الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورثَاهُ جَحْظَة (1) فَقَالَ:
فَقَدْتُ بِابْنِ دُرَيْدٍ كُلَّ فَائِدَةٍ (2)
…
لَمَّا غَدَا ثَالثَ الأَحجَارِ وَالتُّرَب
وَكُنْتُ أَبكِي لفَقْدِ الجُودِ مُنْفَرِداً (3)
…
فَصِرْتُ أَبكِي لِفَقْدِ الجُودِ (4) وَالأَدَبِ (5)
57 - القَاهِرُ بِاللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُعْتَضِد بِاللهِ أَحْمَدَ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ المُعْتَضدِ بِاللهِ أَحْمَدَ ابنِ المُوَفَّقِ طَلْحَةَ (6) بنِ المُتَوَكِّلِ.
استُخْلِفَ سنَة عِشْرِيْنَ وَثَلَاثِ مائَةٍ وَقت مَصْرع أَخِيْهِ المُقْتَدِر.
وَكَانَ أَسمَرَ مربوعاً أَصْهبَ (7) الشَّعر، طَوِيْلَ الأَنْفِ، فِيْهِ شرٌ وَجبروت وَطَيْشٌ.
وَقَدْ كَانَ المُقْتَدِرُ خُلِعَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِ مائَةٍ، فَبايعُوا القَاهرَ هَذَا،
(1) ستأتي ترجمته رقم / 84 / من هذا الجزء.
(2)
" في نزهة الالباء ": منفعة.
(3)
في " ذيل أمالي القالي ": مجتهدا، وفي " نزهة الالباء ": آونة.
(4)
في " إنباه الرواة ": الفضل.
(5)
البيتان في " ذيل أمالي القالي ": 49، " طبقات الزبيدي ": 201، " تاريخ بغداد ": 2 / 197، " نزهة الالباء ": 178، " إنباه الرواة ": 3 / 95.
" مرآة الجنان: " 2 / 284، " بغية الوعاة ":32.
(*) مروج الذهب: 2 / 513، تاريخ بغداد: 1 / 339 - 340، المنتظم: 6 / 241، 368، الكامل: 8 / 244 وما بعدها، النبراس: 113، العبر: 2 / 250 - 251، الوافي بالوفيات: 2 / 34 - 35، نكت الهميان: 236 - 237، البداية والنهاية: 11 / 170 - 171، 178، 223، النجوم الزاهرة: 3 / 303 - 304، تاريخ الخلفاء: 386 - 390،
شذرات الذهب: 2 / 349 - 350.
(6)
في " تاريخ بغداد ": 1 / 339. اسمه: محمد، وقيل: طلحة.
(7)
الصهبة: هي حمرة في سواد.
وَحَكَمَ ثُمَّ تعصَّبَ أَصْحَابُ المُقْتَدِر لَهُ، وَأُعيد بَعْد قتل جَمَاعَة، مِنْهُم: أَبُو الهيجَاءَ بنُ حَمْدَانَ، وَعفَا المُقْتَدِرُ عَنْ أَخِيْهِ، وَحَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَاكياً.
فَقَالَ: يَا أَخِي، أَنْتَ لَا ذنبَ لَكَ، ثُمَّ بايعُوهُ بَعْدَ المُقْتَدِر، فصَادَرَ حَاشيَةَ أَخِيْهِ وَعذَّبهُم، وَضَرَبَ أُمَّ المُقْتَدِرِ بِيَدِهِ، وَهِيَ عَلِيْلَة.
ثُمَّ مَاتَتْ مُعلَّقَةً بحبلٍ، وَعذَّب أُمّ مُوْسَى القَهْرَمَانَة، وَبَالَغَ فِي الإِسَاءة، فنَفَرَتْ مِنْهُ القُلُوْبُ، وَطَلَبَ ابْنَ مقلَة مِنَ الأَهْوَاز وَاسْتوزَرَه، وَكَانَ قَدْ نُفِي.
