الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَصُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنًا فَيُقِرُّ، فَيُصَالِحُهُ عَلَى عَيْنٍ أُخْرَى، أَوْ يَدَّعِي دَيْنًا فَيُصَالِحُهُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، فَيَصِحُّ، وَهُوَ بَيْعٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبُيُوعِ حَتَّى لَا يَجُوزُ عَلَى مَجْهُولٍ، وَلا أَنْ يُصَالِحَهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَى مَالٍ نَسِيئَةٍ، لأَنَّهُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، كَمَا لَا يَصِحُّ مِثْلُهُ فِي الْبُيُوعِ، وَرُوِيَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلالا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، والْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم، إِلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» هَذَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا، فَإِنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَنْكَرَ، فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ، لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ يُشْتَرَطُ الْمَالُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي دَعْوَى الْقَذْفِ وَدَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إِلا فِي حَالِ الإِنْكَارِ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى الإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ جَمِيعًا.
بَابُ مَطْلِ الْغَنِيِّ
2152 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ، فَلْيَتْبَعْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: «أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ» بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ: أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ، «فَلْيَتْبَعْ» أَيْ: فَلْيَحْتَلْ، يُقَالُ: أَتْبَعْتُ غَرِيمِي عَلَى فُلانٍ فَتَبِعَهُ، أَيْ: أَحَلْتُهُ فَاحْتَالَ، وَتَبِعْتُ الرَّجُلَ بِحَقِّي أُتْبِعُهُ تِبَاعَةً، إِذَا طَالَبْتُهُ بِهِ، وَأَنَا تَبِيعُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الْإِسْرَاء: 69] أَيْ: تَابِعًا مُطَالِبًا بِالثَّأْرِ.
وَقَوْلُهُ: «فَلْيَتْبَعْ» لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ، بَلْ عَلَى طَرِيقِ الإِبَاحَةِ إِنِ اخْتَارَ، قَبِلَ الْحِوَالَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ، وَزَعَمَ دَاوُدُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ، فَإِنْ أَبَى يُكْرَهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَبِلَ الْحِوَالَةَ، تَحَوَّلَ الدَّيْنُ مِنَ الْمَحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَلا رُجُوعَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمَحِيلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِلا أَنْ يَرَاهُ الْمُحْتَالُ حَالَةَ قَبُولِ الْحِوَالَةِ مَلِيئًا، فَبَانَ مُعْسِرًا، رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَاحْتَجَّ