الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه يكون من بعده الجزاء، فمن اهتدى فله الثواب، ومن ضل نزل به العقاب، ولذا قال تعالى:
* * *
(فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
(30)
* * *
يبين الله سبحانه وتعالى أن الناس عند عودتهم إلى فريقان: فريق هداه الله تعالى في الدنيا وفريق كان من أولياء المثحياطين، وحق عليه الضلالة.
و (فَرِيقًا هدَى) حال من (تعودون) في الآية، أي يعودون فريقا هداه الله تعالى، وفريقا حقت أي ثبتت عليه الضلالة، والفريق الذي هداه الله قد اتخذ الطريق المستقيم سبيلا، ولم يتخذ طريقا عوجا، فإنه يُضل، والفريق الذي ثبتت وتقررت عليه الضلالة، هو الذي اتخذ الشياطين أولياء له يودهم ويحبهم؛ لأنه اتجه إلى المعاصي يشتار عسلها، وجعل قلبه موطنا للشيطان يسكنه، ويغويه ليحقق قسمه لله تعالى بقوله:(. . . لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة أن الناس يولدون على الفطرة، والفطرة التي فطر الله الناس عليها مستقيمة دائما لَا تخرج عن سنن الحق بمقتضى العهد الفطري الذي أخذه على بني آدم من ظهورهم وذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا، وإن الشياطين هي التي تحولهم عن الفطرة إلى الضلالة، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: دزكل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه، أو يمجِّسانه) ((1)، وروى مسلم في حديث قدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم "(2)، فالله سبحانه خلق الخلق، وهم يدركون بفطرهم أن لهذا الكون خالقا، وأنه وحده الذي انفرد بالخلق والتكوين، وذلك بمقتضى الميثاق الذي أخذ عليهم بمقتضى الفطرة والغريزة، كما أشرنا.
(1) سبق تخريجه.
(2)
جزء من حديث رواه مسلم: (5109) من حديث عياض المجاشعي رض الله عنه. ورواه أحمد (17030) بلفظ (فأضلتهم عن دينهم).
وإن من يسلك طريق السعادة يتجنب الاستجابة للشيطان، ويستيقظ لفِتَنِه، فلا يمكنها من أن تسيطر عليه، وتستمكن من منازعه، وحتى مكن للشيطان من أَن يصل إلى توجيه فكره، ونفسه، وإرادته، فقد اتخذه من دون الله وليا، وقد روي في الصحيحين " من كان من أهل السعادة فيُيَسَّر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فيُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة "(1).
والآية الكريمة تقول: (فَرِيقًا هَدَى) ولم يذكر الفاعل وهو الله تعالى، تكرما من الله تعالى، يشير إلى أن الهداية ابتداء باتجاه من الذي هداه الله تعالى، كما أن أهل الضلالة قد حقت وثبتت عليه الضلالة بعمل ممن ضل وغوى، وقال سبحانه في أهل الغواية:(اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ) أي أنهم فتحوا قلوبهم وسخروا عقولهم وإراداتهم للشيطان، فكان لهم وليا من دون الله؛ لأنهم هجروا فطرتهم، وهجروا أوامر الله تعالى ونواهيه، ومعنى (مِن دونِ اللَّهِ) تعالى، أي من غير إطاعة الله.
ولقد قال تعالى في الآية السابقة: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)، وفي هذه الآية يقرر الله تعالى أن أهل الضلالة اتخذوا الشياطين أولياء، فالولاية ئبتت من الجانبين: الشياطين أرادوها للإغواء، وأهل الضلالة فُتِنوا بالإغواء، فاتخذوهم أولياء، وإنه لاتخاذهم الشياطين أولياء كان منهم ضلال فكري، بهذا الاتخاذ؛ ولذا قال تعالى:(وَيَحْسَبُونَ أَنَّهم مُّهْتَدُونَ) الضمير يعود على فريق الضلالة الذين حقت عليهم و (وَيَحْسَبُونَ) معناها يظنون متوهمين أنهم مهتدون، أي أنهم بسبب عملهم الإيجابي في اتخاذهم الشيطان أولياء من دون الله تعالى انقلبت أفهامهم، وأركس إدراكهم، فزين لهم سوء أعمالهم فحسبوه حسنا، فظنوا بأوهامهم أنهم مهتدون، وهذا شر أنواع الضلال، بأن يسير المرء في طريق الباطل، وهو يحسب أنه الحق والهداية.
(1) متفق عليه، وقد سبق تخريجه من رواية علي رضي الله عنه.