الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاسعًا: إيضاح فهم مراد البُخارِيّ وعلاقة الحديث بالترجمة التي سبقت له
؛ فكثيرًا ما نجد أبوابًا ساقطة، بثبوتها تظهر علاقة الحديث بها وحذفها يجعل الحديث مرتبطًا بالباب قبله
كما جاء في إثبات باب: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم
…
حديث (172) قد تم بيانه في عقب الكلام على الحديث في غير هذا الموضع.
عاشرًا: إزالة إشكالات في فقه متن الحديث
مثاله: ما جاء في الحديث الذي رواه البُخارِيّ معلقًا في كتاب: الوضوء، باب: الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان
…
(1) حيث قال البُخارِيّ: وَقال أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قال: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عبد اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قال: كانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
كذا جاء سياق الحديث في أصل اليُونِينِيّ، ورمز اليُونِينِيّ فوق كلمة:(تبول) وحرف العطف (و) بإسقاطها من عند أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة والأصيلي وابن عساكر وأبي الوَقْت وفي نسخة أخرى. وكذا ذكر القَسْطَلّانِيّ (2)
قال ابن الملقن: وقال الإسماعيلي ليس في حديث البُخارِيّ (تبول) وهو كما قال: وإن كان وقع في بعض نسخ البُخارِيّ (3). اهـ.
وهذا الحديث يرى الشراح أن لفظة (تبول) ليست في «الصحيح»
(1) 1/ 45 - 46 (174).
(2)
«إرشاد الساري» 1/ 442 (منحة).
(3)
«التوضيح» 4/ 250.
وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (1) وعزاه للبخاري في الطهارة تعليقًا دون لفظة (تبول). اهـ.
والحديث في نسخة أبي زرعة العراقي المخطوطة لوحة رقم (40) دون لفظة (تبول) وهي رِواية أبي ذر وكريمة وأبي الوَقْت.
قال ابن حجر في «الفتح» (2): زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولًا بصريح التحديث قبل قوله: تقبل (تبول) وبعدها واو العطف، وكذا ذكر الأصيلي أنها من رِواية إبراهيم بن معقل، عن البُخارِيّ، وكذا أخرجها أبو داود والإسماعيلي من رِواية عبد الله بن وهب، عن يونس ابن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور. اهـ.
وقال في «التغليق» (3): وهذه اللفظة الزائدة ليست في شيء من نسخ «الصحيح» اهـ.
قلت (الباحث): كذا ذكر ابن حجر وهو خلاف ما نقل في «الفتح» عن بعض الرُّواة
وهذا الحديث رواه غير البُخارِيّ عن أحمد بن شبيب كل من:
أبو نعيم في «المستخرج» (4)، قال (5): أَخْبَرَنا أبو إسحاق - هو ابن
(1) 5/ 340 (6704).
(2)
1/ 278.
(3)
2/ 109.
(4)
كما ذكر ابن الملقن في «التوضيح» 4/ 249 - 250، وابن حجر في «تغليق التعليق» 2/ 109.
(5)
أي: أبو نعيم.
حمزة، ثنا إسحاق بن محمد، ثنا موسى بن سعيد الدنداني، ثنا أحمد بن شبيب به بمثل إسناد البُخارِيّ، ولفظه: عن ابن عمر قال: كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتى شابًا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر .. والباقي مثله.
ويمثل لفظ أبي نعيم في «المستخرج» أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» كتاب الطهارة، باب: نجاسة ما مسه الكلب بسائر بدنه .. (1) قال: أَخْبَرَنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن، ثنا أبو عبد الله علي بن زيد الصائغ، ثنا أحمد بن شبيب به مثله.
وقال البيهقي عقبه: رواه البُخارِيّ في «الصحيح» فقال: وقال أحمد بن شبيب فذكره مختصرًا، ولم يذكر قوله:(تبول).
وأخرجه أيضًا البيهقي في كتاب الصلاة، باب: من قال بطهور الأرض إذا يبست (2) قال: وأنبأ أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا أحمد بن شبيب به ولفظه: كانت الكلاب تبول وتقبل بالمسجد أيام النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يغيروا من ذلك شيئًا. كذا دون الزيادة الأولى ودون قوله: (وتدبر) وقال: (يغيروا) بدل: (يرشون).
وتابع ابنُ وهب شبيب بن سعيد في روايته عن يونس، عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبد الله، عن ابن عمر.
رواه أبو داود في «سننه» كتاب الطهارة، باب في طهر الأرض إذا
(1) 1/ 243 (1153).
(2)
«السنن الكبرى» 2/ 429 (4243).
يبست (1) ومن طريقه البغوي في «شرح السنة» كتاب الطهارة، باب البول يصيب الأرض (2) عن أحمد بن صالح.
وابن حبان في «صحيحه» كتاب الصلاة، باب: المساجد (3)، قال: أَخْبَرَنا الحسن ابن سفيان قال: حَدَّثَنا حرملة بن يحيى.
والإسماعيلي (4) ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» كتاب الصلاة، باب من قال بطهور الأرض إذا يبست (5) قال: حَدَّثَنا أبو يعلى، ثنا هارون بن معروف، ثلاثتهم عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب به مثله.
وكلهم يقول: (تبول وتقبل وتدبر). وعند الإسماعيلي في أوله: عن ابن عمر قال:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو في المسجد بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد، قال ابن عمر: وكنت أبيت في المسجد .. فذكره.
وقال البيهقي بعد أن عزاه لـ «الصحيح» : وليس في بعض النسخ عن أبي عبد الله البُخارِيّ: كلمة البول.
وقد روي الحديث من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنها بمثل لفظ أبي نعيم في «المستخرج» .
رواه أحمد في «مسنده» (6) قال: حَدَّثَنا سكن بن نافع الباهلي أبو
(1)«سنن أبي داود» (382).
(2)
2/ 82 (292).
(3)
4/ 537 (1656).
(4)
كما في «التوضيح» لابن الملقن 4/ 349.
(5)
2/ 429 (4244).
(6)
2/ 70 - 71 (5389) طبعة مؤسسة الرسالة، 7/ 206 (5389) طبعة أحمد شاكر.
الحسين حَدَّثَنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: كنت أعزب شابًا - فذكره. ولم يقل فيه: (تبول).
وهكذا ترى أن هذه اللفظة غير ثابتة عند جمهور الرُّواة عن البُخارِيّ كما جاء ذلك عن اليُونِينِيّ، ونقله عنه القَسْطَلّانِيّ، وإن كانت ثابتة عند اليُونِينِيّ في أصل سماعه.
واختلف في إثباتها بين الرُّواة عند غير البُخارِيّ أيضا كما هو واضح من التخريج.
وإثبات هذه اللفظة أو عدمها له أهمية كبيرة؛ حيث يستدل بها بعض العلماء في طهارة الكلب، وهي مسألة مشهورة بين أهل العلم لا يتسع المجال لذكرها تفصيلًا؛ وإنما أكتفي بنقول بعض العلماء بما يتعلق بتوجيه هذه اللفظة:
قال الإسماعيلي عقب الحديث فيما نقله عنه البيهقي: إن المسجد لم يكن يغلق عليها وكانت تتردد فيه الكلاب وعساها كانت تبول، إلا أن علم بولها فيه لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا عند الراوي أي موضع هو، ومن حيث أمر في بول الأعرابي بما أمر دل ذلك على أن بول ما سواه في حكم النجاسة واحد وإن اختلف غلظ نجاستها. اهـ (1).
وقال أبو حاتم ابن حبان: قول ابن عمر: (وكانت الكلاب تبول) يريد به خارجًا من المسجد، تقبل وتدبر في المسجد فلم يكن يرشون بمرورها في المسجد شيئًا. (2)
(1)«السنن الكبرى» 2/ 429.
(2)
«الإحسان» 4/ 538.
وكذلك تأوله الخطابي في «معالم السنن» (1) قال: يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد عابرة، إذ لا يجوز أن تترك الكلاب وانتياب المساجد حتى تمتهنه وتبول فيه، وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة، ولم يكن على المسجد أبواب تمنع من عبورها فيه.
وقد اختلف الناس في هذه المسألة: فروي عن أبي قلابة أنه قال: جفوف الأرض طهورها، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: الشمس تزيل النجاسة عن الأرض إذا ذهب الأثر، وقال الشافعي وأحمد: الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يطهرها إلا الماء. اهـ.
وتعقبه العيني في «عمدة القاري» (2) وقال: إنما تأول الخطابي بهذا التأويل حتى لا يكون الحديث حجة للحنفية في قولهم، لأن أصحابنا استدلوا به على أن الأرض إذا أصابتها نجاسة، فجفت بالشمس أو بالهواء فذهب أثرها تطهر في حق الصلاة، خلافًا للشافعي وأحمد وزفر، والدليل على ذلك أن أبا داود وضع لهذا الحديث باب طهور الأرض إذا يبست، وأيضًا قوله: فلم يكونوا يرشون شيئًا إذ عدم الرش يدل على جفاف الأرض وطهارتها، ومن أكبر موانع تأويله أن قوله:(في المسجد) ليس ظرفًا لقوله: تبول وما بعده كلها، ويقال الأوجه في هذا أن يقال: كان ذلك في ابتداء الإسلام على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد وتطهيره وجعل الأبواب على المساجد. اهـ.
وقال الحافظ في «الفتح» : والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء
(1) 1/ 226.
(2)
2/ 345.