الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3843 -
عن أبي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قال: "رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لَحمًا بالجعِرَّانةِ، إذ أقبلَتِ امرأةٌ حتى دَنَتْ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَسَطَ لها رِداءَهُ فجلسَتْ عليهِ، فقلتُ: مَن هي؟ فقالوا: هذه أُمُّهُ التي أَرضَعَتْهُ".
"عن أبي الطفيل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحمًا بالجعْرانة": اسم موضع.
"إذ أقبلت امرأة حتى دنت"؛ أي: قربت "إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت: مَن هي؟ فقالوا: هذه أمُّه التي أرضعته".
* * *
15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ
(باب الشفقة والرحمة على الخلق)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3844 -
عن جَريرِ بن عبدِ الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَرحَمُ الله مَن لا يَرحَمُ النّاسَ".
"من الصحاح":
" عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرحم الله من لا يرحم الناس" يكون نفي الرحمة عنه مؤوَّلًا بأن [لا] يكون مع الفائزين السابقين.
* * *
3845 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم -
فقال: أتقَبلونَ الصّبيانَ؟ فما نُقبلهُم، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"أَوَ أَمْلِكُ لكَ أنْ نزَعَ الله مِن قَلْبكَ الرّحْمَةَ؟ ".
"وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال"؛ أي: الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: "أتقبلون الصبيان"؛ أي: أتقبلون أنتم صبيانكم.
"فما نقبلهم"، (ما) نافية.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوَأَمْلِكُ لك" - بفتح الواو - "أن نزع الله"، (أن) هذه مصدرية؛ أي: لا أملك نَزْعَ الله؛ أي: دَفَعَ نزعه "من قلبك الرحمة"، أو لا أقدر أن أضع في قلبك ما نزعه الله منه من الرحمة. أو شرطية؛ أي: إن نزعها من قلبك لا أملك لك دفعه ومنعه.
* * *
3846 -
وعن عائِشَةَ قالت: جاءتني امرَأةٌ مَعَها ابنتانِ تَسألُني، فلم تَجدْ عندي غيرَ تمرةٍ واحدةٍ، فأعطيتُها، فقَسَمَتْها بينَ ابنتَيْها، ثُمَّ خَرَجَتْ، فدخلَ النبي صلى الله عليه وسلم وحدَّثتُه، فقال:"مَن يَلي مِن هذه البناتِ شيئًا فأَحسَنَ إليهِنَّ كُنَّ له سِتْراً مِن النّارِ".
"وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثمَّ خرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: مَن بُليَ" البلاء: الامتحان.
"مِن هذه البنات بشيء"، (من) هذه بيانيةٌ [وهي] مع مجرورها حالٌ عن (شيء).
"فأحسن إليهن" قيل: بتزويجهن بالأكفاء، والأوجهُ أن يعم الإحسان.
"كنَّ له سترًا من النار" لأنَّ احتياجهن إلى الإحسان كان أكثر حالَ الصغر والكبر، فمن سترهن بالإحسان يجازَى بالستر من النيران.
* * *
3847 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا جاءَ يومَ القيامةِ أنا وهو هكذا"، وضَمَّ أصابعَهُ.
"وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين"؛ يعني: مَن ربَّى صغيرتين وقام برعاية مصالحهما من قوتٍ وكسوةٍ وغيرهما.
"حتى تبلغا"؛ أي: تصيرا بالغتين.
"جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا"؛ أي: جاء مصاحبًا لي.
"وضم"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "أصابعه" مشيراً إلى قُرب ذلك الرجل منه، وهذا من كلام الراوي.
* * *
3848 -
وقال: "السَّاعي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكينِ كالسَّاعي في سبيلِ الله"، وأحسِبُه قَالَ:"كالقائِم لا يَفْتُرُ، وكالصّائم لا يُفطِرُ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الساعي على الأرملة" وهي بفتح الميم: مَن لا زوج لها، غنيةً كانت أو فقيرة، تزوَّجت قبل ذلك أم لا.
"والمسكين" أراد بالساعي الكاسب لتحصيل مؤونتها.
"كالساعي في سبيل الله"؛ يعني يكون ثوابه كثواب المغازي.
"وأحسبه"؛ أي: قال الراوي: أظنه؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "قال: كالقائم"؛ أي: في العبادة.
"لا يَفْتُر"؛ أي: لا يضعف عنها.
"وكالصائم لا يفطر".
* * *
3849 -
وقال: "أنا وكافِلُ اليتيم، لهُ ولغَيرِه، في الجَنَّةِ هكذا"، وأشارَ بالسَّبّابَةِ والوُسْطَى، وفرَّجَ بينَهما شيئًا.
"وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم"؛ أي: القائم بأمره المربي له سواءٌ كان اليتيم "له"؛ أي: لذلك الكافل كابن ابنه وإن سفل، أو ابن أخيه.
"أو لغيره" من الأجنبي.
"في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئًا".
* * *
3850 -
وقال: "تَرَى المُؤْمنينَ في تَراحُمِهِم وتَوادِّهم وتَعاطُفِهم كمثلِ الجَسَدِ، إذا اشتكَى عُضْوًا تداعَى لهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى".
"وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في تراحُمهم وتوادِّهم وتعاطُفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوًا"؛ أي: تألَّم من جهة عضو.
"تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" التداعي: أن يدعو بعضهم بعضًا ليتفقوا على فعل شيء؛ يعني: كما أن عند تألُّم بعض أعضاء الجسد يسري ذلك إلى كلِّه، فكذا المؤمنون كلُّهم كنفسٍ واحدة إذا أصاب واحداً منهم مصيبةٌ ينبغي أن يغتم بها جميعهم ويهتموا (1) بإزالتها عنه.
(1) في "غ": "ويهموا".
3851 -
وقال: "المؤمنونَ كرجلٍ واحدٍ إن اشتكَى عينُه اشتكَى كلُّه، وإنْ اشتكَى رأسُه اشتكَى كلُّه".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله".
* * *
3852 -
وعن أبي مُوسى، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"المُؤْمِنُ للمُؤْمِنِ كالبنيانِ يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضًا"، ثُمَّ شَبَّكَ بينَ أصابعِه.
"وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن للمؤمن كالبنيان" وهو الحائط.
"يشد بعضه بعضاً"؛ يعني: المؤمن لا يتقوَّى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه كما أن بعض البناء يَقْوَى ببعضه.
"ثمَّ شبك بين أصابعه"؛ أي: أدخل أصابع إحدى اليدين بين أصابع اليد الأخرى.
* * *
3853 -
وعنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه كانَ إذا أتاهُ السّائِلُ أو صاحِبُ الحاجَةِ قال: "اِشفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، ويقضي الله على لسانِ رسولهِ ما شاءَ".
"وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال: اشفعوا له"؛ أي: لصاحب الحاجة إليَّ وإلى غيري إن كان مضطراً.
"فلتؤجروا"؛ يعني: يحصل لكم بتلك الشفاعة أجرٌ قُبلت شفاعتكم أو لا.
"ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء" يريد به نفسَه؛ أي: إن قضيت حاجةَ مَن شفعتُم له فهو بتقدير الله، وإن لم أقضها فهو بتقدير الله.
* * *
3854 -
وقال: "اُنصُرْ أخاكَ ظالمًا أو مَظْلومًا"، فقال رَجُلٌ: يا رسولَ الله! أَنصُرُه مَظْلومًا، فيكفَ أنصُرُه ظالِمًا؟ قال:"تمنعُه مِن الظُّلمِ، فذلك نصرُكَ إيّاهُ".
"وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله! أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك"؛ أي: منعُك أخاك من أن يظلم أحدًا.
"نصرُك إياه" لأنه قد دفعته عن الإثم الذي هو سببُ دخول النار فكأنك دفعت النار عنه، وأيُّ نصرة أكملُ من دفع النار عن أخيك.
* * *
3855 -
وقال: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِم، لا يَظلِمُه ولا يُسلِمُه، ومَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ كانَ الله في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِم كُربَةً فرَّجَ الله عنه كُربةً مِن كُرُباتِ الآخِرَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَه الله يَوْمَ القِيامَةِ".
"عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم"؛ أي: في الدين.
