الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي كِتَابِ اللَّهِ مَذْكُورًا نَصًّا، فَإِنَّ ذِكْرَ الْوَلاءِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا، وَلَكِنَّ الْكِتَابَ أَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعْلَمَ أَنَّ سُنَّتَهُ بَيَانٌ لَهُ، وَقَدْ جَعَلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُضَافًا إِلَى الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ ظَهْرَهَا
2115 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الأَبِيوَرْدِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَكُنْتُ عَلى بَعِيرٍ لِي، فَاعْتَلَّ، فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ النَّاسِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: اعْتَلَّ بَعِيرِي.
فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ زَجَرَهُ، فَمَا زِلْتُ فِي أَوْلِ النَّاسُ يَهْتَزُ رَأْسُهُ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، إنِّي حَدِيثُ عَهَدٍ بِعُرْسٍ، أَنْ أَعْجَلَ إِلَى أَهْلِي.
قَالَ: وَتَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: لَا بَلْ ثيِّبٌ.
قَالَ: فَهَلا بِكْرًا تُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَلَيَّ جِوَارِيَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَضُمَّ إلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ.
قَالَ: لَا تَأْتِ أَهْلَكَ طَرُوقًا، قَالَ: مَا فَعَلَ جَمَلُكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَا.
قَالَ: بِعْنِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ.
قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ.
قُلْتُ: فَاشْتَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: أَخَذْتُهُ مِنْكَ بِوُقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ، فإذَا جِئْتَ الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا بِهِ.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، قَالَ لِبِلالٍ: زِنْ لَهُ أُوقِيَّةً، وَزِدْهُ قِيرَاطًا.
قُلْتُ: هَذَا الْقِيرَاطُ الَّذِي زَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَارِقُنِي أَبَدًا، فَجَعَلْتُهُ فِي كِيسٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدِي حَتَّى جَاءَ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الحَرَّةِ، فَأَخَذُوهُ فِيمَا أَخَذُوا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ جَابِرٍ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ.
قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْلِهِ: «زِنْ لَهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا يَكُونُ وَزْنُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، قِيَاسُ هَذَا أَنَّ مَنْ بَاعَ مَكِيلا، أَوْ مَوْزُونًا، فَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ ذَرْعُ الْمَذْرُوعِ، أَمَّا إِذَا اشْتَرَى زَرْعًا، أَوْ ثَمَرًا عَلَى شَجَرٍ، فَالْجَدَادُ وَالْحَصَادُ يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَبْضِ.
قَالَ الإِمَامُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَخَذْتُ هَذَا مِنْكَ بِكَذَا، فَقَالَ الآخَرُ: دَفَعْتُ، أَوْ أَعْطَيْتُ، أَوْ هُوَ لَكَ بِكَذَا، فَقَالَ: قَبِلْتُ.
كَانَ بَيْعًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَشَاعِ، لأَنَّ زِيَادَةَ الْقِيرَاطِ هِبَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ.
2116 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّد بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: حَدَّثَني جَابِرٌ، " أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوقيّة.
قُلْتُ: لَا.
ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ.
فَبِعْتَهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلمَّا قَدِمنَا، أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأرْسَلَ عَلَى أَثَرِي، قَالَ: مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ بَاعَ دَابَّتَهُ، وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ ظَهْرَهَا مُدَّةً، أَوْ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ سُكْنَاهَا مُدَّةً، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لازِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنِ اسْتَثْنَى مُدَّةً قَرِيبَةً يَجُوزُ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الثُّنْيَا.
وَأَمَّا قِصَّةُ جَابِرٍ، وَبَيْعُهُ الْجَمَلِ، فَلَهُ تَأْوِيلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اسْتَثْنَى ظَهْرَهُ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا، بَلْ أَعَارَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْبَيْعِ، كَمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، أَنَّهُ قَالَ:«أَخَذْتُهُ مِنْكَ بِوُقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ» وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:«بِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَلا، وَأَفْقَرَنِي ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» .
وَالإِفْقَارُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: إِعَارَةُ الظَّهْرِ
لِلرُّكُوبِ، وَمِنْهُ اشتق فِقَار الظَّهْرِ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«قَدْ أَخَذْتُهُ، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الشَّرْطِ، لأَنَّهُ إِذَا وَعَدَهُ الإِفْقَارَ وَالإِعَارَةَ، كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لَا يُشَكُّ فِي الْوَفَاءِ بِهِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَا خَلَفَ فِيهِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَكْنُ جَرَى بَيْنَهُمَا حَقِيقَةُ بَيْعٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ تَسْلِيمٌ وَلا قَبْضٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْفَعَهُ بِشَيْءٍ، فَاتَّخَذَ بَيْعَ الْجَمَلِ ذَرِيعَةً إِلَى ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ حِينَ أَعْطَاهُ الثَّمَنَ:«مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ فَهُوَ مَالُكَ» .
قَالَ الإِمَامُ: وَلَوْ أَكْرَى دَابَّةً، أَوْ دَارًا مِنْ إِنْسَانٍ، ثُمَّ بَاعَهَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْفَعَتُهَا مُدَّةَ الإِجَارَةِ لِلْمُكْتَرِي، لأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ، فَلا يَتَنَاوَلَهَا الْبَيْعُ بِخِلافِ مَا لَوِ اسْتَثْنَاهَا لِنَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً، وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَ