الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُمَا كَانَ لَا يَرَيَانِ بِبَيْعِ القُطُوطِ بَأْسًا إِذَا خَرَجَتْ.
قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الْقُطُوطُ: الْجَوَائِزُ وَالأَرْزَاقُ، سُمِّيَتْ قُطُوطًا، لأَنَّهَا كَانَتْ تَخْرُجُ مَكْتُوبَةً فِي رِقَاعٍ وَصِكَاكٍ مَقْطُوعَةٍ.
وَبَيْعُهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَصِلَ إِلَى مَنْ كُتِبَتْ لَهُ فَيَمْلِكُ.
وَأَصْلُ «القِطِّ» الْكِتَابُ، يُكْتَبُ لِلإِنْسَانِ فِيهِ شَيْءٌ يَصِلُ إِلَيْهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] أَيْ: نَصِيبَنَا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي تُنْذِرُنَا بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْقِطُّ: الْحِسَابُ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ
2111 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ لبْسَتَيْنِ: أَنْ يَخْتَبِيَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ لَيْسَ بَيْنَ فَرْجِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ اشْتِمالِ الْيَهُودِ ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفَسَّرُوا الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ نَقْدًا، أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً إِلَى شَهْرٍ.
فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا الثَّمَنُ، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَيَذْهَبُ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُبَاتَّهُ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهُوَ لهُ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ إِلَى أَبْعَدِ الأَجَلَيْنِ، أَمَّا إِذَا بَاتَّهُ عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، فَهُوَ صَحِيحٌ بِهِ لَا خِلافَ فِيهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَغْوٌ.
وَالْوَجْهُ الآخَرُ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي جَارِيَتَكَ.
فَهَذَا فَاسِدٌ، لأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَشَرْطَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ بَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ، فَيَصِيرُ مَا يَبْقى مِنَ الْمَبِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي مَجْهُولا.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي بِهِ دَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ.
أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، بِأَنْ بَاعَ دَارًا وَعَبْدًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ جَائِزٌ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، إِنَّمَا هِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ.
2112 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ شِفِّ مَا لَمْ يُضْمَنُ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» .
قَوْلُهُ: «عَنْ شِفِّ مَا لَمْ يُضْمَنْ» ، الشِّفُّ: الرِّبْحُ، أَيْ: عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ.
وَرَوَى أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .
قَالَ الإِمَامُ رحمه الله: أَمَّا نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ شِفِّ مَا لَمْ يُضْمَنْ، أَوْ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ: هُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، فَلا يَصِحُّ، لأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبْضِ فِي ضَمَانِهِ.
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ:
هُوَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعَكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الْقَرْضُ، فَهَذَا فَاسِدٌ، لأَنَّهُ جَعَلَ الْعَشْرَةَ وَرِفْقَ الْقَرْضِ ثَمَنًا لِلثَّوْبِ، فَإِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ، سَقَطَ بَعْضُ الثَّمَنِ، فَيَكُونُ مَا يَبْقَى مِنَ الْمَبِيعِ بِمُقَابَلَةِ الْبَاقِي مَجْهُولا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا، ثُمَّ يُبَايِعَهُ عَلَيْهِ بَيْعًا يَزْدَادُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الْعَشْرَةَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي عَبْدَكَ.
فَفَاسِدٌ، لأَنَّ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا.
وَقَدْ يَكُونُ السَّلَفُ بِمَعْنَى السَّلَمُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي مِائَةً فِي كَذَا.
أَوْ يُسْلِمَ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ، وَيَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عِنْدَكَ، فَهُوَ بَيْعٌ عَلَيْكَ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا، أَوْ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً.
فَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ
يَقُولَ: أَبِيعُكَ ثَوْبِي بِكَذَا وَعَلَيَّ قِصَارَتُهُ وَخِيَاطَتُهُ، فَهَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا الْبَائِعُ، أَوْ حِمْلَ حَطَبٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ زَرْعًا عَلَى أَنْ يَحْصُدَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ.
وَلا فَرْقَ فِي مِثْلِ هَذَا بَيْنَ شَرْطَيْنِ أَوْ شَرْطٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْكُلِّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَقْصُرَهُ.
فَإِنَّ الْعَشْرَةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَمَنِ الثَّوْبِ وَعَلَى أُجْرَةِ الْقِصَارَةِ، وَإِذَا فَسَدَ الشَّرْطُ لَا يُدْرَى كَمْ يَبْقَى ثَمَنَ الثَّوْبِ، وَإِذَا صَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولا بَطَلَ الْبَيْعُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ شَرَطَ شَرْطًا وَاحِدًا فَالْعَقْدُ يَصِحُّ، مِثْلَ إِنْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْصُرَهُ، وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ بِأَنْ شَرَطَ الْخِيَاطَةَ مَعَ الْقِصَارَةِ، يَفْسِدُ الْبَيْعُ.
وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ وَالشَّرْطَيْنِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ وَشَرْطٍ» .
ثُمَّ هَذَا النَّهْيُ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الشُّرُوطِ، فَإِنَّ مِنَ الشُّرُوطِ مَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ» .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْبَيْعِ أَوْ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ، فَهُوَ جَائِزٌ.
أَمَّا مُقْتَضَاهُ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِ، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا إِنْ شَاءَ، أَوْ يَسْكُنَهَا غَيْرُهُ.
وَأَمَّا مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ ضَرَبَ لَهُ أَجَلا مَعْلُومًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ يَرْهَنَ بِالثَّمَنِ دَارَهُ، أَوْ يُقِيمَ فُلانًا كَفِيلا بِالثَّمَنِ.
فَأَمَّا مَا لَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْبَيْعِ مِن الشُّرُوطِ، وَلا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ، إِلا شَرْطَ الْعِتْقِ.
وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا الْبَائِعُ إِلَى بَيْتِهِ، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ
يُسَلِّمَهَا فِي بَلَدِ كَذَا، أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا، وَعَلَى أَنْ لَا خِسَارَةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْبَيْعِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، لأَنَّهُ شَرْطٌ يَصِيرُ بِهِ الثَّمَنُ مَجْهُولا.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دَارَهُ وَشَرَطَ فِيهِ رِضَا الْجِيرَانِ، أَوْ رِضَا فُلانٍ، فَفَاسِدٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، لأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْضَى فُلانٌ أَوْ لَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ، عَادَ الْمَبِيعُ إِلَيْهِ، أَوْ يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ، فَفَاسِدٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَهِبَهُ، فَلا يَصِحُّ، لأَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ مَقْصُودُ الْمِلْكِ مِنْ إِطْلاقِ التَّصَرُّفِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ.
وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، أَنْ عَائِشَةَ اشْتَرَتْهَا، وَشَرَطَ قَوْمُهَا الْوَلاءَ لأَنْفُسِهِمْ، فَحَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبُطْلانِ الشَّرْطِ، وَأَجَازَ الْبَيْعَ.
وَشَرْطُ الْوَلاءِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ.
وَشَرْطُ الْعِتْقِ مَخْصُوصٌ بِالسّنةِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ، لأَنَّ لَهُ مِنَ الْغَلَبَةِ وَالسّرَايَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، أَلا تَرَى أَنَّهُ يَسْرِي إِلَى مِلْكِ الْغَيْرِ؟ فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ، يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَلا تَنْفَذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ.
وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنِ الْعَيْبِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ أَقْوَالِهِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْعُيُوبِ، عَلِمَ بِهِ فَكَتَمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ، فَيَبْرَأُ عَنْ كُلِّ دَاءٍ بِبَاطِنِهِ لَا يَعْلَمُهُ، وَلا يَبْرَأُ عَنْ دَاءٍ بِظَاهِرِهِ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلا عَمَّا بِبَاطِنِهِ وَهُوَ بِهِ عَالِمٌ، لِمَا رَوَى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلامًا بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ: بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي.
فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ،
وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَبَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخُمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَبْرَأَ عَنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ، عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
أَمَّا إِذَا بَاعَ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْمُشْتَرِي: كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً: يَرُّدُهُ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بِلا بَيِّنَةٍ، وَفِي الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ إِلَى سَنَةٍ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنَ الْعُهْدَةِ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى عُهْدَةِ السَّنَةِ: ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ فِي كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ.
وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِمَا رَوَى الْحَسَنُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ» .
وَضَعَّفَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ عُقْبَةَ، وَلا يَثْبُتُ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.