المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب الخاتم - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌2 - باب الخاتم

بظهورِ لونِ بشرتهِا؛ لكونِ ذلك القِبْطِيِّ رقيقًا تظهرُ من تحته البَشَرَةُ.

* * *

3377 -

عن أمِّ سلَمَةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ عليها وهي تختمِرُ فقال: "لَيَّةً لا لَيَّتَيْنِ".

"عن أم سَلَمةَ - رضي الله تعالى عنها -: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ عليها وهي تختمرُ فقال: لَيَّةً" بفتح اللام والياء المشددة: مفعولٌ مطلق؛ أي: لوَّى لَيَّةً واحدة.

"لا لَيَّتَين"؛ أي: لا تَلْوِيه وتُدِيريه مَرَّتين، أمرَها أن تلويَ الخمارَ على رأسِها، وما تحت حَنَكِها عطفةً واحدةً كي لا تشبهي الرجالَ إذا اعْتَمُّوا.

فيه تنبيه على أن النساءَ لا ينبغي لهن أن يلَبَسْنَ مثلَ لباسِ الرجالِ وعكسه.

* * *

‌2 - باب الخاتَمِ

(باب الخاتم)

مِنَ الصِّحَاحِ:

3378 -

عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: اتَّخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خاتماً مِن ذَهَبٍ - وفي روايةٍ: وجعلَهُ في يدِه اليُمنَى - ثم ألقاهُ، ثم اتَّحْذَ خاتَماً مِن وَرِقٍ نقِشَ فيهِ: محمدٌ رسولُ الله، وقال:"لا ينقشْ أحدٌ على نقشِ خاتَمي هذا"، وكانَ إذا لَبسَه جعلَ فَصَّهُ مما يلي بطنَ كفِّهِ.

ص: 35

"من الصحاح":

" عن ابن عمَر - رضي الله تعالى عنهما - قال: اتخذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب"، قيل: هذا كان قبلَ تحريمِ الذهبِ على الرجال.

"وفي رواية: وجعَله في يده اليمنى، ثم ألقاه، ثم اتخذَ خاتماً من وَرِق"، بكسر الراء؛ أي: من فِضَّةٍ مضروبة.

"نُقِشَ فيه" على صيغة المجهول -: "محمدٌ رسولُ الله"، مبتدأ وخبر، فالجملَةُ في محل الرفع نحو كتبَ: زيا قائمٌ؛ أي: لفظُه.

"وقال: لا يَنْقُشْ أحدٌ على نَقْشِ خاتمي هذا"، (على) هنا بمعنى المِثل؛ يعني: لا يجوزُ لأحدٍ أن ينقشَ على خاتمِه مثلَ نقش خاتمي، وهو: محمدٌ رسولُ الله، وإنما نهى عنه؛ لاختصاصِ مضمونهِ به مع ما فيه من التهاونِ بالاسمين، وهو ألَّا ينزَعِ الخاتمَ في المواضع المكروَهةِ.

"وكان إذا لَبسَه جعلَ فَصَّه مما يلي بَطْنَ كفَّه"؛ لبعده عن الخُيَلَاء وإظهارِ الزِّينة، وكَرِهَ بعضٌ خاتَمَ الفِضَّة للمرأة؛ لأنه زِيُّ الرجالِ، فإن لم تجِدْ غيرَه صَفَّرَتْه ولو بزَعْفَران.

* * *

3379 -

عن علي رضي الله عنه قال: "نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبْس القَسِّيِّ، والمُعَصفرِ، وعن تَخَتُّم الذهبِ، وعن قراءةِ القرآنِ في الركوعِ".

"عن علي قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبْسِ القَسِّي، وعن المُعَصْفَر، وعن تختُّم الذهبِ، وعن قراءةِ القرآنِ في الركوع"؛ لأن الركوعَ موضعُ التسبيحِ لا القراءة.

* * *

ص: 36

3380 -

وعن عبدِ الله بن عباسٍ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهبٍ في يَدِ رجلى، فنزعَهُ فطرحَه، فقال:"يَعْمِدُ أحدكم إلى جَمْرٍ من نارٍ فيجعلُه في يدِه".

"وعن عبد الله بن عباس: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: رأى خاتماً من ذهبٍ في يدِ رجلٍ؛ فنزعَهُ فطرحَه، فقال يعمِدُ"؛ أي: يقصِدُ "أحدكم إلى جمرٍ من نارٍ فيجعلُه في يده".

* * *

3381 -

عن أنس رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرادَ أنْ يكتبَ إلى كِسرَى وقبصرَ والنجاشِيِّ فقيلَ: إنَّهم لا يقبلونَ كتاباً إلا بخاتَم، فصاغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتَماً حَلْقَةً فضة، نَقَشَ فيهِ:"مُحمدٌ رسولُ الله".

"عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرادَ أن يكتُبَ إلى كِسْرى وَقْيصَرٍ والنَّجَاشِيِّ، فقيل: إنهم لا يقبَلُون كتاباً إلا بخاتم، فصاغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتماً"؛ أي: أمر بصُنْعِ خاتمٍ، "حَلْقَةَ فِضَّةِ"، بالإضافة بدل من خاتم أو بياناً له.

"نقشَ فيه: محمد رسول الله" صلى الله عليه وسلم.

* * *

3381/ -م - "كانَ نقشُ الخاتَم ثلاثةَ أسطُر: مُحمَّد سطرٌ، ورسولُ سطرٌ، والله سطرٌ".

"كان نقشُ الخاتَم ثِلاثةَ أسْطُرٍ: محمدٌ سَطْرٌ، ورسولُ سطرٌ، والله سَطْرٌ".

* * *

ص: 37

3382 -

عن حُمَيْدٍ، عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كانَ خاتمهُ مِن فضةٍ، وكانَ فَصُّه منه.

"عن حُمَيد" بصيغة التصغير.

"عن أنسٍ: أن نبيَّ الله كان خاتَمُه من فِضة، وكان فَصُّه منه"؛ أي: فَصُّ الخاتم من الفضة، تذكيرُ الضمير بتأويل الورق.

* * *

3383 -

وعن ابن شِهابٍ، عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لبسَ خاتمَ فضةٍ في يمينهِ، فيهِ فَصٌّ حَبَشيٌّ، كانَ يجعلُ فَصَّهُ مما يلي كَفَّهُ.

"عن ابن شِهابٍ"، بكسر الشين المعجمة: هو الزُّهْريّ، وهو محمدُ بن مسلمِ بن عُبيد الله بن شِهَاب.

"عن أنس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَبسَ خاتمَ فِضَّةٍ في يمينه، فيه فَصٌ حبشي"؛ أي: عقيق، أو جَزْع؛ لأن معدنَهما اليمنُ والحَبَشة، أو نوعٌ آخر يُنْسَب إليها.

"كان يُجْعَلُ فَصَّه مما يلي كَفَّه"، وهذا الحديثُ لا يخالِفُ الأولَ لجوازِ كونِ هذا الخاتم غِيرَ ذلك الخاتم، أو يكونَ غيرَ فَصِّه.

* * *

3384 -

عن ثابت، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ خاتَمُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشارَ إلى الخِنْصَرِ من يدِه اليُسرَى.

"عن ثابتٍ، عن أنس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان خاتَمُ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشار إلى الخِنْصَر من يده اليسرى"، وهذا لا يخالِفُ حديثَ التختّم في اليمنى؛ لجوازِ كونهِ تارةَ في ذا، وتارةً في ذاك، وارتضَى كلَّ واحدِ من

ص: 38

المحَلَّين، أما التختُّمَ في اليمين فِلكَرَامته، وأما اليسارُ فلأنه جعلَ العبرةَ فيه للفِعل لا للمَحَلِّ.

