الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَظِيْماً إِن أَسرُوا لَهَا عباساً وَابْنَه، فَخرجُوا عَلَيْهِ، فَالْتَقَاهُمْ، فَقُتِلَ فِي الوقعَةِ، وَأُخِذَتْ خَزَائِنُهُ، وَأَسرُوا ابْنَه نَصْراً، وَبعثَوهُ إِلَيْهَا فِي قَفَص حَدِيد، فَلَمَّا وَصَلَ، قَبَضَ رَسُوْلهُم المَالَ، وَذَلِكَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، فَقُطِعَتْ يَدُ نصر، وضُرِبَ بِالمقَارِعِ كَثِيْراً، وَقُصَّ لَحْمه، ثُمَّ صُلِبَ فَمَاتَ، فَبقِي معلَّقاً شهوراً، ثُمَّ أحرِق (1) .
وَقِيْلَ: تسلَّمه نسَاءُ الظَّافِر، فَضَرَبْنَه بِالقباقيب، وَأَطْعَمنَه لحمَه (2) .
مَاتَ الفَائِزُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْس مائَة.
وَلَهُ نَحْو مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ، وَبَايعُوا العَاضد (3) .
78 - العَاضِدُ لِدِيْنِ اللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُف بنِ الحَافِظِ لِدِيْنِ اللهِ *
صَاحِبُ مِصْرَ العَاضدُ لِدِيْنِ اللهِ خَاتَمُ الدَّوْلَةِ العُبَيْدِيَّة أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الأَمِيْر يُوْسُفَ بن الحَافِظِ لِدينِ اللهِ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَنْصِر، العُبَيْديُّ الحَاكمِيُّ المِصْرِيُّ الإِسْمَاعِيْلِيُّ المدَّعِي هُوَ وَأَجْدَادُه، أَنَّهُم فَاطمِيون.
مولده سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْس مائَة.
(1) انظر " الاعتبار ": 23 - 27.
(2)
" النجوم الزاهرة ": 5 / 310 - 311.
(3)
" وفيات الأعيان ": 3 / 494.
(*) الكامل: 11 / 255 وما بعدها، وفيات الأعيان: 3 / 109 - 112، العبر: 4 / 197 - 198، البداية والنهاية: 12 / 264 - 268، تاريخ ابن خلدون: 4 / 76 - 82، خطط المقريزي: 1 / 357 - 359، النجوم الزاهرة: 5 / 334 - 357، تاريخ ابن إياس: 1 / 67 - 68، شذرات الذهب: 4 / 219 - 220، 222 - 223.
أَقَامه طلَائِعُ بنُ رُزِّيك (1) بَعْدَ الفَائِزِ، فَكَانَ مِنْ تَحْتِ حِجره، لَا حَلَّ لَدَيْهِ وَلَا رَبْط.
وَكَانَ العَاضد سَبَّاباً خَبِيْثاً مُتَخَلِّفاً.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ خَلِّكَانَ: كَانَ إِذَا رَأَى سُنِّياً اسْتَحَلَّ دَمَه، وَسَارَ وَزِيْرُه الملكُ الصَّالِحُ طلَائِعُ سيرَةً مَذمومَة، وَاحتكر الغَلَاّت، وَقتلَ عِدَّةَ أُمرَاء، وَأَضْعَفَ أَحْوَالَ الدَّوْلَةِ بِقَتْلِ ذوِي الرَّأْي وَالبَأْسِ، وَصَادَرَ وَعَسَف (2) .
وفِي أَيَّام العَاضِدِ أَقَبْلَ حُسَيْنُ بنُ نزَارِ بن المُسْتَنْصر بنِ الظَّاهِر، العُبَيْديُّ مِنَ الغَرْبِ فِي جَمْع كَثِيْرٍ، فَلَمَّا قَارَبَ مِصْرَ غَدَرَ بِهِ خوَاصُّه، وَقبضُوا عَلَيْهِ، وَأَتَوْا بِهِ العَاضِدَ، فَذَبحهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ (3) .
وَتَزَوَّجَ العَاضِدُ ببنتِ طلَائِع، وَأَخَذَ طلَائِعُ فِي قَطْع أَخْبَار العَسْكَرِ وَالأُمَرَاءِ، فَتَعَاقَدُوا بِموَافقَةِ العَاضِدِ لَهُم عَلَى قَتْلِه، فَكَمَنَ لَهُ عِدَّةٌ فِي القَصْر، فَجَرحُوهُ، فَدَخَلَ مَمَالِيْكُه، فَقَتَلُوا أَولئك، وَحَمَلُوهُ، فَمَا أَمْسَى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ (4) .
وَوَلِي مَكَانَه وَلَدُهُ الملكُ العَادلُ رُزِّيك (5) .
وَكَانَ مليحَ النَّظْمِ، قويَّ الرَّفْضِ، جَوَاداً شُجَاعاً، يُنَاظُر عَلَى الإِمَامَةِ وَالقدَر، وَعَمِلَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاث لَيَالٍ (6) :
(1) انظر ص / 205 / تعليق / 2 / من هذا الجزء.
(2)
" وفيات الأعيان ": 3 / 110.
(3)
المصدر السابق، " وقيل: إن ذلك كان في أيام الحافظ عبد المجيد ".
(4)
انظر " الكامل ": 11 / 274 - 276.
(5)
ترجمته في " النكت العصرية ": 52 - 67، و" وفيات الأعيان ": 2 / 529 - 530.
(6)
زيادة من " النكت العصرية ": 48.
نَحْنُ فِي غَفْلَةٍ وَنَوْمٍ وَلِلْمو
…
ت عيونٌ يَقْظَانَةٌ لَا تَنَامُ
قَدْ رَحَلْنَا إِلَى الحِمَام سِنيناً
…
لَيْتَ شِعرِي مَتَى يَكُوْنُ الحِمَام (1) ؟
وَلعُمَارَة اليَمنِي (2) فِيْهِ قصَائِد وَرثَاء، مِنْهَا فِي جِنَازَته:
وَكَأَنَّهَا تَابوتُ (3) مُوْسَى أُودِعَتْ
…
فِي جَانبيه سَكَينَةٌ وَوَقَارُ
وَتغَاير الحَرَمَانِ وَالهَرَمَان (4) فِي
…
تَابوتِه وَعَلَى الكَريم يُغَارُ (5)
نَعَمْ، وَوَزَرَ للعَاضِد الملكُ أَبُو شجَاع شَاوَرُ السَّعْدِيُّ، وَكَانَ عَلَى نِيَابِةِ الصَّعيد مِنْ جهَةِ طلَائِع، فَقَوِي، وَنَدِمَ طلَائِعٌ عَلَى تَوْليته لِفُرُوسِيَّتِهِ وَشَهَامته، فَأَوْصَى طلَائِعٌ وَهُوَ يَمُوت إِلَى ابْنِهِ أَنْ لَا يهيجَ (6) شَاوَرَ.
ثمَّ إِن شَاورَ حَشَدَ وَجَمَعَ، وَاخترقَ البَريَّة إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ عِنْد تَرْوَجَة (7) ، وَقَصَدَ القَاهِرَةَ، فدخلَهَا مِنْ غَيْر مُمَانعَة، ثُمَّ فَتَكَ برُزِّيك وَتَمَكَّنَ (8) .
(1)" النكت العصرية ": 49.
وانظر أخباره وأشعاره في " خريدة القصر " قسم شعراء مصر: 1 / 173 - 185.
(2)
هو عمارة بن علي، نجم الدين، مؤرخ، فقيه، أديب، من أهل اليمن قدم مصر برسالة من أمير مكة، فأحسن الفاطميون إليه، وبالغوا في إكرامه، فأقام عندهم ومدحهم.
ولما زالت دولتهم اتفق مع سبعة من أعيان المصريين على الفتك بصلاح الدين الأيوبي، فقبض عليهم صلاح الدين وصلبهم في القاهرة - وعمارة من جملتهم سنة / 569 / هـ.
انظر أخباره في كتاب " النكت العصرية "، و" وفيات الأعيان ": 3 / 431 - 436.
(3)
في الأصل: وكأنه.
وما أثبتناه من " النكت العصرية ": 64.
(4)
في " النكت العصرية ": " وتغاير الهرمان والحرمان..".
(5)
البيتان من قصيدة طويلة في " النكت العصرية ": 64.
(6)
" وفيات الأعيان ": 2 / 440.
(7)
قرية بالقرب من الإسكندرية.
(8)
" وفيات الأعيان ": 2 / 440.
ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْق جريدَةً إِلَى نورِ الدِّين مستنْجداً بِهِ، فَجَهَّزَ مَعَهُ شِيركُوهُ (1) ، بَلْ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ، فَاسْتردَّ لَهُ الوَزَارَة (2) ، وَتَمَكَّنَ، وَلَمْ يجَازِ شِيركُوهُ بِمَا يليقُ بِهِ، فَأَضمَرَ لَهُ الشَّرَّ، وَاسْتعَانَ شَاور بِالفِرنج، وَتَحصَّن مِنْهُم شِيركوهُ ببلْبِيس، فحصروهُ مُدَّة، حَتَّى مَلُّوا (3) .
وَاغْتَنم نورُ الدِّيْنِ خُلوّ السَّاحِلِ مِنْهُم فَعمِلَ المَصَافَّ عَلَى حَارم (4) ، وَأَسَرَ ملوكاً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ (5) .
وَرَجَعَ شِيركوهُ بَعْدَ أُمُورٍ طَوِيْلَةِ الشَّرْحِ (6) .
ثمَّ سيرَّ العَاضِدُ، يَسْتَنجِدُ بشِيركوهُ عَلَى الْفِرِنْج (7) ، فَسَارَ وَهَزَمَ الْفِرِنْج بَعْدَ أَنْ كَادُوا يَأْخذُوْنَ البِلَادَ (8) ، وَهمَّ شَاور باغتيَال شيركوهُ وَكبارِ عَسْكره، فَنَاجَزُوهُ وَقَتَلُوهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ قَتَلهُ جُرْديك النُّوْرِي وَصلَاح الدّينِ، فتمَارضَ شيركوهُ فَعَاد شَاور فَشَدَّ عَلَيْهِ صلَاح الدِّيْنِ (9) .
وَلعمَارَة فِيْهِ:
(1) أسد الدين شيركوه، أول من ولي مصر من الاكراد الايوبيين.
وهو عم السلطان صلاح الدين.
كان من كبار القواد في جيش نور الدين.
وكان عاقلا مدبرا وقورا، مات سنة / 564 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 479 - 480.
(2)
كان أبو الأشبال ضرغام بن عامر قد خرج على شاور بجموع كثيرة، وغلبه واستولى على الوزارة.
انظر " النكت العصرية ": 73 - 77.
(3)
" الكامل ": 11 / 299.
(4)
كورة جليلة تجاه أنطاكية.
" معجم البلدان ": 2 / 205.
(5)
" الكامل ": 11 / 301 - 304.
(6)
" الكامل ": 11 / 300 - 301.
(7)
خرج شيركوه إلى مصر ثلاث مرات.
الأولى سنة / 558 / نجدة لشاور، والثانية / 562 / لتملك مصر، والثالثة / 564 / هـ، وهي هذه.
(8)
" الكامل ": 11 / 335 - 340.
(9)
" وفيات الأعيان ": 2 / 441.
ضَجِر الحديدُ مِنَ الحَديد وَشَاوَرٌ
…
فِي نَصْر دينِ مُحَمَّدٍ (1) لَمْ يَضْجَرِ
حَلَفَ الزَّمَانُ ليَأْتينَّ بِمِثْلِهِ
…
حَنِثَتْ يمِينُك يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ (2)
فَاستوزرَ العَاضِدُ شِيركوه (3) ، فَلَمْ يُطّول، وَمَاتَ بِالخَانُوق بَعْد شَهْرَيْنِ وَأَيَّامٍ (4) ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ صلَاحُ الدِّيْنِ (5) .
وَكَانَ يُضْرَبُ بشجَاعَة أَسدِ الدّينِ شِيركوهُ المَثَل، وَيخَافُه الفِرَنج (6) .
قَالَ ابْنُ وَاصل (7) :حَدَّثَنَا الأَمِيْر حسَامُ الدِّينِ بنُ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ:
كَانَ جَدِّي فِي خِدْمَةِ صلَاحِ الدِّيْنِ
…
، فحكَى وَقعَة السُّودَانِ (8) بِمِصْرَ الَّتِي زَالت دولتُهُم بِهَا وَدولَة العُبَيْدِيَّة.
قَالَ: شَرَعَ صلَاحُ الدِّينِ يَطْلُبُ مِنَ العَاضِد أَشيَاءَ مِنَ الخيلِ وَالرَّقيقِ وَالمَالِ ليقويّ بِذَلِكَ ضعفه، فَسَّيّرنِي إِلَى العَاضِد أَطلُبُ مِنْهُ فَرَساً، فَأَتَيْتُه وَهُوَ رَاكبٌ فِي بُستَانه الكَافُوْرِيِّ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: مَالِي إِلَاّ هَذَا الفَرَس، وَنَزَلَ عَنْهُ، وَشَقَّ خُفّيه وَرَمَى بِهِمَا، فَأَتيتُ صلَاحَ الدِّيْنِ بِالفَرَس (9) .
قُلْتُ: تلاشَى أَمْرُ العَاضدِ مَعَ صلَاحِ الدِّيْنِ إِلَى أَنْ خَلَعَه، وَخَطَبَ
(1) في " النكت العصرية ": آل محمد.
(2)
" النكت العصرية ": 73.
(3)
" الكامل ": 11 / 340.
(4)
" الكامل ": 11 / 341.
(5)
" الكامل ": 11 / 342، وما بعدها.
(6)
انظر " الكامل ": 11 / 300 - 301.
(7)
محمد بن سالم بن واصل، مؤرخ، عالم بالمنطق والهندسة.
من فقهاء الشافعية مولده ووفاته في حماه.
من كتبه " مفرج الكروب في أخبار بني أيوب " وعنه ينقل الامام الذهبي.
توفي سنة / 697 / هـ.
له ترجمة في " نكت الهميان ": 250 - 252.
(8)
انظر " الكامل ": 11 / 345 - 347.
(9)
" مفرج الكروب ": 1 / 171 - 179 وما بين حاصرتين منه.
لِبَنِي العَبَّاسِ، وَاسْتَأْصَلَ شَأْفَةَ بنِي عُبَيْد، وَمَحَقَ دَوْلَةَ الرَّفضِ.
وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَتخلِّفاً لَا خَلِيْفَةً، وَالعَاضِدُ فِي اللُّغَةِ أَيْضاً القَاطعُ، فَكَانَ هَذَا عَاضداً لدولَةِ أَهْل بَيْته.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: أَخْبَرَنِي عَالِمٌ أَنَّ العَاضِدَ رَأَى فِي نَومه كَأَنَّ عقرباً خَرَجَتْ إِلَيْهِ مِنْ مَسْجِد عُرِفَ بِهَا فَلَدَغَتْه، فَلَمَّا اسْتيقظَ طَلب مُعبِّراً فَقَالَ: ينَالُكَ مكروهُ مِنْ (1) رَجُلٍ مُقِيْمٍ بِالمَسْجَد، فسَأَلَ عَنِ المَسْجَدِ، وَقَالَ لِلْوَالِي عَنْهُ، فَأُتِي بفقيرٍ، فَسَأَلَهَ: مِنْ أَيْنَ هُوَ؟ وَفيمَا قَدِمَ؟ فَرَأَى مِنْهُ صِدْقاً وَديناً.
فَقَالَ: ادْعُ لَنَا يَا شَيْخ، وَخلَّى سَبِيلَهُ، وَرَجَعَ إِلَى المَسْجَدِ، فَلَمَّا غَلَبَ صلَاحُ الدِّين عَلَى مِصْرَ، عَزَمَ عَلَى خَلْعِ العَاضدِ.
فَقَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: اسْتفتَى الفُقَهَاء، فَأَفتُوا بجَوَاز خَلْعِهِ لِمَا هُوَ مِنِ انحلَالِ العقيدَةِ وَالاستِهْتَارِ، فَكَانَ أَكْثَرهُم مبَالغَةً فِي الفُتْيَا ذَاكَ، وَهُوَ الشَّيْخُ نجم الدِّينِ الخُبُوشَانِيُّ (2) ، فَإِنَّهُ عدَّد مسَاوِئ هَؤُلَاءِ، وَسَلَب عَنْهُم الإِيْمَان (3) .
قَالَ أَبُو شَامَة (4) :اجْتَمَعتُ بِأَبِي الفُتُوْحِ بنِ العَاضد، وَهُوَ مسجُوْنٌ مقيِّد، فحكَى لِي أَن أَبَاهُ فِي مَرَضِهِ طَلَبَ صلَاحَ الدِّين، فَجَاءَ، وَأَحْضَرَنَا
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
هو محمد بن الموفق بن سعيد، أبو البركات، نجم الدين الخبوشاني، نسبة إلى خبوشان - وهي بليدة بناحية نيسابور - انتقل إلى مصر، وحظي عند السلطان صلاح الدين.
صنف كتاب " تحقيق المحيط " في الفقه، قال عنه ابن خلكان:" رأيته في ستة عشر مجلدا ". توفي رحمه الله سنة / 587 / هـ. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 4 / 239 - 240 و" طبقات الشافعية ": 4 / 190 - 192.
(3)
" وفيات الأعيان ": 3 / 111.
(4)
المؤرخ المشهور، صاحب كتاب " الروضتين " عبد الرحمن بن إسماعيل، المقدسي الدمشقي. لقب أبا شامة، لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. توفي سنة / 665 / هـ سترد ترجمته عند المؤلف فيما بعد.
وَنَحْنُ صِغَار، فَأَوْصَاهُ بنَا، فَالتزمَ إِكرَامنَا وَاحترَامَنَا (1) .
قَالَ أَبُو شَامَة: كَانَ مِنْهُم ثَلَاثَةٌ بِإِفْرِيْقِيَةَ: المَهْدِيُّ، وَالقَائِمُ، وَالمَنْصُوْرُ، وَأَحَدَ عَشَرَ بِمِصْرَ آخرهُم العَاضد (2)، ثُمَّ قَالَ: يدَّعُون الشَرَفَ وَنِسْبَتُهم إِلَى مجوسِي أَوْ يهودِي، حَتَّى اشْتَهَرَ لَهُم ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: الدَّوْلَة العَلَوِيَّة، وَالدَّوْلَة الفَاطمِيَة، وَإِنَّمَا هِيَ الدَّوْلَة اليَهودَّيَة أَوِ المَجُوْسِيَّة المُلْحِدَةُ البَاطنيَّةُ.
ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ الأَكَابِرِ، وَأَنَّ نَسَبَهُمْ غَيْرُ صَحِيْحٍ.
بَلِ المَعْرُوْف أَنَّهُمْ بَنو عُبَيْد.
وَكَانَ وَالد عُبَيْد مِنْ نسل القَدَّاح المَجُوْسِيّ المُلْحِد.
قَالَ: وَقِيْلَ: وَالده يهوديٌّ مِنْ أَهْلِ سَلَمِيَّة، وَعُبَيْد كَانَ اسْمُه سعيداً، فَغيَّره بعُبَيْد اللهِ لَمَّا دَخَلَ إِلَى المَغْرِبِ، وَادَّعَى نَسباً ذكر بُطلَانه جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأَنْسَابِ، ثُمَّ ترقَّى، وَتَمَلَّك، وَبنَى المَهديَّة.
قَالَ: وَكَانَ زِنْدِيقاً خَبِيْثاً، وَنشأَتْ ذُرِّيّتهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَقِيَ هَذَا البلَاءُ عَلَى الإِسْلَام مِنْ أَوَّلِ دولتهِم إِلَى آخرِهَا (3) .
قُلْتُ: وَكَانَتْ دولتُهم مَائَتَي سنَةً وَثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَقَدْ صَنَّفَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ البَاقِلَاّنِي كتَاب (كَشْفِ أَسرَار البَاطنيَّة) فَافتتحه ببُطْلَانِ انتسَابهِم إِلَى الإِمَام عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ القَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ المُعْتَزِلِيُّ.
هلَكَ العَاضدُ يَوْمَ عَاشُورَاء سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْس مائَة بذَرَب مُفْرِطٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ غَمّاً لَمَّا سَمِعَ بِقطع خُطبته وَإِقَامَة الدعوَة لِلْمستضيء. وَقِيْلَ:
(1)" الروضتين ": 1 / 194.
(2)
" الروضتين ": 1 / 201.
(3)
" الروضتين ": 1 / 201.
سُقيَ. وَقِيْلَ: مصَّ خَاتماً لَهُ مَسْمُوْماً.
وَكَانَتِ الدَّعوَةُ المَذْكُوْرَةُ أُقيمت فِي أَوَّلِ جُمعَة مِنَ المُحَرَّم، وَتسلَّمَ صلَاحُ الدِّينِ القصرَ بِمَا حوَى مِنَ النفَائِسِ وَالأَمْوَالِ، وَقَبَضَ أَيْضاً عَلَى أَوْلَاد العَاضدِ وَآله، فسجنَهُم فِي بَيْتٍ مِنَ القَصْرِ، وَقَمَعَ غِلْمَانهم وَأَنصَارَهُم، وَعفَى آثَارهُم (1) .
قَالَ العِمَاد الكَاتِبُ (2) :وَهُمُ الآنَ محصُورُوْنَ محسورُوْنَ لَمْ يَظْهَرُوا، وَقَدْ نَقَصُوا وَتَقَلَّصُوا، وَانتقَى صلَاحُ الدِّيْنِ مَا أَحَبَّ مِنَ الذَّخَائِر، وَأَطلقَ البيعَ بَعْدُ فِي مَا بَقِيَ، فَاسْتمرَّ البيع فِيْهَا مُدَّة عشرِ سِنِيْنَ (3) .
وَمِنْ كِتَابٍ مِنْ إِنشَاءِ القَاضِي الفَاضِل (4) إِلَى بَغْدَادَ: وَقَدْ تَوَالَتِ الفُتوحُ (5) غرباً، وَيَمَناً وَشَاماً، وَصَارت البِلَاد - بَلِ الدُّنْيَا وَالشهر، بَلْ وَالدَّهْرُ - حَرَماً حرَاماً، وَأَضحَى الدِّين وَاحِداً بَعْدَ أَنْ كَانَ أَدْيَاناً، وَالخِلَافَةُ إِذَا ذُكِّرَ بِهَا أَهْلُ الخِلَافِ لَمْ يَخُّرُوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمِيَاناً، وَالبِدْعَةُ خَاشِعَة، وَالجُمُعَة جَامِعَة، وَالمَذَلَّةُ فِي شِيَعِ الضَّلَال شَائِعَة.
ذَلِكَ بِأَنَّهُم اتَّخذُوا عبَادَ اللهِ مِنْ دُوْنه أَوْلِيَاءَ، وَسمَّوا أَعدَاءَ الله أَصفيَاءَ، وَتقطَّعُوا أَمرهم بينهُم شِيَعاً، وَفَرَّقُوا أَمرَ الأُمَّةِ وَكَانَ مجتمِعاً، وَقُطع دَابِرُهُم، وَرَغِمَت أُنوفُهُم
(1)" النجوم الزاهرة ": 5 / 334 - 335.
(2)
هو محمد بن صفي الدين محمد، أبو عبد الله. مؤرخ عالم بالادب. من كتبه:" خريدة القصر " و" الفتح القسي القدسي ".
ولد بأصبهان، وتعلم ببغداد، وعمل في " ديوان الانشاء " زمن السلطان نور الدين، ثم لحق بصلاح الدين بعد وفاته.
استوطن دمشق وتوفي بها سنة / 597 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 147 - 153.
(3)
" الروضتين ": 1 / 194 - 195.
(4)
هو عبد الرحيم بن علي اللخمي، المعروف بالقاضي الفاضل، وزير من أئمة الكتاب، وزر للسلطان صلاح الدين، ولد بعسقلان، وتوفي بالقاهرة سنة / 596 / هـ له ترجمة في " خريدة القصر ": قسم شعراء مصر: 1 / 35 - 54، و" وفيات الأعيان ": 3 / 158 - 163.
(5)
في " الروضتين ": عربا، بالعين المهملة.