الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا معنى الآية الكريمة فيما يظهر لنا، ويجب أن ثنبه إلى أنه لَا يصح النهم في المال إلا للقيام بمصلحة عامة، ولا يصح أن يكون المال مطلبا ذاتيا، وغرضا مقصودا لذاته لَا للتمكن من النعم، فإنه حينئذ يلهى عن المقاصد السامية، كما قال تعالى:(أَلْهَاكمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)، (1)، ولأنه يصير عبدا للمال، لَا سيدا متصرفا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" تعس عبد الدرهم " - وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تبا للذهب تبا للفضة، قالها ثلاثا فقالوا له: أي مال نتخذ: قال: " لسانا ذاكرا وقلبا خاشعًا، وزوجة تعين أحدكم على دينه) (2) وقال صلى الله عليه وسلم:" من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها "(3).
ذكر الله عذاب يوم القيامة لمن كنز الذهب والفضة من غير إنفاق:
(1) جزء من حديث رواه البخاري: الجهاد والسير - الحراسة والغزو في سبيل الله عن أبي هريرة رضي الله عنه (2887).
(2)
رواه أحمد في مسنده: باقي مسند الأنصار - حديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (22591).
(3)
رواه أحمد: مسند الأنصار - حديث أبي ذر رضي الله عنهم (20969). قلت: وقد نوَّه الثيخ أبو زهرة رحمه الله تعالى إلى مراجعة الكشاف عند هذا الموضع.
(يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
(35)
(يَوْمَ) تتعلق بقوله: (بِعَذَاب أَلِيم)، أي ذلك الإيلام الشديد، يوم يحمى عليها أي يوقد عليها، والضمير يعود إلى الذهب والفضة كما يعود ضمير ينفقونها إليها على التخريج الذي ذكرنا آنفا، ولهذا النص تصوير لحال الأشحة الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبل الخير، ولا يؤدون ما تعلق بها من نفقات على العيال، والفقراء، فلا يعطون المال على حبه مسكينا يتيما وأسيرا، ويعيشون لأنفسهم، لَا يتجاوزونها إلى غيرهم من الفقراء والمحاويج والمجاهدين والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله.
و (يُحْمَى عَلَيْهَا) أي يوقد عليها فتكون كمقامع تكوى بها وجوههم، وجنوبهم وظهورهم، وذكرت هذه الأعضاء لأنها تعم الجسم كله، وابتدأ بالوجوه
لأنها بها المواجهة، وبها تتميز الأشخاص؛ ولأنهم يطلبون بكنز المال الوجاهة في الدنيا، والشأن فيها، ولأنهم بالكنز يصونون ماء - وجوههم، كما قال الزمخشري " أن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم يتلقون بالجميل، ويحيون بالإكرام، ويبجلون ويحتشمون، ومن أكل الطيبات يتضلعون منها، وينفخون جنوبهم، ومن لبس ناعمة من الثياب، يطرحونها على ظهورهم، كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم لَا يخْطِرون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذهب أهل الدثور بالأجور ".
وقيل لأنهم كانوا إذا بصروا الفقير عبسوا وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه، وتولوا بأركانهم، وولوه ظهورهم، وقيل: معناه يكون على الجهات الأربع مقاديمهم، ومآخيرهم وجنوبهم، اهـ.
هذه مقالة الزمخشري، ونرى الأقوال التي ذكرها كلها صادقة، فهم ينتفعون بالأموال مفاخرين بها مباهين مستعلين يملئون بطونهم منها، ويلبسون الدمقس والحرير، ويعبسون للفقراء، ويهشون للأغنياء، ويوم القيامة تحيط بهم النار من الجهات الأربع، بحيث لَا ينفلتون عنها، ويكوون بها في كل أجزاء جسمهم، ولا يجدون للفرار منها سبيلا.
(هَذَا مَا كنَزْتمْ لأَنفُسِكُمْ) هذه النار الموقدة من تنوركم هي ما كنزتموه أي عاقبته ومآله، أو ذاته، فذوقوا ما كنتم تكنزون، أي وبال ما كنتم تكنزونه، أو ذوقوه موقدا للنار.
