الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَائِلَ ثُمَّ يَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَطَيِّرَهَا الرِّيحُ، فَتُصِيبُ زَرْعَ الْغَيْرِ، فَيَضْمَنُ، كَمَا لَوْ رَمَى مِنْ مِلْكِهِ نَارًا إِلَى مَالِ الْغَيْرِ فَأَحْرَقَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى قَوْلِهِ «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ» : وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ عَامِلٍ عَمِلَ عَمَلا بِكِرَاءٍ، فَعَطِبَ فِيهِ أَنَّهُ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنِ اسْتَعْمَلَهُ، إِلا أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، ضَمِنَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ مِن الدِّيَّةِ، وَمِنْ هَذَا لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ هَدَمَا حَائِطًا، فَسَقَطَ عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي لَمْ يَمُتْ نِصْفُ الدِّيَّةِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَيَسْقُطُ النِّصْفَ، لأَنَّ الْمَيْتَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ.
وَلَوْ مَالَ حَائِطٌ إِلَى الطَّرِيقِ، فَسَقَطَ فَأَصَابَ إِنْسَانًا، لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إِلا أَنْ يَبْنِيَهُ مَائِلا، فَيَضْمَنُ، لأَنَّ الْمَيْلَ حَادِثٌ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيهِ تَعَدٍّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، وَأَشْهَدَ، فَلَمْ يَهْدِمْ حَتَّى سَقَطَ، ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
بَابُ الشُّفْعَةِ
2170 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الْخَطِيبُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلا شُفْعَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مَعْنَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ.
2171 -
أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:«قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِفَت الطُّرُقُ، فَلا شُفْعَةَ» .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: «فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَم» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قِيلَ: الشُّفْعَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ أَنْ يَضُمَّ الْمَأْخُوذَ إِلَى مَا عِنْدَهُ فَيشفعه، أَيْ: يَزِيدُهُ.
قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ فِي الرَّيْعِ الْمُنْقَسِمِ، إِذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَلِلْبَاقِينَ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ بَاعَ بِشَيْءٍ مُتَقَوَّمٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ، فَيَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مَا بَاعَهُ بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنْ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْمَشَاعِ دُونَ الْمَقْسُومِ، هَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، رضي الله عنهما، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَغَيْرِهِمْ، إِلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ، قَالُوا: الشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا
2172 -
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ،
عَنْ أَبِي رَافِعٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ.
والسَّقَبُ: الْقُرْبُ، بِالسِّينِ وَالصَّادِ.
يُرِيدُ بِمَا يَلِيهِ، وَبِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الشُّفْعَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الشُّفْعَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ:«إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكَ بَابًا» ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الشُّفْعَةَ، فَيُحْمَلُ الْجَارُ عَلَى الشَّرِيكِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَاسْمُ الْجَارِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّرِيكِ، لأَنَّهُ يُجَاوِرُ شَرِيكَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ، فَإِنَّ الْجَارَ لَا يُسَاكِنُهُ، وَالشَّرِيكُ يُسَاكِنُهُ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرِكَةِ.
قَالَ الإِمَامُ: يَدلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَحَقُّ» وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَحَقَّ مِنْهُ، وَالشَّرِيكُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ أَحَقَّ مِنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ
غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَتَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَيَحْتَجُّ مَنْ يُثْبِتُ الشُّفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُشْتَرِكًا بِهَذَا، وَبِقَوْلِهِ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ،