الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا أَنَّ الخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، فَرَاحَ إلَيْهِ عُرْوَةَ، فَقَضَى لِي أَنْ آخُذَ الخَرَاجَ مِنَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيِّ لَهُ.
وَقَاسَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْغَصْبَ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى الْغَاصِبِ رَدَّ غَلَّةِ الْمَغْصُوبِ، لأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَالْخَرَاجُ بِمُقَابَلَتِهِ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَ مَنْفَعَةِ الْمَغْصُوبِ، لأَنَّ يَدَهُ يَدُ عُدْوَانٍ بِخِلافِ يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ.
وَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا، أَوْ غَيْرَهُ، فَحَدَث بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ، وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمِ بِهِ، عَرَضَ الرَّأْيَ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ، فَلا أَرْشَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، غَرِمَ لِلْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ طَالَبَ الْبَائِعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَإِنْ شَاءَ غَرِمَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَرَدَّهُ.
بَابُ تَحرِيمِ الْغِشِّ فِي البَيْعِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الْأَعْرَاف: 85] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرَّحْمَن: 9] قِيلَ: أَرَادَ لِسَانَ الْمِيزَانِ.
2120 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
2121 -
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَقَالَ: كَيْفَ تَبِيعُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهَا، فَأَدْخَلَ، فَإذَا هُوَ مَبْلولٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «
لَيْسَ مَنَّا مَنْ غَشَّنَا».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَوْلُهُ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيُهُ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ تَرَكَ اتِّبَاعِي، إِذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِنَا وَأَفْعَالِنَا، أَوْ لَيْسَ هُوَ عَلَى سُنَّتِي وَطَرِيقَتِي، فِي مُنَاصَحَةِ الإِخْوَانِ، هَذَا كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا مِنْكَ يُرِيدُ بِهِ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُتَابَعَةَ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إِبْرَاهِيم: 36] وَالْغِشُّ: نَقِيضُ النُّصْحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَشَشِ، وَهُوَ الْمَشْرَبُ الْكَدِرُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَالتَّدْلِيسُ فِي الْبَيْعِ حَرَامٌ، مِثْلَ أَنْ يُخْفَيَ الْعَيْبَ، أَوْ يُصِّرِيَ الشَّاةَ، أَوْ يُغَمِّرَ وَجْهَ الْجَارِيَةَ، فَيَظُنُّهَا الْمُشْتَرِي حَسْنَاءَ، أَوْ يُجَعِّدَ شَعْرَهَا، غَيْرَ أَنَّ الْبَيْعَ مَعَهُ يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، ابْتَاعَ وَلِيدَةً مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا.
وَلَوِ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ مَا هَلَكَ مَا اشْتَرَاهُ فِي يَدِهِ، أَوْ كَانَ عَبْدًا قَدْ أَعْتَقَهُ، فَيَرْجِعُ بِالأَرْشِ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ: كَمْ نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهِ، فَيَسْتَرْجِعُ بِنِسْبَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا يُرَدُّ الْعَبْدُ مِنَ الادفان، وَيُرَدُّ مِنَ الإِبَاقِ الْبَاتِّ، وَالادِّفَانِ: أَنْ يَرُوغَ عَنْ مَوَالِيهِ الْيَوْمَ أَوِ الْيَوْمَيْنِ، وَلا يَغِيبَ عَنِ الْمِصْرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ الرَّقِيقَ مِنَ الْعَبَّسِ، وَهُوَ الْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ، فَأَمَّا إِذَا بَاعَ عَبْدًا قَدْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكَتَبَةِ، أَوْ
زَيَّاهُ بِزِيِّ أَهْلِ حِرْفَةٍ، فَظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَاتِبًا أَوْ مُحْتَرِفًا بِتِلْكَ الْحِرْفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ، فَلا خِيَارَ لَهُ عَلَى أَصَحِّ الْمَذْهَبِ، لأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَلْبَسُ ثَوْبَ الْغَيْرِ عَارِيَةً، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ بِهِ فَلا خِيَارَ لَهُ.
وَلَوْ كَذَبَ الْبَائِعُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ، وَلا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِلا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً، وَكَذَبَ فِي رَأْسِ مَالِهِ، بِأَنْ كَانَ قَدِ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَهَلْ تَحُطُّ الْخِيَانَةُ؟ فِيهِ قَوْلانِ، أَحَدُهُمَا: لَا تَحُطُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي، وَهُوَ الأَصَحُّ: تَحُطُّ الْخِيَانَةُ وَلا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، وَإِنْ حُطَّتِ الْخِيَانَةُ.
وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَلاهُ الْغَيْرُ أَوْ أَشْرَكَهُ فِيهِ، يَجُوزُ إِذَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَبَيَّنَ قَدْرِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ جَدِيدٍ يَعْقِدُهُ الْمُشْتَرِي، لَا يَجُوزُ إِلا بَعْدَ قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ، فَإِنْ كَذَبَ فِي رَأْسِ الْمَالِ فِيهِمَا لَا تَصِحُّ التَّوْلِيَةُ وَالتَّشْرِيكُ، لأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي فِيهِمَا يَنْبَنِي عَلَى الأَوَّلِ.