الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهِ
.
2092 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا حَدِيثٌ يَتَضَمَّنُ فَوَائِدَ وَأَحْكَامًا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ» فَصُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ الْخُبْرُ بِقُدُومِ عِيرٍ تَحْمِلُ الْمَتَاعَ، فَيَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ يَشْتَرِي مِنْهُمْ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقْدَمُوا السُّوقَ، وَيَعْرِفُوا سِعْرَ الْبَلَدِ، بِأَرْخَصَ.
فهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَدِيعَةِ، وَذَهَبَ إِلَى كَرَاهِيَتِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
رُوِيَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وَلم يقل أحد مِنْهُم بِفساد البيع.
غير أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَثْبَتَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إِذَا قَدِمَ السُّوقَ وَعَرَفَ سِعْرَ الْبَلَدِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ، فَابْتَاعَهُ، فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ» .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيُّ: إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إِذَا كَانَ الْمُتَلَقِّي
قَدِ ابْتَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ، فَإِنِ ابْتَاعَهُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ، فَلا خِيَارَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الأَقْيَسُ، وَبَعْضُهُمْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَلَمْ يَكْرَهْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّلَقِّي، وَلا جَعَلُوا لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ الْخِيَارُ إِذَا قَدِمَ السُّوقَ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: «وَلا يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يُرْوَى «وَلا يَبِعْ» عَلَى سَبِيلِ النَّهْيِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ شَيْئًا وَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا وَخِيَارُهُمَا بَاقٍ، فَيَأْتِي الرَّجُلُ وَيَعْرِضُ عَلَى الْمُشْتَرِي سِلْعَةً مِثْلَ مَا اشْتَرَى أَوْ أَجْوَدَ بِمِثْلِ ثَمَنِهَا أَوْ أَرْخَصَ، أَوْ يَجِيءُ إِلَى الْبَائِعِ فَيَطْلُبُ مَا بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ مِنَ الأَوَّلِ حَتَّى يَنْدَمَ، فَيَفْسَخَ الْعَقْدَ، فَيَكُونَ الْبَيْعُ بِمَعْنَى الاشْتِرَاءِ، كَمَا قَالَ عليه السلام:«لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ طَلَبُ مَا طَلَبَهُ أَخُوهُ، كَذَلِكَ هَذَا.
ثُمَّ هَذَا الطَّالِبُ إِنْ كَانَ قَصْدُهُ رَدَّ عَقْدِهِمَا وَلا يُرِيدُ شِرَاءَهُ، يَكُونُ عَاصِيًا، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قَصَدَ غِبْطَةَ أَحَدِهِمَا، فَلا يَعْصِي إِلا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ.
2093 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» .
2093 -
وَقَالَ: «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
2094 -
أَخْبَرَنَا حسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
2095 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَسُمِ المُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
وَصُورَةُ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الآخَرِ: أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ رَضِيَ بِهِ مَالِكُهُ، فَجَاءَ آخَرُ وَزَادَ عَلَيْهِ يُرِيدُ شِرَاءَهُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَالِكُ، أَوْ كَانَ الشَّيْءُ يُطَافُ بِهِ فِيمَنْ يَزِيدُ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي النَّهْيِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا، وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الحِلْسَ والقَدَحَ؟ فَقَالَ رجلٌ: أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ، فَبَاعَهُمَا مِنْهُ ".
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ.
وَكَذَلِكَ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً، فَأَجَابَتْهُ أَوْ أَجَابَهُ وَلِيُّهَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إِذْنُهَا، فَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا، وَلا مِنْ وَلِيِّهَا إِجَابَةٌ فِي حَقِّ الأَوَّلِ، بَلْ رَدَّهُ أَوْ سَكَتَ عَنْ جَوَابِهِ، فَيَجُوزُ لِلْغَيْرِ أَنْ
يَخْطُبَهَا، فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي.
قَالَ: «انْكَحِي أُسَامَةَ» .
وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِنِكَاحِ أُسَامَةَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ الرُّكُونُ مِنْهَا إِلَى مَنْ خَطَبَهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَاطِبَ، إِذَا كَانَ كَافِرًا، جَازَ أَنْ يُخْطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، لِقَطْعِ اللَّهِ الأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ.
2096 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا يَخْطُبَ الرَّجُلَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ» .
هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَلَيْسَ فِيهِ «حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ» بَلْ قَالَ:«إِلا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» .
وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ الْمُرَادُ بِالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ: هُوَ السَّوْمُ، لأَنَّ عِنْدَهُمْ خِيَارُ الْمَكَانِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ، وَلا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ التَّوَاجُبِ بَيْعُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلا تَنَاجَشُوا» ، فَالنَّجْشُ: هُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ السِّلْعَةَ تُبَاعُ فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا بَلْ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَرْغِيبَ السُّوَّامِ فِيهَا، لِيَزِيدُوا فِي ثَمَنِهَا.
وَالتَّنَاجُشُ: أَنْ يَفْعَلَ هَذَا
بِصَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يُكَافِئَهُ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ إِنْ هُوَ بَاعَ، فَهَذَا الرَّجُلُ عَاصٍ بِهَذَا الْفِعْلِ، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لأَنَّهُ خَدِيعَةٌ، وَلَيْسَتِ الْخَدِيعَةُ مِنْ أَخْلاقِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ» .
وَالنَّجْشُ، قِيلَ أَصْلُهُ الْمَدْحُ مَعْنَاهُ: لَا يَمْدَحُ سِلْعَةً، وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَلا يُرِيدُ شِرَاءَهَا.
وَقِيلَ: أَصْلُهُ التَّنْفِيرُ عَنِ الشَّيْءِ، مِنْ تَنْفِيرِ الْوَحْشِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ رجُلا لَوِ اعْتَرَفَ بِفِعْلِهِ فَاشْتَرَاهُ، أَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ، وَلا خِيَارَ لَهُ إِذَا كَانَ النَّاجِشُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَائِعِ.
فَإِنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ بِالْخِيَارِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: «النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ» .
2097 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ النَّجْشِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
2098 -
أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَزيدُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَلا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُختِها لِتكْفأَ بِهِ مَا فِي إِنَائِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قَوْلُهُ: «وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحَضَرِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَدَوِيِّ شَيْئًا، وَلا يَشْتَرِيَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، لأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالابْتِيَاعِ، يُقَالُ: بِعْتُ الشَّيْءَ وَشَرَيْتُهُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُهُ، وَالْكَلِمَتَانِ مِنَ الأَضْدَادِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِلْبَدَوِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.
وَمَعْنَى النَّهْيِ: هُوَ التَّرَبُّصُ لَهُ بِسِلْعَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ كَانُوا يَحْمِلُونَ إِلَى الْبَلَدِ أَمْتَعِتَهُمْ، فَيَبِيعُونَهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ، وَيَرْجِعُونَ لِكَثْرَةِ الْمَئُونَةِ فِي الْبَلَدِ، فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِهِمْ رِفْقٌ لأَهْلِ الْبَلَدِ وَسَعَةٌ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ يَأْتِي الْبَدَوِيَّ وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ مَتَاعَكَ عِنْدِي حَتَّى أَتَرَبَّصَ لَكَ، وَأَبِيعَهُ عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ بِأَغْلَى، وَارْجِعْ أَنْتَ إِلَى بَادِيَتِكَ.
فَيَفُوتُ بِفِعْلِهِ رِفْقُ أَهْلِ الْبَلَدِ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ.
فَمَنْ فَعَلَهُ وَهُوَ بِالنَّهْيِ عَالِمٌ يَعْصِي، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلا يَعْصِي، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ بِهِ ضيقٌ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ لِرُخْصِ الأَسْعَارِ، أَوْ قِلَّةِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، وَسَعَةِ الْبَلَدِ، فَهَلْ يَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ.
وَإِذَا الْتَمَسَ الْبَدَوِيُّ مِنْهُ أَنْ يَتَرَبَّصَ لَهُ، فَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ.
2099 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَدَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ.
وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: فَقِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا.
وَقَالَ أَنَسٌ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَضَرِيَّ إِذَا بَاعَ لِلْبَدَوِيِّ لَا يَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْعٌ مِنَ ارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَدَوِيِّ، بِمَعْنَى الإِرْشَادِ دُونَ الإِيجَابِ.
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَوْلُهُ: «لَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ» التَّصْرِيَةُ فَسَّرَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَرْبِطَ أَخْلافَ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ، وَيُتُرَكَ حَلْبَهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا، ثُمَّ تُبَاعَ، فَيَظُنَّهَا الْمُشْتَرِيَ كَثِيرَةَ اللَّبَنِ، فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا، فَإِذَا حَلَبَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَقَفَ عَلَى التَّصْرِيَةِ وَالْغُرُورِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مَنْ صَرَّيْتُ الْمَاءَ، وَهُوَ حَبْسُ الْمَاءِ وَجَمْعُهُ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الرَّبْطِ، لَكَانَ مَصْرُورَةً، أَوْ مُصَرَّرَةً.
وَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَصُرُّ ضُرُوعَ الْحَلُوبَاتِ إِذَا أَرْسَلَتْهَا تَسْرَحُ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الرِّبَاطَ إِصْرَارًا، فَإِذَا أَرَاحَتْ، حُلَّتْ تِلْكَ الأَصِرَّةُ وَحُلِبَتْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ المُصِرَّةِ مُصْرَرَةً، أُبْدِلَتْ إِحْدَى الرَّائَيْنِ يَاءً، كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشَّمْس: 10] وَأَصْلُهُ: دسسها، أَيْ أَخْمَلَهَا بِمَنْعِ الْخَيِر.
وَتُسَمَّى الْمُصَرَّاةُ مُحَفَّلَةً، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا، سُمِّيَتْ مُحَفَّلَةً لِحُفُولِ اللَّبَنِ وَاجْتِمَاعِهِ فِي ضَرْعِهَا، وَالْحَفْلُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ.
ثُمَّ حُكْمُ الْمُصَرَّاةِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ مَا حَلَبَهَا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ، وَيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا حَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا خِيَارَ لَهُ بِسَبَبِ التَّصْرِيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ
مَا حَلَبَهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا قِيمَةَ اللَّبَنِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
وَالْمَعْنَى فِي إِيجَابِ صَاعٍ مِنَ التَّمْرِ بَعْدَ الْحَلْبِ، أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ لِنُقْصَانِهِ بِالْحَلْبِ، وَقَدْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ بَعْضُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلا يَجِبُ رَدُّهُ، فَيَتَنَازَعَانِ فِي الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْعَقْدِ، فَالشَّرْعُ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ بَدَلٍ مُقَدَّرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى قِلَّةِ اللَّبَنِ أَوْ كَثْرَتِهِ، كَمَا جَعَلَ دِيَةَ النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، مَعَ اخْتِلافِ أَحْوَالِ النُّفُوسِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَالْجَمَالِ وَالْقُبْحِ، وَسَوَّى بَيْنَ الأَصَابِعِ فِي الدِّيَةِ مَعَ اخْتِلافِهَا، وَهَذَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَى الْجَانِي غُرَّةً عَبْدًا أَوْ أَمَةً، عَلَى خِلافِ الْقِيَاسِ، لأَنَّهُمَا يَتَنَازَعَانِ فِي حَيَاتِهِ، فَيَدَّعِي الْجَانِي أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَقُولُ الْوَلِيُّ: كَانَ حَيًّا قَتَلْتَهُ فَعَلَيْكَ الدِّيَةُ.
فَقَطَعَ الشَّرْعُ مَادَةَ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ الغُرَّةِ، كَذَلِكَ هَهُنَا.
2100 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَا أَحَدُكُمُ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً، أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِمَّا هِيَ، وَإِلا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِالخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» أَرَادَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا حِنْطَةٍ، وَالتَّمْرُ مِنْ طَعَامِ الْعَرَبِ.
قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَقْدِيرِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِالثَّلاثَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَقَدَّرُ بِالثَّلاثِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلاثِ فَلَهُ الْخِيَارُ إِلَى تَمَامِ الثَّلاثِ، لأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا قَلَّمَا يُمْكِنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةٍ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ الَّذِي يَجِدُهُ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الثَّلاثِ، قَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِلافِ الْيَدِ وَتَبَدُّلِ الْمَكَانِ، فَجَعَلَ الشَّرْعُ الثَّلاثَ حَدًّا لَا يُجَاوَزُ، كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا تَأْخِيرَ لهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتّصرية، فَإِنْ أَخَّرَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الرَّدِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ.
وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلاثِ بِنَاءٌ لِلأَمْرِ عَلَى الْغَالِبِ، لأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا قَبْلَ الثَّلاثِ، لَا أَنَّ زَمَانَ الرَّدِّ يَتَقَدَّرُ بِهَا.
وَقَوْلُهُ: «لَا سَمْرَاءَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطِي غَيْرَ التَّمْرِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ التَّمْرِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ، وَلا يَجُوزُ إِعْطَاءُ غَيْرِهِ إِلا بِرِضَا الْبَائِعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِجِنْسٍ آخَرَ فَكَأَنَّهُ اسْتَبْدَلَ عَنْ حَقِّهِ، فَيَجُوزُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ، وَهُوَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ،
أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ صَاعًا مِمَّا يُقْتَاتُ، حِنْطَة كَانَ، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا، كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ قَوْلَهُ «لَا سَمْرَاءَ» أَيْ: لَا تَجِبُ السَّمْرَاءُ، وَهِيَ الْحِنْطَةُ.
وَلا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَيْنَ النَّعَمِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَحِلُّ شُرْبُ لَبَنُهَا، حَتَّى لَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً ذَاتَ لَبَنٍ، فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً، فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا حُلِبَ مِنَ اللَّبَنِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، لأنَّ لَبَنَ الآدَمِيَّةِ مِمَّا لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ.
وَلَوِ اشْتَرَى أَتَانًا لَبُونًا أَوْ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً، فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الأَصَحِّ، لأَنَّ لَبَنَهَا مَقْصُودٌ لِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا حَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ، لأَنَّ لَبَنَهَا نَجِسٌ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لَبُونٍ بِلَبَنِ شَاةٍ، وَلا بِشَاةٍ لَبُونٍ فِي ضِرْعِهَا لَبَنٌ، لأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ للَّبَنَ فِي الضَّرْعِ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ، فَهُوَ كَبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ آخَرُ، بِخِلافِ مَا لَوْ بَاعَ السِّمْسِمَ بِالسِّمْسِمِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجَ الدُّهْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لأَنَّ عَيْنَ الدُّهْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِمَا، وَاللَّبَنُ هَهُنَا مَوْجُودٌ فِي الضِّرْعِ حَتَّى لَوْ حَلَبَ اللَّبُونَ، ثُمَّ فِي الْحَالِ قَبْلَ اجْتِمَاعِ اللَّبَنِ فِي ضِرْعِهَا بَاعَهَا بِاللَّبَنِ، يَجُوزُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.