايته عنه: «ولا تغطوا رأسه» وهو المحفوظ (1). اهـ.
وكذا قال: صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية، ولم يتابع عليه، والحديث عند يحيى بن سعيد وغندر والناس: عن شعبة عن قتادة، عن أبي أيوب العتكي، عن جويرية بنت الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. (2) اهـ.
فقد أطلق على تغيير كلمة (الوجه) بدلًا من (الرأس) تصحيفًا، كما ذكر أن تغيير صفية بنت حُيي بدلًا من جويرية بنت الحارث تصحيف، وهذا لا يطلق على ما اصطلح عليه ابن حجر في تعريف التصحيف أو التحريف.
وأيضًا أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ فقد ذكر في «معرفة الصحابة» في ترجمة: كريم بن جزيء قال: كريم بن جزيء أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن خشاش الأرض، وهو وهم وتصحيف إنما هو خزيمة بن جزيء (3).
وابن عبد البر (463) هـ في «التمهيد» أطلق التصحيف على التغيير بغير النقط، قال في عبد الرحمن الصنابحي: وزهير بن محمد لا يحتج به إذا خالفه غيره، وقد صحف فجعل كنيته اسمه وكذلك فعل كل من قال فيه: عبد الله لأنه أبو عبد الله، وقد قال فيه الصلت بن بهرام عن الحارث بن وهب: عن أبي عبد الرحمن الصنابحي، فهذا صحَّف أيضًا فجعل اسمه كنيته، وكل هذا خطأ وتصحيف (4) اهـ.
وكذا القاضي عِياض (544) هـ قال في «المشارق» في قوله: (وأخذ بأذني اليمنى يفتلها) وقع في كتاب الأصيلى: (بيدي اليمنى) وهو
(1) ص: 438 (385)
(2)
ص: 449 (397).
(3)
5/ 2412 (2552).
(4)
4/ 3.
تصحيف (1). اهـ.
وقال في قوله: (لو غير أَكَّارٍ قتلني) بفتح الهمزة وتشديد الكاف، هو الحفار والحراث .. وجاء في بعض روايات مسلم:(لو غيرك كان قتلني) وهو تصحيف وخطأ (2). اهـ.
وكذا جاء عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح (643) هـ والحافظ أبي الحجاج المزي (742) هـ، والحافظ أبى عبد الله الذَّهبي (748) هـ حتى الحافظ ابن حجر العسقلاني نفسه، قد جاء عنه كثير من الأمثلة التي تدل على عدم التزامه بما عَرَّف به التصحيف والتحريف (3).
ويردُّ على الحافظ ابن حجر أيضًا تلك التقسيمات الواردة عن المحدثين بشأن التصحيف، حيث قسموه إلى: تصحيف البصر، وتصحيف السمع، وتصحيف اللفظ، وتصحيف المعنى .. إلخ.
ولذا نجد الحافظ زين الدين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر قال: وقد أطلق من صنف في التصحيفِ التصحيفَ على ما لا تشتبه حروفه بغيره، وإنما أخطأ فيه راويه، أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه (4).
فقد تأكد بعد كل ذلك أن المحدثين توسعوا في استعمال التصحيف إلى أعمَّ مما قيده به الحافظ ابن حجر، ولذلك ما أشمل وأجمل التعريف الذي ذكره الحافظ السخاوي في «فتح المغيث» ، وتابعه عليه الصنعاني في كتابه «توضيح الأفكار» (5) بأنه تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى
(1) 1/ 78.
(2)
1/ 91.
(3)
ينظر: «التصحيف وأثره في الحديث والفقه» لجمال إسطيري ص: 30 - 37.
(4)
«التبصرة والتذكرة» 2/ 298 - 299.
(5)
2/ 419.
غيرها (1)!
ويدخل في الكلمة أسماء الرُّواة سواء كانت مفردة أم مركبة، كما يدخل في ذلك أيضًا المتون، وإذا كان اصطلاح المحدثين كذلك فقد سرت على هذا التعريف وهو عموم إطلاقه على تغيير الهيئة والله أعلم.
أهمية الاحتراز عن التصحيف والتحريف:
لقد حذر الحفاظ من خطر التصحيف والتحريف وأكدوا على ضرورة أخذ العلم عن أهله المتقنين له تلقيًا ومشافهةً، ومنعوا من أخذه عن الصحف وأهلها.
يقول سعيد بن عبد العزيز التنوخي - أحد الثقات الأثبات -: لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي (2).
وقال سليمان بن موسى: لا تأخذوا الحديث عن الصحفيين ولا تقرءوا القرآن على المصُحفيينَ (3).
وقال يحيى بن معين: من حدث، وهو لا يفرق بين الخطأ والصواب فليس بأهل أن يحمل عنه (4).
وكان الحفاظ يتشددون في أمر التصحيف والتحريف فلا يأخذون من مُصحِّف. قال مجاهد. قلت لحماد بن عمرو: أخرج إلى كتاب خُصيف
(1)«فتح المغيث» 3/ 72.
(2)
«الجرح والتعديل» 1/ 31، «تصحيفات المحدثين» 1/ 7، «شرح ما يقع فيه التصحيف» ص:13.
(3)
«الجرح والتعديل» 1/ 31، «تصحيفات المحدثين» 1/ 6، «شرح ما يقع فيه التصحيف» ص: 10
(4)
«شرح ما يقع فيه التصحيف» ص: 17.
فأخرج إلى كتاب حُصين، فإذا هو ليس يفصل بين خُصيف وحُصين فتركته (1).
ومن أجل الإتقان في الحفظ وصيانة الرِّواية من الإخلال والخلل حرص طلبة الحديث على ملازمة الشيوخ والسماع منهم سماعًا شفهيًّا.
كما كانوا يحرصون على قراءة الحديث من أصولهم على شيوخهم من أجل ضبطها، وهو العرض والمقابلة، ولذا كانت كريمة المروزية لا تجيز الرِّواية من نسختها إلا بعد العرض والمقابلة، كما سبق ذكر ذلك في روايتها، وقد ذكرت في التمهيد ما يدل على العناية التامة من المحدثين بكتبهم وطرقهم في ذلك، للاحتراز عن وقوع خلل في الروايات وغير ذلك.
أقسام التصحيف:
لقد قُسم التصحيف بأكثرَ من اعتبار، فقد قسمه المحدثون إلى: تصحيف في الإسناد، وتصحيف في المتن، وقسمه العلماء أيضًا إلى: تصحيف البصر، وتصحيف السمع، قُسم أيضًا إلى تصحيف المعنى وتصحيف اللفظ.
ويمكن القول أن التقسيم الأول باعتبار موضع التصحيف وهو السند أو المتن، والتقسيم الثاني باعتبار سبب التصحيف وهو السمع أو البصر، والتقسيم الثالث باعتبار الأثر المترتب على التصحيف، وإليك تعريف هذه الأقسام بإيجاز.
1 -
تصحيف الإسناد: هو التغيير أو التبديل الذي يقع في أسماء الرُّواة، ووقوع التصحيف في أسماء الرُّواة أكثر من وقوعه في ألفاظ المتن،
(1)«تاريخ بغداد» 8/ 154.
وله صور متعددة فقد يُصحف راوٍ من رواه السند بما يترتب عليه اختلاف الراوي، وقد يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفًا، كما قد يقع التصحيف في اسم الراوي أو اسم أبيه أو النسبة أو الكنية وغير ذلك.
ولا يقتصر التصحيف على أسماء الرُّواة فقد يقع التصحيف في صيغ الأداء كأن تصحف كلمة (حَدَّثَنا) إلى (أَخْبَرَنا)، خاصة عند استخدام الرموز في التعبير عن صيغ الأداء، وطرق التحمل، وقد يؤدى هذا النوع من التصحيف إلى الجمع بين راويين أو التفريق بين راوٍ وأبيه مثلًا، كأن تصحف كلمة (عن) إلى (ابن) أو العكس وسيأتي أمثلة على ذلك إن شاء الله تعالى.
2 -
أما تصحيف المتن: فهو التغيير الذي يحصل في ألفاظ الأحاديث النبوية، أو أقوال الصحابة، أو فتاوى التابعين، كما يشتمل أيضًا في «الصحيح» على ما هو أعمُّ من ذلك، فيشمل الأبواب، والكتب، والمعلقات، والآيات القرآنية الواردة في «صحيح البُخارِيّ» .
ومن هذه التصحيفات ما يترتب عليها تغيير للمعنى ويجعله على خلاف المراد منه، ومنها ما لا يؤثر في المعنى وإن أثر في اللفظ، وسيأتي أمثلة لذلك.
3 -
وتصحيف البصر: هو التغيير الذي يقع للراوي إذا حفظ الكتاب أو حدث منه، وحصل له أشتباه بين بعض الحروف لتقارب رسمها، فيقرأ الكلمة ويحدث بها على غير وجهها الصحيح.
وهو يشمل الإسناد والمتن وغير ذلك من النصوص، وهذا النوع قد يكون سببه التقارب بين رسم الكلمتين مثل (سعيد)(وشعبة) ومثل التقارب بين (سفيان) وبين (شقيق) وخاصة أن المد قد يحذف في كلمة (سفيان).
وقد يكون سببه التقارب بين رسم الحروف نفسها والاعتماد في التمييز بينها على النقط، مثل حروف الباء والتاء والثاء وغير ذلك مما سبق ذكره.
ومما يساعد على انتشار هذا النوع أن الأصول كانت مكتوبة باليد، فلم تكن هناك آلات للطبع تميز بين العين والفاء مثلًا وسيأتي أمثلة وقعت في «الصحيح» من هذا النوع.
4 -
وأما تصحيف السمع: فهو كما قال العراقي: أن يكون الاسم، واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر ولقبه، أو اسم آخر واسم أبيه والحروف مختلفة شكلًا ونطقًا، فيشتبه على السمع، كأن يكون الحديث عن عاصم الأحول، فيجعله بعضهم عن واصل الأحدب فقد ذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع وكذا عكسه (1). اهـ
ويكون هذا النوع في الإسناد، وقد يكون في المتن.
5 -
وتصحيف اللفظ: هو التغيير الذي يقع في أسماء الرُّواة، وفي متون الأحاديث، أو غير ذلك بسبب الخطأ الذي يقع في شكل الكلمات أو إعرابها، أو في نقط الحروف أو تغييرها، وليس راجعًا إلى الفهم الخطأ الذي يتبادر إلى ذهن الراوي، ومن هذا النوع ما يكون مغيرًا للمعنى بعد التصحيف.
كما قد يطلق هذا النوع على ما وقع فيه التغيير ولا يؤثر على المعنى، وهو عكس النوع الآتي.
وهذا النوع يشمل أيضًا الأسانيد والمتون وغير ذلك.
6 -
وتصحيف المعنى: هو التغيير الذي يقع في الأسماء أو الرُّواة أو
(1)«التبصرة والتذكرة» 2/ 299
الألفاظ أو غير ذلك مما يكون سببه الفهم الخطأ عند الراوي، مما ينتج عنه تغير المعنى، وقد يكون اللفظ واحدًا.
فالعمدة فيه تغيير المعنى بخلاف الذي قبله، فالعمدة فيه على تغير اللفظ، ومثاله ما ذكره العراقي عن الدارقطني أن أبا موسى محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزَّمِن أحد شيوخ الأئمة الستة، وهو المراد في قولي: إمام عنزة - قال يومًا: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، قد صلى صلى الله عليه وسلم إلينا، يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة، فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة هنا الحربة تنصب بين يديه (1). اهـ.
وللتصحيف أسبابٌ كثيرةٌ، ومعظمها يشترك مع أسباب الاختلاف في الروايات.
وإنما توسعت في تعريف التصحيف وبيان أقسامه؛ لأنه من أهم الأسباب التي توقع كثيرًا من الاختلافات بين روايات «الصحيح» ، ويشمل كل صور الاختلافات، فهو يشمل الأسانيد والمتون، كما يشمل الكتب والأبواب.
ولأهمية هذا الباب فقد عده العلماء من المباحث الأساسية في علوم الحديث حتى إن الحاكم رحمه الله تعالى قد عده بقسميه نوعين منفصلين، حيث ذكر في النوع الرابع والثلاثين من علوم الحديث معرفة التصحيفات في المتون.
وجعل النوع الخامس والثلاثين: معرفَة التصحيفات في الأسانيد، وكذا كل من أتى بعده اعتبر التصحيف نوعًا من أنواع علوم الحديث، وهو فن جليل لا يقوم به إلا الحذاق من الرُّواة والعلماء.
أمثلة من الاختلافات بين الرُّواة وسببها التصحيف:
(1)«التبصرة والتذكرة» 2/ 300 - 301.
1 -
جعل (شعبة) بدلًا من (سعيد).
جاء في «الصحيح» في كتاب: الغسل، باب: الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره (1) قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
قال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» بعد أن ساق الحديث كما جاء عند اليُونِينِيّ (2): وفي نسخة أبى محمد الأصيلي، عن أبي أحمد:(يزيد بن زريع حَدَّثَنا شعبة) جعل شعبة بن الحجاج بدل سعيد بن أبي عَروُبة وقال الأَصيلى: في عَرْضتنا بمكة على أبي زيد: سعيد: - يعني: ابن أبى عروبة - وكذلك رواه أبو علي ابن السكن وغيره من رواة الفَرَبْريّ، وهو الصواب. اهـ.
قلت: (الباحث): وهذا الحديث أورده البُخارِيّ أيضًا معلقًا عقب حديث هشام عن قتادة عن أنس. في كتاب: الغسل، باب: إذا جامع ثم عاد (3).
ثم أسنده هنا في هذا الموضع من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
وفي كلا الموضعين عند جمهور الرُّواة: (سعيد) - أي: ابن أبي عروبة - وعند الأصيلى عن الجُرْجانيّ: (شعبة).
قال ابن حجر في «تغليق التعليق» : وقد رواه أحمد بن حنبل في
(1) 1/ 65 (284).
(2)
2/ 579.
(3)
1/ 62 (268).
«مسنده» عن عبد العزيز العَمِّي، عن شعبة، عن قتادة، والله أعلم (1). اهـ.
وقد راجعت المطبوع من «المسند» فإذا فيه: (سعيد) على الصواب (2) فلعله في نسخة ابن حجر، ولم يقف عليها محققو هذه الطبعة من «المسند» ولم أقف على من ذكر الحديث عن شعبة، بل جاء الحديث عند النسائي (3) وابن حبان والبيهقي مثل رِواية الجمهور عند البُخارِيّ، فكلهم تابعوا البُخارِيّ من طريق يزيد بن زريع عن سعيد، عن قتاده به مثله (4) وهذا ما يؤيد رِواية الجمهور إلا أن الحديث في مسلم عن شعبة عن هشام بن زيد عن أنس به (5) ولعل هذا سبب التحريف أن للحديث أصلًا عن شعبة. والله أعلم.
وهذا النوع من التصحيف ترتب عليه تغيير الراوي وسببه تصحيف البصر، ويمكن معرفة وجه الصواب فيه عن طريق الترجيح بين الروايات، وتخريج الحديث.
2 -
ومن أمثلة هذا النوع أيضًا وهو تصحيف البصر الذي ينتج عنه اختلاف الراوي:
ما جاء في الحديث الذي رواه البُخارِيّ في كتاب بدء الخلق، باب
(1) 2/ 158، وكذا «الفتح» 1/ 378 في حديث (268).
(2)
3/ 166 (12701) طبع مؤسسة الرسالة.
(3)
6/ 53 - 54 كتاب: النكاح، باب: ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهًا لفضيلته.
(4)
«صحيح ابن حبان» 1209 والبيهقي 7/ 54.
(5)
«مسلم» (309)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب.
ذكر الملائكة (1) قال: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا ابْنُ شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ والأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذا كانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كانَ عَلَى كُلِّ بابٍ مِنْ أَبْوابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ،
…
». الحديث.
فعند جمهور الرُّواة عن البُخارِيّ هكذا: ابن شهاب عن أبي سلمة والأغر - بالمعجمة والراء والثقيلة - عن أبي هريرة. ووقع في رِواية الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ وحده: (والأعرج). بالعين المهملة الساكنة وآخره جيم.
والأول أرجح، فإن الحديث مشهور من رِواية الأغر، وهو سلمان أبو عبد الله المديني، فقد ذكره مسلم من طريق يونس بن يزيد الأيلي (2) والنسائي في «المجتبى» (3) من حديث معمر كلاهما عن الزهري قال: أخبرني أبو عبد الله الأغَرُّ أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه فذكره.
وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (4): ويروى - أيضًا - من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال ابن السكن: ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد أبي عبد الله الأَغر. فصح بهذا كله أن الحديث حديث الأغر، لا حديث الأعرج. اهـ.
وعقب على الجَيّانيّ ابنُ حجر في «الفتح» قائلًا: قلت: بل ورد من رِواية الأعرج أيضًا، أخرجه النسائي من طريق عقيل ومن طريق عمرو بن الحارث، كلاهما عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة (5).
(1) 4/ 111 - 112 (3211)
(2)
كتاب الجمعة، باب: فضل التهجير يوم الجمعة (850).
(3)
كتاب الجمعة، باب: التبكير إلى الجمعة 3/ 97 - 98.
(4)
2/ 647.
(5)
«السنن الكبرى» كتاب الجمعة، باب: قعود الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد. 1/ 254 (1689).
فظهر أن الزهري حمله عن جماعة، وكان تارة يفرده عن بعضهم، وتارة يذكره عن اثنين منهم، وتارة عن ثلاثة. والله أعلم (1) اهـ.
3 -
ومن هذا النوع تصحيف (هشام) إلى (همام): كما جاء في كتاب النكاح، باب: يَقِلُّ الرجال ويكثُرُ النساء (2) قال: حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ مِنْ أَشْراطِ السّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجالُ، وَيَكْثُرَ النِّساءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْراةً الْقَيِّمُ الْواحِدُ» .
كذا جاء الحديث عند جمهور الرُّواة، وفي نسخة أبي محمد الأصيلى - كما عند الجَيّانيّ - عن أبي أحمد الحَمُّوييّ: حَدَّثَنا حفص بن عمر، نا همام، عن قتادة، عن أنس. وكتب أبو محمد في حاشية كتابه: في كتب بعض أصحابنا عن أبي زيد: هشام وما أراه إلا صحيحًا (3).
وقال ابن حجر في «الفتح» (4): قوله: (حَدَّثَنا هشام) هو الدستوائي كذا للأكثر، ووقع في رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (5):(همام) والأول أولى، وهمام وهشام كلاهما من شيوخ حفص بن عمر المذكور، وهو الحوضي. اهـ.
(1) 6/ 309 - 310
(2)
7/ 37 (5231).
(3)
«تقييد المهمل» 2/ 712.
(4)
9/ 330.
(5)
كذا ذكر الحافظ أن الرواية المصحفة منسوبة لأبي أحمد الجرجاني بينما ذكر الجياني أنها لأبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد الحمويي.
وقال أبو علي الجَيّانيّ (1): وهكذا رواه أبو علي بن السكن (2) وأبو ذر، عن مشايخه الثلاثة، وكذلك في نسخة عن النَّسفي، وهو المحفوظ. اهـ.
ومما يدل على أن الحديث محفوظ لهشام عن قتادة أن البُخارِيّ خرَّجه في «الصحيح» أيضًا في أول كتاب الأشربة (3) قال: حَدَّثَنا مسلم بن إبراهيم، حَدَّثَنا هشام، حَدَّثَنا قتادة .. فذكره، وكذا خرَّجه المزي في «تحفة الأشراف» تبعًا لأبي مسعود الدمشقي في مسند هشام الدستوائي (4) وعزاه للبخاري في النكاح والأشربة.
والخلاصة: أن الراجح في ذلك رواية من قال: «هشام» وهي رواية الجمهور، كما أن أصحاب الأطراف رجحوا ذلك.
ومن هذا النوع أيضًا من التصحيف البصري الذي ينتج عنه اختلاف الراوي تصحيف (شعبة) إلى (سعيد)(5).
4 -
وعكس ذلك كان في الحديث الذي رواه البُخارِيّ في كتاب اللباس، باب قِبالَانِ فِي نَعْلٍ، وَمَنْ رأى قِبالًا واحِدًا واسِعًا. حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، حَدَّثَنا أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كانَ لَها قِبالَانِ. (6) اهـ.
حيث تصحفت (همام) إلى (هشام)، ورِواية الجمهور على أنه هنا
(1)«تقييد المهمل» 2/ 713.
(2)
أي بلفظ هشام.
(3)
7/ 104 (5577)
(4)
«تحفة الأشراف» 1/ 354.
(5)
3/ 30 (1927).
(6)
7/ 154 (5857).
(همام) وجاء في رِواية ابن السكن عن الفَرَبْريّ (هشام)(1).
قال ابن حجر: والذي عند الجماعة أولى.
ومما يؤيد رِواية الجمهور أن أبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، رووه من طريق همام به (2).
5 -
ومن الأمثلة التي كان الاختلاف بين الرُّواة ناتجًا عن التصحيف السمعي: ما جاء في «الصحيح» في كتاب اللباس باب لبس الحرير وافتراشه للرجال .. (3) قال: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذُبْيانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قال: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» .
فقوله: (أبي ذيبان) بضم المعجمة ويجوز كسرها بعدها موحدة ساكنة ثم تحتانية كذا في «السلطانية» بالضبطين ووضع فوقها رمز (معًا) إشارة إلى صحة الضبطين رِواية - وأبو ذبيان هو خليفة بن كعب التميمي - ووقع في رِواية أبي محمد بن أسد التي بخطه عن أبي علي بن السكن عن الفَرَبْريّ: (أبي ظبيان) بظاء مشالة بدل الذال (4).
قلت (الباحث): وأظنه تصحيف سمعي، وهو خطأ، وأشد منه ما جاء في رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ:(أبي دينار) بمهملة مكسورة
(1) ينظر: «تقييد المهمل» ص: 730، و «الفتح» 10/ 312.
(2)
أبو داود 2/ 467 (4134) كتاب اللباس، باب في الانتعال، والترمذي 4/ 242 (1772، 1773) كتاب اللباس، باب في ما جاء في نعل النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي 8/ 217 كتاب الزينة، باب صفة نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه 2/ 1194 (3615) كتاب اللباس باب صفة النعل، كلهم من طريق همام به.
(3)
7/ 150 (5834).
(4)
كما في «تقييد المهمل» 2/ 728، و «فتح الباري» 10/ 289.
بعدها تحتانية ساكنة ونون ثم راء.
قال الجَيّانيّ في «التقييد» بعد ما ذكر ما جاء عند الجمهور على الصواب: وقال أبو محمد الأصيلى: في كتب بعض أصحابنا: عن أبي زيد: عن أبي دينار - بالدال المهملة والراء - وكذلك للبخاري في «التاريخ» .
قال أبو علي: هكذا وجدته في بعض النسخ من «التاريخ» للبخاري، وكناه الناس: أبا ذبيان، هكذا لمسلم بن الحجاج، وابن الجارود، والدارقطني، وقاله ابن حنبل أيضًا (1) ولعل الذي في «تاريخ البُخارِيّ» تصحيف من النقلة، لأنه لم يتقيد عن البُخارِيّ بحرف المعجم. (2) اهـ
قلت (الباحث): الذي في مطبوع «التاريخ الكبير (3» ). أبو ذبيان - بالذال المعجمة على الصواب - فلعل ما حكاه الأصيلي عن البُخارِيّ في «التاريخ الكبير» كان في إحدى النسخ، كما ذكر بعد ذلك الجَيّانيّ. والله أعلم.
6 -
مثال تصحفت فيه لفظة: (عن) إلى (بن) أو العكس وترتب على الاختلاف فيه إرسال الحديث أو وصله:
ما جاء في كتاب: الحدود، باب كم التعزير والأدب:
حَدَّثَنِي عَيّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنا عبد الأَعْلَى، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا اشْتَرَوْا طَعامًا جِزافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكانِهِمْ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحالِهِمْ. (4)
(1) يقصد أن كل هؤلاء كنوه على وجه الصواب. ينظر: «المؤتلف والمختلف» 2/ 968.
(2)
2/ 723، 728.
(3)
3/ 190، باب خليفة (641) ولم يشر المحقق إلى أي خلاف في نسخه.
(4)
8/ 174 (6852).
هكذا روي الحديث بهذا الإسناد مسندًا متصلًا عن أبي علي بن السكن وأبي زيد وأبي ذر وغيرهم (1).
وفي نسخة أبي محمد الأصيلي، عن أبي أحمد الجُرْجانيّ، عن الفَرَبْريّ: سالم بن عبد الله بن عمر أنهم كانوا
…
الخ.
فتصحفت (عن) إلى (بن) وهو خطأ، فإن الحديث محفوظ على الاتصال، وكذلك رواه البُخارِيّ في مواضع أخرى من «الصحيح» كما في كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في بيع الطعام والحكرة (2) من طريق الأوزاعي، عن الزهري به مرفوعًا متصلًا.
وفي كتاب البيوع أيضًا، باب: من رأى إذا اشترى طعامًا جزافًا (3) من طريق يونس، عن الزهري به مرفوعًا متصلًا.
قلت (الباحث): ففي هذا المثال تصحيف لفظي سببه البصر ونتج عنه إرسال الحديث، فالترجيح بين هذه الروايات - كما جاء عند الجمهور - يكون من خلال تكرار الحديث عند البخاري.
7 -
وعكس ذلك - أي تصحيف (ابن) إلى (عن) - ما جاء في حديث أسماء، كتاب: الكسوف، باب: قول الإمام في خطبة الكسوف، أما بعد (4) حيث قال البُخارِيّ:
وَقال أَبُو أُسامَةَ: حَدَّثَنا هِشامٌ قال: أَخْبَرَتْنِي فاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْماءَ قالتْ فانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ
(1) كما في «تقييد المهمل» 2/ 749، وكما في السلطانية.
(2)
3/ 68 (2131)
(3)
3/ 68 - 69 (2137).
(4)
2/ 39 (1061).
بِما هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قال: «أَمّا بَعْدُ» .
قال أبو علي الجَيّانيّ: وقع في رِواية ابن السكن في إسناد هذا الحديث وهم، وذلك أنه زاد في الإسناد رجلًا، أدخل بين هشام وفاطمة، عروة بن الزبير، والصواب: هشام عن فاطمة. اهـ (1).
وقال ابن حجر متعقبًا الجياني: لعله كان عنده: هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت (ابن) فصارت (عن)، وذلك من الناسخ وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار. اهـ (2).
ومن أمثلة التصحيف تصحيف (أبي) إلى (ابن) كما جاء في كتاب: الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة (3) من قول عروة: ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رضي الله عنه فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ.
كذا جاء اللفظ عند اليونيني وهو عند جمهور الرواة هكذا، وعند أبي ذر عن الكشميهني (ابن) بدلًا من (أبي) فصارت ابن الزبير وهو خطأ.
قال القاضي عياض: وهو تصحيف (4).
8 -
ومن التصحيف في الأسماء وترتب عليه اختلاف الراوي ما جاء في تصحيف (أبو هارون) إلى (أبو هريرة) في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من كتاب: الجنائز، باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة (5) وفيه: (قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)«تقييد المهمل» 2/ 598.
(2)
«الفتح» 2/ 547.
(3)
2/ 152 (1615).
(4)
مشارق الأنوار
(5)
2/ 92 (1350).
قَمِيصَانِ .... الخ.
كذا جاء في «اليونينية» (أبو هريرة) ورمز أنه كذا عند الأصيلي أيضًا، وفي الهامش رمز إلى أن في رواية أبي ذر الهروي مصححًا:(وقال أبو هارون) ا. هـ.
وقال ابن حجر في الفتح: قوله (قال سفيان: وقال أبو هارون .. الخ) كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثيرٍ من الروايات (وقال أبو هريرة) وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هارون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط، بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي، واسمه: إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل، وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان، فسماه عيسى، ولفظه: حدثنا عيسى بن أبي موسى. فهذا هو المعتمد. ا. هـ (1).
9 -
ومن أدق التصحيفات التي حدثت وترتب عليها اختلاف الراوي ما جاء في تصحيف (عمرو بن عوف) إلى (عمر وابن عوف) أي جعل الراوي اثنين.
وذلك في كتاب الحرث والمزارعة، باب: من أحيا أرضًا مواتًا (2) فقد جاء في «اليونينية» (ويروى عُمَرَ وابنِ عوف) وفي الحاشية كتب المصححون: كذا في الأصول التي بأيدينا، وقال القسطلاني: وفي بعض النسخ المعتمدة، وهي التي في الفرع وأصله: عن عمْرِو بن عوف. وصحح هذه الكرماني ا. هـ.
وقال ابن حجر في «الفتح» ووقع في بعض الروايات: (وقال عمر
(1)«فتح الباري» 3/ 215.
(2)
3/ 106 (2334).
وابن عوف) على أن الواو عاطفة، وعمر بضم العين، وهو تصحيف ا. هـ (1).