والأَولى أن يقال: إنه يَجبرُ نقصانَها وحرمانَها عن جميع الأفعال الفاضلة، وتخصيصُ الخِنْصَر لضَعْفِها أيضا.

* * *

3385 -

وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أتخَتَّمَ في أُصبَعي هذه أو هذه، قال: فأوْمَأَ إلى الوُسْطَى والتي تليها.

"وعن عليّ - رضي الله تعالى عنه - قال: نهاني رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن أتختَّمَ في إصبعي هذه أو هذه، قال فأومَأ إلى الوَسْطَى والتي تَلِيها"؛ يريد بها السَّبَّابة.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3386 -

عن عبدِ الله بن جَعْفَرٍ قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَتَّمُ في يمينِهِ.

"من الحسان":

" عن عبد الله بن جعفر قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتختَّمُ في يمينه".

* * *

3388 -

وعن عليٍّ رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذَ حريراً فجعلَه في يمينه، وأخذَ ذهباً فجعلَه في شِمالِه ثم قالَ:"هذينِ حرام على ذكورِ أُمَّتي".

"وعن علي - رضي الله تعالى عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعلَه في يمينه، وأخذ ذهباً فجعلَه في شِمَاله، ثم قال: إن هذين حرامٌ على ذُكُور أمتي"،

ص: 39

وهذا يدلُّ على أنها تَحِلّ للنساء.

* * *

3387 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يتَخَتَّم في يسارِه.

"عن ابن عمَر قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتختَّم في يَسَارِه".

* * *

3389 -

وعن معاويةَ رضي الله عنه: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ركوبِ النّمورِ، وعن لُبْسِ الذَّهبِ إلا مُقَطعاً".

"عن معاويةَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن رُكوبِ النّمُور وعن لُبْسِ الذَّهبِ إلا مقطَعاً"، يريد به اليسيرَ كالحَلَقِ في آذان النساء والخاتَمِ لهنَّ، وقيل: وكرهَ من ذلك الكثيرُ الذي هو عادةُ أهلِ السَّرَف، وزينةُ أهل الخُيَلَاء؛ لأنه ربما يحلُّ صاحبُه بإخراج زكاتهِ فيأثَمُ بذلك.

وفيه نظر، لأن الحديثَ لا يُشْعِرُ التخصيصَ بالنساء، ولئنْ سُلِّم فالظاهرُ استواءُ الكثير والقليلِ بالنسبة إليهن.

والصوابُ: أن يحملَ الحديثُ على الرجال؛ لأن ركوبَ النمور من عادتهِم، ويراد حينئذ لبسَ قطعةِ أنفِ من ذهب، أو قطعةَ إصبع، أو سِنٍّ منه لمن قُطِعَ منه هذه الأعضاء، أو قطعة يُشَدُّ بها فَصّ الخاتم ونحوها.

* * *

3390 -

وعن بُرَيدَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لرجلٍ عليهِ خاتم مِن شبَهٍ: "ما لي أجدُ منكَ ريحَ الأصنامِ؟ " فطرحَهُ ثم جاءَ وعليهِ خاتم مِن حديدٍ، فقالَ:"ما لي أَرَى عليكَ حِليةَ أهلِ النارِ؟ " فطرحَهُ فقال: "اتَّخِذْهُ مِن وَرِقٍ ولا تُتِمَّهُ مِثْقالاً".

ص: 40

"عن بُرَيدة: أن النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال لرجلٍ عليه خاتَمٌ مِن شَبَهٍ"، وهو ضربٌ من النحاس، سُمّيَ به لشبهه بالذهب لونًا.

"ما لي أجدُ منك ريحَ الأَصْنَام"؛ لأنها كانت تُتخَذُ من الشَّبَه.

"فطرحَه"؛ أي: ألقى الرجلُ ذلك الخاتَم.

"ثم جاءَ وعليه خاتَم من حديد، فقال: ما لي أرى عليكَ حِلْيةَ أهلِ النار"، حليةُ الرجلِ - بالكسر -: صفة، وإنما كرهَه؛ لأنه زِيُّ بعضِ الكُفار، أو لأنَّ الكُفَّارَ يعذَّبُون بالسلاسلِ والأغلالِ، وهي في عُرْفنا تُتخَذُ من الحديد.

"فطرحَه"، وبهذا كرهَ بعضٌ التختُّمَ به.

"فقال: اتَّخِذْه من وَرِقٍ ولا تُتِمَّه مثقالاً"، وهذا نهيُ إرشادِ على الوَرَع، فإنَّ الأَولى أن يكون الخاتمُ أقلَّ من مثقال؛ لأنه من السَّرَف أبعدُ، وإلى التواضع أقربُ، فإن أتمَّه مثقالاً، أو زادَ عليه جاز.

* * *

3390/ -م - قالَ الإمامُ رحمه الله: وقد صحَّ عن سهلِ بن سَعْدٍ في الصَّداقِ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: "اِلتَمِسْ ولو خاتَماً مِن حديدٍ".

"قال المصنِّفُ: وقد صحَّ عن سهلِ بن سعدٍ في حديث الصَّدَاق: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجل: التمِسْ ولو خاتَمًا مِن حديد"، وهذا يدلُّ على الرُّخْصَة في التختُّم بالحديد، وبه قال بعضٌ، وأوردَه المؤلِّفُ هنا تنبيهاً على أنَّ النهيَ عنه ليس نهيَ تحريمٍ، وإلا لما جَوَّزَ التماسَ الخاتم من حديدٍ وجَعْلَه صداقًا.

قيل: وجهُ التوفيقِ هو أنَّ معنى قوله: (ولو خاتماً) المبالغةُ في بَذْل ما يمكِنُه في النِّكاح، وإن كان شيئاً يسيراً، كما يقال: أعطِ زيداً ولو كَفاً من تراب، فجَعْلُه صلى الله عليه وسلم إياه مَهْراً لا يدلُّ على جواز التختُّم به، وإن سُلِّمَ الجوازُ فحديثُ سهلٍ

ص: 41

كان قبلَ استقرارِ الشرائع، وحديثُ بُريدةَ بعده.

* * *

3391 -

عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكرهُ عشرَ خلالٍ: الصُّفْرةَ، يعني الخَلُوقَ، وتَغْييرَ الشَّيبِ، وجَرَّ الإزارِ، والتختُّمَ بالذَّهبِ، والتبرُّجَ بالزينةِ لغيرِ مَحَلِّهَا، والضَّربَ بالكِعابِ، والرُّقَى إلا بالمعوِّذاتِ، وعقدَ التمائم، وعزلَ الماء لغير مَحَلِّه، وفسادَ الصَّبيِّ غيرَ مُحَرِّمِه".

"عن ابن مسعودٍ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكرَهُ عَشْر خِلالٍ"؛ أي: خِصَال.

"الصُّفْرَةَ؛ يعني الخَلُوقَ" بفتح الخاء المعجمة وضم اللام: طِيبٌ معروفٌ، وقد أبيحَ مرةً ونُهِيَ عنه أخرى، وهو أكثر؛ لأنه مِن طِيبِ النساء، وكأنه ناسخٌ للإباحة.

"وتغييرَ الشَّيبِ بالنَّتفِ"، أو إلى السواد إخفاءً له وإظهاراً للشباب دون الخِضَاب بالحِنَّاء.

"وَجرَّ الإزار، والتختُّمَ بالذهب، والتبرُّجَ بالزِّينة"؛ أي: إظهارَ المرأةِ محاسنَها "لغير مُحِلِّها"، بكسر الحاء واللام، وقيل بفتحهما أيضًا؛ أي: لغيرِ من يَحِلُّ لها مِن زوجِها.

"والضرْبَ بالكِعَاب" بكسر الكاف: جمع كَعْب، قالوا: هي فصوصُ النَّرْد فاللَّعِبُ به حرامٌ كرهه عامةُ الصحابة، وقيل: كان ابن مُغَفل يفعلُه مع امرأته، ورخَّصَ فيه ابن المسيَّب على غير قمار.

"والرُّقَى" جمع رُقْيَة، وقد جاء جوازُها، والنهيُ عنها، فتحمَلُ الكراهةُ على ما كان بغيرِ العربيِّ، وبغيرِ أسمائِه تعالى وصفاتِه وكلامِه، ولا يُكرَهُ ما خالف ذلك.

ص: 42

"إلا بالمعوِّذات"، وهي كلُّ سورةٍ أولُها:{قُل} كـ (الإخلاص) و (المُعوِّذَتين) و (الكافرون)، لأمره صلى الله عليه وسلم بقراءتها على الأطفالِ، وفي معناه جميعُ ما يتعوَّذُ به من آيِ القرآن وأسمائهِ وصفاته والرُّقَى المُرْقِية.

"وعَقْدَ التمائم"، جمع تَمِيم، وهي أباطيلُ الجاهليةِ، نحو خَرَزَاتٍ علَّقَها الجاهلية على أولادِهم اتقاءَ العينِ فأبطَله الإسلام؛ لأنه لا يدفَعُ شيئًا إلا الله.

"وعَزْلَ الماءِ لغيرِ مَحَلِّه"، واللام في (لغير) بمعنى (عن)؛ يعني: إبعادَ المَنِيِّ عن الفرجِ وإراقتَه خارجَ الفَرْج، وقيل: فيه تعريضٌ لإتيانِ الدُّبُر، ويجوزُ كون معنى (لغير محله) لغير الإماء؛ أي: محل العَزْل الإماءُ دون الحرائر.

"وفسادَ الصَّبي"، باغيًا له بمجامعةِ مُرْضعه فُيفْسِدُ عليه لبنه إذا حملتْ، فيكون من ذلك فسادُ الصبي، وسُمِّي الغَيْلَة.

"غيرَ محرِّمِه"، نصب (غير) على الحال عن فاعل (يكره)، والضميرُ المجرورُ يعود إلى فساد الصبي؛ أي: أنه كرهَهُ بلا تحريمٍ.

* * *

3392 -

عن ابن الزُّبيرِ: أنَّ مولاةً لهم ذهبَتْ بابنةِ الزُّبيرِ إلى عمرَ بن الخَطَابِ وفي رجلِها أجراسٌ، فقَطَعَها عمرُ وقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مع كلِّ جَرَسٍ شَيطانٌ".

"عن ابن الزُّبَير: أن مولاًة"؛ أي: معتقةً "لهم ذهبت بابنة الزبيرِ إلى عمرَ ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وفي رِجْلِها أجراسٌ"، جمع جَرَس بفتحتين، وهو معروف.

"فقطعَها عمرُ وقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: مع كلِّ جَرَسٍ شيطانٌ"؛ يريد به شيطانَ الإنس، والتعميمُ أَولى.

* * *

ص: 43

3393 -

ودُخِلَ على عائشةَ رضي الله عنها بجاريةٍ عليها جَلاجِلُ يُصَوِّتنَ فقالت: لا تُدخِلْنَها عليَّ إلا أنْ تُقطِّعْنَ جَلاجِلَها، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"لا تدخلُ الملائكةُ بيتاً فيهِ جرسٌ".

"ودُخِلَ على عائشةَ بجاريةٍ عليها جَلَاجِلُ"، جمع جُلجُل بضم الجيمين.

"يُصَوِّتْنَ فقالت: لا تُدْخِلنّها عليَّ إلا أن يُقطَّعْنَ جلاجلُها، سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخلُ الملائكةُ بيتاً فيه جَرَسٌ".

* * *

3394 -

وعن عبدِ الرَّحمنِ بن طَرَفةَ: أنَّ جدَّه عَرفجَةَ بن أسعدَ قُطِعَ أنفُه يومَ الكُلابِ، فاتَّخذَ أنفاً مِن وَرِقٍ فأَنتنَ عليهِ، فأمرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يتخِذَ أنفاً مِن ذهبٍ.

"عن عبد الرحمن بن طَرَفَة": بالفتحات.

"أن جَدَّه عَرْفجَةَ": بفتح العين والفاء وسكون الراء.

"ابن أسعدَ قُطِعَ أنفُه يوم الكُلَاب"، بالضم والتخفيف، قيل: اسمُ ماءٍ، وكان به للعرب في الجاهلية يومٌ معروفٌ من أيامهم، فيومُ الكُلَاب إذن اسمُ حَرْبٍ معروفة مِن حروبهم.

"فاتخذَ أنفاً من وَرِق" بكسر الراء.

"فأنتنَ عليه، فأمرَه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخِذَ أنفاً من ذهب"، وبهذا أباحَ العلماءُ اتخاذَ الأنفِ من ذهبٍ، وربْطَ الأسنانِ بالذهَب.

* * *

3395 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحبَّ أن يُحَلِّقَ

ص: 44

حبيبَهُ حَلْقَةً مِن نارٍ فليُحلِّقْه حلْقةً مِن ذهبٍ، ومَن أحبَّ أنْ يُطوِّقَ حبيبَهُ طَوْقاً مِن نارٍ فليُطوِّقْه طَوْقاً مِن ذهبٍ، ومَن أحبَّ أنْ يُسَوِّر حبيبَهُ سِوَاراً مِن نارٍ فليُسوِّرْه سِوَاراً مِن ذهبٍ، ولكنْ عليكم بالفِضَّةِ فالعَبوا بها".

"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه -: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَن أحبَّ أن يُحلِّق حَبيبَه"، أراد به المحبوبَ من زوجهِ وأولادهِ وغيرهما.

"حَلْقةً من نار فليحلِّقْه حلقةً من ذهب، ومن أحبَّ أن يطوِّقَ حبيبَه طوقاً من نار فليطوِّقْه طوقاً من ذهب، ومن أحبَّ أن يسِّورَ حبيبَه سِواراً من نارٍ فليسوِّرْه سِواراً من ذهبٍ ولكن عليكُم" - وهو للترغيب - "بالفِضَّة، فالعَبُوا بها"، واللعبُ بالشيءِ: التصرُّفُ فيه كيفما شاء؛ يعني: اجعلُوها الفضةَ في أيِّ نوعٍ شئتُم من أنواع حُلِيِّ النساء دون الرجال، إلا التختُّمَ وتحلِيةَ السيفِ وغيرَه من آلات الحرب.

* * *

3396 -

عن أسماءَ بنتِ يزيدَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما امرأةٍ تقلَّدَتْ قِلادَة مِن ذهبٍ قُلِّدَتْ في عُنُقِها مثلَه مِن النارِ يومَ القيامةِ، وأيُّما امرأةٍ جعلَتْ في أُذنِها خُرْصاً مِن ذهبٍ جَعَلَ الله في أُذنِها مثلَها مِن النَّارِ يومَ القيامةِ".

"عن أسماءَ بنت يزيدَ - رضي الله تعالى عنها -: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: أيما امرأةٍ تقلَّدَتْ قلادةً من ذهب قُلِّدت في عُنُقِها مثلَها من النار يوم القيامة، وأيما مرأة جَعَلَتْ في أذنها خُرْصاً"، بضم الخاء المعجمة وسكون الراء، وقيل: بكسر الخاء؛ أي: حَلْقةَ "من ذهبٍ جعلَ الله في أذنِها مثله من النارِ يومَ القيامة".

ص: 45