الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنِ أُمِّ شَيْبَان القَاضِي.
ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُدعَى الشَّيْخَ الفَاضِلَ (1) .
وَفِيْهَا: أُقيمت الدَّعوَة العُبَيْدِيَّة بِالحَرَمَيْنِ لِلْمعزِّ (2) .
وَاسْتَفْحَلَ البلَاءُ بِاللُّصوص بِبَغْدَادَ، وَركِبُوا الخيلَ، وَأَخَذُوا الخَفَارَةَ، وَتلقَّبُوا بِالقُوَّاد (3) .
ثُمَّ إِنَّ المُطِيعَ خَرَجَ وَوَلَده الخَلِيْفَة الطَّايع للهِ إِلَى وَاسِطَ فَمَاتَ هُنَاكَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلَاثِ مائَةٍ بَعْد ثَلَاثَةِ أَشهرٍ مِنْ عَزْلِهِ (4) .
وَعمرُهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً رحمه الله.
فَكَانَتْ خِلَافتُهُ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً سِوَى أَشهرٍ.
وَفِي أَيَّامه تلقَّب صَاحِبُ الأَنْدَلُس النَّاصر المَرْوَنُّي بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (5) .
وَقَالَ: أَنَا أَحقُّ بِهَذَا اللَّقَب مِنْ خَلِيْفَةٍ مِنْ تَحْتِ يدِ بنِي بُوَيه.
وَصَدَقَ النَّاصر، فَإِنَّهُ كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً سَائِساً مَهِيْباً، لَهُ غَزَوَاتٌ مشهودَةٌ، وَكَانَ خليقاً لِلْخِلَافَةِ، وَلَكِنْ كَانَ أَعظَمَ مِنْهُ بكَثِيْر المعزُّ العُبَيْدِيُّ (6) الإِسْمَاعِيْلِيُّ النِّحلَة، وَأَوسعَ ممَالِك، حَكَمَ عَلَى الحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالشَّام وَالمَغْرِبِ.
62 - الطَّائِعُ للهِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ المُطِيعِ للهِ بنِ المُقْتَدِرِ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الكَرِيْمِ ابنُ المُطِيعِ للهِ الفَضْلِ ابنِ المُقْتَدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ.
وَأُمُّه أُمُ وَلَدٍ.
(1)" المنتظم ": 7 / 66.
(2)
" المنتظم ": 7 / 75.
(3)
المصدر السابق.
(4)
" الكامل ": 8 / 645.
(5)
ستأتي ترجمته رقم / 336 / من هذا الجزء.
(6)
ستأتي ترجمته رقم / 68 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ بغداد: 11 / 79، المنتظم: 7 / 66 - 68، 224، الكامل: 8 / 637 وما بعدها، النبراس: 124 - 127، العبر: 3 / 55 - 56، نكت الهميان: 196 - 197، تاريخ الخلفاء: 405 - 411، شذرات الذهب: 3 / 143.
نَزَلَ لَهُ أَبُوْهُ لَمَّا فُلِجَ عَنِ الخِلَافَة فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّيْنَ.
وَكَانَ الحَلُّ وَالعَقْدُ لِلْملكِ عزّ الدَّوْلَةِ، وَابْنِ عَمِّهِ عضُد الدَّوْلَة.
وَكَانَ أَشقَرَ مَرْبوعاً كَبِيْرَ الأَنفِ (1) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ رَكِبَ وَعَلَيْهِ البُرْدَةُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُبُكْتِكِين الحَاجِبُ وَخَلَعَ مِنَ الغَدِ عَلَى سُبُكْتِكِيْنَ خِلَعَ السَّلْطَنَةِ، وَعَقَدَ لَهُ اللِّوَاءَ، وَلَقَّبَه نصرَ الدَّوْلَةِ.
وَلَمَّا كَانَ عيدُ الأَضْحَى رَكِبَ الطَّائِعُ إِلَى المُصَلَّى، وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ وَعِمَامَةٌ، فَخَطَبَ خُطْبَةً خَفِيْفَةً بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَتَعَرَّضَ عِزُّ الدَّوْلَةِ لإِقطَاع سُبُكْتِكِين، فَجَمَعَ سُبُكْتِكِينُ الأَترَاك فَالتَقَوا، فَانْتَصَرَ سُبُكْتِكِين، وَقَامَتْ مَعَهُ العَامَّة.
وَكَتَبَ عِزُّ الدَّوْلَةِ يَسْتَنجِد بَعْضُدِ الدَّوْلَةِ، فَتَوَانَى، وَصَارَ النَّاسُ حِزْبين، فَكَانَتِ السُّنَّةُ وَالدَّيْلَمُ يُنَادُوْنَ بشعَار سُبُكْتِكِيْن، وَالشِّيْعَةُ يُنَادُوْنَ بشعَارِ عزِّ الدَّوْلَة، وَوَقَعَ القِتَالُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَأُحْرِقَ الكَرْخ (2) .
وَكَانَ الطَّائِع قويّاً فِي بدنِهِ، زَعِرَ الأَخلَاق، وَقَدْ قُطعت خُطْبَتُهُ فِي العَامِ الَّذِي تولّى خَمْسِيْنَ يَوْماً مِنْ بَغْدَادَ.
فَكَانَتِ الخُطَبَاء لَا يَدعُونَ لإِمَامٍ حَتَّى أُعيْدَتْ فِي رَجَبٍ (3) ، وَقَدِمَ عضُدُ الدَّوْلَة فَأَعجبَه مُلكُ العِرَاقِ، وَاسْتمَالَ الجُنْدَ، فَشَغَّبُوا عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عزِّ الدَّوْلَةِ فَأَغْلَقَ عِزُّ الدَّوْلَةِ بَابَه، وَكَتَبَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَنِ الطَّائِعِ إِلَى الآفَاقِ بتوليتِهِ، ثُمَّ اضْطَرَب أَمرُهُ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ غَيْر بَغْدَادَ فَنَفَّذَ إِلَى أَبِيْهِ ركنِ الدَّوْلَةِ (4) ، يُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَدْ خَاطَرَ بنَفْسِهِ وَجُنْدِهِ. وَقَدْ
(1)" تاريخ بغداد ": 11 / 79.
(2)
" المنتظم ": 7 / 67 - 68.
(3)
" المنتظم ": 7 / 75.
(4)
الحسن بن بويه فناخسرو الديلمي، من كبار الملوك في الدولة البويهية، كان =
هَذَّب مملكَةَ العِرَاقِ، وَرَدَّ الطَّائِعَ إِلَى دَارِهِ، وَأَنَّ عزَّ الدَّوْلَةِ عَاصٍ، فَغَضِبَ أَبُوْهُ، وَقَالَ لرَسُوْلِه:
قُلْ لَهُ: خَرَجْتَ فِي نُصْرَةِ ابْنِ أَخِي، أَوْ فِي أَخْذِ مُلْكِهِ؟، فَأَفْرَجَ حِيْنَئِذٍ عَنْ عزِّ الدَّوْلَةِ، وَذهَبَ إِلَى فَارسَ (1) وَتَزَوَّجَ الطَّائِعُ ببنتِ عِزِّ الدَّوْلَة الَسْتّ شهْنَاز عَلَى مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ (2) ، وَعَظُمَ القَحْطُ، حَتَّى أبيع (3) الكُرُّ بِمائَةٍ وَسَبْعِيْنَ دِيْنَاراً (4) .
وَفِي هَذَا الوَقْت كَانَتِ الحَرْبُ متصلَةً بَيْنَ جَوْهَر المُعِزِّي (5) ، وَبَيْنَ هفتكين (6) بِالشَّامِ، حَتَّى جَرَتْ بينهُمَا اثْنَتَا عَشْرَةَ وَقعَة، وَجَرَتْ وَقعَةٌ بَيْنَ عزِّ الدَّوْلَة، وَعَضُدِ الدَّوْلَةِ، أُسِرَ فِيْهَا مَمْلُوْكٌ أَمْردُ لعزِّ الدَّوْلَة فَجُنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ فِي البُكَاءِ، وَتركَ الأَكْلَ، وَتذلَّلَ فِي طَلَبِهِ، فَصَارَ ضُحْكَةً وَبَذَلَ جَاريتين عَوَّادتين فِي فِدَائِهِ (7) .
وفِي سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ حَجَّتْ جَميلَة بنْتُ صَاحِبِ المَوْصِل، فَكَانَ مَعَهَا أَرْبَع مائَة جَمَل، وَعِدَّةُ محَامِلَ لَا يُدْرَى فِي أَيِّهَا هِيَ، وَأعتقَتْ خَمْس مائَة
= صاحب أصبهان والري وهمدان، استمر في الملك / 44 / سنة توفي / سنة 366 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 118 - 119.
(1)
" المنتظم ": 7 / 75 - 76.
(2)
" المنتظم ": 7 / 76، وقد ورد اسمها فيه " شاه زنان ".
(3)
بمعنى عرض للبيع.
(4)
" المنتظم ": 7 / 76.
(5)
هو جوهر بن عبد الله الرومي، أبو الحسن، باني مدينة القاهرة والجامع الأزهر، كان من موالي المعز لدين الله العبيدي، توفي سنة / 381 / هـ. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 375 - 380 وأخباره في " النجوم الزاهرة ": 4 / 28 وما بعدها.
(6)
هكذا في الأصل: وفي " الكامل ": 8 / 656: " الفتكين "، وفي " وفيات الأعيان ": 4 / 54: " أفتكين ".
وهو أبو منصور الشرابي التركي. من أكابر القواد الاتراك..ومن موالي معز الدولة ملكه الدمشقيون بلدهم، ليزيل عنهم حكم المصريين.
أخباره في " الكامل ": 8 / 656 - 661.
و" ذيل تاريخ دمشق " للقلانسي: 11 - 21.
(7)
" المنتظم ": 7 / 83 - 84 وما بين حاصرتين منه.
نَفْس، وَخَلَعَتْ خَمْسِيْنَ أَلفَ ثَوْبٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَعَهَا أَرْبَعُ مائَة مَحْمِلٍ (1) .
ثُمَّ فِي الآخر، اسْتولَى عَضُدُ الدَّوْلَة عَلَى أَمْوَالهَا وَقِلاعهَا، وَافْتَقَرَتْ لِكَوْنِهِ خَطَبَهَا فَأَبتْ وَآل بِهَا الحَالُ إِلَى أَنْ هَتَكَهَا وَأَلزمهَا أَنْ تَخْتَلِفَ مَعَ الخواطئ لِتُحصِّل مَا تُؤدِّيه، فَرَمَتْ بنفسهَا فِي دِجْلَةَ (2) .
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ أَقْبَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فِي جيوشِهِ، وَأَخَذَ بَغْدَادَ، وَتلقَّاهُ الطَّائِعُ، وَعُمِلَتْ قِبَابُ الزِّينَة.
ثُمَّ خَرَجَ فَعَمل المَصَافَّ مَعَ عزِّ الدَّوْلَة فَأَسرَ عزَّ الدَّوْلَة، ثُمَّ قَتَلَه، وَنَفَّذَ إِلَى الطَّائِعِ أَلفَ أَلفِ دِرْهَم، وَخَمْسِيْنَ أَلف دِيْنَار، وَخَيْلاً وَبِغَالاً، وَمِسْكاً وَعَنْبراً (3) .
وَكَانَ الغَرَقُ العَظيمُ بِبَغْدَادَ وَبَلَغَ المَاءُ أَحَداً وَعِشْرِيْنَ ذِرَاعاً، وَغَرِقَ خَلْق (4) .
وَتمكَّن عضدُ الدَّوْلَة، وَلقِّب أَيْضاً تَاج المِلَّة (5) ، وَضُرِبَتْ لَهُ النَّوْبَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَوقَاتٍ (6) ، وَعلَا سُلطَانُه علُوّاً لَا مزيدَ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ الارْتِقَاء فَكَانَ يخضَعُ لِلطَّائِعِ.
وَجَاءهُ رَسُوْلُ العَزِيْز صَاحِبِ مِصْر، فرَاسلَه بتودُّدٍ (7) ، وَطلبَ مِنَ الطَّائِع أَنْ يَزِيْدَ فِي أَلقَابِهِ، فَجَلَسَ لَهُ الطَّائِع وَحَوْلَهُ مائَةٌ بِالسُّيوفِ
(1)" المنتظم ": 7 / 84.
(2)
" مهذب الروضة الفيحاء " للعمري: 230 وفيه: أن عضد الدولة هو الذي ألقاها في دجلة. سنة / 371 / 5 ولم يذكر هتكه لها.
(3)
" المنتظم ": 7 / 86 - 87.
(4)
" المنتظم ": 7 / 87.
(5)
المصدر السابق.
(6)
كان من العادة أن تضرب الدبادب في أوقات الصلاة على باب الخليفة.
وقد أحب معز الدولة أن تضرب له الدبادب أيضا على بابه.
وسأل المطيع ذلك، فلم يأذن له. انظر " رسوم دار الخلافة ": 136 - 137 و" المنتظم ": 7 / 92.
(7)
" المنتظم ": 7 / 98.
وَالزِّينَة وَبَيْنَ يَدَيْهِ المُصْحَفُ العُثْمَانِيُّ، وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدَة وَبِيَدِهِ القَضِيْبُ، وَهُوَ متقلِّد السَّيْفَ (1) ، وَأُسْبِلَتِ السِّتَارَة، وَدَخَلَ التُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ بِلَا سلَاحٍ.
ثُمَّ أَذِنَ لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَرُفِعَتْ لَهُ السِّتَارَة، فَقبَّل الأَرْضَ.
قَالَ: فَارْتَاعَ زِيَادٌ (2) القَائِدُ، وَقَالَ بِالفَارسيَّة: أَهَذَا هُوَ الله.
فَقِيْلَ لَهُ: بَلْ خَلِيْفَةُ الله فِي أَرْضِهِ.
وَمَشَى عضُدُ الدَّوْلَةِ، وَقبَّل الأَرْض مَرَّاتٍ سَبْعاً.
فَقَالَ الطَّائِع لخَادِمِه: اسْتَدْنِه.
فَصَعَدَ، وَقبَّل الأَرْض مرَّتين، فَقَالَ:
ادْنُ إِلَيَّ، فَدَنَا حَتَّى قَبَّل رِجْلَه، فثنَى الطَّائِعُ يدَهُ عَلَيْهِ، وَأَمره، فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ بَعْد الامْتِنَاعِ، حَتَّى قَالَ: أَقسمتُ لَتَجْلِسَنَّ، ثُمَّ قَالَ:
مَا كَانَ أَشوقَنَا إِلَيْك، وَأَتوقنَا إِلَى مُفَاوضَتِكَ فَقَالَ: عُذرِي معلومٌ.
قَالَ: نِيَّتُك موثوقٌ بِهَا، فَأَومأَ بِرَأْسِهِ فَقَالَ:
قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَفوّض إِلَيْك مَا وَكَلَهُ الله إِلَيَّ مِنْ أُمُورِ الرَّعيَّة فِي شرْق الأَرْض وَغَرْبهَا سِوَى خَاصَّتِي وَأَسبَابِي، فتولَّى ذَلِكَ مستجيراً بِاللهِ.
قَالَ: يُعيننِي اللهُ عَلَى طَاعَة مولَانَا أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَخِدْمَتِهِ، وَأُرِيْدُ كِبار القُوَّادِ أَنْ يَسمعُوا لَفْظك.
قَالَ الطَّائِع: هَاتُوا الحُسَيْن بن مُوْسَى، وَابْن مَعْرُوْف، وَابْن أُمّ شَيْبَان، فَقُدِّمُوا، فَأَعَاد الطَّائِع قَوْلَه بِالتَّفويض، ثُمَّ أُلْبسَ الخِلَعَ وَالتَّاجَ، فَأَومأَ ليقبِّل الأَرْضَ فَلَمْ يُطقْ.
فَقَالَ الطَّائِع: حَسْبُك.
وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءَين بِيَدِهِ.
ثُمَّ قَالَ: يُقرأَ كِتَابهُ فَقُرِئ.
فَقَالَ الطَّائِع: خَار اللهُ لَنَا وَلك وَلِلْمُسْلِمِينَ، آمركَ بِمَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، وَأَنْهَاكَ عَمَّا نهَاكَ اللهُ عَنْهُ، وَأَبرأُ إِلَى اللهِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، انهضْ عَلَى اسْمِ اللهِ.
ثُمَّ أَعطَاهُ بِيَدِهِ سَيْفاً ثَانياً غَيْرَ سَيْف الخِلْعَةِ، وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الخَاصَّةِ، وَشقّ البلدَ.
وعَمِلَ أَبُو إِسْحَاقَ الصَّابِئ (3) قصيدتَه فَمِنْهَا:
(1) أي سيف النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أحد قواد عضد الدولة.
(3)
هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون، الحراني، أبو إسحاق الصابئ: نابغة =
يَا عَضدَ الدَّوْلَة الَّذِي عَلِقَتْ
…
يدَاهُ مِنْ فَخْرِهِ بأَعْرُقِهِ
يفْتَخر النَّعْلُ تَحْتَ أَخْمَصِهِ
…
فَكَيْفَ بِالتَّاج فَوْقَ مَفْرِقِهِ (1) ؟!
