المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الأسباب التي تمنع الميراث - شرح السنة للبغوي - جـ ٨

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌13 - كتاب البيوع

- ‌بَابُ إِبَاحَةِ التِّجَارةِ

- ‌بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلالِ

- ‌بَابُ الاتِّقَاءِ عَنِ الشُّبُهَاتِ

- ‌بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالدَّمِ

- ‌بَاب تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ

- ‌بَاب السُّهُولَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

- ‌بَاب كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ

- ‌بَاب خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ

- ‌بَاب خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌بَاب وَعِيدِ آكِلِ الرِّبَا

- ‌بَاب بَيَانِ مَالِ الرِّبَا وَحُكْمِهِ

- ‌بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ جُزَافًا

- ‌بَاب الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ

- ‌بَاب الاحْتِيَالِ لِلْخَلاصِ عَنِ الرِّبَا

- ‌بَاب بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانَيْنِ

- ‌بَاب بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌بَاب بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ

- ‌بَاب النَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ

- ‌بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا

- ‌بَاب قَدْرُ الْعَرِيَّةِ

- ‌بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا

- ‌بَاب وَضْعِ الْجَائِحَةِ

- ‌بَاب بَيْعِ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ

- ‌بَاب مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ

- ‌بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ

- ‌بَاب بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ المُلامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ

- ‌بَابُ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَثَمَنِ عَسْبِ الفَحْلِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ

- ‌بَابُ شِرَاءِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الإِعْتَاقِ

- ‌بَابُ مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ ظَهْرَهَا

- ‌بَابُ الإِقَالَةِ

- ‌بَابُ فِيمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌بَابُ تَحرِيمِ الْغِشِّ فِي البَيْعِ

- ‌بَابُ اخْتِلافِ المُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌بَابُ التَّسْعِيرِ

- ‌بَابُ الاحْتِكَارِ

- ‌بَابُ الرَّهْنِ

- ‌بَابُ الانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ

- ‌بَابُ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَفْلَسَ بالثَّمَنِ لِلْبَائعِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ

- ‌بَابُ قِسْمَةِ مَالِ المُفْلِسِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ

- ‌بَابُ حُسْنِ قَضَاءِ الدَّيْنِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا

- ‌بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ

- ‌بَابُ صَاحِبِ الْحَقِّ إِذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ حَقَّهُ

- ‌بَابُ الصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ

- ‌بَابُ مَطْلِ الْغَنِيِّ

- ‌بَابُ ضَمَانِ الدَّيْنِ

- ‌بَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌بَابُ التَّوْكِيلِ

- ‌بَابُ العَارِيَةِ

- ‌بَابُ ضَمَانِ الْعَارِيَةِ

- ‌بَابُ الغَصْبِ

- ‌بَابُ إِثْمِ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا

- ‌بَابُ مَنْ غَرَسَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

- ‌بَابُ مَنْ حَلَبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

- ‌بَابُ الْمَاشِيَةِ إذَا أَتْلَفَتْ مَالَ الغَيْرِ

- ‌بَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌بَابُ عَرْضِ الدَّارِ عَلَى الشَّرِيكِ قَبْلَ الْبَيْعِ

- ‌بَابُ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ

- ‌بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ

- ‌بَاب الْإِجَارَة وَجَوَاز إِجَارَة الْأَرَاضِي

- ‌بَاب استِئْجَارِ الأَحْرَارِ

- ‌بَاب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ

- ‌بَاب أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ القُرْآنِ والرُّقْيَةِ بِهِ

- ‌بَاب إِحْيَاءِ المَوَاتِ

- ‌بَاب الحِمَى

- ‌بَاب الإقْطاع

- ‌بَاب تَرْتيِبِ سَقْيِ الأَرَاضِي بَيْنَ الشُّرَكَاءِ

- ‌14 - كِتَاب العَطَايا وَالهَدَايا

- ‌بَاب الوَقْفِ

- ‌بَاب العُمْرى وَالرُّقْبَى

- ‌بَاب الرُّجُوعِ فِي الهِبَةِ

- ‌بَاب الرُّجُوعِ فِي هَبَةِ الوَلَدِ والتَّسْوَيَةِ بَيْنَ الأَوْلادِ فِي النَّحلِ

- ‌بَاب قَبْضِ المَوْهُوبِ

- ‌بَابُ مَا لِوَلِيِّ اليَتيِمِ أَنْ يَنَالَ مِنْ مَالِ اليَتيِمِ

- ‌بَاب اللُّقَطَةِ

- ‌بَاب اللَّقِيطِ

- ‌15 - كِتَابُ الفَرَائضِ

- ‌بَاب مَيَراثِ الأَوْلادِ

- ‌بَاب مِيرَاثِ الإِخْوَةِ

- ‌بَاب فِي مِيرَاثِ الأَبِ والْجَدِّ

- ‌بَاب فِي مِيرَاث الْأُم وَالْجدّة

- ‌بَاب الوَلاء

- ‌بَاب جَرِّ الوَلاء

- ‌بَاب الوَلاء لَا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ

- ‌بَاب مِيرَاثُ ذَوِي الأَرْحَامِ

- ‌بَاب الرَّجُلِ يَمُوت وَلَا وَارِثَ لَهُ

- ‌بَاب الأَسْباب الَّتي تَمْنَعُ الميراثَ

- ‌بَاب تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا

- ‌بَابتَوْرِيتِالْمَبْتُوتةِ

الفصل: ‌باب الأسباب التي تمنع الميراث

يَسَار، وعروةُ بْن الزبير، وَالزُّهْرِيّ، وَإِن كَانَت مُعتَقة، فلهَا الثُّلُث وَالْبَاقِي لموَالِي الْأُم.

وَإِن كَانَ لهُ إخْوَة يَرِثُونَ مِنْهُ بأخوة الْأُم، فَإِن قيل: كَيفَ صرفتم الْبَاقِي إِلَى عصباتها من جِهَة الْوَلَاء، وَلم تصرفوا إِلَى عصبتها من جِهَة النّسَب؟ قُلْنَا: كَمَا لَو كَانَ الْأَب مَمْلُوكا، كَانَ الْفضل عَنْ فرض الْأُم لمولاها دون عصبتها من جِهَة النّسَب.

وَقَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود: عصبته عصبَة أمه.

وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة كميراث غَيره مِمَّن يَمُوت، وَلَا عصبَة لهُ، فللأم فرضُها، وَالْبَاقِي ردٌّ عَلَيْهَا، وَإِن كَانَ مَعهَا صاحبُ فرض آخر، يرد الْفضل عَلَيْهِم على قدر سِهَامهمْ، وَهُوَ قَول عَليّ، قَالَ عَليّ، وَابْن مَسْعُود، فِي ولد مُلاعنة ترك جدَّته وَإِخْوَته لأمه، قَالا: للجدَّة الثُّلُث، وللإخوة الثُّلُثَانِ.

وَعند زَيْد: للجدة السُّدس، وللإخوة الثلثُ، وَالْبَاقِي لبيت المَال.

وَولد الزِّنا لَا يَرثُ من الزَّاني وَلَا الزَّانِي مِنْهُ، وَهُوَ مَعَ الْأُم كَوَلَد الْمُلَاعنَة عِنْد أهل الْعلم، ورُوي عَنْ عَليّ، أَنَّهُ قَالَ فِي ولد الزِّنَا لأولياء أمه:«خُذُوا ابنكم ترثونهُ وتعقلونه وَلَا يرثكم» .

‌بَاب الأَسْباب الَّتي تَمْنَعُ الميراثَ

2231 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ» .

ص: 363

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.

كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.

وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد عَامَّة أهل الْعلم من الصَّحَابَة، فَمن بعدهمْ، أنَّ الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم، والمسلمَ لَا يرثُ الْكَافِر، لقطع الْولَايَة بنيهما، إِلا مَا رُوِيَ عَنْ مُعاذ، وَمُعَاوِيَة، أَنَّهُمَا قَالا: الْمُسلم يرثُ الْكَافِر، وَلَا يَرِثهُ الْكَافِر.

وحُكي ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، كَمَا أنَّ الْمُسلم ينْكح الْكِتَابِيَّة وَلَا ينْكح الْكَافِر الْمسلمَة، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه، فأمَّا الكفَّار فيرث بَعضهم من بعض مَعَ اخْتِلَاف مللهم، كاليهودي من النَّصْرَانِي، وَالنَّصْرَانِيّ من الْمَجُوسِيّ، والوثني، لِأَن الْكفْر كلَّهُ مِلةٌ وَاحِدَة، وَاخْتِلَاف الْملَل فِيهِ كاختلاف الْمذَاهب فِي الْإِسْلَام، هَذَا قولُ عَامَّة أهل الْعلم، لقَوْله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الْأَنْفَال: 73].

وذهبَ جماعةٌ إِلَى أنَّ اخْتِلَاف الْملَل فِي الْكفْر يمْنَع التوارثَ، فَلَا يرثُ اليهوديُّ النَّصْرَانِي، وَلَا النصرانيُّ الْمَجُوسِيّ، يرْوى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَاحْتَجُّوا بِمَا

2232 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابِجِرْدِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا حَمَّادٌ، أَنا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،

ص: 364

عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» .

وَتَأَوَّلَ من ورث أَحدهمَا من الآخر الْحَدِيث على الْإِسْلَام مَعَ الْكفْر، أما الْكفْر فكلهُ ملةٌ وَاحِدَة، فتوريثُ بَعضهم من بعض لَا يكون إِثْبَاتًا للتوارُث بَين أهل ملتين شَتَّى.

أما الْمُرْتَد، فَلَا يَرث أحدا لَا مُسلمًا وَلَا كَافِرًا وَلَا مُرْتَدا، وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاثه، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يُورث مِنْهُ، بل مَاله فَيْء، وَهُوَ قَول ابْن أَبِي ليلى، وَرَبِيعَة، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّ مِيرَاثه لأقاربه الْمُسلمين، رُوي ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَإِسْحَاق، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمَّد.

وَذهب بَعضهم إِلَى أنَّ مَا اكْتَسبهُ فِي الْإِسْلَام لوَرثَته الْمُسلمين، وَمَا اكْتسب بعد الرِّدة فَيْء، وَهُوَ قولُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَبِي حنيفَة، وَحكي عَنْ قَتَادَة أنَّ مِيرَاث الْمُرْتَد لأهل الدَّين الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ، والْحَدِيث يدلُ على منع الْإِرْث، لأنهُ لم يفُصِّل بَين كفر وَكفر، والأسير فِي أَيدي الكفَّار إِذا مَاتَ يُورث مِنْهُ، وَيَرِث إِذا مَاتَ لَهُ قريب عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، إِلا مَا حُكي عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أنهُ كَانَ لَا يورِّث الأسيرَ.

قَالَ الإِمَامُ: والأسبابُ الَّتِي تمنع الميراثَ أَرْبَعَة: اخْتِلَاف الدَّين كَمَا

