الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عُرْوَةَ قَطَعَ سِدْرَةً كَانَتْ فِي حَائِطِهِ، فَجَعَلَ مِنْهَا بَابًا لِحَائِطٍ.
قَالَ الإِمَامُ: قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً، صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ فِي النَّارِ» .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ يَعْنِي: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمِ عَبَثًا وَظُلْمًا، بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا، صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ فِي النَّارِ.
بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ
2177 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،
أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ:«أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ لِيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودَ يَأْخُذُونَهُ بِذَلِكَ الْخَرَصِ، أَوْ يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْخَرَصِ» .
قَوْلُهُ: «أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا» أَيْ: يَعْمَلُوا فِي النَّخْلِ مِنْهَا، وَيَزْرَعُوا بَيَاضَ أَرْضِهَا، وَلِذَلِكَ سَمُّوا الْمُسَاقَاةَ مُعَامَلَةً.
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ نَخِيلَهُ أَوْ كَرْمَهُ إِلَى رَجُلٍ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِمَا فِيهِ صَلاحُهَا وَصَلاحُ ثَمَرِهَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنَ الثَّمَرِ، نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالا بِقَوْلِ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الأَشْجَارِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لأَنَّ ثَمَرَهُمَا ظَاهِرٌ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ، فَيُمْكِنُ خَرْصُهُ، وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الثِّمَارِ كَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالتُّفَّاحِ، لِتَعَذُّرِ خَرْصِهَا بِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا فِي تَضَاعِيفِ الأَوْرَاقِ.
وَجَوَّزَ مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ فِي جَمِيعِهَا، وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ، وَجَوَّزَ أَبُو ثَوْرٍ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالرّطابِ وَالْبَاذِنْجَانِ، وَمَالَهُ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ إِذَا دَفَعَ أَرْضًا وَذَلِكَ فِيهَا.
أَمَّا الْمُزَارَعَةُ: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبِذْرُ مِنْ مَالِكِ الأَرْضِ، وَمِنَ الزَّارِعِ الْعَمَلُ، وَشَرَطَ لَهُ جُزْأً مَعْلُومًا مِمَّا يَحْصُلُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَحُجَّتُهُمْ مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَعَلَى الْمُضَارَبَةِ، الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِهَا.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى، أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا حَتَّى سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، يَقُولُ:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا، فَتَرَكْنَا مِنْ أَجْلِهِ» .
وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، إِذَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّخِيلِ بَيَاضٌ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى سَقْيِ النَّخِيلِ إِلا بِسَقْيِ الْبَيَاضِ، فَإِنْ أَفْرَدَ الْمُزَارَعَةَ عَنِ الْمُسَاقَاةِ، أَوْ أُمْكِنَ سَقْيُ النَّخِيلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْقِيَ الْبَيَاضَ، لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يُجَوِّزِ الْمُخَابَرَةِ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ، لأَنَّ الْبِذْرَ فِي الْمُخَابَرَةِ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ، فَالْمُزَارَعَةِ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ، وَالْمُخَابَرَةِ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ الأَرْضَ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
قَالَ الإِمَامُ: وَذَهَب الأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، وَضَعَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاضْطِرَابِ: مَرَّةً يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَرَّةً يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي عَنْهُ، وَصَارَ إِلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَافِعِ، حَدِيثٌ مُجْمَلٌ، وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ رَافِعٍ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهَا مَا
2178 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ، عَنْ رَافِعٍ، قَالَ:" كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ، لِي وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّما أَخْرَجَتْ ذِهِ، وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
2179 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ رَبيِعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ،
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: حَدَّثني عَمَّايَ، أَنَّهُمْ «كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَنبُتُ عَلَى الأَرْبَعَاءِ، أَوْ شَيْءٌ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَانَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» ، فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدَّرَاهِمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذُوُو الفَهْمِ بِالحَلالِ، وَالْحَرَامِ، لَم يُجِيزُوهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ.
الأَرْبِعَاءُ: جَمْعُ الرَّبِيعِ، وَهِيَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، مِثْلُ الْجَدْوَلِ وَالسَّريِّ وَنَحْوِهِ.
قَالَ الإِمَامُ: فَقَدْ أَعْلَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِنَ الْمُزَارَعَةِ مَا عُقِدَ عَلَى الْجَهَالَةِ أَوِ الْخَطَرِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِلْعَامِلِ مَا عَلَى السَّوَاقِي وَالْجَدَاوِلِ، أَوْ يَجْعَلَ حَقَّهُ فِي قِطْعَةٍ بِعَيْنِهَا، وَفِيهِ خَطَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ تِلْكَ الْقِطْعَةَ رُبَّمَا لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، أَوْ رُبَّمَا لَا تُنْبِتُ إِلا تِلْكَ الْقِطْعَةَ، فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلآخَرِ نَصِيبٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ لَو
شَرط فِي عقد الْمُضَاربَة لِلْعَامِلِ مَا يربح على الْجُزْء دون مَا يربح على غَيره لَا يَصح، وَكَذَلِكَ لَو شَرط لنَفسِهِ أَو لِلْعَامِلِ درهما من الرِّبْح، ثُمَّ الْبَاقِي بَينهمَا لَا يَصح، لِأَنَّهُ بِمَا لَا يحصُل إِلا دِرْهَم، فيستبد أَحدهمَا بِجَمِيعِهِ.
2180 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ، فإنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا، قَالَ: أَيْ عَمْرُو، إِنِّي أُعْطيهِمْ وأُعِينُهُمْ، وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، ولَكِن قَالَ:«أَنْ يَمْنحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا» .
هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ.
فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ تَحْرِيمُ الْمزَارَعَةِ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَتَمَانَحُوا أَرَاضِيَهُمْ، وَأَنْ يُرْفُقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
2181 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ» .
هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَ الإِمَامُ: والمخابرةُ فِي معنى الْمُزَارعَة، قد جوَّزها كثيرٌ من العُلماء، وَمن ذهب إِلَى تَحْرِيم الْمُزَارعَة يحرمُ المخابرة أَيْضا.
2182 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ مُحَمَّدٌ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:«كُنَّا نُخَابِرُ، وَلا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا، فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ» .
هَذَا حديثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ.
وَالْمرَاد من المخابرة: الْمُزَارعَة على النّصْف وَالثلث وَنَحْوهمَا، والخبرُ والخُبرَةُ: النصيبُ، والخبير: الأكَّارُ، وتأويلُ هَذَا الْحَدِيث عِنْد من يجوزِّها مَا سبق.
ورُوي عَنْ عُمَر، رضي الله عنه: أنَّهُ عَامَلَ النَّاس عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ، فَلَهُمْ كَذَا ".
وَقَالَ الْحَسَن: لَا بَأْس أَن تكون الأرضُ لأَحَدهمَا، فينُفقان جَمِيعًا فَمَا خرج فَهُوَ بينهُما، وَرَأى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْس أَن يُجتنى القطنُ على النّصْف، وَقَالَ إِبْرَاهِيم، وَابْن سِيرِينَ، وَعَطَاء، وَالْحكم، وَالزُّهْرِيّ، وَقَتَادَة: لَا بَأْس أَن يُعطيَ الثَّوْب على أَن ينسجَهُ بالثلثِ وَالرّبع وَنَحْوه، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد.
وَقَالَ مَعمر: لَا بَأس أَنْ يُكرِيَ المَاشِيَةَ عَلَى الثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَرُوِيَ
عَنِ ابْن نجيحٍ، عَنْ أَبِيه، قَالَ: كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ غُلَام يخدِمُه بِطَعَام بَطْنه.
قَالَ الإِمَامُ: أما القِراض وَهُوَ المُضاربة، فاتفق أهلُ الْعلم على جَوَازه، وَلَا يجوزُ إِلا على الدّنانير أَو الدَّرَاهِم، وَهُوَ أَن يُعطيَ شَيْئا مِنْهَا إِلَى رجُل ليعملَ فِيهِ ويتجر، فَمَا يحصلُ من الرِّبْح، يكون بَينهمَا مُنَاصَفَة، أَو أَثلَاثًا على مَا يتشارطان، والدليلُ عَلَيْهِ مَا
2183 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، خَرَجَا فِي جَيْشٍ إِلَى العِرَاقِ، فَلَمَّا قَفَلا، مَرَّا عَلَى عَامِلٍ لِعُمَرَ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، وَهُوَ أَمِيرُ البَصْيَرَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ العِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ المَالِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ، فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ، بَاعَا، فَرَبِحَا، فَلمَّا دَفَعَاهَا إِلَى عُمَرَ، قَالَ لَهُمَا: أَكُلِّ الْجَيْشِ قَدْ أَسْلَفَ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالا: لَا،
فَقَالَ عُمَرُ: ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَسْلَفْكُمَا، أَدِّيَا المَالَ وَرِبْحَهُ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّه، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ هَذَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنينَ، لَوْ هَلَكَ المَالُ أَوْ نَقَصَ، لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ: أَدِّيَاهُ، فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ، يَا أَمِيرَ المُؤمِنينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ رأْسَ المَالِ وَنِصفِ رِبْحِهِ، وَأخَذَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، نِصْفَ رِبحِ ذَلِكَ المَالِ ".
قَالَ الإِمَامُ: وحديثُ الْمُسَاقَاة يدلُّ على جَوَاز مُسَاقَاة الْمُسلم الذِّمِّيّ، وَكَذَلِكَ المزارعةُ، واستدلَّ بِهِ بَعضُهم على جَوَاز مُضاربة الْمُسلم الْكَافِر، لِأَن المَال فيهمَا فِي أحد الشقين، وَالْعَمَل فِي الشق الآخر، وَمِنْهُم من كره مُضَارَبَة الْمُسلم الذِّميَّ بِخِلَاف الْمُسَاقَاة والمزارعة، لأنَّ الْعَمَل فيهمَا يتَّفق من الْمُسلم وَالذِّمِّيّ، وَفِي الْمُضَاربَة قد يتصرَّف الذِّمِّيّ فِي الْخمر وَالْخِنْزِير، ويُعامل بالربا، فيكرهُ معهُ لِهَذَا.