الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
64 - القَائِم بِأَمْرِ اللهِ عَبْدُ اللهِ ابنُ القَادِرِ بِاللهِ بنِ إِسْحَاقَ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ القَادِرِ بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِر جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلَاثِ مائَةٍ فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، وَأُمُّه بَدْر الدجَى الأَرْمنيَّةُ.
وَقِيْلَ: قَطْر النَّدَى بقيت إِلَى أَثْنَاء خِلَافته (1) .
وَكَانَ مَلِيحاً وَسِيْماً أَبيضَ بحُمرَة، قويَّ النَّفْسِ، ديِّناً وَرِعاً متصدِّقاً.
لَهُ يدٌ فِي الكِتَابَةِ وَالأَدبِ، وَفِيْهِ عَدْلٌ وَسمَاحَةٌ.
بُوْيِعَ يَوْم موتِ أَبِيْهِ بعهدٍ لَهُ مِنْهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَأَبُوْهُ هُوَ الَّذِي لقَّبهُ.
وَلَمْ يَزَلْ أَمرُهُ مُسْتَقِيْماً إِلَى أَنْ قُبِضَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، لأَنْ أَرْسَلَان التُّركِيَّ البَسَاسِيرِيَّ (2) ، عَظُمَ شَأْنُهُ لعدمِ نَظِيْرٍ لَهُ.
وَتهيبتْه أُمرَاءُ العَرَب وَالعَجَم، وَدُعِي لَهُ عَلَى المَنَابر.
وَظَلَمَ وَخرَّب القُرَى، وَانقهرَ مَعَهُ القَائِمُ، ثُمَّ تحُدِّثَ بِأَنَّهُ يُرِيْدُ نهبَ دَارِ الخِلَافَةِ، وَعَزْلَ القَائِمِ.
فَكَاتَب القَائِم طُغْرُلْبَك (3) مَلِكَ الغُزّ يَسْتَنهضه، وَكَانَ بِالرَّيّ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ دَارُ البَسَاسِيرِي،
(*) تاريخ بغداد: 9 / 399 - 404، المنتظم: 8 / 57 وما بعدها، الكامل: 9 / 417 وما بعدها، النبراس: 136 - 143، الفخري: 254، العبر: 3 / 264، تاريخ الخلفاء: 417 - 423، شذرات الذهب: 3 / 326 - 327.
(1)
في " الكامل ": 10 / 95.
" وقيل أيضا: اسمها علم ".
(2)
بفتح الباء الموحدة، والالف بين السينين المهملتين، أولاهما مفتوحة، والاخرى مكسورة، بعدها ياء ساكنة آخر الحروف وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بلدة بفارس يقال لها: بسا، وبالعربية: فسا، والنسبة بالعربية إليها: فسوي، وأهل فارس ينسبون إليها: البساسيري. " الأنساب ": 2 / 203. وللبساسيري ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 192 - 193.
(3)
هكذا ضبطه ابن خلكان. انظر " وفيات الأعيان ": 5 / 63 - 68.
وَهَرَبَ، وَقَدِمَ طُغْرُلبك فِي سَنَةِ 447، وَذَهبَ البَسَاسِيرِيُّ إِلَى الرَّحْبَة (1) وَمَعَهُ عَسْكَر، فَكَاتَبَ المُسْتَنْصِرَ فَأَمدَّه مِنْ مِصْرَ بِالأَمْوَالِ، وَمَضَى طُغْرلْبَك سنَةَ تِسْعٍ إِلَى نِصيبينَ وَمَعَهُ أَخُوْهُ ينَال، فَكَاتِب البَسَاسِيرِيُّ ينَالَ فَأَفسدَه، وَطَمعَ بِمنصِب أَخِيْهِ.
فَسَارَ بجيشٍ ضَخم إِلَى الرَّي، فَسَارَ أَخُوْهُ فِي أَثَرِهِ، وَتفرَّقت الكَلِمَة.
وَالتُّقَى الأَخوَان بِهَمَذَانَ.
وَظَهَر ينَال، وَاضطرب أَمرُ بَغْدَاد، وَوَقَعَ النَّهب، وَفرّتْ زَوْجَةُ طُغْرُلْبَك فِي جَيْشٍ نَحْو هَمَذَان.
فَوَصَلَ البَسَاسِيرِيُّ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَى الأَنْبَار.
وَبُطِّلتِ الجُمُعَة، وَدَخَلَ شَاليش عَسْكَره، ثُمَّ دَخَلَ هُوَ بَغْدَاد فِي الرَّايَاتِ المِصْرِيَّة، وضرَبَ سُرَادِقَه عَلَى دِجْلَة، وَنصَرَتْه الشِّيْعَة.
وَكَانَ قَدْ جَمَعَ العَيَّارين وَالفلَاّحين، وَأَطمَعَهُم فِي النَّهب.
وَعظُم القَحْطُ، وَاقْتَتَلُوا فِي السُّفُنِ.
ثُمَّ فِي الجُمُعَةِ المقبلَة دُعِيَ لصَاحِبِ مِصْرَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَأَذَّنُوا: بحيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ.
وَخندَقَ الخَلِيْفَةُ حولَ دَارِه، ثُمَّ نهَضَ البَسَاسِيرِيُّ فِي أَهْل الكَرْخ وَغَيْرهم إِلَى حَرْبِ القَائِم، فَاقتلُوا يَوْمِيْنِ، وَكَثُرت القَتْلَى، وَأُحرقت الأَسوَاق، وَدخلُوا الدَّارَ (2) فَانتهبُوهَا، وَتذمِّم القَائِمُ إِلَى الأَمِيْر قُرَيْش العُقَيْلِيِّ (3) .
وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ مَعَ البَسَاسِيرِيُّ - فَأَذمَّه، وَقبَّل بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَخَرَجَ القَائِم رَاكباً، بَيْنَ يَدَيْهِ الرَّايَة، وَالأَترَاكُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُنزل فِي خَيْمَة، ثُمَّ قَبَضَ البَسَاسِيرِيُّ عَلَى الوَزِيْر أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بن المُسْلمَة، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، فصَلبَ الوَزِيْرَ فَهَلَكَ (4) .
(1) تقع على الفرات بين الرقة وبغداد.
(2)
أي دار الخلافة.
(3)
له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 267.
(4)
" تاريخ بغداد ": 9 / 399 - 404، وانظر " الفخري ": 257 - 258 وفي " طبقات الشافعية ": 5 / 247 - 253 تفصيل واف عن مقتل الوزير ابن المسلمة.
وَكَانَ القَائِمُ فِيْهِ خَيْرٌ وَاهتمَام بِالرَّعيَة، وَقضَاءٌ لِلْحَوَائِجِ.
وَقِيْلَ: أَنَّهُ لمَا بَقِيَ مُعتقلاً عِنْد العَرَبِ كتبَ قِصَّةً، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى بَيْتِ اللهِ مستَعْدِياً مِمَّن ظَلَمَهُ وَهِيَ: إِلَى اللهِ العَظِيْمِ مِنَ المِسْكِيْنِ عَبده: اللَّهُمَّ إِنَّك العَالِمُ بِالسَّرَائِر، المطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِر.
اللَّهُمَّ إِنَّك غَنِيٌ بِعِلْمِكَ وَاطِّلاعِكَ عليَّ عَنْ إِعلَامِي، هَذَا عبدُكَ قَدْ كَفَر نِعَمَكَ وَمَا شَكَرهَا، أَطْغَاهُ حِلْمُكَ حَتَّى تعدَّى عَلَيْنَا بَغْياً.
اللَّهَّم قَلَّ النَّاصِر وَاعتزَّ الظَالِمُ، وَأَنْتَ المطَّلِعُ الحَاكِم، بِكَ نعتز عَلَيْهِ، وَإِليك نهرُب مَنْ يَدَيْهِ، فَقَدْ حَاكَمْنَاهُ (1) إِلَيْكَ، وَتوكلْنَا فِي إِنصَافِنَا مِنْهُ عَلَيْكَ، وَرفَعْنَا ظُلَامَتَنَا إِلَى حَرَمك، وَوثِقْنَا فِي كَشْفهَا بكَرَمِك.
فَاحكمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الحَاكمِين (2) .
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ طُغْرُلْبَك، فَإِنَّهُ ظَفِرَ بِأَخِيْهِ وَقَتَله (3) .
ثُمَّ كَاتِب مُتَوَلِّي عَانَة (4) فِي أَنْ يَرُدَّ القَائِمَ إِلَى مَقرِّ عزّه (5) .
وَقِيْلَ: إِنَّ البَسَاسِيرِيَّ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَه السُّلْطَان طُغْرُلْبَك، فَحَصَّلَ القَائِمَ فِي مقرّ دَوْلته فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ (6) .
ثمَّ جهَّز طُغْرُلْبَك عَسْكَراً قَاتلُوا البَسَاسِيرِيَّ فَقُتل وَطيف بِرَأْسِهِ (7) .
فكَانَتِ الخُطْبَة لِلْمستنصر بِبَغْدَادَ سنَةً كَامِلَة.
(1) في الأصل: حاكمنا.
(2)
" المنتظم ": 8 / 195 - 196.
(3)
" المنتظم ": 8 / 202.
(4)
بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهي مشرفة على الفرات قرب حديثة النورة، وفيها قلعة حصينة.
" معجم البلدان ": 4 / 72.
(5)
" المنتظم ": 8 / 203 - 204.
(6)
" المنتظم ": 8 / 208.
(7)
" المنتظم ": 8 / 210.