وعند ابن بطال في شرحه (2)(ويروى عن عمر وابن عوف) بإثبات حرف العطف وجاء عند ابن الملقن في روايته التي شرح عليها على الصواب (3) ثم قال: وحديث عمرو حديث محفوظ كما قال الجياني ثم ساق بسنده الجياني في «تقييد المهمل» (4) وذكر القاضي عياض أن رواية الجمهور بفتح العين في عمرو، ورواية الأصيلي بضم العين وفتح الواو للعطف ثم قال: والأول الصواب وهو عمرو بن عوف المزني ا. هـ (5).
وقال الجياني في «تقييد المهمل» بعد أن ساقه على الصواب بفتح العين: وقع في روايتنا عن أبي زيد وأبي أحمد: (ويُروى عن عُمرَ وابن عوف) وعند ابن السكن وأبي ذر: عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم (6).
وقد ذكر القاضي عياض في المشارق نظائر كثيره (7) في تصحيف عمر إلى عمرو، ومن الجدير بالذكر في هذا المثال السابق أن (عمرو بن عوف) الذي صحف إلى راوٍ آخر غيره هو عمرو بن عوف المرئي جد كثير بن عبد الله، وليس لعمرو بن عوف هذا في البخاري غير هذا الموضع مما يعطي أهمية كبيرة لتصويب هذا الموضع حيث جهل بذلك من رواة
(1)«فتح الباري» 5/ 19.
(2)
6/ 473.
(3)
«التوضيح» 15/ 270 - 271.
(4)
2/ 621 - 622.
(5)
«مشارق الأنوار» 2/ 114.
(6)
2/ 621 - 622.
(7)
2/ 113 - 115.
الصحيح. وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري (1).
10 -
ومن أنواع التصحيف في المتن ما جاء في تصحيف كلمة (الرجال) إلى (الدجال)، وذلك في كتاب فضائل المدينة، باب: المدينة تنفي الخبث (2).
فقد جاءت على الصواب في «اليونينية» «إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» أي بالراء المهملة. وفي الحاشية: رمز أنها لأبي ذر عن الكشميهني (الدجال) أي بالدال.
وقال ابن حجر: وللكشمينهي (الدجال) بالدال وتشديد الجيم، وهو تصحيف (3).
11 -
ومن التصحيفات في المتن أيضًا ما جاء في تصحيف كلمة (منبرى) إلى (قبرى) وذلك فيما جاء في كتاب: فضائل المدينة، بابٌ بعد باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة (4) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»
كذا في «اليونينية» وفي الحاشية على كلمة (منبري): وقبري ورمز لثبوتها هكذا عند ابن عساكر ثم قال المصححون: هذكا بزيادة الواو في وقبري والتخريجة بعد ومنبري في «اليونينية» وعابرة «الفتح» و «القصطلاني» وفي رواية ابن عساكر: (قبري) بدل (بيتي) ا. هـ.
(1) ينظر «فتح الباري» 5/ 19.
(2)
3/ 22 - 23 (1884).
(3)
«فتح الباري» 4/ 97.
(4)
3/ 23 (1888)
وقال ابن حجر: (ما بين بيتي ومنبري) كذا للأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده:(قبري) بدل: (بيتي) وهو خطأ ا. هـ (1).
12 -
ومن التصحيفات التي فصلت فيها الكلمة الواحدة إلى كلمتين ما جاء في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة .. (2) قال: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ? مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ .. إلخ.
كذا في جاءت كلمة (مؤمنًا) في «اليونينية» وفي الحاشية: رمز أن الرواية عند أبي ذر الهروي عن شيخيه الحموبي والمستملي (مِنْ منِى) كذا وهو تصحيف كما قال ابن حجر في الفتح (3).
13 -
ومن التصحيفات التي جاءت في حذف حرف ترتب عليه نسبة قول خطأ إلى أحد الرواة ما جاء في تصحيف (وقاله عمرو) إلى (قال عمرو).
وذلك في أول كتاب المكاتب (4) ولفظه كما في «اليونينة» : وَقَالَ رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَاّ وَاجِبًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَاثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا
…
إلخ.
وقال ابن حجر في «الفتح» بعد أن ساق اللفظ كما عند اليونيني: هكذا وقع في جميع النسخ التي وقعت لنا عن الفربري، وهو ظاهر في هذا
(1)«فتح الباري» 4/ 100.
(2)
3/ 198 (2733).
(3)
«فتح الباري» 5/ 351.
(4)
قبل حديث (2560) 3/ 151 هامش (7)