وَلَمْ يَكُنِ القَاهر متمكِّناً مِنَ الأُمُور، وَحكَمَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بنُ بُليق (1) الرَّافضِيّ الَّذِي عزَمَ عَلَى سبِّ مُعَاوِيَة رضي الله عنه عَلَى المنَابِرِ.
فَارتجَّتِ العِرَاق، وَقُبِضَ عَلَى شَيْخ الحنَابِلَة البَرْبَهَارِي، ثُمَّ قَويَ القَاهر وَنَهَبَ دُورَ مخَالفيه، وَطَيَّن عَلَى وَلد أَخِيْهِ المكْتَفِي بَيْنَ حَيْطَين، وَضَرَبَ ابْنَ بُلَيق وَسَجَنَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بذبْحِهِ، وَبذَبح أَبِيْهِ، وَذَبَحَ بعدَهُمَا مُؤنِساً الكَبِيْرَ وَيُمناً وَابْنَ زيرك.
وَبَذَلَ لِلْجُنْدِ العَطَاء، وَعَظُمَ شَأْنُه، وَنَادَى بتحريمِ الغِنَاء وَالخَمْر، وَكَسْر المَلَاهِي (2) ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشربُ المطبوخَ وَالسُّلَافَ، وَيسكَر وَيسمعُ القينَات.
وَاسْتَوْزَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ.
وَقَتَلَ أَبَا السَّرَايَا بنَ حَمْدَان، وَإِسْحَاقَ النُّوْبَخْتِي أَلقَاهُمَا فِي بِئْرٍ، وَطُمَّتْ لكونِهِمَا زَايدَاهُ فِي جَارِيَةٍ قَبْل الخِلَافَة (3) .
وَبَقِيَ ابْنُ مُقْلَةَ فِي اختفَائِهِ يُرَاسل الجُنْدَ وَيَشْغَبُهُم عَلَى القَاهر، وَيَخْرُجُ مُتَنَكِّراً فِي زيِّ عجمِيٍّ (4) ، وَفِي زيٍّ شحَّاذ، وَأَعْطَى مُنَجِّماً ذَهباً ليَقُوْل لِلْقُوَّاد: عَلَيْكُم قطع مِنَ القَاهر، وَيُعْطِي دَنَانِيْرَ لمعبِّرِي الأَحلَام، فَإِذَا قَصَّ
(1) انظر الصفحة / 55 / تعليق رقم / 2 / من هذا الجزء.
(2)
" المنتظم ": 6 / 249 - 250.
(3)
" الكامل ": 8 / 295 - 296.
(4)
في " الكامل ": 8 / 279 " أعمى " وترجمة " ابن مقلة " ستأتي رقم / 86 / من هذا الجزء.
سيمَا منَاماً (1) خَوَّفُوهُ مِنَ القَاهر جِدّاً.
وَكَانَ (2) رَأْسَ السَّاجيَّة فَأَضمر الشَّرّ، فَانتدَبَ طَائِفَةً لاغتيَاله وَبكَّرُوا، وَكَانَ نَائِماً بِهِ سُكْرٌ، وَهَرَبَ وَزِيْرُهُ وَحَاجِبُهُ، فَهجمُوا عَلَيْهِ بِالسُّيوفِ، فَهَرَبَ إِلَى سَطْحٍ، فَاسْتَتَرَ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِهِ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مَسْلُول، فَقَالُوا: انزلْ، فَامْتَنَعَ فَقَالُوا: نَحْنُ عبيدُك، ثُمَّ فَوَّقَ (3) وَاحِدٌ إِلَيْهِ سَهْماً وَقَالَ: انزلْ وَإِلَاّ قَتَلْتُكَ، فَنَزَلَ، فَأَمسكُوهُ (4) فِي سَادِسِ جُمَادَى الآخِرَةِ.
وَبَايعُوا الرَّاضِي بِاللهِ مُحَمَّدَ بنَ المُقْتَدِر (5) ، ثُمَّ خُلِعَ وَأَكحل بِمِسْمَار لسُوء سيرَته وَسَفكِهِ الدِّمَاء.
وَكَانَتْ خِلَافَتُه سنَةً وَنِصْفاً وَأُسبوعاً.
قَالَ الصُّوْلِيُّ (6) :كَانَ أَهوجَ، سفَّاكاً لِلدِّمَاء، كَثِيْرَ التَّلُوُّنَ، قَبِيح السِّيرَة، مدمِنَ الخَمْر، وَلَوْلَا جَودَة حَاجِبه سلَامَة لأَهلَكَ الحَرْثَ وَالنَّسل.
وَكَانَ قَدْ صَنَعَ حَرْبَةً يحمِلهَا فَلَا يطرحُهَا حَتَّى يقتُلَ (7) إِنْسَاناً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ: أَحضَرَنِي القَاهرُ يَوْماً وَبِيَدِهِ حَرْبَة، فَقُلْتُ: الأَمَانَ، قَالَ: عَلَى الصِّدْقِ، قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: أَسأَلك عَنْ خلفَاء بَنِي العَبَّاسِ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ مِنْ أَحْوَالِهم، وَهُوَ يَسْأَل عَنْهُم وَاحِداً وَاحِداً فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَكَ، وَكَأَنِّيْ مشَاهدٌ القَوْمَ، وَقَامَ وَبِيَدِهِ الحَرْبَةُ، فَاسْتسلمتُ لِلْقَتْلِ، فَعَطَفَ إِلَى دُور الحُرَم (8) .
قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: أَخذَ مِنْ مُؤْنِسٍ وَأَصْحَابِهِ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً. فَلَمَّا خُلِعَ
(1) في الأصل: حرفوه، وهو تصحيف.
(2)
أي: سيما.
(3)
أي جعل الوتر في فوقه عند الرمي.
(4)
" الكامل ": 8 / 280 - 281.
(5)
ستأتي ترجمته رقم / 58 / من هذا الجزء.
(6)
ستأتي ترجمته رقم / 142 / من هذا الجزء.
(7)
" تاريخ الخلفاء ": 388.
(8)
" مروج الذهب ": 2 / 514 - 518.
طُولِبَ بِهَا، فَأَنكَرَ، فَعُذِّبَ بِأَنْوَاع العَذَابِ، فَمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ، فَأَخَذَهُ الرَّاضِي بِاللهِ، فَقرَّبه وَأَدْنَاهُ، وَقَالَ: تَرَى مطَالبَةَ الجُنْدِ لَنَا، وَالَّذِي عِنْدَك لَيْسَ بنَافِعك، فَاعْتَرِفْ بِهِ، قَالَ: أَمَا إِذْ فعلت هَذَا (1) ، فَالمَالُ دفنتُهُ فِي البُسْتَانِ.
وَكَانَ قَدْ أَنشَأ بُستَاناً فِيْهِ أَصنَافُ الثَّمَرِ، وَالقصر الَّذِي زخرفَه.
فَقَالَ: وَفِي أَي مَكَان هُوَ؟
قَالَ: أَنَا مكفوفٌ وَلَا أَهتدِي إِلَى البُقْعَةِ، فَاحفرِ البُسْتَان تجدْه فَحَفَرُوا البُسْتَانَ وَأَسَاس القصرِ، وَقلَعُوا الشَّجر فَلَمْ يُوجد شَيْء.
فَقَالَ: وَأَيْنَ المَال؟
قَالَ: وَهَل عِنْدِي مَال؟!! إِنَّمَا كَانَ حسرتِي فِي جُلوسكَ فِي البُسْتَانِ وَتنعُّمك فَفَجعْتُكَ بِهِ (2) .
فَأَبعَدَه وَحَبَسَهُ، فَأَقَامَ إِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ، ثُمَّ أُخرج إِلَى دَار ابْن طَاهِر، فَكَانَ تَارَةً يحبس، وَتَارَةً يُهْمَلُ.
فوقَفَ يَوْماً بِالجَامِعِ بَيْنَ الصُّفوف، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ بيضَاء وَقَالَ: تصدَّقُوا عليَّ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عرفتُمْ.
وَأَرَادَ أَنْ يشنِّع عَلَى الخَلِيْفَة المُسْتَكْفِي، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيُّ، فَأَعطَاهُ أَلف دِرْهَم، فمنعُوهُ مِنَ الخُرُوج (3) .
ثمَّ مَاتَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَثَلَاثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَخَمْسُوْنَ سنَةً، وَلَهُ مِنَ الأَوْلَاد: عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو القَاسِمِ، وَأَبُو الفَضْلِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ (4) .
وَوَزَرَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ مقلَةَ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ، ثُمَّ الخَصيبِيّ.
ونَفَّذَ عَلَى إِمْرَة مِصْرَ أَحْمَد بنُ كَيَغْلَغ، إِذْ تُوُفِّيَ أَمِيْرُهَا تِكِين الخَاصَّة (5) .
(1) أي: من إكرامه له.
(2)
" مروج الذهب ": 2 / 528.
(3)
" المنتظم ": 6 / 265.
(4)
" تاريخ الخلفاء ": 390.
(5)
تقدمت ترجمته رقم / 55 / من هذا الجزء.
وَمَاتَتْ سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ شغَب أَمُّ المُقْتَدِر.
وَقُتِلَ الخَادِم (1) مُؤنِس المُلَقَّب (2) بِالمُظَفَّر، وَكَانَ شَهْماً مَهِيْباً شُجَاعاً دَاهِيَةً، عُمِّرَ تِسْعِيْنَ سنَةً، وَقَادَ الجُيُوش سِتِّيْنَ سَنَةً.
وَفِي سَنَةِ 322 دَخَلَتِ الدَّيْلَمُ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ مِنْ قُوَّادِهِم عَلِيُّ بنُ بُوَيه (3) ، فَانفرَدَ عَنْ مَردَاوِيج (4) ، ثُمَّ حَارب مُحَمَّدَ بنَ يَاقوت، فَهَزَمَ مُحَمَّداً، وَاسْتَوْلَى عَلَى فَارسَ، وَكَانَ أَبُوْهُ فَقِيْراً صَيَّاداً.
قَالَ مَحْمُوْد الأَصْبَهَانِيُّ: كَانَ سبَبَ خَلْعِهِم لِلْقَاهر سُوء سيرتِهِ، وَسَفكُهُ الدِّمَاء، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِم مِنَ الخَلْع، فَسَملُوهُ حَتَّى سَالتْ عينَاهُ (5) .
وفِي أَيَّامه ظَهَرَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَزَاقر الشَّلْمَغَانِيُّ، وَادَّعَى الإِلهيَّة بِبَغْدَادَ، وَأَنَّهُ يُحْيي المَوْتَى، وَتعصَّبَ لَهُ ابْن مُقلَة، وَأَنكر مَا قِيْلَ عَنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ، وَقُتِلَ بِسَبَبِهِ الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَوْن الأَنْبَارِيُّ، مُصَنِّفُ (الأَجوبَة المسْكِتَة (6)) ، كَانَا يَعْتَقِدَانِ فِي الشَّلْمَغَانِيِّ (7) .
وَللقَاهر مِنَ الأَوْلَاد: أَبُو القَاسِمِ، وَعَبْد الصَّمَدِ (8) ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدٌ، وَفَاطِمَةُ، وَعَاتِكَة، وَأُمَامَة.
(1) تقدمت ترجمته رقم / 25 / من هذا الجزء.
(2)
في الأصل: الملقب.
(3)
ستأتي ترجمته رقم / 223 / من هذا الجزء.
(4)
ستأتي ترجمته رقم / 79 / من هذا الجزء.
(5)
" تاريخ الخلفاء ": 388.
(6)
وله أيضا كتاب " التشبيهات " وهو مشهور.
انظر ترجمته مفصلة في " معجم الأدباء ": 1 / 234 - 253.
(7)
حكاية مذهبه وخبر مقتله في " الكامل ": 8 / 290 - 294.
(8)
في الأصل: أبو القاسم عبد الصمد، وهو خطأ انظر الصفحة 101.