الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصَّدقة يملكُها المتصدَّق عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَإِن لم يقل بِلِسَانِهِ: قبلت، وَمن وهب دينا لَهُ على آخر أَو أبرأهُ سقط، وَإِن لم يقل: قبلت، وَمن أُهْدِيَ إِلَيْهِ شَيْء يسْتَحبّ لَهُ أَن يُكَافِئهُ، فقد روى عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوه، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تَكَافئوهُ فادْعُوا لَهُ» .
بَابُ مَا لِوَلِيِّ اليَتيِمِ أَنْ يَنَالَ مِنْ مَالِ اليَتيِمِ
قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [الْبَقَرَة: 220]، وَقَالَ:{وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النِّسَاء: 6] أيْ: مُبَادَرَةً، يَقُولُ: لَا تُبَادِرُوا بُلُوغَ اليَتَامَى بِإنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ اللَّه عز وجل {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 6].
قَالَتْ عَائِشَة: «أُنْزِلَتْ فِي وَلِيِّ اليَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ،
وَيُصْلحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ».
ويُرْوَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ:«يَأكُلُ الوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ» ، وَقيل: يَأْكُلُ بِالمَعْرُوفِ قَدْرَ مَا يَسُدُّ بِهِ خَلَّتْهُ.
2205 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ التَّمَّارُ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ، نَا حُسَيْنٌ يَعْنِي الْمُعَلِّمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلا أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ؟ قَالَ: فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلا مُبَادِرٍ وَلا مُتَأَثِّلٍ» .
قَوْله: غير متأثل، أَي: غير متخذ مِنْهُ أصلَ مَال، وأثلة الشَّيْء: أَصله.
قَالَ الإِمَامُ: الأبُ الْفَقِير يستحقُّ النِّفَقَةَ فِي مَال وَلَده، صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيث فِيهِ، لأنَّ الْيَتِيم اسمٌ للصَّغير الَّذِي لَا أَب لهُ، إِنَّمَا الْحَدِيث فِي ولي الْيَتِيم الَّذِي يقوم بصلاح أمره وَمَاله،
فلهُ أَن يَأخذ من مَاله قدرَ أجر مثل عمله، وَقيل فِي قَوْله عز وجل:{إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْأَنْعَام: 152] هُوَ أَن يَأْخُذ من مَاله مَا يَستُر عَوْرَته، ويَسدُّ جَوْعَته.
وَاخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب قومٌ إِلَى أنهُ يَأْكُل من مَاله وَلَا يقْضِي، يُروى ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قولُ الْحَسَن، والنَّخعي، وَبِهِ قَالَ أحمدُ بْن حَنْبَل.
2206 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّ لِي يَتِيمًا وَإِنَّ لَهُ إِبِلا، أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:«إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ إِبِلِهِ، وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا، وَتلُطُّ حَوْضَهَا، وَتَسْقِيَهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ، وَلا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ» .
قولهُ: «تَهْنَأُ جَرْبَاهَا» أَي: تَطليها بالقطران، والهناء: القطران، وقولهُ:«وتلُطُّ حَوْضَها» الصَّوابُ: وتلوطُ حَوْضهَا، أَي: تطينه وتصلحهُ، واللط: الْمَنْع، يقَالَ لطَّ الغريمُ، وألطَّ: إِذا مَنع الْحق.
قَالَ الْحَسَن فِي الْيَتِيم، إِذا كَانَت لهُ مَاشِيَة: إِنَّ لِلوصيِّ أَن يُصيب من ثلَّتِها ورِسلها، وَأَرَادَ بالثلة: الصُّوف، والرِّسل: اللَّبن.
وَذهب قومٌ إِلَى أنهُ يَأكل ويؤديه إِلَيْهِ إِذا كبِر، وَهُوَ قَول سَعيد بْن جُبَير، وَمُجاهد، وعَبيدة السَّلماني، وَإِلَيْهِ ذهبَ الأَوْزَاعِيّ.
قَالَ الإِمَامُ: وعَلى وليِّ الْيَتِيم مُراعاة النّظر والمصلحة فِي مَاله، وَكَانَ ابْن سِيرِينَ، أحبُّ الْأَشْيَاء إِلَيْهِ فِي مَال الْيَتِيم أَن يجْتَمع نصحاؤهُ وأولياؤه فَيَنْظُرُونَ الَّذِي هُوَ خير لهُ.
وَكَانَ طَاوُس إِذا سُئل عَنْ شَيْء من أَمر الْيَتَامَى، قَرَأَ:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [الْبَقَرَة: 220].
وَقَالَ عَطَاء فِي يتامى الصَّغِير وَالْكَبِير: يُنفق الوليُّ على كل إِنْسَان بِقَدرِهِ من حِصَّته.
وَلَا بَأْس باستخدام الْيَتِيم فِي السَّفر والحضر، إِذا كَانَ صلاحًا لهُ، قَالَ أَنَس: أَخذ بيَدي أَبُو طَلْحَة، وَانْطَلق بِي إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِن أنسا غُلَام كيسٌ، فليخدُمْك قَالَ: فخدمتهُ فِي السَّفر والحضر، وَقَالَ النَّخعِيّ: حكم الْيَتِيم كَمَا تحكم ولدك، قيل: مَعْنَاهُ: امنعهُ عَنِ الْفساد.