الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشُّفْعَةِ، لأَنَّهُ عَفْوٌ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، فَإِذَا بِيعَ، فَلَهُ أَخْذُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الْحَكَمُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَلا شُفْعَةَ لَهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهُوَ شَاهِدٌ لَا يُغَيِّرُهَا، فَلا شُفْعَةَ لَهُ، أَمَّا بَعْدَ الْبَيْعِ إِذَا عَلِمَ بِهِ الشَّفِيعُ، فَالأَخْذُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَ مَعَ الإِمْكَانِ بَطل حَقُّهُ، وَقِيلَ: لَا يُبْطُلُ مَا لَمْ يَمْضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ أَبَدًا مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ غَائِبًا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ.
بَابُ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ
2174 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» .
قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا بَنَى الرَّجُلُ بِنَاءً، فَاحْتَاجَ فِيهِ إِلَى أَنْ يَضَعَ رَأْسَ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ، فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ.
وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْجَارُ عَلَيْهِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَالاسْتِحْبَابِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيدِ: هَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، وَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلَى نَخْلِهِ، فَيَتَأَذَّى بِهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، فَأَبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَهُ، فَأَبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى، قَالَ:«فَهَبْهُ لَهُ وَلَكَ كَذَا وَكَذَا» أَمْرًا رَغَّبَهُ فِيهِ، فَأَبَى، فَقَالَ:«أَنْتَ مُضَارُّ» وَقَالَ لِلأَنْصَارِيِّ: «اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ» .
قَوْلُهُ: «عَضُدٌ» أَيْ: طَرِيقَةٌ مِنَ النَّخْلِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ عَضِيدٌ، وَالْعَضِيدُ مِنَ النَّخْلِ: مَا لَمْ يَطُلْ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ، إِذَا صَارَ لِلنَّخْلَةِ جِذٌ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ، فَهُوَ عَضِيدٌ، وَهَذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الرَّدْعِ عَنِ الإِضْرَارِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَلَعَ نَخْلَهُ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ
بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ، خَلِيجًا لَهُ مِنَ الْعُرَيْضِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَكَلَّمَ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَدَعَا عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُخلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَكَ مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلا وَآخِرًا، وَلا يَضُرُّكَ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ، فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ.
أَمَّا إِذَا اسْتَعْلَتْ شَجَرَتُهُ، فَخَرَجَتْ أَغْصَانُهَا إِلَى هَوَاءِ دَارِ الْجَارِ، أَوْ خَرَجَتْ عُرُوقُهَا إِلَى دَارِ الْجَارِ، أَمَرَ بِصَرْفِهَا، وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنِ الْجَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، قُطِعَ.
2175 -
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، نَا خَالِدُ الْحَذَّاءِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّريقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» .
وَهَذَا أَيْضًا عَلَى مَعْنَى الإِرْفَاقِ، فَإِنْ كَانَتِ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ، فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لأَهْلِهَا، فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْيِيقِهَا يَجُوزُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَبْنِي فِيهَا بِنَاءً خَارِجًا إِلَى هَوَاءِ السِّكَّةِ، وَلا أَنْ يُضَيِّقَ مَنْفَذَهَا،
وَلا لِمَنْ ظَهَرَ دَارُهُ إِلَيْهَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا بَابًا إِلا بِإِذْنِ جَمَاعَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَتِ السِّكَّةُ نَافِذَةً، فَحَقُّ الْمَمَرِّ فِيهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَنَى إِلَيْهَا سَابَاطًا مِنْ مُلْكِهِ، أَوْ دِكَّةً عَلَى بَابِهِ، أَوْ غَرَسَ شَجَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِمْ مُنِعَ، كَالْقَاعِدِ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ، وَيُشَبِّهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِذَا بَنَى، أَوْ قَعَدَ لِلْبَيْعِ، بِحَيْثُ يَبْقَى لِلْمَارَّةِ مِنْ عَرْضِ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، فَلا يَمْنَعُ، لأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُزِيلُ ضَرَرَ الْمَارَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي أَرَاضِي الْقُرَى الَّتِي تُزْرَعُ إِذَا خَرَجُوا مِنْ حُدُودِ أَرَاضِيهِمْ إِلَى سَاحَاتِهَا، لَمْ يُمْنَعُوا إِذَا تَرَكُوا لِلْمَارَّةً سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، فَأَمَّا الطُّرُقُ إِلَى الْبُيُوتِ الَّتِي يَقْتَسِمُونَهَا فِي دَارٍ يَكُونُ مِنْهَا مَدْخَلُهُمْ إِلَيْهَا، فَيَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ لَا يَضِيقُ عَنْ مَآرِبِهِمِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا، كَمَمَرِّ السَّقَّاءِ، وَالْحَمَّالِ، وَمَسْلَكِ الْجَنَازَةِ وَنَحْوِهَا.
2176 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيف، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَقْطَعُ السّدر، قَالَ:«يُصَبُّ عَلَيْهِ العَذَابُ» ، وَقَالَ:«يُصَوَّبُ رأْسُهُ فِي النَّارِ» ، قَالَ: فَسَأَلْتُ بَنِي عُرْوَةَ عَنْ ذَلِكَ،