الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَؤُلاءِ بِقَوْلِهِ: «إِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلى مَلِيءٍ» وَالْحِوَالَةُ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، فَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْمَلاءَةِ فِي الْحَدِيثِ سُقوطُ سَبِيلِ الْمُحْتَالِ عَلَى الْمَحِيلِ بَعْدَ مَا قَبِلَ الْحِوَالَةَ عَلَى مَنْ هُوَ مَلِيءٌ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى حُدُوثِ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مِنْ بَعْدُ، لأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ تَحَوَّلَ مِنْ ذِمَّةِ الْمَحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَسُمِّيَتْ «الْحِوَالَةُ» لِهَذَا.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يرجع على الْمُحِيل إِذا أفلس الْمحَال عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَتْبَعَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَلِيئًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَلِيئًا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَطَ الْمَلاءَةَ وَقْتَ الْحِوَالَةِ لَا فِيمَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: إِنْ أَفْلَسَ فِي حَيَاتِهِ، لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، لأَنَّ الْمُعْسِرَ قَدْ يُوسَرُ، وَإِذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، يَرْجِعُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ، فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْنًا وَهَذَا دَيْنًا فَإِنْ تَوَى لأَحَدِهِمَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ.
بَابُ ضَمَانِ الدَّيْنِ
2153 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ:«هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» ، قَالُوا: لَا، قَالَ:«هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟» قَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ:«هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» ، قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ:«هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟» ، قَالُوا: ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالَثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ:«هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟» ، قَالُوا: لَا، قَالَ:«فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» ، قَالُوا: ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ عَنِ الْمَيِّتِ، سَوَاءً تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَخْلِفْ وَفَاءً، وَالاتِّفَاقُ لَوْ ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ مُعْسِرٍ دَيْنًا، ثُمَّ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُنَافِ مَوْتُ الْمُعْسِرِ دَوَامَ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي ابْتَدَاءَهُ.
2154 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدَّثني يَحْيَى بْنُ بَكِيرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسَألُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فإنْ
حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً، صَلَّى، وَإِلا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبُكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قَالَ:«أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تَوَفَّى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالا، فَلِوَرَثَتِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلٍ.
2155 -
أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْجَوْهَرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَتَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ:«هَلْ عَلَى صَاحِبُكُمْ دَيْنٌ؟» قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: «هَلْ تَرَكَ لَهُ مِنْ وَفَاءٍ» قَالُوا: لَا، قَالَ:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقَالَ:«جَزَاكَ اللَّهُ يَا عَلِيُّ خَيْرًا، كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ فَكَّ رِهَانَ أَخِيهِ إِلا فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مَعْنَاهُ، وَقَالَ:«فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ مِنَ النَّارِ، كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ، لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقْضِي عَنْ أَخِيهِ دَيْنَهُ إِلا فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَأَجَازَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ، وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلا فِي الْحُدُودِ، وَقَالَ جَرِيرٌ، وَالأَشْعَثُ، لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتَبْهُمْ وَكَفَّلْهُمْ، فَتَابُوا، وَكَفَّلَهُمْ عَشَائِرَهُم.
وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ، فَمَاتَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَكَمُ: يَضْمَنُ.