الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاف والصلب. وقد كنا نقرأ ذلك ونعجب من أن يكون هذا من فرعون، ويرضى به الشعب المصري، ولكن رأينا ما يقرب منه؛ من طاغية يحاكيه في غير عصره، ورأينا من الشعب المصري من يهلل ويكبر، ويعاون!!
هذا ما هدد به فرعون ونفذ واختص السحرة بذلك، لأنهم أول من تمرد عليه من الشعب، وخشي أن يسري التمرد فشدد العقاب، وترك موسى وأخاه مؤقتا؛ لأنهما لم يكونا من المصريين، بل كانا من بني إسرائيل، ومع ذلك سينتبه إليهم.
وماذا كان موقف من آمنوا عن بينة، وعرفوا الفرق بين السحر والمعجزة لقد قوي إيمانهم؛ لأن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، سكن فيها، ولا يستطيع أحد ولو كان فرعون، ومن يحاكيه أن يخرجه من الصدور، لأنه وديعة القوي الجبار الرحمن الرحيم.
(قالوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ).
(مُنقَلِبُونَ) أي عائدون إلى ربنا، وهو القوي، فنحن قد لجأنا إلى ركن لا تقوى عليه أنت ومن معك ممن ألفناهم أتباع ظلم وظغيان، إنا عائدون إليه، وسيكون لنا النعيم الخالد، وهو يعوضنا من أذاك، وقد تحررت قلوبنا ورقابنا من طغيانك، يا من ألعن مَن في هذه الأرض، ومعك من يحاكيك عن جهل (أو عن علم) في غير عصرك.
ثم عللوا طغيان فرعون فقالوا:
(وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا
…
(126)
أي ما أخذوا علينا إلا حقا، نقموه علينا هو أننا آمنا بالمعجزة أو هي من آيات الحق التي جاء بها موسى، وهي آيات ربنا.
وأعلنوا صبرهم على الأذى ضارعين إلى ربهم قائلين: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) ربنا أفرغ علينا صبرا، أي أنزل علينا صبرا يملأ فراغ قلوبنا، وتوفنا مسلمين مخلصين لك يا رب العالمين.
* * *
الملأ من حاشية فرعون يحرضونه
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
* * *
ذكرنا أن حاشية الطغاة لَا تقف من الطاغي موقفا سلبيا، أو محايدا، بل إنهم يحرضونه مرضاة له، وطلبا لما ينفذه إجابة لهم، فهم لَا يهمهم إلا أن يأخذوا منه ما يشبع نهمتهم، وليسوا مخلصين له يمنحونه النصيحة، إنما هم المالئون له في باطله، لم يكف الملأ والحاشية ما أنزله بالسحرة، أو ما هم أن ينزله بهم، بل نبهوه إلى موسى وقومه من بني إسرائيل، وأرادوا اجتثاثهم من الأرض، قالوا محرضين:
(أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) أي أتترك موسى وأخاه وقومه من بني إسرائيل ومآل ذلك الترك أن يفسدوا في الأرض بإشاعة التمرد عليك، والانتقاض على حكمك والخروج عليك، وذلك فساد أي فساد، فاللام في قوله تعالى:(لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) هي ما تسمى لام العاقبة، أي أتتركهم لتكون عاقبة الترك أن يؤلبوا الناس عليك، وينتفضوا على حكمك.
والاستفهام هنا إنكاري لإنكار الواقع، وهو بمعنى لَا ينبغي لك أن تترك موسى وقومه يؤلبون عليك.
هكذا حرضوا فرعون على بني إسرائيل ذلك التحريض الخبيث ليزدلفوا إليه، وكذلك الحاشية المفسدة تسبق إلى فكر الطاغي، ليتوهم إخلاصهم له، وما هم إلا الممالئون المنافقون الكذابون، ولم يكتفوا بالتحريض على بني إسرائيل، بل علا التحريض إلى موسى، وجاءوه من جهة ما، فقالوا عن موسى:(وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ).
أي بتركك موسى، فيخرج عليك غير طائع لك، بل معاند، ومجاهر بالمخالفة وإنكار ألوهيتك، في أول دعوته ويترك آلهتك، ولقد كان لأهل مصر عدة آلهة كبيرهم الإله رع، وقالوا: إنه يحل في فرعون، وينتقل بينهم من سلف إلى خلف، والمعنى لَا ينبغي أن تتركه وقد تركك بالخروج عليك، وعلى آلهتك المقدسة، وقال: إن الله واحد أحد.
استجاب فرعون الطاغي لهم، لأنها رغبته، وقد سبقوه إلى ذكرها، ممالئين مزدلفين إليه بالباطل.
(قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)
قال سنقتل الأبناء ونترك النساء، وسمي تركه النساء استحياء لهن، وهو لا يحيي ولا يميت، تركهن ليكُنَّ جواري وخدما في البيوت، وأكد قدرته على ذلك وإذلاله لهم بقوله وإنا فوقهم، المسيطرون عليهم، الذين نستطيع استئصال من نحب، وإبقاء من نحب أذلاء مقهورين، وهنا قد يسأل سائل: لماذا ترك موسى وهو الرأس فلم يقتله وأخاه؟.
ونقول في الإجابة عن ذلك: إن موسى تربى في قصر فرعون، فكان له فيه أولياء، وكان على رأسهم امرأة فرعون، فكانوا يخذلونه عن أن ينزل به أذى، أو يقتله مثلا.