المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا للعير، وإني أميل إلى التخريج الثاني لأنه يساوق اللفظ - زهرة التفاسير - جـ ٦

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(69)

- ‌70)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(83)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(90)

- ‌(92)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(100)

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(109)

- ‌(111)

- ‌(113)

- ‌(115)

- ‌(116)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(119)

- ‌(120)

- ‌(124)

- ‌(126)

- ‌(128)

- ‌(129)

- ‌(131)

- ‌(132)

- ‌(133)

- ‌(134)

- ‌(135)

- ‌(141)

- ‌(143)

- ‌(146)

- ‌(147)

- ‌(149)

- ‌(151)

- ‌(152)

- ‌(153)

- ‌(156)

- ‌(158)

- ‌(160)

- ‌(161)

- ‌(162)

- ‌(164)

- ‌(165)

- ‌(166)

- ‌(168)

- ‌(169)

- ‌(170)

- ‌(172)

- ‌(173)

- ‌(174)

- ‌(177)

- ‌(178)

- ‌(180)

- ‌(181)

- ‌(183)

- ‌(184)

- ‌(185)

- ‌(186)

- ‌(188)

- ‌(190)

- ‌(191)

- ‌(193)

- ‌(194)

- ‌(196)

- ‌(197)

- ‌(198)

- ‌(200)

- ‌(201)

- ‌(203)

- ‌(205)

- ‌(سُورَةُ الْأَنْفَالِ)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(70)

- ‌(71)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(سُورَةُ التَّوْبَةِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(63)

الفصل: لا للعير، وإني أميل إلى التخريج الثاني لأنه يساوق اللفظ

لا للعير، وإني أميل إلى التخريج الثاني لأنه يساوق اللفظ ولا يحتاج إلى تأويل، ولا تأباه الألفاظ، ومؤداه أنه كما وجد فريق من المؤمنين كاره للخروج من بيتك لتتبع الحير، وجدت كراهية القتال عند إرادة الحرب، ويكون قوله تعالى:(كمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ) متعلقا بقوله تعالى:

ص: 3069

(يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ‌

(6)

ونقف هنا عند أمرين: أولهما - أن الله تعالى ذكر الحق بالحق مرتين:

أولاهما - (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ) أتى بالأمر الثابت الذي هو الحق في ذاته، والحق في رفع شأن الدين، والحق في مصلحة المؤمنين، والحق في أنه أمر الله تعالى وإرادته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أراده من ذات نفسه، وإنما أراده الله تعالى له، وهو ربه الذي خلقه ورباه وهو أعلم بمصالحه ومصالح المؤمنين والإسلام، وإعزازه تعالى كلمة الحق، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا.

ثانيهما - عندما ذكر الجدال في قوله تعالى: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ).

والحق هنا هو أمر القتال فقد فرت منهم العير التي خرجوا إليها ليأخذوها، وبدا لهم النفير، فبدل أن يلقوا عيرا ينقلوها، لقوا جيشا يقاتلونه، وذلك هو الحق الثابت الذي فيه الشوكة إن انتصروا، والصبر عند الصدمة، وقد جادلوا في هذا مع أنه صار أمرا لَا مناص منه.

وفى الحق كانت قوة الكفر مسيطرة، وما كان للمؤمنين قِبَلٌ بها لولا تأييد الله تعالى ونصرته، فالخوف كان لَا بد منه، وليس الشجاع هو الذي لَا يخاف، إنما الشجاع هو الذي يقدر قوة عدوه ويخافها، ولكن يدبر للقائها، ويعمل على التغلب عليها، ولقد كان جدلهم في هذا منشؤه المحافظة على النفس كجدلهم حول الغنائم فمنشؤه الرغبة في الموت.

ص: 3069

وقد قال الله تعالى في تصوير خوفهم وتقديرهم للِّقاء (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) فقد شبه سبحانه وتعالى حالهم بحال من يساق إلى الموت، وهو مشدوه ناظر إليه، متوقع له كأنه يراه رأي العين، وأنه نازل به لَا محالة. ولقد تجسم لديهم الخطر، كأنه نازل بهم لَا محالة، ولا منجاة منه، وإن رضوا بالفداء فالله سبحانه وتعالى يبين لهم أن ثَمَّة خطر، ولكن ثمة أيضا وعد الله تعالى بالنصر والتأييد وثمة الإيمان الثابت الذي تزلزلت معه الجبال ولا يتزلزل.

وإن الله تعالى يدعوهم في هذا إلى الصبر والاطمئنان إلى وعد الله تعالى وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبث فيهم روح الاطمئنان والأمن، ولكنه كان يريد أن يتثبت من اعتزامهم اللقاء وطلبهم للنصر، وطاعتهم له.

ويروى الحافظ ابن كثير وأصحاب السِّير الصحاح أنه لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر فرار العير إلى سيف البحر، ومجيء جيش المشركين وكان النزال لابد منه أراد صلى الله عليه وسلم أن يتثبت من جيشه فاستشار من معه وأخبرهم عن قريش.

فقال أبو بكر، فأحسن القول، ثم قام عمر فقال فأحسن.

ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: امض يا رسول الله لما أمرك الله به فنحن معك، والله لَا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى:(فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (مدينة بالحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا، ودعا له بخير.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشيروا عليَّ أيها الناس "، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، وكان رسول الله يتخوف من ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى

ص: 3070

عدوهم من بلادهم، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك. قال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال: " أجل ". قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله كما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى بك عدونا غدا، إنا لصُبُر عند الحرب صُدُق عند اللقاء، ولعل الله تعالى يريك منا ما تقر به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله تعالى، فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه، وقال:" سيروا على بركة الله "(1).

انظر إلى حكمة القائد المحنك لَا سير إلا بعد أن يعرف أن إرادة جيشه قد اجتمعت على الحرب.

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)

لقد أراد الله تعالى أن يعز الإسلام، ويضع الحواجز المانعة من أن يستمر الشرك في غيه، لقد طاوَلهُ النبي صلى الله عليه وسلم، وصابَرَهُ في مكة، وتحمل أذاه حتى كون الله للإسلام شوكة في المدينة دار الإيواء والنصرة، فكان لَا بد من بعد ذلك من وضع حد للطغيان، ووقف للفتنة فكان لابد من القتال. كانت عير لمكّة تذهب إلى الشام وتمر على المدينة أو على مقربة من المدينة وكانت فيها أموال كثيرة لقريش، فاراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها المسلمون بدل الأموال التي أخرجوا منها، ولأنه لَا سلم بينهم، ولأنهم أباحوا دماء المسلمين في مكة وأموالهم، فكان حقا أن تباح دماؤهم وأموالهم، خرج نحو ثلاثمائة لمصادرة العير، فانفلت بها المشركون وعلى رأسها أبو سفيان، ولكنه كان قد أرسل إلى مكة يستنفرها لتحمي عيرها، فنفرت بجيش كبير اتجه إلى بدر، ومع أن العير قد نجت فقد أصر الحمقى من المشركين على غزو المدينة، ونسوا المآل والرحم فكان اللقاء أمرا لابد منه.

(1) البداية والنهاية: ج 4، ص 60، وتاريخ الطبري): ج 1، ص 954، وقصص الأنبياء: ج 1، ص 360.

ص: 3071

ولقد كان بعض المؤمنين، وخصوصا الذين أخذت أموالهم يودون العير، ولم يريدوا القتال لأنها غنيمة أتت إليهم، وأنفلهم الله إياها، ولأن القتال كره لهم، والنفس المؤمنة رقيقة تكره الدماء، وكما قال تعالى:(كتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُو كرْهٌ لَّكمْ)، وإن كان خيرا في مثل حال المشركين معهم ولذلك كانوا يودون العير، لَا الحرب، وتلك هي الفطرة، وقال تعالى:

ص: 3072

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ).

وعد الله تعالى إحدى الطائفتين إما طائفة العير وإما طائفة النفير، والطائفة هنا الجماعة، والمراد هنا جماعة العير يأخذونها بما معها من مال، أو جماعة الحرب يقتلون ويأسرون فيهم، ويغنمون أموالهم، ولكن فيها الشوكة والقوة وإذلال المشركين.

وهم يودون السهلة الهينة الخالية من الدماء، ولكن ليس فيها شوكة، ويختار الله تعالى لهم ما فيه الشوكة.

وعبر عن القوة بالشوكة على سبيل المجاز؛ لأن نتيجة الحرب ستكون رهبة للمشركين تجعلهم يتحفظون في معاملة المسلمين، ولا يقدمون على إيذائهم إلا إذا أقدموا على أمر خطير يشوكهم قبل أن ينالوه، فلا يكون طُعمة تؤكل أو تُنتهز الفرص لأكلها.

وقد عبر الله سبحانه وتعالى عن إرادتهم العير بقوله تعالت كلماته (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكون) أي تودون العير وهي تعطيكم مالا، ولا يكون لكم بأخذها قوة ترهبهم، فهي ما لَا حماية ولا عزة فيها، وعبر سبحانه وتعالى عن إرادتها بقوله:(وَتَوَدُّونَ) أي تحبون مائلين للعير، للمعاني التي ذكرناها.

ص: 3072

وفى هذا التعبير إشارة إلى معنى من معاني العتب، وتنبيه إلى أن الواجب هو طلب القوة، لمن كان المشركون يستضعفونهم، فيبدل الله تعالى من خوفهم أمنا، ومن استضعافهم قوة، وتمكينا في الأرض؛ ولذلك يقول الله تعالى:(وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ).

عبر الله تعالى بقوله يودون في جانبهم، وعبر بقوله (يرِيدُ اللَّهُ) دون " يود " للإشارة إلى أن ذلك من جانب الله إرادة، وإرادة الله نافذة وهي المصلحة وهي الخير، وكان التعبير في جانبهم بقوله:(وَتَودُّونَ) للإشارة إلى أنه مجرد ود، ولم يصر إرادة، وكيف يريدون ما لم يرد الله تعالى، وكيف وهم المؤمنون حقا وصدقا، وإرادة الله إعلاءً لهم، وميلهم ميل إلى ما هو أدنى.

وقد عبر سبحانه عن إرادة الشوكة والقوة بقوله:

ص: 3073

(لِيحِقَّ الْحَقَّ) أي أراد سبحانه وتعالى ذات الشوكة، ليقوى الحق ويثبته ويؤيده ويؤكده، وليكون له الكلمة العليا، وتكون كلمة الذين كفروا هي السفلى، فمعنى إحقاق الحق إعطاؤه حقه من التأييد والتثبيت والنصر والاستعلاء على الباطل وخفض نقيضه. وذكر الله تعالى نتيجة إحقاق الحق وليقطع دابر الكافرين؛ وذلك لأن نصر الحق وإعلاءه خبصٌ (1) للكفر شيئا فشيئا، حتى تذهب قوته ليجتث من أرض العرب احتثاثًا، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله تعالت كلماته:(وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) الدابر هو الخلف، وعبر بذلك كناية عن أن لَا يبقى من الكافرين من يجهر بكفره، ويعاند الله تعالى، ويستعلى عليه، وذلك فيه تشبيه للكفر بالجيش الذي يولِّي مدبرًا، ويقاتل بقناه (2) حتى يقضى عليه بقطع أدباره والقضاء عليه.

هذا ما أراده الله تعالى، وذلك ما كانوا يودونه، وقد أراد الله تعالى لهم العزة، فكان النصر المؤزر، وكانوا قليلًا فكثَّرهم الله، وقوله:(بِكَلِمَاتِهِ)، أي بالقرآن الذي هو حجة، فالتأييد تأييد للقرآن الكريم.

ثم أكد سبحانه معنى تأييد الحق، فذكر أنه سنة الله في تأييد الإيمان، وإبطال الشرك وهو الباطل: فقال عز من قائل:

(1) أي القفاء عليه شيئا فشيئا، من خبص خبصا: مات. لسان العرب.

(2)

أي يَسلب سلاح العدو ويُقاتل به.

ص: 3073

(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ

(8)

(اللام) هنا لام العاقبة، وهي تدل على الباعث على القتال، و (الحق) هنا هو الدين الثابت، و (الباطل) هو الشرك المفترى، والمعنى لتكون عاقبة القتال الذي هو الحق المؤيد للحق الذي أراده الله، وهو ذات الشوكة أن يثبت الحق ثبوتا دائما مستمرا ما دام أهل الإيمان مستمسكين، ويبطل الشرك وهو الباطل مستمرًا، (وَلَوْ كرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ولو كان ذلك رغم المجرمين الذين يجرمون في الأرض فيفسدون فيها ولا يصلحون ونجد هنا أن المجرمين مكرهون على قبول بما يقع، ولو كان وبلاء. وعبر هنا بالمجرمين، وفي الآية السابقة بقطع دابر الكافرين، وذلك لتنوع عنادهم وتعدد صوره، فهم كافرون لجحودهم مع قيام البينات، وهم مجرمون مفسدون لفتنتهم المؤمنين، فإذا كان الكفر تعديا على أنفسهم، وهم به كافرون، فالفتنة تعد على غيرهم، وهم بها مجرمون.

والحق الذي أحقه الله وثبته هو الجهاد وطلب ذات الشوكة، ولذا اقترن بها قطع دابر الكافرين، والحق الثاني هو الدينِ الحق، وتثبيته وإبطال الباطل، وهو منع الفتنة، كما قال تعالى:(وقَاتِلُوهُمْ حتَّى لَا تَكُونَ فتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كلُّهُ للَّه).

* * *

المعركة

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 3074

سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)

* * *

كان النص القرآني السامي يحث المسلمين على أن يطلبوا الجهاد، بطلب الطائفة ذات الشوكة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمامهم يستحثهم ويستوثق منهم، حتى لَا تغلبهم الدنيّة في دينهم، وقد ظهر أنهم يودون غير ذات الشوكة، حتى إذا دنت الواقعة كان مع الاستعداد بالقلوب، والاطمئنان كان لابد من الالتجاء إلى الله تعالى ليكون الغوث، وليكون النصر، فهم مؤمنون، وليسوا مغرورين؛ ولذلك لابد من الالتجاء إلى الله، وخصوصا من الرسول الذي أحس بأن عليه العبء الأكبر، فاستغاث هو ومن معه بالله، وكان هو أظهرهم. قال تعالى:

ص: 3075

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).

والاستغاثة طلب الغوث، و " إذ " ظرف يكون للماضي، وهو هنا للماضي المتصل بالحاضر، كما في قوله تعالى:(وَإِذْ يَعِدُكمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ. .) وجاء المضارع بعدها لتصوير الاستغاثة وأنها كانت التجاءً متجددًا مستمرا لله تعالى.

وقد روت السنّة استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانت ضراعة له سبحانه وتعالى، وروى مسلم والإمام أحمد، وغيرهما من الصحاح عن عمر بن الخطاب أنه قال: " لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة، وعليه رداؤه وإزاره، ثم

ص: 3075

قال: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لَا تعبد في الأرض أبدًا " فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك " (1).

هذه هي استغاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي استغاثة من معه، فهو إمام الصلاة استغاثته استغاثة لهم، كما أن الإمام قراءته قراءة للمأمومين، وإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما اتجه إلى الاستغاثة اتجه إلى القبلة، وكأنها صلاة، يمم وجهه فيها شطر المسجد الحرام.

وقد استجاب الله تعالى لاستغاثة نبيه، فقال تعالى:(فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).

(الفاء) للعطف الدال على الفورية، أي أن الإجابة كانت فور الدعاء، وكذلك دعاء النبيين ومن معهم من الصديقين والشهداء والصالحين.

والاستجابة يالسين والتاء هي شدة الإجابة كأحسن ما تجاب به الاستغاثة؛ لأنها استغاثة لله تعالى فهي إيمان لأجل قوة الإيمان وعزة المؤمنين، وقرنت الإجابة بما يدل على قوتها، فهي من ربكم الذي يكلؤكم، ويرعاكم، وذكر الاختصاص في قوله سبحانه:(لَكُم)، أي الإجابة لكم أنتم من ربكم ولا إجابة لغيركم لأنكم على الحق، وتدعون للحق.

وفسر سبحانه وتعالى الاستجابة بقوله: (أَنِّى مُمدكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) هنا ثلاث قراءات في (ألف)، فقرى بـ (ألْف)، ويكون الإمداد بألف من الملائكة على قدر عدد المشركين، فإنه إذا كان عددكم ثلاثمائة ونيفا وعددهم ألف، فقد أمدكم الله تعالى بألف من الملائكة، فيكون العدد في الحسبة متساويا أو تزيدون.

(1) رواه مسلم: الجهاد والسير - الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (1763)، والترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة الأنفال (81ْ3)، وأحمد: مسند العشرة - أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عه (208) عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

ص: 3076