ص: 365

بَينا، وَالرّق، وَالْقَتْل، وعمى الْمَوْت، فالرقيق لَا يَرث أحدا، وَلَا يَرِثهُ أحد، لِأَنَّهُ لَا ملك لهُ، وَلَا فرق بَين القِنِّ والمدبَّر وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد، وَأما من بعضهُ حر، فَلَا يَرث أحدا وَيُورث منهُ بِنصفِهِ الْحر، على أصح قولي الشَّافِعِيّ رضي الله عنه، كَمَا أنَّ الْعمة لَا ترثُ من ابْن الْأَخ، وَيَرِث مِنْهَا ابْن الْأَخ، وَالْجدّة أم الْأُم تَرث من بنت الْبِنْت، وَلَا ترثها بنت الْبِنْت، وَحكي عَنْ عَليّ، وَابْن مَسْعُود أَن من نصفه حر يَرث بِنصفِهِ الْحر، ويحجب الزَّوْجَة من الرّبع إِلَى ثمن وَنصف، وَالأُم من الثُّلُث إِلَى سُدس وَنصف، وَالْقَتْل يمْنَع الْمِيرَاث.

2233 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ، فَأصَابَ سَاقَهُ، فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ، فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْن جعْشمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اعْدُدْ لِي عَلَى مَاءٍ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ ثَلاثِينَ حِقَّةً، وَثَلاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ فَقَالَ: هَأَنَذَا.

فَقَالَ: خُذْهَا، فَإنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ» .

ص: 366

قَالَ الإِمَامُ: إيجابُ مائَة وَعشْرين من قِبَلِ أَنَّهُ قتل محرمه، فقد رُوي أنَّ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسليمَان بْن يَسَار، سُئلا: أتُغلظ الديَّة فِي الشَّهْر الْحَرَام؟ فَقَالَا: لَا، وَلَكِن تُزاد للحُرمة.

قَالَ مَالِك: أراهما أَرَادَا مثل مَا صنعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، فِي قتل المُدلجي حِين أصَاب ابْنه.

ورُوي عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«القَاتِلُ لَا يَرِثُ» ، وَإِسْنَاده ضَعِيف.

وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم أنَّ من قتل مورِّثه لَا يَرث، عمدا كَانَ الْقَتْل أَو خطأ، من صبي أَو مَجْنُون أَو بَالغ عَاقل.

وَجُمْلَته أنَّ كلِّ قتل يُوجب قصاصا، أَو دِيَة، أَو كَفَّارَة يمْنَع الميراثَ، وَقَالَ بَعضهم: قتلُ الْخَطَأ لَا يمنعُ الميراثَ، وَهُوَ قَول مَالِك، لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ إِلا أَنَّهُ لَا يَرث من الدِّيةِ شَيْئا، وَبِهِ قَالَ الحكم،

ص: 367

وَعَطَاء، وَالزُّهْرِيّ.

وَقَالَ قومٌ: يَرث من الدِّية وَغَيرهَا، وَقَالَ قومٌ: قتل الصَّبي لَا يمْنَع الْمِيرَاث، وَهُوَ قَول أَبِي حنيفَة.

وَاخْتلفُوا فِي قتل المتأوِّل، كالباغي مَعَ الْعَادِل إِذا قتل أحدهُم الآخرَ فِي الْقِتَال، فَقَالَ بَعضُهم: لَا يتوارثان لِأَنَّهُمَا قاتلان.

وَهُوَ ظَاهر الْحَدِيث، وَقَالَ بَعضهم: يتوارثان، لِأَنَّهُمَا متأولان.

وَقَالَ بَعضهم: إِذا قتل الْعَادِل أَبَاهُ يَرِثهُ، لِأَنَّهُ محق، وَإِن قَتله الْبَاغِي لَا يَرِثهُ، لِأَنَّهُ غير مُحق، وَلَو كَانَ الْقَتْل فِي حد لَا يحرم الْمِيرَاث عِنْد الْأَكْثَرين، وَلَو جرح رجلٌ أَبَاهُ فَمَاتَ الْجَارِح قبل موت الْمَجْرُوح يَرِثهُ الْمَجْرُوح، لأنَّ حرمَان الْقَاتِل لجنايته وقصده إِلَى استعجال الْمِيرَاث، وَلَا جِنَايَة من الْمَجْرُوح.

وَأما عمى الْمَوْت هُوَ أنَّ المتوارثين إِذا عمي مَوْتهمَا بِأَن غرقا فِي مَاء، أَو انهدمَ عَلَيْهِمَا بِنَاء، أَو غابا، فجَاء نعيُهما، وَلم يدر أيُّهما سبق موتهُ، فَلَا يُورثُ أَحدهمَا من الآخر، بل ميراثُ كلِّ وَاحِد مِنْهُمَا لمن كَانَ حَيَاته يَقِينا بعد مَوته من ورثته.

قَالَ ربيعَة عَنْ غير وَاحِد من عُلَمَائهمْ: إنهُ لم يتوارث من قُتِل يَوْم الْجمل، وَيَوْم صفّين، وَيَوْم الْحرَّة، إِلا من علم أَنَّهُ قتل قبل صَاحبه.

وَحكي عَنِ ابْن مَسْعُود: أَن كل وَاحِد يَرث من صَاحبه تليد مَاله دون مَا ورث مِنْهُ، وكل من لَا يَرث من هَؤُلَاءِ لَا يحجبُ الْغَيْر عَنِ الْمِيرَاث عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، وَهُوَ قَول عَليّ وَزَيْد، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: يحتجبون وَلَا يَرِثُونَ.

وَلَو مَاتَ رجُل ووارثه حمل فِي الْبَطن، يُوقف لهُ الْمِيرَاث، فَإِن خرج حَيا كَانَ لَهُ، وَإِن خرج مَيتا فَلَا يُورث مِنْهُ، بل هُوَ لسَائِر ورثته الأول، وَإِن خرج حَيا ثُمَّ مَاتَ يُورث منهُ، سَوَاء استهلَّ أَو لم يستهل، بعد أَن وجد فِيهِ أَمارَة الْحَيَاة من عطاس، أَو تنفس، أَو حَرَكَة دالَّة على الْحَيَاة، سوى اخْتِلَاج الْخَارِج عَنِ الْمضيق، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي.

وَذهب قومٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُورث منهُ مَا لم

ص: 368

يستهِلَّ، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بْن سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَقَتَادَة، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَمَالك، قَالَ الزُّهْرِيّ: أرى العُطاس استهلالا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وُرِّثَ» ، والاستهلال: هُوَ رفع الصَّوت، وَالْمرَاد مِنْهُ عِنْد الآخرين وجود أَمارَة الْحَيَاة، وعبَّر عَنْهَا بالاستهلال، لِأَنَّهُ يستهل حَالَة الِانْفِصَال فِي الْأَغْلَب، وَبِهِ تعرف حَيَاته، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبيُّ وَرِثَ وَوُرِّثَ، وصُلِّيَ عَلَيْهِ.

وَالْخُنْثَى: من لهُ آلَة الرِّجال وَآلَة النِّساء، فَسئلَ عَليّ عَنْهُ، فَقَالَ: يُوَرَّثُ مِنْ قِبَلِ مَبَالِهِ، معناهُ: إِن كَانَ يَبُول بِآلَة الرِّجال فَهُوَ رجلٌ وميراثهُ مِيرَاث الذُّكور، وَإِن كَانَ يَبُول بِآلَة النِّسَاء فامرأة وميراثها مِيرَاث النِّساء، وَإِن كَانَ يَبُول بهما، فَهُوَ مُشكل، فَاخْتَلَفُوا فِي أمره، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يُورَّث بأضر حاليه، فَإِن كَانَ يَرث فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ دون الْأُخْرَى يُوقف، وَإِن ورث فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ أقل، دُفع إِلَيْهِ الْأَقَل وَيُوقف الْبَاقِي، وَهُوَ قولُ الشَّافِعِيّ، وَعند أَبِي حنيفَة لَا يُوقف الْبَاقِي، بل يُدفع إِلَى الْوَرَثَة.

وَقَالَ الشَّعْبِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالثَّوْرِيّ: للخنثى نصف مِيرَاث ذكر، ونصفُ مِيرَاث أُنْثَى.

سُئِلَ جَابِر عَنْ مَوْلُود لَيْسَ لَهُ مَا للذَّكر، وَلَا لهُ مَا للْأُنْثَى، يخرج من سُرته كهيأة الْبَوْل الغليظ سُئل عَنْ مِيرَاثه، فَقَالَ: نصف حَظّ الذَّكر وَالْأُنْثَى.

ص: 369

وَإِذا اجْتمع فِي وَاحِد سببان للميراث يَرث بهما، مثل أَن مَاتَت امْرَأَة عَنْ زوج هُوَ معتقها، فلهُ النّصْف بِالزَّوْجِيَّةِ، وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ.

أَو عَنْ أم هِيَ معتِقها، فلهَا الثُّلُث بالفرضية وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ.

وَلَو مَاتَ عَنِ ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم، فللذي هُوَ أَخ لأم السُّدسُ وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَانِ، قضى عَليّ فِي ابْني عَم، أحدُهما أَخ الْأُم وَالْآخر زوج، أنَّ للزَّوج النّصْف، وللأخ من الْأُم السُّدسَ، وَمَا بَقِي بَينهمَا نِصْفَانِ، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم.

وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود فِي بني عَم أحدهم أَخ لأم، قَالَ: المَال أجمع لِأَخِيهِ لأمِّه أنزلهُ منزلَة الْأَخ من الْأَب وَالأُم، فَأخْبر عَليّ بقوله، فَقَالَ: يرحمهُ اللَّه إِن كَانَ لفقيهًا، أما أَنا فَلم أكن لأزيده على فرض اللَّه، لهُ سَهم السُّدس، ثُمَّ يقاسمهم كرجلٍ مِنْهُم.

فَإِن اجْتمع فِي شخص قرابتان لَا يحلُّ فِي الْإِسْلَام طَرِيق حصولهما، مثل إِن نكح مَجُوسِيّ ابْنَته، فَأَتَت مِنْهُ بِولد، فالمنكوحة أم الْوَلَد وَأُخْته، فَاخْتلف أهلُ الْعلم فِيهِ، فَذهب جماعةٌ إِلَى أَنَّهُ يَرث بهما، فَإِذا مَاتَ المولودُ بعد موت الْأَب، فللأم الثُّلُث بالأمومة، وَالنّصف بالأخوة، وَبِهِ قَالَ عَليّ، وَابْن مَسْعُود، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْرِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَأَصْحَاب الرَّأْي.

وَذهب قومٌ إِلَى أَنَّهُ يَرث بأقواهما وَهُوَ الأمومة، فلهَا الثُّلُث، وَلَا شَيْء لَهَا بالأخوة، فَإِن لم تَرث بالأقوى حِينَئِذٍ تَرث بِالْآخرِ، مثل إِن نكح ابْنَته، فَأَتَت ببنت، ثُمَّ نكح تِلْكَ الْبِنْت، فَأَتَت بِولد، فَالْأولى أُخْت هَذَا الْوَلَد وجدته، وَالثَّانيَِة أمه وَأُخْته، فَإِذا مَاتَ الْمَوْلُود، فللأم الثُّلُث، وَالْبَاقِي للْأَب، وَلَا شَيْء للموطوءة الأولى، لأنَّ أخوَّتها سَاقِطَة بِالْأَبِ، وجدودتها بِالْأُمِّ، فَإِن مَاتَ بعد موت الْأَب، فللأم الثُّلُث، وللجدة النّصْف بالأخوة، لأنَّ جدودتها محجوبة بِالْأُمِّ، فَإِن مَاتَ بعد موت الْأُم، فللجدة السُّدس بالجدودة، وَلَا تَرث بالأخوة، هَذَا قولُ زَيْد بْن ثَابِت، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ.

ص: 370