الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيفية الوصول إلى نص «صحيح البخاري»
كل كتاب تعددت رواياته يحتاج إلى طريقة خاصة في الوصول إلى النص الذي أراده مصنفه، فنحن أمام كتاب أقبل عليه العلماء من كل الأقطار، وبقي مؤلفه يحدث به فترة زمنية كبيرة، مما جعل عدد السامعين له أكثر من تسعين ألف راو، كما جاء ذلك عن الفربري.
ومع مرور الزمن أصبح كل راو من هؤلاء الرواة عن البخاري له مستمعون يأخذون عنه «الصحيح» ، وعن كل راو من هؤلاء الرواة رواةٌ آخرون، وهكذا حتى كثرت الروايات، واعتراها النقص البشري من زيادة ونقصان، وتصحيف وتحريف، وغير ذلك، والتي سبق الحديث عنها بالتفصيل.
وفي هذا الزحام الشديد من الروايات، ظهرت روايات وتميزت عن غيرها من الروايات، لعوامل ساعدت في ذلك، وتعرضت لها بالتفصيل روايةً روايةً كما سبق، وجلها يرجع إلى ضبط الرواية والراوي، وعناية العلماء بالرواية.
وهذه الروايات يوجد بينها اختلاف في الترتيب والزيادة والنقص وغير ذلك؛ وذلك لأسباب قد تعرضت لها فيما سبق، وهي غير قادحة في متن «الصحيح» ولله الحمد، ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة: كيف نصل إلى نص صحيح لمتن «صحيح البخاري» رحمه الله تعالى؟
إن الوصول إلى نصٍّ لصحيح البخاري لا يتم إلا بتمييز كل رواية من هذه الروايات على حدة، وذلك بالوقوف على أصح النسخ
المخطوطة التي نسبت إلى هذه الروايات، وذلك بعد دراسة لهذه الرواية وأهم النسخ التي أخذت عنها.
ويكون كل راو عن البخاري بمثابة أصل تجتمع عنده الروايات.
فعلى سبيل المثال: إخراج رواية الفربري تكون على حدة، وذلك من خلال جمع النسخ التي رويت عنه من خلال أشهر تلاميذه، فيذكر مثلًا: رواية أبي زيد المروزي (371) هـ، ورواية ابن السكن (353) هـ ورواية أبي محمد السرخسي (381) هـ، ورواية أبي إسحاق المستملي (376) هـ، ورواية أبى الهيثم الكشميهني (389) هـ، وغير ذلك فتُجمع هذه الروايات أو ما يتيسر الوقوف عليه، ثم يُقارن بينها، وإذا لم يتيسر الوقوف على نسخ مخطوطة لهذه الطبقة، يمكن الاعتماد على الطبقة التي تليها، حيث اشتهر في كل طبقة بعض الروايات التي عرفت بضبط رواتها، وعنايتهم بها، وهم بدورهم قد قارنوا بين أكثر من راوٍ عن الفربري.
فمثلًا: أشهر الروايات في الطبقة الثالثة من الرواة عن البخاري:
رواية أبي ذر الهروي (434) هـ حيث جمع بين ثلاث روايات من الطبقة الثانية، وهي: رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهني.
وقد سبق ذكرُ كثيرٍ من المخطوطات عند الحديث عن رواية أبي ذر الهروي وأشهر الرواة لها.
ومن هذه الروايات: رواية أبى محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلى (392) هـ عن الإمام أبى زيد المروزي (371) هـ وقد سبق الحديث عن أماكن وجودها.
ومنها أيضًا: رواية كريمة المروزية (463) هـ وهي عن أبي الهيثم الكشميهني وهكذا.
ويمكن الاقتصار على رواية واحدة، أو الجمع بين روايتين فأكثر على المنهج الذي سيأتي الحديث عنه في المقارنة بين الروايات.
كما يمكن أيضًا الاعتماد على نسخ أخرى من الطبقة الرابعة في الرواة عن البخاري مثل: رواية أبي الوقت عبد الأول الهروي (458 - 553) هـ التي رواها عن أبي الحسن الداودى (374 - 467) هـ عن أبي محمد السرخسي (293 - 381) هـ عن أبي عبد الله الفربري، عن البخاري.
ورواية أبي الوقت هذه رواها عنه أبو عبد الله الحسين بن بكر الزبيدي (545 - 631) هـ وهي من الروايات التي اعتمد عليها شرف الدين اليونيني (621 - 701) هـ وهي أصل سماعه أيضًا، واعتمد عليها بعض شراح «الصحيح» ومنهم العلامة سراج الدين ابن الملقن (723 - 804) هـ.
ويمكن الاعتماد أيضًا على نسخ في الطبقات المتأخرة مثل نسخة أبي علي الصدفي (454 - 514) هـ التي رواها عن شيخه أبى الوليد الباجي (474) هـ عن أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، عن
الفربري، عن البخاري. والتي كتبها بخطه، وقد سبق الحديث عن مكانها وأهميتها.
كما اعتمدت نسخة أبي عمران موسى بن سعادة المتوفى سنة (522) هـ أو بعدها، على نسخة أبي علي الصدفي وقد سبق الكلام عليها، وعلى أهميتها وأماكن وجودها.
كما توجد أيضًا نسخة أبي زرعة العراقي المتوفى سنة (826) هـ وهي النسخة العراقية، حيث ساق أبو زرعة فيها أسانيده إلى كريمة المروزية، ثم إلى أبي ذر الهروي (434) هـ ثم إلى أبي الوقت عبد الأول (553) هـ واعتمد ذكر متن إحدى الروايات، وذكر في الهامش فروق النسخ، وتوجد عندي منها صورة كاملة لـ «الصحيح» كله، وهي من أكمل وأحسن النسخ المخطوطة التي اطّلعتُ عليها.
ومن أجود الأعمال وأحسنها في الجمع بين أكثر من نسخة ما قام به الإمام شرف الدين اليونيني (701) هـ حيث استنسخ «الصحيح» وحرره وقابله على أصول أخرى عرفت بالصحة، هي: أصل مسموع على الحافظ أبي ذر الهروي، وأصل مسموع على الأصيلي، وأصل مسموع على أبي الوقت السجزي (553) هـ، وأصل مؤرخ الشام الحافظ ابن عساكر (571) هـ.
ثم اجتهد فبالغ في التحري لما قابلها بحضرة إمام اللغة جمال الدين بن مالك، فكان يضبطها على الأوجه في اللغة، ويعلل ما وقع فيها من ضبط، قد يشكل على أصحاب اللغة، وقد سبق الحديث عنها بالتفصيل.
ومن الجدير بالملاحظة هنا أن الطبعة السلطانية وفروعها المأخوذة منها تعتبر فرعًا عن «اليونينية» وليست نسخة منها، حيث اعتمد المحققون عليها وعلى نسخ أخرى معها، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
وهكذا يمكن الاقتصار على رواية من الروايات التي عُرف أصحابها بالدقة والإتقان، وذلك من خلال النسخ المأخوذة عنها، أو الجمع بين أكثر من رواية.