الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ بعضُ أهل الْعلم: أخذُ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن لهُ حالان، فَإِذا كَانَ فِي الْمُسلمين غيرُهُ مِمَّن يقومُ بِهِ، حلَّ لَهُ أخذُ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن، لِأَنَّهُ غيرُ مُتَعَيّن عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ فِي حَال أَو مَوضِع لَا يقومُ بِهِ غيرُه، لم يحل لهُ أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ، وتأوَّل على هَذَا اختلافَ الْأَخْبَار فِيهِ، ويَستدل بِحَدِيث ابْن عَبَّاس مَنْ يرى بيع الْمَصَاحِف، وَأخذ الْأُجْرَة على كتبتها.
وَاخْتلف أهل الْعلم فِي بيع الْمَصَاحِف، قَالَ ابْن عُمَر: بئس التِّجَارَة بيعُ الْمَصَاحِف وكتابتُها بِالْأَجْرِ، ويُروى عَنْهُ، أنهُ كَانَ يَقُول: وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِي تُقْطَعُ فِي بَيْعِ المَصَاحِفِ، وَكره بيعهَا وشراءها عَلْقَمَة وَشُرَيْح وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ، وكرهت طَائِفَة بيعهَا ورخصوا فِي شِرَائهَا، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن جُبَير، وَالْحكم، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: الأمرُ فِي شِرَائهَا أَهْون، وَمَا أعلم فِي بيعهَا رخصَة.
وَرخّص أكثرُ الْفُقَهَاء فِي بيعهَا وشرائها، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَعِكْرِمَة، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي.
بَاب إِحْيَاءِ المَوَاتِ
2188 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ» ، قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلافَتِهِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
2189 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .
قَالَ الإِمَامُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلا، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
والعملُ على هَذَا
عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمن بعدهمْ، أَن من أَحْيَا مواتًا لم يجر عَلَيْهِ ملكُ أحد فِي الْإِسْلَام، يملكهُ، وَإِن لم يَأْذَن لهُ السُّلْطَان فِيهِ، وَهُوَ قولُ أَكثر أهل الْعلم، روى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق.
وَذهب بَعضهم إِلَى أنهُ يحْتَاج إِلَى إِذن السُّلطان، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنيفة، وخالفهُ صاحباهُ.
وَقَوله: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» هُوَ أَن يغصِب أَرض الْغَيْر، فيغرس فِيهَا أَو يزرع، فَلَا حق لهُ، ويقلعَ غراسه وزرعه.
قَالَ الإِمَامُ: وإحياءُ الْموَات يكون بالعمارة، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف مَقْصُود المحيي من الأَرْض، فَإِن أَرَادَ دَارا، فَلَا يملك حَتَّى يَبْنِي حواليه ويسقف، وَإِن أَرَادَ بُستانًا، فبأن يحوّط ويشق الْأَنْهَار ويغرس ويرتب لَهُ مَاء، وَإِن أَرَادَ الزِّرَاعَة، فبأن يجمع التُّرَاب محيطًا بهَا ويحرث أَو يزرع، وَيعْتَبر فِي جَمِيع مقاصده عرف النَّاس.
وَإِذا ملك أَرضًا بِالْإِحْيَاءِ يملك حواليها قدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ العامر للمرافق، فَلَا يملكهُ غيرهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيملك مَا وراءَهُ، وَإِن كَانَ قَرِيبا من العامر، فَإِن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أقطع لعبد اللَّه بْن مَسعود، الدورَ بِالْمَدِينَةِ وَهِي بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل والنخيل، فَقَالَ بَنو عبد بْن زهرَة: نَكِّبْ عَنَّا ابْن أم عبد، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إِذا، إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ للِضَّعيفِ فِيهمْ حَقُّهُ» قَوْله: نكب عَنَّا، أَي: نحِّهِ عنَّا، وَقَوله سبحانه وتعالى: إنَّهُمْ {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 74] أَي: عادلون عَنِ الْقَصْد، وَقَوله:«لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً» أَي: لَا يطهرها.