الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنايات
*
مدخل
…
كتاب الجنايات
وهي جمع جناية وهي: التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا أو غيره
قتل الآدمي بغير حق ذنب كبير وفاعله فاسق وأمره إلى الله: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وتوبته مقبولة ولا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد التوبة - قال الشيخ: فعلى هذا يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته فإن اقتص من القاتل أو عفا عنه: فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ على وجهين - قال القاضي عياض في حديث صاحب النسعة - وهو حديث صحيح مشهور - في هذا الحديث أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر "فهو كفارة له ويبقى حق المقتول" ويأتي في باب المرتد له تتمة1
1 النسعة بالنون المكسورة: السير العريض من الجلد، ويستخدم في حزم المتاع وسواه.
والحديث المشار إليه مروي من طريق متعددة والكلام عليه تفصيلا يخرج بنا عن الإيجاز وخلاصته أن رجلا قتل آخر، فجاء أخو القتيل يقتاد القاتل بسير في عنقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم له. وقد أفتاه صلى الله عليه وسلم بما يدل على أنه لو عفا ولي القتيل كان على القاتل ذنبان: ذنب القتيل لإزهاق روحه. وذنب وليه لما حقه من الضرر. ومن ذلك فهم القاضي عياض وغيره أنه لو اقتص الولي من القاتل لم يبق له حق بعد ذلك وبقي حق المقتول وحده كما نقل المصنف.
والقتل ثلاثة أضرب: عمد يختص القصاص به: وشبه عمد: وخطأ ويشترط في القتل العمد - القصد فالعمد: أن يقتل قصدا بما يغلب على الظن موته به عاملا بكونه آدميا معصوما - وهو تسعة أقسام: - أحدها أن يجرحه بمحدد له مور: أي دخول وتردد في البدن يقطع اللحم والجلد كسكين وسيف وسنان وقدوم ويغرزه بمسلة أو ما في معناه مما يحدد ويجرح: من حديد ونحاس ورصاص وذهب وفضة وزجاج وحجر وخشب وقصب وعظم جرحا ولو صغيرا: كشرط حجام فمات ولو طالت علته منه ولا علة به0 غيره ولو لم يداوه قادر عليه أو يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوها في مقتل: كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغ وأصل الأذن والخصيتين فمات أو بإبرة ونحوها في الألية والفخذ فمات في الحال أو بقى ضمنا1 حتى مات: وإن قطع أو بط سلعة خطرة من أجنبي مكلف بغير إذنه فمات فعليه القود وإن فعله حاكم من صغير أو مجنون أو وليهما لمصلحة فلا شيء عليه: - الثاني أن يضربه بمثقل فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها فيه رقة ورشاقة لا كهو2 وأما العمود الذي تتخذه الترك وغيرهم لخيامهم فالقتل به عمد لأنه يقتل غالبا أو يضربه بما يغلب على الظن موته كاللت: نوع من
1 الضمن بفتح الضاد وكسر الميم: السقيم.
2 قوله: لاكهو: يريد به ما كان كعمود الفسطاط لا يعتبر القتل به عمدا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتلت جاريتها به الدية على عاقلتها. ومعروف أن العاقلة لا تحمل العمد.
السلاح1 والدبوس وعقب الفأس والكوذين: الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب والسندان أو حجر كبير أو يلقى عليه حائط أو سقفا أو صخرة أو خشبة عظيمة أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب بخشبة صغيرة أو حجر صغير أو يضربه به مرة أو يلكزه بيده في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر مفرط أو برد شديد ونحوه فمات فعليه القود وإن ادعى جهل المرض في ذلك كله لم يقبل وإن لم يكن كذلك ففيه الدية لأنه عمد الخطأ: إلا أن يصغر جدا كالضربة بالقلم أو الإصبع في غير مقتل ونحوه أو مسه بالكبير ولم يضربه فلا قود فيه ولا دية: - الثالث أن يجمع بينه وبين أسد أو نمر بمضيق كزبية ونحوها وزبية الأسد: حفرة تحفر له شبه البئر فيفعل به ما يقتل مثله - فعليه القود وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا فلا قود وإن ألقاه مكتوفا بحضرة سبع فقتله أو بمضيق بحضرة حية فنهشته أو لسعته عقرب من القواتل فقتله - فعليه القود وإن نهشه كلبا أو سبعا أو حية من القواتل وهو يقتل غالبا فعمد وإن كان لا يقتل غالبا كثعبان الحجاز أو سبع صغير أو كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة فأكله سبع أو نهشته حية فمات - فشبه عمد وكذلك إن ألقاه مشدودا في موضع لم يعهد وصول زيادة الماء إليه أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه وإن كان يعلم وصول زيادة الماء إليه أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه وإن كان يعلم زيادة الماء في ذلك الوقت فمات به فهو عمد: - الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منهما إما لكثرتهما أو لعجزه عن
1 اللت بضم اللام وتشييد التاء.
التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كان مربوطا أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو هذا فمات أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا أو سد المنافذ حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أو دفنه حيا أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك فمات - فعمد وإن ألقاه في ماء يسير يقدر على التخلص منه فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر وإن كان في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود ويضمنه بالدية وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله: أنا قادر على التخلص أو نحو هذا: - الخامس: خنقه بحبل أو غيره أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات في مدة يموت في مثلها غالبا - فعمد وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبا فشبه عمد إلا أن يكون صغيرا إلى الغاية بحيث لا يتوهم الموت فيه فمات - فهدر ومتى خنقه وتركه سالما حتى مات ففيه القود وإن تنفس وصح ثم مات فلا ضمان: - السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما أو الدفاء في الشتاء ولياليه الباردة قاله ابن عقيل حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا بشرط أن يتعذر عليه الطلب - فعمد فإن لم يتعذر فهدر كتركه شد موضع فصاده والمدة التي يموت فيها غالبا تختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال فإذا عطشه في الحر - مات في الزمان القليل وعكسه في البرد وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبا فعمد الخطأ وإن شككنا فيها لم يجب القود: - السابع: سقاه سما لا يعلم به أو خالطه بطعام ثم أطعمه إياه أو خلطه بطعام وآكله فأكله وهو لا يعلم فمات - فعليه القود إن كان مثله يقتل غالبا وإن علم آكله
به وهو بالغ عاقل فلا ضمان وإن كان غير مكلف: بأن كان صغيرا أو مجنونا ضمنه وإن خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه فإن ادعى القاتل بالسم عدم علمه أنه قاتل لم يقبل كما لو جرحه وقال: لم أعلم أنه يموت إن كان سما لا يقتل غالبا فشبه عمد وإن اختلف هل يقتل غالبا أو لا؟ وثم بينة عمل بها وإن قالت: يقتل النضو الضعيف دون القوي أو غير ذلك - عمل على حسب ذلك فإن لم يكن مع أحدهما بينة فالقول قول الساقي: - الثامن: أن يقتله بسحر يقتل غالبا فهو عمد وإن قال: لا أعلمه قاتلا لم يقبل قوله فهو كتم حكما وإذا وجب قتله بالسحر وقتل كان قتله به حدا وتجب دية المقتول في تركته: والمعيان: الذي يقتل بعينه - قال ابن نصر الله في حواشي الفروع ينبغي أن يلحق بالساحر الذي يقتل بسحره غالبا فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ويفعله باختياره وجب به القصاص وإن فعل ذلك بغير قصد الجناية فيتوجه أنه خطأ يجب فيه ما يجب في القتل الخطأ: وكذا ما أتلفه بعينه يتوجه فيه القول بضمانه: إلا أن يقع بغير قصد فيتوجه عدم الضمان - انتهى ويأتي في التعزير -: التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بقتل عمد أو ردة حيث امتنعت التوبة أو أربعة فأكثر بزنا محصن ونحو ذلك مما يوجب القتل فقتل بشهادتهم ثم رجعوا واعترفوا بتعمد القتل - فعليهم القصاص وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بذلك متعمدا فقتل واعترف فعليه القصاص ولو أن الولي الذي باشر قتله أقر بعلمه بكذب الشهود وتعمد قتله فعليه القصاص وحده فإن أقر الشاهدان والولي
والحاكم جميعا بذلك فعلى الولي المباشر القصاص وحده أيضا وإن كان الولي لم يباشر وإنما باشر وكيله فإن كان الوكيل عالما فعليه القصاص وحده وإلا فعلى الولي فيختص مباشر عالم بالقود ثم ولي ثم بينة وحاكم ومتى لزمت الدية الحاكم والبينة فهي بينهم سواء: على الحاكم مثل واحد منهم ولو رجع الولي والبينة ضمنه الولي وحده ولو قال بعضهم: عمدنا قتله وقال بعضهم: أخطأنا يريد كل قائل نفسه دون البعض الآخر "قاله ابن قندس في حاشية الفروع" أو قال واحد: عمدت قتله وقال الآخر: أخطأت - فلا قود على المتعمد وعليه حصته من الدية المغلظة وعلى المخطئ حصته من الدية المخففة ولو قال كل واحد منهم: تعمدت وأخطأ شريكي أو قال واحد: عمدنا جميعا وقال الآخر: عمدت وأخطأ صاحبي أو قال واحد: عمدت ولا أدري ما فعل صاحبي - فعليهما القود ولو قال واحد: عمدنا مخبرا عنه وعمن معه وقال الآخر: أخطأنا مخبرا عنه وعمن معه - لزم المقر بالعمد القود والآخر نصف الدية مخففة إذا كانا اثنين وإن قالا: أخطأنا فعليهما الدية مخففة ولو حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع فمات فإن كان دخل بإذنه قتل به: لا أن دخل بلا إذنه أو كانت مكشوفة بحيث يراها الداخل أو لم يقصده ولو جعل في حلق زيد خراطة1 وشدها في شيء عال وترك تحته حجرا فأزاله آخر عمدا فمات - قتل مزيله دون رابطه وإن جهل الخراطة فلا قود وعلى عاقلته في ماله الدية ولو شد على ظهره قربة منفوخة وألقاه في البحر وهو لا يحسن السباحة فجاء آخر وخرق القربة فخرج الهواء فغرق فالقاتل
1 الخراطة: الحبل وما يشبهه.