الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [الْمَائِدَة: 3] الآيَةَ.
2040 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَةَ:«إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَالأَصْنَامَ» .
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ:«لَا، هُوَ حَرَامٌ» ، ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الإِمَامُ: فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الأَعْيَانِ النَّجِسَةِ، وَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهَا فِي أَحْوَالِ الضَّرُورَةِ، كَالسِّرْقِينِ وَنَحْوِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَا يَجُوزُ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدِّبَاغِ فَيَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» .
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَظْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَفِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ.
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَجَاسَتِهَا، وَتَحْرِيمِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا لَا حَيَاةَ فِيهَا، وَلا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الزُّهُومَةِ عَنْهَا، وَقَالُوا بِطَهَارَةِ الْعَاجِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا، وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا، لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ.
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:«اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» .
وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ قَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَاجِ فِي الْحَدِيثِ عَظْمَ الْفِيلِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الذَّبْلُ، وَهُوَ عَظْمُ سُلَحْفَاةِ الْبَحْرِ، وَهُوَ طَاهِرٌ كَعَظْمِ الْحُوتِ.
وَتَحْرِيمِ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ، دَلِيلٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَعَلَى أَنَّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، مِثْلُ: الأَسَدِ، وَالْقِرْدِ، وَالدُّبِّ، وَالْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالرَّخَمَةِ، وَالنَّسْرِ، وَحَشَرَاتِ الأَرْضِ، وَنَحْوِهَا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ أَرَاقَ خَمْرًا لِنَصْرَانِيٍّ، أَوْ قَتَلَ خِنْزِيرًا لَهُ، أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُمَا فِي حَقِّ الدِّينِ.
وَفِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الأَصْنَامِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْخَشَبِ، وَالْحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَغَيْرِهَا.
وَعَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ جَمِيعِ آلاتِ اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ، مِثْلُ: الطُّنْبُورِ، وَالْمِزْمَارِ، وَالْمَعَازِفِ كُلِّهَا.
فَإِذَا طُمِسَتِ الصُّوَرُ وَغُيِّرَتْ آلاتُ اللَّهْوِ عَنْ حَالَتِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ جَوَاهِرِهَا وَأُصُولِهَا، فِضَّةً كَانَتْ أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَشَبًا أَوْ غَيْرَهَا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ كُلُّ صُورَةٍ مُصَوَّرَةٍ فِي رَقٍّ أَوْ قِرْطَاسٍ مِمَّا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الصُّورَةَ، وَكَانَ الرَّقُّ تَبِعًا لَهُ.
فَأَمَّا الصُّوَرُ الْمُصَوَّرَةُ فِي الأَوَانِي وَالْقِصَاعِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لِتِلْكَ الظُّرُوفِ، بِمَنْزِلَةِ الصُّوَرِ الْمُصَوَّرَةِ عَلَى جُدُرِ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ، وَفِي الأَنْمَاطِ وَالسُّتُورِ، فَالْبَيْعُ فِيهَا لَا يَفْسُدُ، وَفِي مَعْنَاهَا الدُّورُ الَّتِي فِيهَا التَّمَاثِيلُ.
وَفِي الْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الانْتِفَاعِ بِهِ.
فَمِمَّنْ مَنَعَ مِنْهُ: ابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ اسْتِعْمَالَ نَجَاسَةٍ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، إِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي نَفْسِهِ، فَجَوَّزَ تَسْجِيرَ التَّنُّورِ بِالْعَذْرَةِ، وَإِيقَادَ النَّارِ بِعَظْمِ الْمَيْتَةِ، وَأَنْ تُزَبَّلَ الأَرْضُ بِالسِّمَادِ، وَقَالَ: إِذَا عُجِنَ بِمَاءٍ نَجِسٍ، أَطْعَمَ نَوَاضِحَهُ وَكِلابَهُ، وَيُلْبِسُ فَرَسَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَجُوِّزَ الاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلا نَعْلَمُ خِلافًا فِي أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ لَحْمَهَا كِلابَهُ وَبُزَاتَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلا يَصِلُ مَا انْكَسَرَ مِنْ عَظْمِهِ إِلا بِعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا، وَقَالَ: لَا يَدَّهِنُ السُّفُنَ بِشُحُومِ الْخَنَازِيرِ.
2041 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاس الأَصَمُّ ح.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاس الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلا بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلانًا بَاعَ الْخَمْرَ، أَمَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحُمَيْدِيِّ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
قَوْلُهُ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ» ، أَيْ: عَادَاهُمُ اللَّهُ، وَقِيلَ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَسَبِيلُ «فَاعَلَ» أَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِمْ: سَافَرْتُ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَقَابَلْتُهَا.
قَوْلُهُ: «فَجَمَلُوهَا» ، مَعْنَاهُ: أَذَابُوهَا حَتَّى تَصِيرَ وَدَكًا، فَيَزُولَ عَنْهَا اسْمُ الشَّحْمِ، يُقَالُ: جَمَلْتُ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتُهُ وَاجْتَمَلْتُهُ: إِذَا أَذَبْتُهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلانِ كُلِّ حِيلَةٍ يُحْتَالُ بِهَا لِلتَّوَصُّلِ إِلَى مُحَرَّمٍ، وَأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغْيِيرِ هَيْأَتِهِ، وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ.
2042 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْريِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:: أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا عَلِمْتَ أنَّ اللَّهَ حَرَّمَ شُرْبَهَا؟» فَسَارَّ الرَّجُلُ إِنْسَانًا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«بِمَ سَارَرْتَهُ؟» فَقَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّم بَيْعَهَا» ، فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيح.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ.
وَابْنُ وَعْلَةِ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَعْلَةَ السَّبَئِيُّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيق غَرِيبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَى لَهُ.
2043 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَأبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ، فَجَاءَهُمُ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ.
فَقَالَ أبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا.
فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا، فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ الْمُتَّخَذَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، خَمْرٌ.
وَفِي سُكُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِرَاقَتِهِمُ الْخَمْرَ وَتَرْكِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَطْهِيرِهَا بِالْمُعَالَجَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ إِلَى تَطْهِيرِهَا سَبِيلٌ لأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، كَمَا أَرْشَدَهُمْ إِلَى دِبَاغِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلا؟ قَالَ: «لَا» .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا؟ قَالَ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: أَفَلا أَجْعَلُهَا خَلا؟ قَالَ: «لَا» .
وَلَوْ كَانَتْ تُطَهَّرُ بِالْمُعَالَجَةِ، لَكَانَ لَا يَأْمُرُ بِإِرَاقَتِهَا مَعَ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْيَتِيمِ فِي مَالِهِ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَكَرِهَهُ سُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ.
وَكَرِهَ قَوْمٌ إِمْسَاكَهَا بَعْدَ مَا عَرَفَهَا خَمْرًا إِلَى أَنْ تَصِيرَ خَلا، وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ مُسْلِمٍ خَمْرٌ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ وَرِثَ خَمْرًا أَنْ يَحْبِسَهَا يُخَلِّلُهَا، لَكِنْ إِنْ صَارَتْ خَلا لَمْ أَرَ بِأَكْلِهِ بَأْسًا.
وَقِيلَ لابْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يُتَّخَذُ الْخَلُّ بِأَنْ لَا يَأْثَمَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: انْظُرْ خَلا ثَقِيفًا، فَصُبَّ عَلَى الْعَصِيرِ قَدْرَ مَا لَا يَغْلِبُهُ الْعَصِيرُ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْهُ الْعَصِيرُ لَمْ يَغْلِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ خَمْرٌ، وَلَكِنْ يُصَبُّ عَلَى الْعَصِيرِ مِنَ الْخَلِّ حَتَّى يَتَغَيَّرَ.
وَرَخَّصَ فِي تَحْلِيلِ الْخَمْرِ وَمُعَالَجَتِهَا: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا كَسْرُ الدَّنِّ، وَشَقُّ الزِّقِّ، الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلا لِلْخَمْرِ، فَمَشْرُوعٌ، فَإِنْ صَلَحَ لِغَيْرِهِ، فَلا يُفْعَلُ.
وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى يَوْمَ خَيْبَرَ نِيرَانًا تُوقَدُ عَلَى الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، فَقَالَ:«اكْسِرُوهَا، وَأَهْرِيقُوهَا» فَذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ، وَالْمَنْعِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ تَحْرِيمُهَا، لَا لِتَحْقِيقِ فِعْلِ الْكَسْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا: نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا، قَالَ:«اغْسِلُوهَا» .
فَأَمَّا الصَّنَمُ، وَالصَّلِيبُ، وَالطُّنْبُورِ، وَالْمَلاهِي، فَتُكْسَرُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا، يَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، ويَكْسِرُ الصَّلِيبَ» .
وهَتَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ.
فَإِنْ كَانَ الطُّنْبُورُ، وَالْمَلاهِي، بِحَيْثُ لَوْ حُلَّتْ أَوْتَارُهَا صَلَحَتْ لِلْمُبَاحِ، فَلا تُكْسَرُ وَتُحَلُّ.
أُتِيَ شُرَيْحٌ فِي طُنْبُورٍ كُسِرَ، فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ.