الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة في المبادئ
التاريخ لغةً: تعريف الوقت وعرفًا تعيينه بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع، لمعرفة ما بينهما من الأوقات، وعلم التاريخ والوفيات معرفة أحوال الطوائف والأشخاص وبلدانهم وأنسابهم وصنائع أفرادهم وأعمارهم وأزمانهم، إلى غير ذلك، وفوائده أكثر من أن تحصى، منها الاستدلال به على كثير من الأمور، كما استدل الخطيب البغدادي بتاريخ إسلام معاوية ووفاة سعد بن معاذ على تزوير دعوى اليهود وحجَّتهم في إسقاط الجزية عنهم.
وكذا ما روي عن أهل الحديث أنهم استدلوا بتاريخ المولد والوفاة على صدق دعوى الرواة وكذبهم في السماع والمُلَاقَاة، ولذلك كانوا يهتمون في ضبط أوقات الأخذ والوفاة وأوان السماع والمُلَاقاة ويقولون: علم الرجال نصف علم الحديث.
وعن سفيان الثّوري أنه قال: لما استعمل الرُّواة الكذب استعملنا لهم التأريخ (1).
وكان الصحابة والتابعون فمن بعدهم يتفاوضون في حديث من مضى ويتذاكرون ما سبقهم من الأخبار وانقضى.
قال مُصْعَب (2): ما رأيت أحدًا أعلم بأيام الناس من الشافعي (3).
ويروى عنه أنه أقام على تعلم أيام الناس والأدب عشرين سنة، وقال: ما أردت بذلك إلَّا الاستعانة على الفقه.
وقال نُعيم بن حَمَّاد: وكان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف استوحش وأنا مع النبي عليه السلام وأصحابه والتابعين (4).
(1) انظر "الكفاية في أصول علم الرواية"(193).
(2)
هو مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير القرشي الزُّبيري النسَّابة الأخباري. مات سنة (236 هـ). انظر "سير أعلام النبلاء"(11/ 30) و"شذرات الذهب"(3/ 167).
(3)
انظر "مناقب الشافعي" للبيهقي (1/ 488).
(4)
يريد بذلك عمله في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام النووي في "تهذيب الأسماء [واللغات] "(1): اعلم أن لمعرفة أسماء الرجال وأحوالهم [وأقوالهم] ومراتبهم فوائد كثيرة:
منها: معرفة مناقبهم وأحوالهم، فيتأدب بآدابهم ويقتبس المحاسن من آثارهم.
ومنها: مراتبهم وأعصارهم، فينزلون منازلهم ولا يقصر العالي في الجلالة عن درجته ولا يُرفع غيره عن مرتبته.
وقد قال الله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (2).
وثبت في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليَليني منكم أُولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يَلُونَهُم، ثلاثًا"(3).
ومنها أنهم أئمتنا وأسلافنا، كالوالدين [لنا] وأجدى (2 / أ- ب) علينا في مصالح آخرتنا، فقبح (4) بنا أن نجهلهم وأن نهمل معرفتهم.
ومنها أن يكون العمل والترجيح بقول أعلمهم وأورعهم إذا تعارضت أقوالهم.
ومنها بيان مصنَّفاتهم وما لها من الجلالة وعدمها والتنبيه على مراتبها وفي ذلك إرشاد للطالب إلى تحصيلها وتعريف له بما يعتمده منها وتحذيره مما يخاف الاغترار به وغير ذلك. انتهى
والكتب المؤلَّفة فيه كثيرة جدًا (5).
قال الإمام الرافعي في "تاريخ قزوين"(6): كتب التواريخ ضربان، ضرب تقع العناية فيه بذكر الملوك والسادات والحروب والغزوات ونبأ البلدان وفتوحها والحوادث العامة، كالأسعار والأمطار، [والصواعق والبوائق والنوازل والزلازل] وانتقال الدول وتبدل الملل والنحل وأحوال أكابر الناس في المواليد والتهاني والتعازي.
وضرب يكون المقصد فيه بيان أحوال أهل العلم والقُضاة وفضلاء الرؤساء والولاة وأهل المقامات الشريفة والسِّيَر المحمودة، من أوقات ولادتهم ووفاتهم وطرف من مقالاتهم ورواياتهم وبهذا الضرب اهتمام علماء الحديث. انتهى.
(1) انظر "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 10 - 11) وما بين الحاصرتين في النص مستدرك منه وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
(2)
سورة يوسف: الآية (76).
(3)
رواه مسلم رقم (432)(123) في الصلاة: باب تسوية الصفوف وإقامتها، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتتمته:(وإياكم وهيشات الأسواق) وهيشات الأسواق: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. قاله الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم"(2/ 603).
(4)
كذا في (م): "فقبح" وفي "تهذيب الأسماء واللغات" مصدر المؤلف "فيقبح".
(5)
جاء في هامش (م) في هذا الموضع ما نصه: "من أراد أن يطلع على الكتب المؤلفة في الوفيات والطبقات وغيرها، فليرجع إلى تأليفنا المسمى بـ "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون".
(6)
انظر "تاريخ قزوين"(1/ 2) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار وما بين الحاصرتين في النص مستدرك منه.
ثم اعلم أن المدة المحررة بين هبوط آدم عليه السلام وبين الهجرة النبوية ستة آلاف سنة ومائتان وست عشرة سنة، على ما أثبته الماوردي في "أعلام النبوة" وتبعه الملك المؤيد في "تاريخه"(1) ووضع جدولًا مشتملًا على بيان المدد بين الوقائع، فأوردته ههنا ليستعلم أوقات الوفيات التي زمانهم قبل الهجرة ولو بالتقريب، وهو هذا:
جدول المدد بين التواريخ والوقائع
وأما الأقوال المختلفة في المدد فهذه على الإجمال من هبوط آدم إلى الطوفان عند بعض النصارى ألف ومائتان وعشرون سنة وثلاثة وعشرون يومًا وهو فاسد، وعند أكثر النصارى ألف ومائتان واثنان وأربعون سنة وذلك باطل أيضًا.
ومنه إلى الطوفان على ما ذُكر في التوراة السامرية ألف وثلاثمائة وسبع سنين، وكان لستمائة خلت من عمر نوح عليه السلام، وعاش آدم عليه السلام تسعمائة وثلاثين سنة باتفاق، فيكون نوح على حكم هذه التوراة أدرك من عمر آدم فوق مائتي سنة، فنوح قد أدرك جميع آبائه إلى آدم وهذا باطل.
ومنه إلى الطوفان على توراة العبرانية ألف وخمسمائة وخمس وستون سنة.
(1) انظر "المختصر في تاريخ البشر" لأبي الفداء (6/ 1).
ومنه أيضاً -وكان ليلة الجمعة- إلى الطوفان المدة المحررة عند اليهود ألف وستمائة وخمسون سنة، وولادة إبراهيم عليه السلام على مقتضى توراة العبرانية سنة ألف وثمانمائة وسبع وخمسين وذلك فاسد.
ومنه أن الطوفان على مقتضى توراة اليونانية ألفا سنة ومائتان واثنان وأربعون سنة، وهو الصواب على ما استخرج من "المجسطي" بنقصان سنتين.
وولادة إبراهيم عليه السلام على توراة السامرية كانت بعد ألفين وماتين وثمانين سنة، فإنها تنبئ أن من انقضاء الطوفان إلى ولادته عليه السلام تسعمائة وثلاثة وسبعين سنة.
وتاريخ الإسكندر على قول اليهود ألفان وأربعمائة وثماني وأربعون سنة، وكانت وفاة موسى عليه السلام بالاتفاق بعد ألفين وسبعمائة وخمسة وثمانين سنة. ووفاة موسى عليه السلام على ما استُخرج من "المجسطي" كانت بعد ثلاثة آلاف وسبع وثمانين سنة، وكانت ولادة إبراهيم على توراة اليونانية بعد ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاث وعشرين سنة.
[و] تاريخ إسكندر على ما استُخرج من "المجسطي" بعد ثلاثة ألاف ومائتين وأربع سنين. وعصر موسى عليه السلام على ما استخرج من "المجسطي" بعد ثلاثة آلاف وثمانمائة سنة. ووفاة موسى عليه السلام على مقتضى توراة اليونانية ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمان وستون سنة، فبينه وبين مولد إبراهيم عليه السلام بالاتفاق ما ذكر في الجدول.
وتاريخ الإسكندر على قول النصارى كان بعد أربعة آلاف ومائة وثمانين سنة والهجرة النبوية على اختيار المنجمين كانت بعد أربعة آلاف وأربعمائة واثنين وتسعين سنة والهجرة بحكم توراة العبرانية- واختاره بعض المُوَزِّخين- كانت بعد أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعين سنة.
وابتداء ملك بُختنَصَّرْ على توراة اليونانية كان بعد أربعة آلاف وسبعمائة واثنين وأربعين سنة والهجرة على مقتضى توراة السامرية، واختاره بعض أهل النجوم بعد أربعة آلاف وثمانمائة وثمانين سنة، والهجرة على اختيار المورِّخين (3 / أ- ب) وقيل هو حكم توراة السامرية بعد خمسة آلاف ومائة وسبع وثلاثين سنة، وينقص اختيار المنجمين عن هذه الجملة مائتان وتسع وأربعون سنة.
وولادة المسيح عند المجوس كانت بعد خمسة آلاف وثلاثمائة وست وأربعين سنة، وذلك بعد خمس وستين سنة للإسكندر. قاله ابن الأثير (1).
(1) انظر "الكامل في التاريخ"(1/ 307) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
وولادة المسيح عند النصارى كانت بعد خمسة آلاف وخمسمائة وأربع وثمانين سنة، وذلك بعد ثلاثمائة وثلاث سنين للإسكندر. قاله ابن الأثير أيضًا (1).
ومولده -على ما وجد المسعودي (1) في تاريخ النصارى الملكية- كان بعد خمسة آلاف وستمائة وسبع سنين.
وهجرة النبي عليه السلام كانت بعد خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وستين سنة. قاله أبو معشر (2) وكوشيار (3) وغيرهما من المنجمين، على أن يكون بين الطوفان والهجرة ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة كما في "الزيج المأموني".
والهجرة على ما استخرج بعضهم من أوساط الكواكب في "المجسطي" كانت بعد ستة آلاف ومائة وست وعشرين سنة.
والهجرة على مقتضى توراة اليونانية -وعليه العمل- كانت بعد ستة آلاف ومائتين وإحدى عشرة سنة.
ثم اعلم أن سبب هذه الاختلافات في المدة أنهم وضعوا تواريخ متجددة بواسطة الفترات، فالقدماء وضعوا من هبوط آدم عليه السلام، ثم من الطوفان، ثم من نار إبراهيم. وبنو إسرائيل وضعوا من مبعث موسى عليه السلام.
وقوم منهم اعتبروا من غَرَق فرعون، وبنو إسمعيل من بناء الكعبة، واليونان والروم من إسكندر، وأهل اليمن من ظهور الحبشة، والقبط من تغلب بختنصر، وقريش من وقعة أصحاب الفيل.
وكان كلما وضع تاريخ جديد تُرك القديم وينسى. ولم يرد من المُخبر الصادق رواية صحيحة في مدة ما تقدم من الزمان. والحكماء ينكرون أول الخلق وآخره وأهل الشرع يقولون بأوله وآخره ولم يعينوا لعدم [وجود] القاطع.
وأهل الهند والصين يقولون بتعدُّد آدم وأولاده، وزعموا أنه كلما انقرض نسل ظهر آدم اَخر ونسله بلغةٍ أخرى، وسببها أيضًا أن من هبوط آدم إلى وفاة موسى عليه السلام لا يُعلم إلا من التوراة والتوراة مختلفة على ثلاث نسخ: السامرية والعبرانية واليونانية. وما بين وفاة
(1) أي في كتابه "إخبار الزمان" فيما نرجح وهو مخطوط لم ينشر بعد.
(2)
هو جعفر بن محمد بن عمر البَلْخي أبو معشر، عالم فلكي مشهور، كان إمام وقته في فنه، وله تصانيف في علم النجامة منها "المدخل" و"الزيج" و"الألوف". وكان أعلم الناس بتاريخ الفرس وأخبار سائر الأمم وعُمِّر طويلًا ومات سنة (272 هـ). انظر "وفيات الأعيان"(1/ 358 - 359) و"الأعلام"(2/ 127).
(3)
هو كوشيار بن لبان الجيلي أبو الحسن، مهندس فلكي، من العلماء، صنّف مصنفات مختلفة منها "الزيج الجامع" و "الاصطرلاب" وغيرها. مات سنة (350 هـ) وقيل غير ذلك. انظر "تاريخ حكماء الإسلام"(43) و "الأعلام"(5/ 236).
موسى إلى ابتداء ملك بختنصر يعلم من المنجمين، وهم أيضًا مختلفون في ذلك، ويعلم أيضًا من سِفر قضاة بني إسرائيل، وهو أيضًا غير محصَّل.
وأما ما يؤخذ عن المورِّخين قبل الإسلام فمضطرب أيضًا، فإنهم أرَّخوا بابتداء ملوكهم فكثرت ابتداءات تواريخهم وفسدت بسبب ذلك فسادًا لا يُطمع في إصلاحه، مع بعد العهد وتَغَيُّر اللغات وعدم [وجود] الكتب المُوَلَّفَة في هذا الفَنِّ، فتعذر التحقيق.
ثم إن من التواريخ ما هو دائر بين أقوام، كالهجري والرُّومي والجلالي، ومنها ما هو دائر بين قوم مخضرمين، كـ"تاريخ القبط" لأهل مصر و "تاريخ الميلاد" للإفرنج. ومنها ما هو شهري وسنوه شمسيين، كالجلالي والرُّومي. ومنها ما كانتا قمريتين كالهجري، ومنها ما كان شهوره قمرية وسنوه شمسية، كتاريخ اليهود والتواريخ الغير المشهورة أكثر من المشهورة وقد اشتهر التركي والقبطي والرُّومي والعربي والهجري والفارسي والجلالي.
فالتركي وهو أقدم التواريخ، لأن حكماء الصين والمغول وطوائف الترك جعلوا مبدأه من خلق العالم وجعلوا مدة العالم ثلاثمائة وستون وتآكل منها عشرة آلاف سنة وجعلوا كل تاريخهم اثني عشر دورًا وجعلوا لكل سنة حيوانًا سموه باسمه، على أن أحكامه منسوبة إليه ولما فيه من عدم الانتظام صار مهجورًا.
والقبطي: من زمن دِقْلَطِيَانُوس وهو من ملوك مصر ولا يتداول هذا التاريخ إلا أهل الحجاز وأهل مصر وقد سبق مدته في الجدول.
والرومي: ويقال له الإسكندري، لأن الروم أرَّخوا من خروج إسكندر اليوناني من بلاد مقدونية. واليونانيون أرَّخوا من وفاته بشهرزور، والمدة فيما بين المبدأين إحدى عشرة سنة شمسية وثلاثمائة وخمسة وعشرون يومًا، وشهور الروم -وهو تاريخ الميلاد- وشهور السريان متفقان في العدد والدخول. والسريانيون ينسبون شهورهم لأغسطس قيصر كما في "نهاية الأرب".
والعربي: من مبادئ متعددة إلى المبعث والهجرة كانوا (1) يزيدون في عدد الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر للنسيء، وكانوا يحلُّون الأشهر الحرم ويحرِّمون أشهرًا أُخر في عام آخر، فلا تنتقل الشهور من فصل إلى فصل ولا يتقاعدون عن الحرب ثلاثة أشهر، فبطل في الإسلام، وأسامي شهورهم وأيامهم مذكورة في محله.
(1) في (م): "وكانوا" وما أثبتناه أصح للسياق.
والهجري: على ما أخرج ابن عساكر (1) عن الشعبي أنه كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر رضي الله عنه: إنه يأتينا من قبلك كتب ليس لها تاريخ، فأرخ ما شئت، وشاور عمر رضي الله عنه، فقيل: أرخ لمبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقيل لوفاته، فقال عمر: بل نؤرخ لهجرته، فإنه فرق بين الحق والباطل، فأرخ به، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة علي ابن أبي طالب. وقال عثمان رضي الله عنه: أرِّخوا من المحرم أول السنة لأنه منصرف الناس من الحج وهو آخر الأشهر الحرم.
وقال ابن عساكر عن ابن شهاب (2): إن النبي عليه السلام أمر بالتاريخ يوم قدم المدينة. وقال (3): هذا أصوب لكن المحفوظ أن الآمر بالتاريخ عمر رضي الله عنه (4).
والفارسي: أوله من جمشيد، ثم كانوا يجددون ذلك في زمان كل سلطان عظيم لهم كما تفعل الروم وهكذا إلى زمن يزدجر آخر ملوكهم واستمر تاريخه واشتهر به وشهوره مشهورة.
والجلالي: ويقال (4 / أ- ب) له الملكي، من عهد جلال الدين ملكشاه السلجوقي وضعه فريق من المنجمين، كعمر الخيَّام وعبد الرحمن الخازن، فكبسوا سنة إحدى وسبعين وأربعمائة بناءً على السنة الشمسية وأسماء شهوره أسماء شهور الفرس وأولها من انتقال الشمس إلى الحمل. والبُعد فيما بين الرومي والهجري تسعمائة وعشر سنين.
والهجرة والقديم اثنان وثلاثون سنة والقديم والملكي أربعمائة وسبعة وأربعون سنة.
وقال المسعودي في "مروج الذهب": (5) والتباين [لذي] بين تاريخ بُختنصر و [تاريخ] يزدجر ألف وثلاثمائة وتسع وسبعون سنة فارسية وثلاثة أشهر، والذي بين تاريخ فيلقوس و [تاريخ] يزدجر تسعمائة وخمس وخمسون سنة وثلاثة أشهر وبين تاريخ الإسكندر وتاريخ يزدجر تسعمائة واثنتان وأربعون سنة من سني الروم ومائتان وتسعة وخمسون يومًا. وبين تاريخ يزدجر وتاريخ الهجرة من الأيام ثلاثة آلاف وستمائة وأربعة وعشرون يومًا، فأول هذه التواريخ تاريخ بُختنصر، ثم فيلقوس، ثم ابنه إسكندر، ثم الهجرة، ثم يزدجر. انتهى.
(1) انظر "تاريخ مدينة دمشق"(1/ 42 - 46)(طبعة دار الفكر ببيروت) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار وعبارة "صلى الله عليه وسلم" التي بين الحاصرتين زيادة منه.
(2)
انظر "تاريخ مدينة دمشق"(1/ 37) وابن شهاب (وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري أبو بكر) المتوفى سنة (124 هـ)، لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر من سمع منه، فالرواية مرسلة.
(3)
انظر "تاريخ مدينة دمشق"(1/ 38).
(4)
وهو ما تمَّ الإجماع عليه. انظر "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (7/ 268 - 269)(طبعة دار المعرفة ببيروت) ومقدمة التحقيق لكتاب "شذرات الذهب"(1/ 14).
(5)
انظر "مروج الذهب"(2/ 179) بتحقيق (يوسف أسعد داغر)، طبعة دار الأندلس ببيروت وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
ثم اعلم أن الدال على معين مطلقًا إما أن يكون مصدَّرًا بأب أو أم، كأبي بكر وأم كلثوم. وإما أن يشعر برفعة المسمى، كأنف الناقة وملاعب الأسنة والرشيد والمأمون والواثق والناصر وسيف الدولة وجمال الدين وحجة الإسلام ومَلِكِ النُّحَاة. وإما أن يشعر بضعة المسمى كشيطان الطارق والعَكَوَّك وجَحْظَه. وأما أن لا يشعر بشيء منهما، بل أجري ذلك لواقعة جرت مثل غسيل الملائكة وصالح جَزَرَة (1) والمُبَرّد وذي الرُّمَّة وحَيْصَ بَيْصَ وصُرَّدُرّ، فهذه الأقسام الثلاثة تسمى الألقاب وإلا فهو الاسم الخاص، كزيد وعمرو، وهذا هو العَلَم، وقد يكون العلم مفردًا وقد يكون مركبًا، إما من فعل وفاعل، كتأبط شرًّا وبرق نحره، وإما من مضاف ومضاف إليه، وإما من اسمين قد رُكّبا وجعلا بمنزلة اسم واحد، كسيبويه. والمفرد قد يكون مرتجلًا وهو الذي ما استعمل في غير العَلَمية، لمذحج وأُدد، وقد يكون منقولًا إما من مصدر، كسعد وفضل، أو من اسم فاعل، كعامر، أو مفعول، كمسعود، أو من أفعل التفضيل، كأحمد، أو من صفة كثقيف وسلول وقد يكون منقولًا من فعل ماض كشَمَّر، أو مضارع كيزيد. ومما يضطر إلى معرفته في كل فنِّ النسب هو (2) إضافة شيء إلى بلد، أو قرية، أو صناعة، أو مذهب، أو عقيدة، أو علم، أو قبيلة، أو والد، كقولك مصري ومِزّي ومنجنيقي وشافعي ومعتزلي ونحوي وزهري وخالدي.
والأصل في النسب النسبة إلى الآباء، ولما تعذَّر انتساب كل شخص إلى آبائه لجهالة أو هجنة ونحوهما أضيف إلى ما يلابسه من المكان أو الصنائع ونحوه.
وإنما تسمى نسبًا لأن المنسوب يعرف به كما يعرف الإنسان بآبائه وإنما زيد عليه حرف لنقله إلى المعنى الحادث عليه طردًا للقاعدة في التأنيث والتثنية والجمع.
وإنما اختصت الياء لأن أثر الإضافة في الثاني الجرّ والكسرة من جنس الياء، وإنما شددت لأنه أبلغ في المعنى من الإضافة وكسر ما قبلها توطئة لها. والمنسوب إما إلى مفرد أو غير مفرد، فإذا نسب إلى مفرد تقول في فَعْل فَعَليّ كَنَمَري، وشذ إنسي وبصري: بكسر الهمزة والباء وسُهلي ودُهري: بضم أولهما، وحِرْمي: بكسر الحاء وسكون الراء إلى حرم مكة. وفي مروروذي مَرْوَزي ورازي. ولا يقال في غير الإنسان إلا مروي. قاله ابن عصفور (3).
وفي فَعِل فَعَلي كما في النسبة إلى الصَّدف، وإنما فتحوا الدال مع كسرها في غير النسب لئلا يوالوا بين كسرتين قبل ياءين.
(1) هو صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي، الملقب بـ (جَزَرَة)، الحافظ الكبير، المتوفى سنة (293 هـ). انظر "سير أعلام النبلاء"(14/ 23 - 33) و"الأمصار ذوات الآثار"(91) و "شذرات الذهب"(3/ 396).
(2)
في (م): "وهو" وما أثبتناه أصح للسياق.
(3)
انظر "المُقَرّب"(2/ 67 - 68) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرّف.
وفي فُعْل فُعلي وشذّ روحاني في روح بضم الراء، وفي فُعُل بضمتين فُعُلي وشذّ أَفَقي بالفتح في الأفق. وإذا نسبت إلى مضاعف الثاني لم تعلّه، فتقول: رَبي في ربِّ. نصَّ عليه سيبويه.
والنسبة في فع بردّ ما حذف كأخوي وعدوي إلا ما كان من قبيل ما لا يرد فأنت مخير، كيدي ويدوي. وإن كان في آخره تاء إلحاقٍ أو في أوله همزة وصل تحذفهما، كابن وأخت، فتقول أخوي وبنوي، وإن لم تحذف الهمزة لم تردّ المحذوف، فتقول: ابني. وجاز لك التضعيف وعدمه في مثل كمّي إلا أن يكون ثانيه حرف لين موجب تضعيفه كلووي، فإن كان ألفًا ضغفت وأبدلت الثانية همزة كلاي، ويجوز قلب الهمزة واوًا. وتقول في فاعل فاعلي، وشذّ علوي وبدوي إلى العالية والبادية. وفي فعَّال فعَّالي، وشذّ شآم ويمان وتهام في الشام واليمن وتهامة. ومنهم من يقول بالياء. وفي فعال فعالي، وشذّ شتوي -بفتحتين- في الشتاء وحذفت تاء فَعْلَة فتقول: طلحي ومكّي في طلحة ومكة وحاريٌّ في الحيرة. وتقول في مفعل: مفعلي كمشرقي خلافًا للمبرَّد فإن الفتح مطرد في عين الرباعي عنده وعند سيبويه ومقصور على السماع والمطرد في فعيل مكبرًا ومصغرًا الأصل إذا كان اللام صحيحًا، كعقيلي وعقيلي، وقد يقال بضم الفاء وفتحها في المكبّر، كثقفي وشذّ في المصغر هُذليّ وسُلميّ وفقميّ وقرشيّ وملحيّ في هذيل وسُليم وفقيم وقريش ومليح، إلا في فقيم دارم ومليح خزيمة، فإنها تقول على الأصل والمطرد في فعول الأصل، كسلولي وعدوي. وتقول في فعيلة بحذف الياء كجهمي ومزني في جهينة ومزينة وشذّ رديني وعميري في ردينة وعميرة، إلا إذا فتحت فاؤه فتقول: خليفي في خليفة وتقول في أمية: أموي بضم الهمزة وفتحها على غير قياس وفي زنيته: زناتي وفي عبيدة: عُبَدي بضم العين وفتح الباء، وجُذُمي بضمتين في جُذيمة. وتقول في فعلان: فعلاني، كالرقباني واللحياني والشعراني، في النسبة إلى ما في الجسد إذا كان عظيمًا في هذه الأعضاء وشذّ منها رؤاسي. وتقول في خراسان خرسي وشذّ دَستواني وروحاني (5 / أ- ب) وصنعاني -بالنون- في دستوا وصنعا. وتقول في فعلل فعللي، كعَبْقَسي وعَبْشَميٌّ ومَرْقَسي وسَقْرَني ودربخي، في عبد القشى وعبد شمس وامرؤ القيس ودار البطيخ وسوق مارن وشذّ سقلي وسقشي في سوق الليل وسوق العطش وحذفت ألف فعلي خامسة فصاعدًا ورابعة إذا تحرك ثانية كحباري في حبارى، وإن كان ساكناً جاز حذفها وقلبها واوًا متصلة ومفصولة كدنيوي أو دنياوي في دنيا والمختار هو الأول وشذّ حُبَلي، بضم الحاء وفتح الباء في بني الحبلي من الأنصار وحَروري وجَلولي في حرورا وجلولا، وتقول في حل صفي وعدي بلا ردّ في صفة وعدة إلا ما كان معتل الآخر فوجب الرد كوشوي وفي فعو إذا كان الواو أو الياء بعد ألف، كشقاوة وسقاية وخولايا، تقول: شقاوي وسقاوي وخولاوي وفي فعل المقصور قلبت الألف واوًا فتقول: عصوي ورحوي والممدود إن كانت الهمزة أصلية سلمت
كقرائي وإن كانت بدلًا من ألف التأنيث قلبت واوًا كصحراوي في صحرا لأن التثنية قراآن وصحراوان وحمراي شاذ وإن كانت منقلبة أو زايدة للإلحاق جاز الترك والقلب، ككِسائي وكساوي وتقول في دستوا وروحا وصنعا وبهرا دستوايي وروحايي وصنعايي وبهرايي وبالنون أكثر وفي فعي إن كانت ياؤه ثالثة قلبت واوًا وفتحت عينه، كندوي في ندي، وإن كانت خامسة فصاعدًا كمعتدي، وإن كانت رابعة جاز حذفها وقلبها واوًا، كقاضي وقاضَوِي، والحذف هو المختار، وفي فاء كماء وشاء قلبت الهمزة واوًا فتقول: ماوي وشاوي وإذا نسبت إلى ما في آخره ياء النسبة حذفت وتجعل مكانها ياء النسبة ومن العرب من يحذف أوله ياءيه وتقلب الثانية واوًا بعد فتح العين واللام كشفعوي في شافعي ومرموي في مرمي وفي طيئ طائي.
قال سيبويه: ما أظنهم قالوا كذلك إلا فرارًا من إجتماع الياآت وأما النسبة إلى مركّبٍ، فإن كان جملة فعلية نسبت إلى صدر الجملة كتأبطي في تأبط شرَّاً وإن كان مضافًا أو مضافًا إليه والأول يتعرف بالثاني نسبت إلى الثلاثي، كبكري في أبي بكر، إلا في أبناء فارس، فتقول: بنوي وإن كانا قد جعلا بمنزلة زيد نسبت إليهما بصيغة منحوتة منهما وذلك مقصور على السماع، تقول في عبد الدار وعبد قيس وتيم اللاّت وعبد شمس وحضرموت: عبدري وعبقسي وتيملي وعبشمي وحضرمي، إلا إن خِفْتَ اللّبس في مثل امرئ القيس وعبد مناف، فتقول: أمري ومنافي وأجاز الجَزميُّ (1) النسبة إلى كل من الجزءين فتقول: حضري أو موتي وإن كان المركب تركيب المزج قلت به كالقسم الأول، كبعلي. وقال في بعلبك وقاليقلا (2). ومنهم من ينسب إليهما كرامي هرمزي في رامهرمز، وأما النسبة إلى المجموع، فإن كان مكسرًا ولم يكن له واحد من لفظه مثل عباديد وشماطيط، قلت: عباديدي وشماطيطي، فإن كان له واحد ولم يكن باقيًا على جمعيته قلت أنماري وأنصاري في أنمار وأنصار وإن كان باقيًا على جمعيته نسب إلى واحده فقلت في الفرائض فرضي وقد جاء كلابي في الشعر شاذًا وزعم الخليلُ (3) أن نحو ذلك مهلبي في المهالبة، فإن كان لا واحد له نسبت إليه كقولك رهطي، فإن جمعت الجمع رددته إلى ما كان عليه فتقول: في أنفار وأقوام: نفريّ وقومي وفي محاسن وأعراب محاسني وأعرابي، فلو قلت: عربي لتغير المعنى لأن الأعرابي لا يقع إلا على
(1) هو صالح بن إسحق الجَرْميّ النحوي أبو عمر. كان رأسًا في النحو واللغة، له كتاب في غريب سيبويه. مات سنة (225 هـ). انظر "شذرات الذهب"(3/ 115).
(2)
كذا في (م) وهو من القسم الذي انفردت به عن الأصل ولعل في الكلام نقصًا.
(3)
يعني الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، إمام اللغة والعروض والنحو، المتوفى سنة (170 هـ). انظر ترجمته في "شذرات الذهب"(2/ 321).
البدوي وإذا نسبت إلى أبناء فارس قلت: بنوي على الأصل وإن كان الجمع جمع سلامة غير علم حذفت الزيادتين فتقول: في زيدين زيدي وإن كان عَلَمًا قلت: زيدي وكذا في المثنى، فتقول زيداني علمًا وفي البحرين والنهرين والحصنين نهراني وبحراني وحصناني، فرقًا بينها وبين البحر والنهر والحصن وإن كان الجمع قد جعلت النون فيه حرف إعراب قلت في نصيبين وقنّسرين، نصيبيني وقنسريني وكذلك حكم سنين، فقلت سنهي وسنوي وسني وإن كانت النون حرف الإعراب قلت سنيني وإن كان الجمع سالمًا بالألف والتاء فاءن سميت رجلًا بتمرات قلت: تَمْري، بفتح الميم وإن كان جمعًا قلت تمَري بسكونها وقالوا في أذرعات أذرعي.
وأما المنسوب الشاذ فعلى ثلاثة أنواع:
الأول: ما كان حقه التغيير فلم يغيروه كقولهم في سليمة سليمي وفي حمرا حمرائي.
الثاني: ما كان حقه أن لا يتغير فغيروه كقولهم في هُذيل وسُلَيم هُذلي وسُلَمي وغير ذلك مما سبق. والثالث: ما كان حقه أن يتغير تغييرين من التغيير فغيروه تغييرًا آخر كقولهم في زنيته زناتي، وفي الحِيرَة وطييء حاري وطائي، وفي العالية علوي، وفي بني عبيدة عبدي، وفي جذيمة جذمي، وفي بني الحبلى من الأنصار حبليّ.
تنبيه: قد ألحقوا للمبالغة ياءً كياء النسبة فقالوا: أحمري ودواري، كما أنهم قالوا: علاّمة ونَسَّابة، فاشتبه، وكما أشركوا بين تاء المبالغة وياء النسب للمبالغة، فقد أشركوا بينهما في تمييز الجمع من الواحد حبشي وحبشٌ وزنجي وزنج وتركي وترك، كتمرة وتمر. وقد استغنوا ببناء فعَّال عن إلحاق ياء النسب كبزّار وعطَّار، وقد يجئ هذا الوزن بمعنى صاحب كذا كنَبّال، أي صاحب نبل، وببناء فاعل فقالوا: لابنٌ وتامرٌ بمعنى ذي لبن وذي تمر، وإذ قد عرفت العلم والكنية واللقب والنسبة فسردها يكون على الترتيب يقدم اللقب على الكنية، ثم العلم، ثم النسبة إلى بلد، ثم إلى الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى الاعتقاد، ثم إلى العلم أو الصناعة. والخلافة والوزارة والقضاء والإمارة والمشيخة كلها مقدم على الجميع، فتقول: أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبو العباس أحمد السامري البغدادي الشافعي الأشعري القرشي الهاشمي العباسي (1) والسلطان (6 / أ- ب) صلاح الدين (2)، أو الملك الظاهر (3)، أو الوزير فلان الدين والقاضي فلان الملة. وتقول في أشياخ العلم العلاّمة أو الحافظ أو المُسْنِد فيمن عمّر
(1) المتوفى سنة (622 هـ). ترجمته في "تاريخ الخلفاء"(530) و"شذرات الذهب"(7/ 172).
(2)
واسمه يوسف بن أيوب الأيوبي. مات سنة (589 هـ). انظر "شذرات الذهب"(6/ 488).
(3)
واسمه بيبرس التركي البندقداري. مات سنة (676 هـ). انظر "شذرات الذهب"(7/ 610).
والإمام أو الشيخ أو الفقيه، فإن كان النسب إلى أبي بكر رضي الله عنه قلت: القرشي التيمي (1) البكري ليكون التخصيص بعد التعميم وقد يكتفى بذكر الأخير لوجود العام في ضمن الخاص والأَوْلى التصريح في موضع الاشتباه، هذا هو القاعدة للمعرفة عند أهل العلم وإن جاء في بعض التراجم ما يخالف ذلك فلمصلحة وإلا فإنما هو من سبق القلم وذهول الفكر.
قاعدة: ذكرها البِقَاعي في "معجمه"(2) نقلًا عن شيخه ابن حجر، عن القاضي ابن خلدون في امتحان الأنساب أنه يجعل لكل مائة سنة ثلاثة رجال في النسب وأنه امتحن -بها- أنساب كثير من ذوي الأنساب الثابتة فلم تخرم وأما غيرهم فلا يكاد يصح فيهم فائدة كلما رفعت في الأسماء والنسب وزدت انتفعت بذلك وحصل لك الفرق.
فقد حكى أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني (3) قال: حججت في سنةٍ وكنت بمنى أيام التشريق فسمعت مناديًا ينادي يا أبا الفرج، فقلت لعله يريدني لكن لم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى، فهممت بإجابته ثم قلت في الناس قد يوجد من اسمه المعافى وكنيته أبو الفرج فلم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى ابن زكريا، فلم أجبه، فنادى بضم النّهرواني، فقلت: لم يبق شك في مناداته إياي، إذ ذكر كنيتي واسمي واسم أبي وبلدي، فقلت ها أنا ذا، فلما رآني قال: لعلك من نَهروان الشرق، فقلت: نعم، فقال: نحن نُريد نهروان الغرب، فعجبت من اتفاق ذلك، ولهذا نرى كثيرًا من أهل العلم بالتاريخ لا يفرّقون بين أمثال ذلك ويظنون الاثنين واحدًا وهو خبط عظيم.
واعلم أن المورِّخين إذا كتبوا ملكًا أو وزيرًا فمنهم من شكر ومنهم من أنكر، هذا شأن الناس في أفعال ملوكهم والحاكم أحد الخصمين غضبان منه إذا حكم بالحق فكيف السلطان وهم أيضًا ربما وضعوا من أناس أو رفعوا أناسًا، إما لتعصب أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو غير ذلك، والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل، قَلّ أن رأيت تاريخًا خاليًا من ذلك، بل أكثره مشحون بالتعصب المفرط.
ولذلك اشترطوا فيمن كتب التراجم والتاريخ شروطًا، منها الصدق، وإذا نقل [أن] يعتمد اللفظ دون المعنى وأن لا يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة وكتبه بعد ذلك وأن يسمي المنقول عنه، فهذه شروط أربعة فيما ينقله. ويشترط فيه أيضًا لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في التراجم من المنقول ويقصّر أن يكون عارفًا بحال صاحب الترجمة علمًا ودينًا وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جدًا. وأن يكون حسن العبارة، عارفًا بمدلولات الألفاظ.
(1) في (م): "القيمي" والتصحيح من "الأعلام"(4/ 102) ومصادره.
(2)
واسمه "عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران" وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما نعلم.
(3)
في كتابه "الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي" وترجمته في "شذرات الذهب"(4/ 483).
وأن يكون حسن التصور حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه وأن لا يطلبه الهوى فيُخيّل إليه هواه الإطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره والتحرز عن الهوى عزيز جدًا، وذلك إذا كان عنده من العدل ما يقهر به هواه ويسلك طريق الإنصاف، فهذه أربعة شروط أخرى، ولك أن تجعلها خمسة بزيادة الاستحضار على العلم وحسن التصور لأنه قد لا يحصل معهما حين التصنيف فهي تسعة شروط في المورخ وأصعبها الاطلاع على الشخص في العلم فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعلم مرتبته.
ومن الشروط أيضًا أن يقتصر على ما عرف من محاسن الرجل من غير تعرّض إلى شيء فيه انتقاصه أو مذمّته إلا ما فيه مصلحة دينية، وقد غفل عن ذلك غالب المؤرخين وهو خطأ كبير لأنه ليس إلا نميمة الأموات يأثم مرتكبها خصوصًا في حق العلماء وطلبة العلم كما في "الأنس الجليل"(1) فلا ينبغي أن يقبل قول مخالف في العقيدة أو المتعصب في المذهب وأكثر هذه الشروط مفقودة في أكثر المورخين وفي غالب التواريخ، سيما تواريخ المتأخرين وقلما تراها مجتمعة.
قاعدة: في مثل سِيبَوَيْه ونِفْطَوَيْه. ذكر البرهان الحلبي في "المقتفى شرح الشفا" إن أهل العربية يقولونها بواو مفتوحة، مفتوح ما قلبها، ساكن ما بعدها، لأنهما شيئان جعلا واحدًا، لأن آخره عجمي مضارع للأصوات فشبّه بغاق وأهل الحديث يقولون بواو ساكنة مضموم ما قبلها مفتوح ما بعدها، كراهية أن يقع في آخر الكلام وبه وآخرها هاء على القولين.
فائدة: الألقاب المقرونة بالدِّين ليست محصورة ولا مخصوصة بوضع تجري عليه، فلا يقال: لِمَ كان لقب هذا كذا، ولكلٍ أن يتلقب ما أراد غير أن قد صار. ثَمّ ألقاب اصطلح عليها في أسماء حتى صارت تلك الأسماء كالأعلام وجرت على الاستمرار والعادة في الاستعمال بحيث إنها إذا نقلت عن أسمائها إلى غيرها استنكرت وهذا ما وقع عليه الاصطلاح: بدر الدين، أسد الدين، سيف الدين، جمال الدين، عز الدين، شمس الدين محمدٌ غالبًا، نور الدين، موفق الدين، عليٌّ غالبًا. فخر الدين، رشيد الدين، عفيف الدين، عثمان. تقي الدين، شجاع الدين، كمال الدين. عمر. بدر الدين، جمال الدين الحسن. حسام الدين. الحسين. عز الدين، كريم الدين جعفر. صارم الدين، برهان الدين إبراهيم. شمس الدين، سابق الدين يوسف. صارم الدين داود. شهاب الدين، مجد الدين أحمد. زين الدين زبير. جمال الدين خالد. ركن الدين مسعود. صفي الدين عِمْرَان. نفيس الدين، زكي الدين، عفيف الدين سليمان.
(1) واسمه الكامل: "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" لمؤلِّفه مجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العُليمي، المتوفى سنة (928). انظر ترجمته ومصادرها في "المنهج الأحمد"(1/ 29 - 39).
ركن الدين ربيع. بهاء الدين جميل. ناصر الدين غالب، صمصام الدين سيف. فخر الدين شرف. روح الدين أنس. شمس الدين خليل. نصير الدين حمزة. نبيه الدين زكريا. هُمَام الدين عياش. نجم الدين بكر. شجاع الدين مُقاتل. (7/أ- ب) عماد الدين، جمال الدين سالم. مفضّل الدين مكرم. شرف الدين عيسى. صدر الدين عبد الله. بدر الدين محمود.
ثم اعلم أنك تكتب التاريخ لما فوق العشرة خلت ومضت، لأنهم يريدون أن مميزه واحدٌ وما دونها خلون، لأن المميز جمع ولما بعد العشرين لسبع إن بقين تأتي بلفظ الشك لاحتمال أن يكون الشهر ناقصًا أو كاملًا، وتكتب ثماني سنوات (1) وثماني عشرة سنة بإتيان الياء في الفصيح وتكتب في أول الشهر لليلة خلت منه أو لغرَّته، أو لمستهلّه، فإذا تحقق آخره كتبت انسلاخه أو سلخه أو آخره ولا بإضافة الأسماء إلى شهر وعدم الإضافة.
وقولهم بضع عشرة سنة، البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر.
* * *
(1) في النسخة (م): "وتكتب ثماني سنة" وهو خطأ من الناسخ والصواب ما أثبتناه.