وَتَزَوَّجَ الطَّائِع ببنتِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ (2) ، وَرُدَّ العضُدُ مِنْ هَمَذَانَ إِلَى بَغْدَادَ، فتلقَّاهُ الخَلِيْفَةُ، وَلَمْ تجرِ بِذَلِكَ عَادَةٌ، وَلَكِنْ بَعَثَ يطلُبُ ذَلِكَ.
فَمَا وَسِع الطَّائِع التَّأَخّرُ، كَانَ مُفْرِطَ السَّطْوَة (3) .
وَبَعَثَ إِلَيْهِ العَزِيْز كِتَاباً أَوَّلُهُ: مِنْ عَبْدِ اللهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَة أَبِي شجَاع مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
سلَامٌ عَلَيْك، مضمُوْنُ الرِّسَالَة الاسْتِمَالَة مَعَ مَا يُشَافِهُهُ بِهِ الرَّسُول، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُوْلاً وَكِتَاباً فِيْهِ مودَّةٌ وَاعتِذَارٌ مُجْمَلٌ.
وَأُديرَ المَارَسْتَانُ العضُدِيُّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَثَلَاثِ مائَةٍ، ثُمَّ مَاتَ هُوَ فِي شوَّالِهَا (4) .
وَقَامَ وَلده صَمْصَام الدَّوْلَة، وَكُتم مَوْتُهُ أَرْبَعَةَ أَشهرٍ، وَجَاءَ الخَلِيْفَةُ فَعزّى وَلَدَهُ، وَلُطِم عَلَيْهِ فِي الأَسوَاقِ أَيَّاماً (5) .
وَفِي سَنَةِ 376 اخْتَلَفَ عَسْكُر العِرَاقِ، وَمَالُوا إِلَى شرفِ الدَّوْلَةِ شِيْرَوَيْه (6) أَخِي صَمْصَامِ الدَّوْلَة، فَذلَّ الصَّمْصَام وَبَادَرَ إِلَى خِدْمَةِ أَخِيْهِ، فَاعتَقَلَهُ ثُمَّ أَمَرَ بكحلِهِ فَمَاتَ شرف الدَّوْلَة وَالمَكْحُوْلُ فِي شَهْر مِنْ سنَة 379،
= كتاب جيله، تقلد دواوين الرسائل والمظالم أيام المطيع لله العباسي، ثم قلده معز الدولة ديوان رسائله.
له كتاب " التاجي " في أخبار بني بويه، توفي سنة / 384 / هـ له ترجمة في " يتيمة الدهر ": 2 / 218 - 286.
(1)
" رسوم دار الخلافة ": 94 - 98، و" المنتظم ": 7 / 98 - 100.
(2)
تقدم في الصفحة 120 أنه تزوج بنت عز الدولة أيضا. " المنتظم ": 7 / 101.
(3)
" المنتظم ": 7 / 104.
(4)
" المنتظم ": 7 / 112 - 113. وترجمته في الكتاب نفسه: 113 - 118.
(5)
" المنتظم ": 7 / 120.
(6)
في " الكامل ": 9 / 61 " شير زيل "(7)" الكامل ": 9 / 61.
وَكَانَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ فِيْهِ عَدْلٌ، وَوَزَرَ فِي أَيَّامه أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، وَمِمَّا قَدِمَ مَعَهُ عِشْرُوْنَ أَلف أَلف دِرْهَم، وَكَانَ ذَا رِفْق وَدِينٍ (1) .
وَمِنْ عَدْلِ شرفِ الدَّوْلَة رَدَّهُ عَلَى السَّيد أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ أَملاكَه.
وَكَانَ مَغلُّهَا فِي السَّنَة أَزيدَ مِنْ أَلفِ أَلفِ دِيْنَار (2) .
وعظُم الغَلَاءُ بِبَغْدَادَ، حَتَّى بِيْعَتْ كَارَة (3) الدَّقِيق الخُشكَار (4) بِمئتينِ وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً (5) .
وفِي هَذَا الحُدُوْدِ جَاءَ بِالبَصْرَةِ سَمُوم حَارَّةٌ (6) ، فَمَاتَ جَمَاعَة فِي الطُّرُق (7) .
وَجَاءَ بفَم الصِّلْحِ رِيْح خَرَقَتْ (8) دِجْلَةَ، حَتَّى بَانتْ أَرضُهَا - فِيْمَا قِيْلَ -، وَهدَّتْ فِي جَامِعِهَا، وَاحتملَتْ زَوْرَقاً فِيْهِ موَاشِيَ، فَطَرَحَتْهُ بِأَرْضِ جوخى (9) فرأَوهُ بَعْد أَيَّام، نَسْأَل اللهَ العَافيَة (10) .
وَلَمَّا مَاتَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، جَاءَ الطَّائِع يُعزِي أَخَاهُ (11) بهَاءَ الدَّوْلَةِ أَبَا نَصْرٍ.
فَقبَّل أَبُو نَصْرٍ الأَرْض مَرَّات، وَسَلْطَنَه الطّ?ائِع بِالطَّوْق وَالسِّوَارين وَالخِلَع السَّبْع، فَأَقَرَّ فِي وَزَارَتِهِ أَبَا مَنْصُوْر المَذْكُوْر، وَيُعْرَفُ بِابْنِ
(1)" المنتظم ": 7 / 135.
(2)
" المنتظم ": 7 / 136.
وكان عضد الدولة قد صادره.
(3)
الكارة: خمسون رطلا.
(4)
الخبز الأسمر غير النقي (فارسي) .
(5)
" المنتظم ": 7 / 136.
(6)
في الأصل: حادة.
(7)
" المنتظم ": 7 / 142.
(8)
ربما يكون الوجه: " جرفت ".
(9)
قال ياقوت: بالضم والقصر، وقد يفتح، وضبطها صاحب القاموس بالفتح، وهي بلدة من أعمال واسط.
(10)
" المنتظم " 7 / 141.
(11)
في الأصل: ابنه، وهو وهم.
صَالحَان (1) .
وَكَانَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ ذَا هَيْبَةٍ وَوَقَار وَحَزْم، وَحَارَبَه ابْنُ صَمْصَام الدَّوْلَةِ الَّذِي كُحِلَ.
وَخُرِّبَت البَصْرَةُ وَالأَهْوَازُ، وَعَظُمَت الفِتَنُ، وَتوَاتَر أَخذُ العَمَلَات بِبَغْدَادَ (2) ، وَتحَارَبَتِ الشِّيْعَةُ وَالسُّنَّة مُدَّةً، ثُمَّ وَثبُوا عَلَى الطَّائِع للهِ فِي دَارِه فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَان (3) سنَة 381، وَسَبَبُه أَن شَيْخَ الشِّيْعَة ابْنَ المُعَلِّم (4) كَانَ مِنْ خوَاصّ بهَاءِ الدَّوْلَة فَحُبِسَ، فَجَاءَ بهَاءُ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ جَلَس الطَّائِع فِي الرِّوَاق متقلِّدَ السَّيْف، فَقبَّل الأَرْضَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ، فَتَقَدَّم جَمَاعَةٌ مِنْ أَعوَانه، فجذَبُوا الطَّائِعَ بحمَائِل سيْفِهِ، وَلفُّوهُ فِي كِسَاءٍ، وَأُصْعِدَ فِي سَفِينَته إِلَى دَار المملكَةِ، وَمَاجَ النَّاسُ وَظنَّ الجُنْدُ أَنَّ القَبْضَ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَةِ، فَوَقَعَ النَّهْبُ، وَقُبض عَلَى الرَّئيس عَلِيِّ بنِ حَاجِب النُّعْمِيّ (5) وَجَمَاعَةٍ، وصُودرُوا وَاحتيط عَلَى الخَزَائِنِ وَالخَدَمِ أَيْضاً (6) .
فَكَانَ الطَّائِع هَمَّ بِالقَبْضِ عَلَى ابْنِ عَمِّه القَادِرِ بِاللهِ وَهُوَ أَمِيْرٌ، فَهَرَبَ إِلَى البطَائِح (7) ، وَانضمَّ إِلَى مهذِّبِ الدَّوْلَةِ (8) ، وَبَقِيَ مَعَهُ عَامِين، فَأَظهر
(1)" المنتظم ": 7 / 148 - 149.
(2)
" المنتظم ": 7 / 153 والعملات: السرقات.
(3)
في " المنتظم ": 7 / 156 " رمضان ".
(4)
هو علي بن محمد، الكوكبي، قال عنه ابن الأثير في " كامله ": 9 / 77: " كان المدبر لدولة بهاء الدولة، وإليه الحكم ".
(5)
هو علي بن عبد العزيز بن إبراهيم، أبو الحسن، المعروف بابن حاجب النعمان، شاعر من بلغاء الكتاب، كتب للطائع ثم للقادر، وخوطب برئيس الرؤساء، توفي سنة / 423 / هـ له ترجمة في " معجم الأدباء ": 14 / 35 - 39.
(6)
" المنتظم ": 7 / 156 - 157.
وفي " الكامل ": 9 / 79 سبب آخر للخلغ غير حبس ابن المعلم، وهو قلة المال بين يدي بهاء الدولة، وطمعه في ثروة الخليفة، ويرجع هذا الخبر قبض بهاء الدولة على ابن المعلم وقتله في سنة / 382 / هـ.
(7)
مفردها: البطيحة: وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة، وسميت بطائح لان المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض. " معجم البلدان ": 1 / 450.
(8)
هو علي بن نصر، أبو الحسن، أمير البطيحة، وليها بعد وفاة خاله المظفر / 376 / =
بهَاءُ الدَّوْلَةِ أَمْرَ القَادِرِ وَأَنَّهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.
وَنُوديَ بِذَلِكَ، وَأُشهد عَلَى الطَّائِعِ بِخَلْعِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ سَلَّمَ الخِلَافَة إِلَى القَادِرِ بِاللهِ، وَشَهِدَ الكُبَرَاءُ بِذَلِكَ، ثُمَّ طُلبَ القَادِرُ، وَاسْتحثُّوهُ عَلَى القدومِ، وَاسْتبُيحتْ دَارُ الخِلَافَة حَتَّى نُقِضَ خشبُهَا (1) .
وَكَتَبَ القَادِرُ: مِنْ عَبْدِ اللهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ القَادِرِ بِاللهِ إِلَى بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وضيَاءِ المِلَّةِ أَبِي نَصْر بنِ عضُدِ الدَّوْلَةِ.
سلَامٌ عَلَيْك.
أَمَّا بَعْدُ: أَطَالَ اللهُ بقَاءَك وَأَدَام عِزَّك، وَرَد كِتَابُك بِخَلْعِ العَاصي المتلقِّب بِالطَّائِع لبوَائِقهِ وَسُوءِ نيَّتِهِ.
فَقَدْ أَصبحت سَيْفَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المُبِير (2) .
ثُمَّ فِي السَّنَة الآتيَةِ سُلِّمَ الطَّائِعُ المخلوعُ إِلَى القَادِرِ فَأَنزله فِي حُجْرَةٍ موكّلاً بِهِ، وَأَحسنَ صيَانَتَه، وَكَانَ المخلوعُ يُطلب مِنْهُ أُمُوراً ضخمَةً، وَقدِّمت بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَة قَدِ اسْتُعملتْ فَأَنكرَ ذَلِكَ، فَأَتْوهُ بجَدِيْدَةٍ (3) ، وَبَقِيَ مُكَّرماً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ (4) .
وَمَا اتَّفَقَ هَذَا الإِكرَامُ لخَلِيْفَةٍ مخلوعٍ مثلِهِ.
وكَانَتْ دولتُهُ ثَمَانِي عَشْرَة سَنَةً (5) .
وَبَقِيَ بَعْد عَزْله أَعْوَاماً إِلَى أَنْ مَاتَ لَيْلَةَ عيدِ الفِطْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلَاثِ مائَةٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ القَادِر وَكَبَّرَ خمساً،
= هـ بعهد منه.
وقد عظم شأنه، حتى إن القادر بالله لجأ إليه لما خاف من الطائع سنة / 408 / هـ
أخباره في " الكامل ": 9 / 50 وما بعدها و302 - 303.
(1)
" المنتظم ": 7 / 157.
(2)
انظر الكتاب بأكمله في " المنتظم ": 7 / 159 - 160.
(3)
" تاريخ الخلفاء ": 411.
(4)
" الكامل ": 9 / 93.
(5)
في الأصل: كانت دولته ثمانيا وعشرين سنة، وهو وهم وما أثبتناه على وجه التقريب.
إذ أنه ولي الخلافة سنة / 363 / هـ وخلع سنة / 381 / هـ وفي " تاريخ بغداد ": 11 / 79 " كانت مدة خلافته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام ".