الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَرَجَ مكْسَرُه أَسمر إِلَى صُفْرَة (1) .
وَمَاتَ الظَّاهِر فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَلَمْ يبلُغْنِي كَبِيْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِ.
وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه المُسْتَنْصِر.
وَقِيْلَ: كَانَ غَارِقاً فِي اللَّهْو وَالمُسكر وَالسَّرَارِي.
72 - المُسْتَنصر بِاللهِ مَعَدُّ بنُ الظَّاهِر لإِعزَاز دين الله *
صَاحِبُ مِصْرَ، المستنصرُ بِاللهِ، أَبُو تَمِيْم مَعَدُّ ابنُ الظَّاهِر لإِعزَاز دين الله عَلِيِّ بنِ الحَاكِم أَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْر بنِ العَزِيْز بنِ المُعِزّ، العُبَيْديُّ المِصْرِيُّ.
وَلِي الأَمْرَ بَعْد أَبِيْهِ، وَلَهُ سَبْع سِنِيْنَ، وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، فَامتَدَّتْ أَيَّامُه سِتِّيْنَ سَنَةً وَأَرْبَعَة أَشهر.
وفِي وَسط دَوْلَته خُطبَ لَهُ بِإِمرَة المُؤْمِنِيْنَ عَلَى منَابر العِرَاقِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَالتَجَأَ القَائِمُ بِأَمر الله الخَلِيْفَةُ إِلَى أَمِيْرِ العَرب فَأَجَاره، ثُمَّ بَعْد عَامٍ عَادَ إِلَى خِلَافتِهِ (2) .
وَكَانَ الحَاكِم قَدْ هَدَمَ القُمَامَة الَّتِي بِالقُدْس، فَأَذِنَ المستنصرُ لطَاغيَةِ الرُّوْمِ أَنْ يجدِّدهَا، وَهَادَنه عَلَى إِطلَاق خَمْسَةِ آلَاف أَسير مُسْلِمِيْن، وَغرِم أَمْوَالاً عَلَى عِمَارتهَا (3) .
(1)" المنتظم ": 8 / 8 - 9.
(*) الكامل: 9 / 447 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 229 - 231، العبر: 3 / 318، البداية والنهاية: 12 / 148، تاريخ ابن خلدون: 4 / 62 - 66، خطط المقريزي: 1 / 355 - 356، النجوم الزاهرة: 5 / 1 - 23، تاريخ ابن إياس: 1 / 59 - 62، شذرات الذهب: 3 / 382.
(2)
انظر " المنتظم ": 8 / 189 - 212.
(3)
" الكامل ": 9 / 460.
وفِي خِلَافتِه ظَهَرَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ سكين الَّذِي كَانَ يُشْبه الحَاكِم، فَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ.
وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الغَيْبَة، فَتبِعَه خَلْقٌ مِنَ الغَوْغَاءِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُوْنَ رجعَةَ الحَاكِم.
وَقصدُوا القَصر، فثَارتِ الفِتْنَة، ثُمَّ أُسر هَذَا، وَصُلب هُوَ وَجَمَاعَةٌ بالقَاهرَة (1) .
وَفِي سَنَةِ 34 جَهَّز جيشاً لمحَاربَة صَاحِب حَلَب ثِمَال بن مِرْدَاس (2) .
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ خَلَعَ المُعِزُّ بنُ بَادِيس (3) مُتَوَلِّي القَيْرَوَان للعبيديَّة طَاعتَهُم، وَأَقَامَ الدَّعوَة لِبَنِي العَبَّاسِ، وَقطَعَ دَعْوَة المُسْتَنْصِر (4) .
فَبَعَثَ إِلَيْهِ يتهدَّدُه فَمَا الْتَفَتَ، فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِ عَسْكَراً مِنَ العَرَب فَحَاربوهُ، وَهُم بَنو زُغْبَة، وَبَنُو رِيَاح (5) ، وَجرت خُطُوب يطول شَرْحُهَا (6) .
وفِي هَذَا الوَقْت غَزَت الغُزُّ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ يَنَال السَّلْجُوقِّي.
وَقِيْلَ: مَا كَانَ مَعَهُم، فَغَزَوا إِلَى قَرِيْب القُسْطَنْطِيْنيَّة، وَغنِمُوا وَسَبَوا أَزيدَ مِنْ مائَة أَلْف.
وَقِيْلَ: جُرَّتِ المكَاسب عَلَى عَشْرَة آلَاف عجَلَة، وَكَانَ فتحاً عَظِيْماً (7) .
وَفِيْهَا: صَرَفَ المُسْتَنْصِرُ عَنْ نِيَابَة دِمَشْق نَاصرَ الدَّوْلَة، وَسيفَها ابْنَ حَمْدَان بطَارِق الصَّقْلَبي (8) ، ثُمَّ عزَلَ طَارقاً بَعْد أَشهر، ثُمَّ لَمْ يُطِّول، فعُزِل
(1)" الكامل ": 9 / 513.
(2)
" المنتظم ": 8 / 115.
(3)
انظر أخباره في " البيان المغرب ": 1 / 295.
(4)
" الكامل ": 9 / 521 - 522.
(5)
انظر " نهاية الارب ": 2 / 337.
(6)
" الكامل ": 9 / 566 - 570.
(7)
" الكامل ": 9 / 546 - 547.
(8)
" ذيل تاريخ دمشق ": 84.
بِرِفْق المُسْتَنْصِريِّ (1) ، وَوزر مَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المَاشلّي (2) ، وَكَانَ الرَّفْض أَيْضاً قويّاً بِالعِرَاقِ.
وفِي سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ ملكت العَرَب المِصْرِيون مَدِيْنَةَ طرَابُلُس، وَملكُوا مُؤنس بنَ يَحْيَى المِرْدَاسِيَّ، وَحَاصرُوا المَدَائِنَ، وَنهبوا القُرَى، وَحلَّ بِالنَّاسِ أَعْظَمُ بلَاءٍ، فَبرز ابْنُ بَادِيس فِي ثَلَاثِيْنَ أَلْفاً.
وَكَانَتِ العَرَب ثَلاثَة آلَافٍ فَالتَقَوا، وَثبت الجمعَان، ثُمَّ انْكَسَرَ ابْنُ بَادِيس، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِجَيْشِهِ.
وَحَازتِ العَرَبُ الخيلَ وَالخيَامَ بِمَا حَوَت.
وَإِنَّ ابْنَ بَادِيسٍ لأَفْضَلُ مَالِكٍ
…
وَلَكِنْ لعَمْرِي مَا لَدَيْه رِجَالُ
ثَلَاثُوْنَ أَلْفاً مِنْهمُ هَزَمَتْهُمُ
…
ثَلَاثَةُ أَلفٍ، إِنَّ ذَا لَمُحَالُ
ثمَّ قصَدَهُم ابْنُ بَادِيس وَهجَمَ عَلَيْهِ، فَانكسرَ أَيْضاً.
وَقُتِلَ عسكرُه، فسَاقَ عَلَى حمِيَّة، وَحَاصرتِ العَرَبُ القَيْرَوَان، وَتحيَّز المُعِزُّ بنُ بَادِيس إِلَى المهديَّة، وَجرت حُرُوب تشيّب النَّوَاصي فِي هَذِهِ الأَعْوَام (3) .
وَفِي سَنَةِ 48 كَانَ بِالأَنْدَلُسِ القَحْطُ الَّذِي مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ، وَيُسمونه الجوعَ الكَبِيْر.
وَكَانَ بِمِصْرَ القَحط وَالفنَاء (4) .
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ تسلَّم نوَابُ الْمُسْتَنْصر حَلَب (5) .
(1)" ذيل تاريخ دمشق ": 85.
(2)
في " ذيل تاريخ دمشق ": 85. الماشكي، وأنه وزر مع الأمير المؤيد.
(3)
انظر " البيان المغرب ": 1 / 289 - 294، و" الكامل ": 9 / 566 - 570.
(4)
" الكامل ": 9 / 631.
(5)
" ذيل تاريخ دمشق ": 86.
وَكَانَ غلَاءٌ مُفْرِط بِبَغْدَادَ وَفنَاءٌ (1) ، وَأَمَّا بِمَا وَرَاء النَّهر فَتَجَاوز الوَصْفَ (2) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ جَاءَ مِنْ مِصْرَ نَاصرُ الدَّوْلَة الحَمْدَانِي عَلَى إِمرَة دِمَشْق (3) .
وفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَلِي دِمَشْق أَمِيْرُ الجُيُوش بَدْر (4) .
وَفِي سَنَةِ سبعٍ تمت ملحمَة كُبْرى بِالمَغْرِب بَيْنَ تَمِيْمِ بنِ المُعِزّ بن بَادِيس، وَبَيْنَ قرَابته النَّاصر الَّذِي بَنَى بِجَايَة (5) .
وَانْهَزَم النَّاصِر، وَقُتِلَ مِنَ الَبرْبر أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً (6) .
وَفِيْهَا: بُنيت بِجَايَة (7) وَبِبَغْدَادَ النِّظَامِيّة (8) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ كَانَ حَرِيْقُ جَامِع دِمَشْق، وَدُثِرَتْ محَاسِنُه، وَاحترقت الخَضْرَاءُ مَعَهُ - وَكَانَتْ دَارَ الملكِ - مِن حربٍ وَقَعَ بَيْنَ عَسْكَرِ العِرَاق، وَعسكر مِصْر (9) .
(1)" الكامل ": 9 / 636.
(2)
" الكامل ": 9 / 637.
(3)
" ذيل تاريخ دمشق ": 86.
(4)
" ذيل تاريخ دمشق ": 91 - 92.
(5)
بالكسر وتخفيف الجيم وألف وياء وهاء. مدينة على ساحل البحر بين أفريقية والمغرب. كان أول من اختطها الناصر بن علناس بن حماد بن زيري في حدود سنة / 457 / انظر " معجم البلدان ": 1 / 339.
(6)
" الكامل ": 10 / 44 - 46.
(7)
" الكامل ": 10 / 46 - 49.
(8)
من أكبر المدارس في بغداد، بناها نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، وكان وزيرا حازما لالب أرسلان، اغيتل سنة / 485 / هـ ودفن بأصبهان. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 128 - 131.
(9)
" ذيل تاريخ دمشق ": 96.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، قُطِعَتْ مِنْ مَكَّة الدعوةُ المستنصريَّة، وَخُطب لِلْقَائِم بِأَمر الله، وَتُرِكَ الأَذَانُ بحِي عَلَى خَيْرِ العَمَل (1) ، وَذَلِكَ لذلَّة المِصْرِيين بِالقَحط الأَكْبر وَفنَائِهِم، وَأَكَلَ بَعْضُهم بَعْضاً، وَتمزَّقُوا فِي البِلَاد مِنَ الْجُوع، وَتمحَّقَتْ خزَائِنُ المُسْتَنْصِر، وَافتقرَ، وَتعثَّر (2) .
وفِي هَذِهِ النوبَة نقل صَاحِبُ (الْمرْآة (3)) ، أَنَّ امْرَأَة خَرَجَتْ وَبيدهَا مُدُّ لُؤْلُؤ لتشتريَ بِهِ مُدُّ قمحٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا أَحَدٌ، فَرَمَتْهُ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ يَلْتَقِطُه (4) .
فَكَادَ الخرَابُ أَنْ يَسْتَولِي عَلَى سَائِر الأَقَالِيْم، حَتَّى لأُبيع الكَلْبُ بستةِ دَنَانِيْر وَالقط بِثَلاثَةِ دَنَانِيْر، حَتَّى أُبيع الإِردبّ بِمائَة دِيْنَار (5) .
وَفِي سَنَةِ 63 هَزَمَ السُّلْطَان أَلْب أَرْسَلان طَاغيَةَ الرُّوْم وَأَسَرَه، وَقُتِلَ مِنَ العَدُوِّ سِتُّوْنَ أَلْفاً (6) .
وَأَقبلَ أَتسز (7) الخوَارزْميُّ، أَحَدُ أُمرَاء أَلب أَرْسَلان، فَاسْتولَى عَلَى الشَّامِ إِلَاّ قَلِيْلاً، وَعَسَف وَتمرَّد وَعَتا (8) .
واشْتَغَل جَيْشُ مِصْر بنفُوسهم. ثُمَّ اختلفُوا، وَاقْتَتَلُوا مُدَّةً، وَصَارُوا
(1)" الكامل ": 10 / 61.
(2)
" الكامل ": 10 / 61 - 62.
(3)
هو يوسف بن قزغلي، أبو المظفر، سبط ابن الجوزي، مؤرخ من الكتاب، ولد ونشأ ببغداد، ورباه جده، وانتقل إلى دمشق، فاستوطنها، وتوفي فيها سنة / 654 / هـ من كتبه " مرآة الزمان في تاريخ الأعيان " صور منه المجلد الثامن، وهو آخر الكتاب.
(4)
" النجوم الزاهرة ": 5 / 17.
(5)
" النجوم الزاهرة ": 5 / 16 والاردب كيل كبير يستعمل لتقدير الحبوب، ويزن مئة وخمسين كيلو غرام.
(6)
" المنتظم ": 8 / 260 - 265.
(7)
في الأصل: أطسز، والصواب ما أثبتناه كما سيذكره المصنف في الصفحة 193.
(8)
" ذيل تاريخ دمشق ": 98 - 99.
فِرْقَتين، فرقَة العبيد وَعرب الصَّعيد، وَفرْقَة التُّرك وَالمغَاربَة، وَرَأْسُهُم ابْنُ حَمْدَانَ، فَالتَقَوا بكَوْم الرِّيش، فهَزَمهُم ابْنُ حَمْدان، وَقُتِلَ وَغَرِقَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً.
وَنَفِدَتْ خزَائِنُ المُسْتَنصر عَلَى التُّرك، ثُمَّ اختَلَفُوا، وَدَام الحَرْبُ أَياماً، وَطَمِعُوا فِي الْمُسْتَنْصر، وَطَالبوهُ حَتَّى أُبيعت فُرُش القَصْر، وَأَمتعَتُه بِأَبخسِ ثمنٍ، وَغلبَت العبيدُ عَلَى الصَّعيد، وَقطعُوا الطُّرقَ، وَكَانَ نَقْدُ الأَترَاك فِي الشَّهْرِ أَرْبَع مائَة أَلْف دِيْنَار، وَاشْتَدَّت وَطأَةُ نَاصر الدَّوْلَة، وَصَارَ هُوَ الكلّ، فحسَدَه الأُمَرَاء، وَحَاربوهُ، فَهَزمُوهُ، ثُمَّ جمع وَأَقْبَلَ، فَانتصرَ، وَتعثَّرَتِ الرَّعيّةُ بِالهيْج مَعَ القَحط، وَنهبت الجُنْدُ دورَ العَامَّة (1) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْر: اشْتَدَّ الغلاءُ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَكَلتْ رغيفاً بِأَلفِ دِيْنَارٍ، بَاعت عروضاً تسَاوِي أَلفَ دِيْنَار بِثَلَاث مائَة دِيْنَارٍ، فَاشترتْ بِهَا جُوَالِق (2) قَمح، فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ، فَنَهَبَتْ هِيَ مِنْهُ فَحَصَلَ لَهَا مَا خُبزَ رَغِيفاً (3) .
وَاضمحلَّ أَمْرُ الْمُسْتَنْصر بِالمرّة، وَخَمُل ذِكْرُهُ.
وَبَعَثَ ابْنُ حَمْدَانَ يُطَالبه بِالعَطَاء، فَرَآهُ رَسُوْلُه عَلَى حَصيرٍ، وَمَا حَوْلَه سِوَى ثَلاثَة غِلْمَان.
فَقَالَ: أَمَا يَكْفِي نَاصر الدَّوْلَة أنْ أَجلِسَ فِي مِثْل هَذَا الحَال؟
فَبَكَى الرَّسُولُ، وَرقَّ لَهُ نَاصرُ الدَّوْلَة، وَقرَّر لَهُ كُلَّ يَوْم مائَة دِيْنَارٍ.
وَكَانَ نَاصرُ الدَّوْلَة، يظْهر التسنُّن، وَيعيب المستنصرَ لِخبث رَفْضِهِ وَعقيدَتِه، وَتفرَّق عَنِ الْمُسْتَنْصر أَولادُه، وَأَهلُه مِنَ الْجُوع، وَتقرَّفُوا فِي
(1) انظر " الكامل ": 10 / 80 - 85.
(2)
وعاء من صوف أو غيره، جمعه: جوالق - بفتح الجيم، وهو عند العامة (شوال) .
(3)
" الكامل ": 10 / 85.
البِلَادِ وَدَام الجَهْد عَامِين، ثُمَّ انحطَّ السِّعْر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ (1) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْر: بِالغ ابْنُ حَمْدَان فِي إِهَانَة المُسْتَنْصر، وَفرَّق عَنْهُ عَامَّة أَصْحَابه، وَكَانَ غَرَضُه أَنْ يخطُبَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنيْنَ القَائِم، وَيزِيلَ دَوْلَة البَاطنيَة، وَمَا زَالَ حَتَّى قَتَلَه الأُمَرَاء، وَقتلُوا أَخوَيْه فَخرَ العَرَب، وَتَاج المعَالِي، وَانقطَعَتْ دولَتُهم (2) .
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَلِي الأُمُورَ أَمِيْرُ الجُيُوش بدْر (3) ، فَقَتَل أَمِيْرَ الأُمَرَاء الدُكز (4) ، وَالوَزِيْر ابْن كُدَينَة (5) ، وَكَانَ المُسْتَنْصِر قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ سراً ليقدمَ مِنْ عكَّا، فَأَعَاد الجَوَاب أَنَّ الجُنْد بِمِصْرَ قَدْ فسدَ نظَامُهم، فَإِنْ شِئْت أَتيتُ بجندٍ مَعِي، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَفْعَل مَا أَحَبَّ، فَاسْتَخدم عَسْكَراً وَأَبطَالاً، وَركِبُوا البَحْر فِي الشِّتَاء مُخَاطرَةً.
وَبَغَتَ مِصْر وَسَلِم، فَوَلَاّهُ المستنصرُ مَا وَرَاء بَابه، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ بَقِيَ يبعَثُ إِلَى كُلّ أَمِيْرٍ طَائِفَةً بصورَة رسَالَة،
(1)" الكامل ": 10 / 86.
وانظر تفصيل الحديث عن هذه الشدة العظمى في " إغاثة الأمة " للمقريزي: 24 - 27.
(2)
" الكامل ": 10 / 86 - 87.
(3)
هو بدر بن عبد الله الجمالي، أبو النجم، أمير الجيوش المصرية. ولي إمارة دمشق للمستنصر ثم استدعاه إلى مصر، واستعان به على إطفاء فتنة نشبت، فوطد له أركان الدولة وأصبح الحاكم في دولته والمرجوع إليه..وكان حازما شديدا على المتمردين.
توفي في القاهرة سنة / 487 هـ انظر " الإشارة إلى من نال الوزارة " 55 - 56، و" خطط المقريزي ": 1 / 381 - 382.
(4)
هكذا في الأصل رسما وضبطا، وكذلك في أغلب كتب التاريخ.
أما في " الإشارة إلى من نال الوزارة ": 55 فهو: " بلدكوز ".
وهو من الامراء الاتراك الذين خافوا على أنفسهم من استئثار ناصر الدولة بن حمدان، فقتلوه وقتلوا أخويه فخر العرب وتاج المعالي، فلما خلا الجو للاتراك استطالوا على الخليفة واستبدوا بالامور وطلب أمير الجيوش إلى الخليفة، وهو في طريقه إلى مصر، القبض عليه، فقبض عليه سنة 466 / انظر " الكامل ": 10 / 87.
(5)
هو الحسن: ابن القاضي ثقة الدين، المعروف بابن كدينة، ولي الوزارة غير مرة وكان سيء الخلق، قاسي القلب.
" الإشارة إلى من نال الوزارة ": 51.
فيخرُجُ الأَمِيْرُ فيقتلُونه، وَيَأْتُوْنَ بِرَأْسِهِ.
فَمَا أَصْبَحَ إِلَاّ وَقَدْ مهَّد البَلَد، وَاحتَاط عَلَى أَمْوَالِ الجَمِيْع، وَنقَلَهُ إِلَى القَصْر.
وَسَارَ إِلَى دِمْيَاط فَهذَّبهَا، وَقَتَلَ الَّذِيْنَ تغلَّبُوا عَلَيْهَا، وَحَاصَرَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَدَخَلَهَا بِالسَّيْف، وَقتلَ عِدَّةً، وَقتَلَ بِالصَّعيد اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً.
وَأَخَذَ عِشْرِيْنَ أَلْف امْرَأَة، وَخمسَةَ عشرَ أَلف فَرَس، فَتَجمعُوا لِحَرْبِهِ ثَانياً، فَكَانُوا سِتِّيْنَ أَلْفاً، فسَاقَ، وَبيَّتَهُم فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُتِلَ خَلْقٌ، وَغرِقَ خَلْق وَنُهِبَتْ أَثْقَالهُم ثُمَّ عَمِلَ مَعَهُم مَصَافّاً آخر وَقهرَهُم، وَعمَّر البِلَادَ، وَأَحسنَ إِلَى الرَّعيَة، وَأَطلق لِلنَّاسِ الخَرَاج ثَلَاثَ سِنِيْنَ، حَتَّى تمَاثَلَت البِلَادُ بَعْد الخرَاب (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: القَائِمُ، وَبُوْيِع حَفِيدُه المقتدِي (2) ، وَأَعيدت الدَّعوَة بِمَكَّةَ لِلْمُسْتَنْصِر (3) ، وَاخْتَلَفَتِ العَرَبُ بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَتحَاربُوا مُدَّةً (4) .
وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ اشْتَدَّ القَحطُ بِالشَّامِ، وَحَاصَرَ أَتْسِز الخُوَارِزْمِيّ دِمَشْق، فَهَرَبَ أَمِيْرُهَا المُعَلَّى بنُ حَيدرَة، وَكَانَ جَبَّاراً عَسُوَفاً (5) ، وَولَّى بَعْدَهُ رَزِيْن الدَّوْلَة انتصَار المَصْمُودِيُّ (6) ، ثُمَّ أَخَذَ دِمَشْق أَتْسِز، وَأَقَامَ الدَّعوَةَ العَبَّاسِيَّة، خَافهُ المِصْرِيُّون (7) ، ثُمَّ قَصَدَهُم فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَحَاصَرَهُمْ وَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ أَنْ يتملَّك، فتضرَّع الخلقُ عِنْد الوَاعِظ الجَوْهَرِيِّ،
(1)" خطط المقريزي ": 1 / 381 - 382.
(2)
" المنتظم ": 8 / 289 - 293.
(3)
" الكامل ": 10 / 97 - 98.
(4)
" الكامل ": 10 / 98.
(5)
" الكامل ": 10 / 99، وفيه " أقسيس " وهي تصحيف عن " أتسز ".
انظر " ذيل تاريخ دمشق ": 95، 108.
(6)
" ذيل تاريخ دمشق ": 108 وفيه " زين الدولة " وكذلك في " أمراء دمشق ": 13 واسمه: انتصار بن يحيى.
(7)
" ذيل تاريخ دمشق ": 108 - 109.
فرحَل شِبه منهزِم، وَعصَى عَلَيْهِ أَهْلُ القُدْس مُدَّة، ثُمَّ أَخذَهَا، وَقتلَ وَتمرَّد، وَفعل كُلّ قبيحٍ، وَذبحَ قَاضِي القُدْس وَالشُّهُودَ صَبْراً (1) .
وَتملك فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ دِمَشْق تَاج الدَّوْلَة تُتُش السَّلْجُوقيُّ (2) ، وَقتلَ أَتْسِز، وَتحبّب إِلَى الرَّعِيَّةِ (3) .
وَتَمَلَّك قصرا وَقُونِيَة وَغَيْر ذَلِكَ الملكُ سُلَيْمَانُ بنُ قتلمش السَّلْجوقيُّ فِي هَذَا الحُدُوْد.
ثُمَّ سَارَ فِي جيوشهِ، فَنَازَلَ أَنْطَاكيَة، حَتَّى أَخَذَهَا مِنْ أَيدِي الرُّوْم؛ وَكَانَتْ فِي أَيديهم مِنْ مائَة وَبِضْعَة عشر عَاماً (4) .
وَأَمَّا الأَنْدَلُس فجَرَتْ فِيْهَا حُرُوبٌ مزعجَة.
وَكَانَتْ وَقعَة الزَّلَاّقَة بَيْنَ الْفِرِنْج، وَبَيْنَ صَاحِبِ الأَنْدَلُس المُعْتَمِد بنِ عَبَّاد، وَنجدَهُ أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفين بجيوش الْبَرْبَر المُلَثَّمِين.
فَكَانَ العَدُو خَمْسِيْنَ أَلْفاً فَيُقَالُ: مَا نَجَا مِنْهُم ثَلَاث مائَة نَفْسٍ (5) ، وَافتَتَحَ السُّلْطَان مَلِكْشَاهُ (6) حلبَ وَالجَزِيْرَة (7) .
وَرُدَّ إِلَى بَغْدَادَ (8) ،
(1)" ذيل تاريخ دمشق ": 109 - 112 و" الكامل ": 10 / 103 - 104.
(2)
كان صاحب البلاد الشرقية، فلما حصر أمير الجيوش بدر مدينة دمشق - وكان صاحب دمشق أتسز - استنجد أتسز به، فأنجده، وسار إليه بنفسه، فلما وصل إلى دمشق قتل أتسز واستولى على دمشق ثم ملك حلب، وقد جرى بينه وبين أخيه بركياروق مشاجرات أدت إلى المحاربة بينهما سنة / 488 / فانكسر تتش وقتل في المعركة. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 295.
(3)
" ذيل تاريخ دمشق ": 112.
(4)
" الكامل ": 10 / 138 - 139.
(5)
" المعجب ": 132 - 135، و" الكامل ": 10 / 151 - 154.
(6)
ابن ألب أرسلان، كان من أحسن الملوك سيرة، حتى كان يلقب بالسلطان العادل توفي سنة / 485 /.
له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 283 - 289.
(7)
" الكامل ": 10 / 148 - 150.
(8)
" الكامل ": 10 / 155 - 157.
وَعمِلَ عرس بنته عَلَى الخَلِيْفَة (1) .
وَفِي سَنَةِ 483 أَقَبَلَ عَسْكَرُ المُسْتَنْصِر فَحَاصرُوا عكَّا وَصور (2) .
وَمَاتَ أَمِيْرُ الجُيُوش بَدْر الجمَالِيُّ مُتَوَلِّي مِصْر (3) .
وَكَانَ قَدْ بَلَغَ رُتْبَةً عَظِيْمَة، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه شَاهَان شَاه أَحْمَد (4) عَلَى قَاعدَة أَبِيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّمَا مَاتَ بُعَيد الْمُسْتَنْصر، وَفِي دَوْلَة الْمُسْتَنْصر المتخلِّف، وَقَعَ القَحْطُ المَذْكُوْر لَاحترَاق النِّيل الَّذِي مَا عُهِدَ مِثْله بِمِصْرَ مِنْ زَمَن يُوْسُفَ عليه السلام.
وَدَام سنوَاتٍ بِحَيْثُ إِن وَالِدَة المُسْتَنْصِر وَبنَاته سَافَرْنَ مِنْ مِصْرَ خوَفاً مِنَ الْجُوع (5) ، وآلَ أَمرُه إِلَى عدم كُلِّ الدَّوَابّ ببلَاد مِصْر، بِحَيْثُ بَقِيَ لَهُ فَرَس يَرْكَبُهَا، وَاحتَاجَ إِلَى دَابَّة يركَبُهَا حَامِلُ الجِتْر (6) يَوْم العِيْد وَرَاءهُ، فَمَا وَجَدُوا سِوَى بغلَة بنِ هبَة كَاتِب السِّر فوقفتْ عَلَى بَاب القَصْر، فَازْدَحَمَ عَلَيْهَا الحرَافشَة (7) وَذبحوهَا وَأَكلوهَا فِي الحَال، فَأَخذهُم الأَعوَان وَشُنِقُوا، فَأَصبحت عظَامُهُم عَلَى الْجُذُوع قَدْ أُكلُوا تَحْتَ اللَّيْل (8) .
مَاتَ الْمُسْتَنْصر: فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ
(1)" الكامل ": 10 / 160 - 161.
(2)
" الكامل ": 10 / 176.
(3)
انظر ص / 192 / تعليق / 3 / من هذا الجزء.
(4)
ترجم له ابن خلكان في " وفياته ": 2 / 448 - 451 ولم يسمه أحمد، كان من الدهاة وطد دعائم الملك للامر بأحكام الله، ودبر له شؤون دولته، وقد نقم عليه الامر أمرا فدس له من قتله سنة / 515 / هـ ولعل الذهبي قد وهم بابنه أبي علي أحمد أنظر أيضا " الإشارة إلى من نال الوزارة ": 57 - 62.
(5)
" الكامل ": 10 / 86.
(6)
الجتر، بكسر الجيم. المظلة. انظر ص / 183 / تعليق / 1 / من هذا الجزء.
(7)
كالشطار والعيارين في بغداد.
(8)
" النجوم الزاهرة ": 5 / 16.