الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمعنى " مع "، أي أنها كانت مع هذا الحمل الخفيف تروح وتغدو وتتقلب في أمور بيتها وفي شئونها.
المرتبة الثانية - هي أن يثقل حملها، وتشغل به، ولا تفكر هي وزوجها إلا فيه، وفي هذه الحال يشركها زوجها في شعورها، ورجائها ويضرع هو وهي إلى الله تعالى أن يجعله ذرية صالحة؛ ولذا قال تعالى في هذه المرحلة:(فَلَمَّا أَثْقَلَت) أي صارت تحمل حملا ثقيلا، ونسب الإثقال إليها دون الجنين، مع أنه هو الذي أثقل؛ للإشارة إلى أن الأنس بالجنين، والفرحة به والرغبة في استقباله تنسيها ثقله، فليس ثقيلا على نفسها، وإن أثقل جسمها.
وفى هذه المرحلة كما أشرنا يشترك الزوج والزوجة في شعور واحد وهو الدعاء له بالسلامة. وهنا لَا يذكر إلا هو، ولذا قال تعالى:(فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) يشتركان في الدعاء، لأنه يلتقى شعورهما، شعور الأبوة، وشعور الأمومة، ولا تفكير إلا في سلامته من الآفات، ومعنى صالحا، أي أن يولد قويا مستقيما في تكوينه سويا في خلقه، ليس به آفة من آفات الخلق والتكوين. يدعون ربهما مقسمين بالله: لئن آتيتنا مولودا قويا سويا لنكونن من الشاكرين. والشكر هو شكر النعمة بالقيام بحقها، وعدم الكفر بها.
والمرتبة الثالثة - أن يفصل عنها، ويلقى عنها ثقلها، ويكون حق الوفاء بعهدهما قد جاء ميقاته، ويلاحظ أنهما عندما ضرعا إلى الله تعالى؛ عبر عن ذلك بـ (رَبَّهُمَا) - لأنه الخالق المربي المدبر، وهو الذي يُلجأ إليه سبحانه.
ولكن هل وفيا بحق العهد واليمين:
يجيب الله تعالى عن ذلك بقوله عز من قائل:
(فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
(190)
من شأن المشركين أنهم في الشدائد يرجعون إلى الله تعالى خائفين طامعين، يرجونه خوفا وطمعا، وإن هؤلاء عندما أثقل الحمل اعتراهم شعوران: أحدهما
الخوف من أن يضر ذلك بالأم، والطمع في أن يكون منهما ولد سويّ الخلق والتكوين يفرح به ويسر، ولا ملجأ يلجأ إليه إلا الله، ولا مأمن إلا عنده، فلما ذهب الخوف، وتحقق الطمع تركا الضراعة وراءهم ظهريا، وبدت سوءات الشرك في نفوسهم، وسيطر الجحود عليهم، والكفر والبهتان حكما أمورهما، وقد صور الله تعالى هذا المعنى السامي بقوله:(فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا) كان يقرّان بأنه المعطي وحده، فلما أعطاهما ولدا سليم الجسم سوي البنية جعلتم ثمة شريكا في خلقه وتكوينه، فزعمتم أن ما تدعون من دونه له دخل في تكوينه وخلقه فزعمتموهم بأوهامكم أنهم شركاء لله في الخلق والتكوين.
وهكذا نفس من يضل عن سبيل الله، ويسير في طريق الغواية، وتستولي عليه الوساوس، إذا كان في شديدة يستولي عليه الخوف والذعر فيستقيم تفكيره، فإن اطمأن وذهب عنه الخوف لَا يهتدي بل يضل.
(فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْركُونَ)، أي تسامي قدر الله تعالى، وتعالى علوه عما يشركون. " ما " هنا إما مصدرية، والمعنى تعالى قدره عن إشراكهم، وطغيان الأوهام على تفوسهم، أو " ما " موصولة بمعنى " الذي "، ويكون المعنى: تعالى الله بذاته العلية الذي لَا يماثله شيء في الأرض ولا في السماء أن يكون له مماثل من هذه الأوثان التي لَا تضر ولا تنفع.
وإن هذه قصة تصور حال الإنسان في أمور ثلاثة:
أولا - أنه وزوجه من جنس واحد مؤتلف متجانس فكلاهما متمم لصاحبه، وكلاهما من خلق واحد، وتكوين واحد، وخلقا متقابلين متكاملين.
وثانيا - تصور أنه حال الخوف والطمع لَا يلجأ إلا إلى الله، فهو الذي يشبع حاجته، وهو الذي يرجى وحده في الشدة.
وثالثا - في أنه إذا ذهب الخوف غلبته الأوهام، وسيطرت عليه.