الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: «وَلَهُم شطرُ مَا يخرج مِنْهَا» وروى مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْن عُمَر، قَالَ:«وَلِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم شَطْرَ ثَمَرِهَا» ، وَفِيه دَلِيل على أنَّ ربَّ الأَرْض إِذا بيَّن حصَّة نَفسه، أَو فِي الْمُضَاربَة بَيَّنَ ربُّ المَال حصةَ نَفسه، كَانَ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ، كَمَا لَو بيَّن حصَّة الْعَامِل كَانَ الْبَاقِي لربِّ الأَرْض وَالْمَال، وَقَالَ بعضُ أهل الْعلم: إِذا بيَّن حصَّة نَفسه، لم يكن الْبَاقِي لِلْعَامِلِ، وَلَا يصِحُّ حَتَّى يبين حِصَّة الْعَامِل.
وَاخْتلف أهلُ الْعلم فِي الْمضَارب إِذا خَالف ربَّ المَال، فرُوي عَنِ ابْن عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: الرَّبحُ لربِّ المَال، وَعَن أَبِي قِلابَة وَنَافِع: الرِّبْح لربِّ المَال وَالْعَامِل ضَامِن لِلْمَالِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد فِي المودَع إِذا اتَّجر فِي مَال الْوَدِيعَة بِغَيْر إِذن الْمَالِك، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: الرِّبْح لِلْعَامِلِ، وَيتَصَدَّق بِهِ، والوضيعة عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَامِن لرأس المَال، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِن اشْترى بِعَين مَال الْقَرَاض، فالشراء فَاسد، وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة، فَهُوَ للْمُشْتَرِي، فَإِن صرف مَال الْقَرَاض إِلَيْهِ صَار ضَامِنا.
بَاب الْإِجَارَة وَجَوَاز إِجَارَة الْأَرَاضِي
قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [الْقَصَص: 26]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ: {
عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [الْقَصَص: 27] أَيْ: تَكُونَ أَجِيرًا لي، وَيُقَالَ: أَيْ تَجْعَلَ ثَوَابِي مِنْ تَزْوِيجِي إيَّاكَ ابْنَتِي رَعْيَ غَنَمِي هَذِهِ الْمُدَّة، مِنْ قَوْلِهِمْ، أَجرَهُ اللَّهُ يَأْجُرُهُ أَيْ: أَثَابَهُ، وَيُقَالَ لِمَهْرِ المرأَةِ: أَجْرٌ، لأنَّهُ عِوَضٌ مِنْ بَضْعِها، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الْبَقَرَة: 112] أَيْ: عِوَضُهُ.
وَقَالَ اللَّه عز وجل: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الْكَهْف: 77] أَيْ: لأَخَذْتَهُ، يَعْني أُجْرَةَ إقَامَةِ الجِدَارِ.
2184 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، فَقَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، قَالَ: أَبِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ؟ قَالَ: أمَّا بالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فَلا بَأْسَ بِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَبِيعَةَ.
قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دليلٌ على جَوَاز إِجَارَة الْأَرَاضِي، وَذهب عامةُ أهل الْعلم إِلَى جَوَازهَا بالدرهم وَالدَّنَانِير، وَغَيرهَا من صُنوف الْأَمْوَال، سَوَاء كَانَ مِمَّا تُنبت الأَرْض أَو لَا تُنبت، إِذا كَانَ مَعْلُوما بالعيان أَو بِالْوَصْفِ، كَمَا يجوز إِجَارَة غير الْأَرَاضِي من العبيد والدَّوَابِّ وَغَيرهَا، وَجُمْلَته أَن مَا جَازَ بيعُه، جَازَ أَن يُجعل أُجْرَة فِي الْإِجَارَة.
وَلَو اسْتَأْجر أَجِيرا ليتعهَّد نخيله على أَن لَهُ ثمرةَ نخلةٍ بِعَينهَا، فَإِن كَانَ قبل خُرُوج الثَّمَرَة لَا يجوزُ، كَمَا لَا يجوز بيع الْمَعْدُوم، وَإِن كَانَ بعد خُرُوج الثَّمرة، يجوز، ثُمَّ إِن كَانَ قبل بدوِّ الصّلاح، فَلَا يجوز إِلا بِشَرْط الْقطع، إِلا أَن يشْتَرط معهُ النخلةَ، كَمَا فِي البيع، وَإِن استأجرهُ على جزءٍ شَائِع من الثَّمر، ثلث وَربع، فَإِن كَانَ بعد بدوِّ الصّلاح فِي الثِّمَار، يجوزُ، وَإِن كَانَ قبله، لَا يجوز كَمَا لَا يجوز بيعُه، لِأَنَّهُ لابدَّ من شَرط الْقطع فِي بيع الثِّمَار قبل بدُوِّ الصّلاح، وَلَا يُمكن قطعُ الْجُزْء الشَّائِع إِلا بِقطع الْكل.
أما الْمُسَاقَاة، فَلَا تصحُّ إِلا قبل خُرُوج الثِّمَار، فَيكون لِلْعَامِلِ جزءٌ مِمَّا يحصُل بعد عمله، كَمَا فِي الْمُضَاربَة يكون لِلْعَامِلِ جزءٌ مِمَّا يحصل من الرِّبْح بعد عمله، وَقد جَاءَ فِي الْحَدِيث النَّهيُ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، قيل: هُوَ أَن يَقُول: اطحن هَذَا بِكَذَا وَزِيَادَة قفيز من نفس الطحين، فَذَلِك غير جَائِز.