هذا خبر الله تعالى عن الكنوز وأصحابها يوم القيامة، وما يتعلق باليوم الآخر نقبله كما هو، ويصح أن نقول إنه تصوير لحالهم تسببه عاقبة أمرهم بمن يكوون بذهبهم وفضتهم، والله عليم خبير.
قد ابتدأ في سورة براءة بذكر الأشهر الحرم ومنع القتال فيها ثم تكلمت على عهود المشركين وعمارة المسجد الحرام، وعلى منع المشركين من المسجد الحرام وبيان شرك أهل الكتاب، وعبث الأحبار والرهبان بمداركهم.
ومن بعد كان الجهاد، وقدم اللَّه تعالى بيان الأشهر الحرم حرامها وحلالها، فقال تعالى:
* * *
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
* * *
إن الله تعالى وقت العبادات غير الصلاة بشهور من السنة، فرمضان شهر القرآن، وشهر الصيام، وذوالحجة شهر الحج لأن فيها يوم عرفات، والحج له أشهر معلومات كما قال تعالى:(الْحَجُّ أَشْهُرٌ معْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ. . .)، وهذه الأشهر هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وجعلت الأشهر بالأهلة، تبتدئ برؤية الهلال وتنتهي برؤيته، كما قال تعالى:(يَسْألُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ فلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ. . .) أالبقرة، وقال تعالى:(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم) أيس،، وقال تعالى:(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)، وجعلت الأهلة علامة الشهور ابتداء وانتهاء، أو هي الشهور لأمرين:
أولهما - أن يعلم ابتداء الشهر بالحس لَا بالتقدير والحساب المجرد؛ فإن الأشهر الشمسية لَا تعرف إلا بالحساب.
ثانيهما - ألا تتغير السنة بالزيادة والنقصان فتكون (كبيسة) فتزاد، أو (بسيطة) فلا تزاد، وإنها تتفق مع طبائع الناس.
وبذلك لَا تتغير أوقات العبادات، ولا تختلف، وجعلها الله تعالى اثني عشر شهرا، وقد ثبت كل شهر في موضعه ذاته لَا يفترق عنه، وقلنا: إن طبائع الناس تسير مع الأشهر العربية فثبت أن الحيض والحمل يتبعان الأشهر القمرية. وقد قال تعالى:
(إِن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كتَابِ اللَّهِ) و (عِندَ اللَّهِ) معناها في حكمه وتقديره سبحانه وتعالى، وعلينا أن نهتدي بما هدانا إليه، وقوله تعالى:(فِي كِتَابِ اللَّهِ)، أي فيما كتبه علينا من أحكام متعلقة بهذه الأشهر، وقال بعض العلماء: المراد ما كتب في اللوح المحفوظ الذي فيه ما قدره الله تعالى بعباده، فهو لوحه المكنون.
ويقول سبحانه: (مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمٌ) الضمير يعود إلى (عِدَّةَ الشُّهُورِ)، وحُرُمٌ جمع حرام، وقد فسرت بأنها التي حرم فيها القتال، وكان ذلك قبل الإسلام على شريعة إبراهيم عليه السلام الذي تعود إليه مناسك الحج، وإذا كان المشركون قد حرفوا فيها وغيروا وبدلوا فإن الإسلام قد أعادها كما بدأت؛ لأنه ملة إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى:(. . . وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ. . .).
وهذه الأشهر الحرم هي ثلاثة سرد، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع مبينا شريعته، ومنها الأشهر الحرام، وكانت الخطبة في العام العاشر " إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحَجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الحَجَّةِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ - عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ (1).
وإن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " أن المشركين كما سيتبين يغيرون في الأشهر الحرم اتباعا لشهواتهم في القتال والغارات، فكانوا إذا جاء الشهر الحرام، وهم يتقاتلون، أو يريدون الغارة أجَّلوه إلى ما يليه، ويسمون ذلك النسيء كما سيأتي في الآية الآتية، إن شاء الله تعالى، فمعنى قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، أن هذا الوقت هو وقت صادق أنه في الأشهر الحُرُم.
وتحريم القتال في هذه الأشهر فرض هدنة شرعية تحمل الناس على ألا يرفعوا السلاح ولا يقاتلوا، فتعود القضب إلى أجفانها فتكون الترويه، وإذا كان بين المتقاتلين هدنة يتروون فيها تكون كالنسيم العليل فتهدأ النفوس، وربما أنهت القتال، ألم تر أن هدنة الحديبية أنهت القتال بين النبي والمشركين.
وفوق ذلك فهذه الأشهر هي أشهر الحج، فيجب أن يكون فيها أمن السارى في ذهابه إلى الحج وأوبته، حتى تؤدى فرائض الله، والأشهر المتواليات أشهر
(1) متفق عليه، رواه البخاري: المغازى - حجة الوداع (4406)، ومسلم بنحوه: القامة والمحاربين - تغليظ تحريم الدماء (1679).
الذهاب والأوبة، ورجب مضر كان شهر عمرة، فأُمِّن ليتمكن من يريد العمرة من أن يعتمر فيه.
ولقد قال تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الإشارة إلى ما تقدم من عدة الشهور، وتحريم القتال في أربع منها هو الدين، وعبر عنها بأنها الدين لمكان تحريمها من الشرع، وإن كانت بعض (الدِّينُ)، فذلك التعبير السامي تأكيد لمنع القتال في الأشهر الأربعة، و (الْقَيِّمُ) معناه المستقيم القويم وكان كذلك؛ لأنه ما سلكه إبراهيم باني البيت ورافع قواعده، ولأنه يكفكف حدة القتال، ولأنه يمكَن قاصدى البيت من أن يصلوا إليه، ويعودوا منه.
وقال تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) الظلم: النهي عنه في هذه الأشهر الحرم، هو ظلم أنفسهم باستمرار القتال فيها، فظلم للنفس أن يقاتل، وقد منع من القتال، ولأنه عصيان لله، وكل عصيان لله تعالى فهو ظلم للنفس، وقال بعض العلماء: إن الظلم للنفس في الشهر الحرام هو أن يُعتدى عليهم فلا يدافعوا عن أنفسهم ويردوا اعتداء غيرهم، ونقول: إن القتال في هذه الحال لَا يكون محرما في الشهر الحرام، بل المعتدى على الشهر غيرهم، والله تعالى يقول:(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص. . .).
وبعد ذلك أمر الله تعالى بقتال المشركين كافة ردا لاعتدائهم فقال: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَةً كمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَةً. . .).
وهذه لَا تتنافى مع تحريم القتال في الأشهر الحرم، بل إنها تؤيده في معناه، إن المشركين في غزوة الأحزاب وغيرها - وخصوصا إذا أدخلنا في عداد المشركين من كانوا يعبدون الأشخاص - كانوا يجتمعون كافة، فكان حقا على المؤمنين أن يجتمعوا كافة لهم، ولا يتخاذلوا أمامهم، وإن قاتلوا المؤمنين بكافتهم في الأشهر الحرم، وجب أن يجتمعوا كافة لمقاتلتهم ولا يتوانوا ويثاقلوا.
وكان غريبا أن يتخذ بعض الفقهاء من قوله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكينَ) دلالة على نسخ الأشهر الحرم، كان بعض الآية يهدم
بعضها الآخر، فأول الآية يبين شريعة الأشهر الحرم، وآخرها - في زعمهم الغريب عن كل معقول في القول - يهدمه، وهذا إذا كان في كلام الناس يكون غريبا، فكيف يكون مقبولا في كلام الله سبحانه وتعالى، بل من الغريب أنهم تنسَّخوها قبل تتميم حكمها بالكلام في النسيء، ويزكون وهمهم الكاذب بأن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف في الشهر الحرام، وإن الثابت تاريخيا أن النبي أنهى الحصار قبل انتهاء شوال (1).
وإن الحق أنه لَا نسخ، ومن ادعى النسخ فقد ادعى أمرا غير معقول في ذاته، وذلك لما يأتي:
أولا - أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أكد تحريم القتال في الأشهر الحرم في حجة الوداع، وبين أحكاما أخرى.
ثانيا - أن الله تعالى ذكر الشهر الحرام في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ. . .).
وهذا في سورة المائدة التي هي من أواخر القرآن نزولا، وقال تعالى:(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْث وَجَدتُّمُوهُمْ. . .) وقال تعالى: (يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كبِيرٌ. . .).
وهكذا تعددت الآيات المحرمة، ومع ذلك يدعي بعض الفقهاء النسخ بغير حجة إلا أن تكون موافقة الملوك الشرهين إلى الدماء، وتكون مع المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
وقد أتم الله تعالى ما ذكره في تحريم القتال في الأشهر الحرم، وتلاعب المشركين به فقال:
* * *
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
* * *
(1) راجع كتاب " خاتم النبيين " للإمام محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي.
ختم الله تعالى الآية السابقة بقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ) لإشعار المؤمنين بأنه من التقوى إطاعة الله في تحريم القتال في الأشهر الحرم حقنا للدماء، وأن الله تعالى لَا يصاحب ولا ينصر إلا المتقين، وأكد ذلك بالأمر بالعلم، كما أكده بالصحبة السامية لله تعالى، وبالجملة الاسمية.
ولذلك ذكر من بعد ذلك الاعتداء على الأشهر الحرم بالنسيء، والنسيء معناه التأخير والتأجيل، يقال:(نسأ) بمعنى أخَّر وأجل، ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم " من أراد منكم أن يبارك له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه "(1).
وكانت طريقة النسيء أن يجيء إلى المحرم وهو من الشهر الحرام فيستبيح القتال فيه، ويؤجل التحريم إلى صفر، فيستبدل بالشهر الحرام شهرا حلالا، ولأنه يريد الغارة، وقالوا: إنما كانوا يفعلون ذلك رغبة في الغارات، وطمعا في الأموال من النعم، ويذكر ابن إسحاق في سيرته أن أول من فعل ذلك رجل من كنانة اسمه " القَلَمَّس ".
ولقد ذم الله النسيء أشد الذم فقال تعالى:
(1) متفق عليه؛ رواه البخاري: الأدب - من بسط له في الرزق بصلة الرحم (5986)، ومسلم: البر والصلة (2557).
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكفْرِ) أي ليس النسيء إلا زيادة في الكفر، فـ (إنما) أداة قصر، فهو ليس إلا زيادة فيه؛ كفروا بملة إبراهيم عليه السلام فعبدوا الأوثان وطافوا بالبيت عراة، وكان شرع إبراهيم تحريم القتال في أربعة أشهر معينة بالتعيين، فغيروا فيها بالنسيء، فزادوا بذلك كفرا إلى كفرهم.
وقال تعالى: (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أن شهواتهم في الغارات والقتل والقتال وتحكم الشيطان في نفوسهم يضلهم، ويلاحظ أنه بني للمجهول للدلالة على أن عوامل الضلال كثيرة رأسها شهواتهم في الحرب، وسيطرة الشيطان على نفوسهم، والعداوة والبغضاء بينهم، وكان هذا لأنهم أصحاب غارات وحروب
مستمرة، فإذا جاء الشهر الحرام، لم يحرموا ما هم عليه من قتال، بل يستمرون سادرين في غيهم، ويؤخرون التحريم إلى الشهر الذي يليه، ثم يسيرون في غيهم، ويقول الزمخشري: ربما جعلوا السنة ثلاثة عشر شهرا أو أربعة عشر.
ويقول سبحانه وتعالى: (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرمُونَهُ عَامًا) يحلون النسيء عاما، ويمنعونه عاما حسب سيطرة هوى الحرب على أنفسهم، وتحكم شهوتها في نفوسهم، وقد يقصرون السنة عن اثنى عشر شهرا، ليعوضوا الزيادة التي زادوها، وذلك ليواطئوا عدة ما حرم الله، " العدد الذي حرمه الله تعالى وهو أربعة أشهر ".
وإنهم بذلك يخالفون ما شرعه الله تعالى، وهو أنه حرم أشهرا معدودة بأربعة، ومعينة بالتعيين، حسب ميقات كل شهر وموضعه من السنة، وبالنسبة لما قبله، وما بعده، فبالنسيء خالفوا التعيين، ووضعوا شهرا في موضع شهر من عند أنفسهم من غير علم أوتوه، ولا حجة اعتمدوا عليها، بل هو الهوى، فهم نظروا إلى العدد، ولذلك قال تعالى:(لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)، أي ليوافقوا العدد، لا الأوقات ذاتها، وبذلك أحلوا ما حرم الله، فكان المحرم هو شهر المحرم، فأحلوه، وكان الحلال صفر فحرموه، ولما اضطربت الأشهر وتغيرت مواضعها، أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله، ولذلك عندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الأشهر الحرم قال:" إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " أي صار كل شهر في موضعه لَا يبتعد عنه، فرمضان هو رمضان كيوم خلق الله السماوات والأرض، وذو القعدة كذلك، وذو الحجة والمحرم، وبذلك يكون الحلال من الأشهر حلالا والحرام حراما.
ثم يقول سبحانه: (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ) أي زين لهم الشيطان والهوى سوء عملهم القبيح، وبني للمجهول للإشارة إلى أن عوامل كثيرة سولها لهم كفرهم، جعلتهم يغيرون خلق الله في الأشهر، ثم قال تعالى:(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)؛ لأنهم سلكوا سبيل الغواية، واختاروا الضلال، فساروا فيه، فكان في ذلك ضلالهم، والله سبحانه مع من سلك طريق الحق مختارا هداه إلى نهايته، ومن سلك طريق الباطل مختارا أنهاه تعالى إليه.
* * *
القتال في غير الأشهر الحرم
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
* * *
بعد أن بين الله تعالى الأشهر الحرم وعبث المشركين، بين الجهاد سيرا على نسق الأشهر الحرم، في قوله تعالى:(فَإِذَا انسَلَخ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ. . .).
والقتال هنا قد تجاوز الجزيرة العربية إلى ما حولها من الشام، وتجاوز الوثنية إلى أهل الكتاب الذين يعبدون غير الله تعالى وذلك في غزوة تبوك، فقد كانت في شدة القيظ، وكانت بعد أن ملأت الغنائم الجيوب، وبعد أن أخذ الترفه يغزو النفس المؤمنة، وهو آفة القوة.
أخذ يدعوهم إلى الجهاد، شكان منهم من أقعدته الدعة، والاستنامة إلى الراحة، فلم يكونوا كما كانوا من قبل إذا دعوا إلى الجهاد سارعوا إليه، ولذا عاتبهم الله تعالى فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ) صدَّر النداء بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) للإشارة إلى أن موجب الإيمان كان يدعو إلى المبادرة، لَا إلى التثاقل، وقوله:(مَا لَكُمْ) استفهام إنكاري بمعنى التوبيخ، معناه أي شيء ثبت لكم فمنعكم من المبادرة إذا دعيتم، ثم صرح سبحانه بما تضمنه الاستفهام، وهو (اثَّاقَلْتُمْ) أصلها تثاقلتم، وفي قراءة الأعمش (تثاقلتم) على أصل الاشتقاق (1)، وموضع الاستنكار هو التثاقل عندما (قِيلَ لَكُم انفِرُوا)، و (إِذَا) متعلقة في الفعل المقدَّر في قوله تعالى:(مَا لَكُمْ) والمعنى أي شيء أثبت لكم حال ما قيل انفروا اثاقلتم و (انفِروا) معناه انتقلوا إلى الحرب، والجهاد في سبيل الله، فالنفير معناه الخروج إلى القتال.
وقوله تعالى: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) معناه تثاقلتم، وثقلت عليكم المبادرة إلى القتال مخلدين بأنفسكم إلى الأرض حيث الدعة والراحة، والاستظلال بظلها، والسكون، ويتضمن هذا المعنى أنهم رضوا بالتقاعد في الأرض وترك الرفعة والمقام المحمود في الجهاد، كقوله تعالى:(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ. . .).
والمعنى أنهم إذ تثاقلوا عن الجهاد رضوا البقاء في الأرض، فحقت عليهم الذلة.
(1)(تثاقلتم)، ليست في العشر المتواترة.
وقال تعالى فيما يترتب على تثاقلهم، وهو أن يكونوا قد تركوا الجهاد ورضوا بمتاع قليل، وتركوا متاع الآخرة الكثير، فقال تعالى:(أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ) الاستفهام للاستنكار التوبيخي، ومعناه أنكم إذا اثاقلتم عندما دعيتم إلى النفور في سبيل الله فقد رضيتم بأن تكون لكم الحياة الدنيا التي هي الدنية (مِنَ الآخِرَةِ) من هنا بمعنى بدل، أي رضيتم بالدنيا ونعيمها الزائل بدل الآخرة، ونعيمها المقيم الدائم.
ولذا قال مقررا الفرق بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة، فقال تعالت كلماته:
(فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيل).
(الفاء) هنا للإفصاح، لأنها تفصح عن شرط مقدر تقديره، إذا كنتم رضيتم ذلك فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قدر قليل ضئيل، وهنا إشارات بيانية نذكرها.
أولها - في التعبير بـ (اثَّاقَلْتُمْ) فإن الصيغة بحالها من الإبدال في لفظها دلالة على استثقال النفور في سبيل الله، وما ذلك شأن المؤمنين المجاهدين الذين سبق لهم البلاء في الإسلام، ولهم في الجهاد سابقات كرام.
الثانية - في النفي والإثبات في قوله تعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) فإنه يفيد قصر متاع الدنيا، مهما يكن من إحساس وراحة بالنسبة
للآخرة فما هو إلا قليل.
ولم يذكر متاع الآخرة لكثرته، ولأن الإيمان بها في ذاته سعادة غير محصورة، فهي علو في إدراك النعيم المقيم الثابت الدئم.
وإن عاقبة القصور عن الجهاد هي الذل، والهوان، ولذا قال تعالى:
(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
هذا إنذار من الله لكل الذين يتركون الجهاد، ولا ينفرون في سبيل الله، فقد أنذر في هذه الآية بالعذاب والسخط والهلاك، وأنه لَا ضرر على الله ورسوله.
(إِلَّا تَنفِرُوا) أي في سبيل الله والجهاد، هي (إنْ) الشرطية المدغمة في (لا)، وجواب الشرط (يُعَذِّبْكُم عَذَابًا أَلِيمًا) ذكر العذاب منكَّرًا، مطلقا، والتنكير لتعظيم هذا العذاب، وأنه شديد يتطابق في شدته مع التثاقل عن الجهاد عند وجوب موجبه ودعوة الإمام الحق إليه، وإطلاقه يفيد تعدده وكثرته، فهو يشمل الغزو من الأعداء، والذلة، والمهانة والصغار، هذا في الدنيا، أما يوم القيامة فنار الجحيم وغضب الله، وسخطه، وبعده عنه.
وذكر مع العذاب الأليم الهلاك، فقال تعالى:(وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) أنه يكون عند هلاككم، وحيث تهلكون مصحوبين بالخزي والهزيمة والعار يجيء قوم غيركم يكونون أشد بأسا وأعرف بحق الله تعالى منكم، وأرضى له، ثم يقول سبحانه:(وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا)، أي شيء من الضرر قليلا كان أو كثيرا، والضمير يعود - في ظاهر السياق (على الله سبحانه وتعالى والمعنى على ذلك - أن الله تعالى غني عن العباد، وهم الفقراء إليه، والآية تشير إلى أنهم لَا يضرون إلا أنفسهم، فالعاقبة تعود إليهم، فهم الذين تنزل بهم الذلة، وتركبهم المهانة، وتلحقهم الهزيمة.
ويجوز أن يعود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حاضر في الأذهان دائما، وهو الذي دعاهم إلى أن ينصروه بأمر ربهم، ويكون المعنى لَا تضروا الرسول بتخاذلكم، وتثاقلكم شيئا، فإن الله تعالى ناصره، فإن لم يكن بكم فبغيركم (وَاللَّهُ عَلَى كلِّ شَيْء قَدِيرٌ) فهو قادر على أنْ ينصره بغيركم، ولكن بعد فنائكم وضرب الذلة عليكم.
وإن الإنذار الذي اشتملت عليه هذه الآية عام خالد، يشمل العصور كلها، فمن يوم أن اثاقلت الأمة الإسلامية عن الجهاد، وتركته، ضربت عليها الذلة،