"لا يظلمه ولا يُسلمه"؛ أي: لا يخذله عن النصرة ولا يتركه في أيدي الأعداء بل يخلصه عن أيديهم، والنفي هنا بمعنى النهي.
"ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً
فرج الله تعالى عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".
* * *
3856 -
وقال: "المُسْلِمُ أخو المُسْلِم، لا يَظلِمُه، ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحْقِرُه، التَّقْوَى ها هنا"، ويُشيرُ إلى صَدرِهِ ثلاثَ مرّاتٍ، "بِحَسبِ امرئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يحقِرَ أخاهُ المُسْلِم، كل المُسْلِم على المُسْلِم حَرامٌ، دمُه، ومالُه، وعِرضُه".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا" هذه الجملة مبتدأ وخبر.
"ويشير"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ها هنا).
"إلى صدره ثلاث مرات"؛ يعني: التقوى محلُّه القلب، فيكون أمراً مخفياً فلا ينبغي للمسلم أن يحقر شأن أخيه المسلم بأن يحكم بعدم التقوى، أو المعنى: مَن كان في قلبه شيء من التقوى فلا يَحقِرْ مسلماً لأن المتقي لا يحقرُ مسلماً.
"بحسب امرئ من الشر" الباء زائدة و (حسب) مبتدأ في موضع الرفع.
"أن يحقر أخاه المسلم" فاعلٌ ناب مناب الخبر؛ أي: يكفي المرءَ من الشر تحقيرُه مسلمًا؛ يعني: لو لم يكن له شرٌّ سوى تحقيرِه مسلماً لكفاه في استدخاله النار.
"كل المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعرضُه".
* * *
3857 -
وقالَ: "أَهْلُ الجَنَّةِ ثلاثةٌ: ذو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، ورَجُلٌ
رحيمٌ رقيقُ القَلْبِ لكلِّ ذي قُربَى ومُسْلِمٍ، وعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عيالٍ، وأهلُ النّارِ خَمْسةٌ: الضَّعيفُ الذي لا زَبْرَ لهُ، الذينَ هم فيكم تَبَعٌ، لا يبغُونَ أهلًا ولا مالًا، والخائِنُ الذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ وإنْ دقَّ إلا خانهُ، ورَجُلٌ لا يُصبحُ ولا يُمسي إلا وهو يُخادِعُكَ عن أهلِكَ ومالِكَ"، وذكرَ البُخْلَ والكذِبَ، "والشِّنْظيرُ الفَحّاشُ".
"وعن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان"؛ أي: ذو حُكْم وسلطنة، "مقسطٌ"؛ أي: عادل، "متصدقٌ"؛ أي: محسنٌ إلى الناس، "موفَّق" وهو مَن هيئ له أسبابُ الخير وفُتح له أبواب البر.
"ورجل رحيم رقيق القلب"؛ أي: في قلبه رقة وشفقة ورحمة "لكل ذي قربى".
"ومسلم عفيف"؛ أي: صالح، "متعفف"؛ أي: مانعٌ نفسَه عما لا يحلُّ ولا يليق.
"ذو عِيال" ولا يحمله حبُّ العيال على تحصيل المال الحرام.
ويحتمل أن يكون أشار بالعفيف إلى ما في نفسه من القوة المانعة عن الفواحش، وبالمتعفّف إلى إبراز ذلك بالفعل وإظهار العفة عن نفسه.
"وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له"؛ أي: لا تماسُك له عند مجيء الشهوات، فلا يرتدع عن فاحشةٍ ولا يتورَّع عن حرام، و (الذي) بمعنى الذين ولذا أُبدل منه.
"الذين هم فيكم تبع" قيل: هم أهل البطالات لا همم لهم في عمل الآخرة.
"لا يبغون"؛ أي: لا يطلبون.
"أهلًا" فأعرضوا عن التزوُّج وارتكبوا الفواحش.
"ولا مالًا"؛ أي: لا يطلبون مالًا بكسب حلالٍ إذ لا رغبة لهم في عمل الدنيا.
وقيل: هم الذين يدورون حول الأمراء ويخدمونهم لا يبالون من أيِّ وجه يأكلون ويلبسون، أَمِنَ الحلال أم من الحرام؟ ليس لهم همةٌ إلى أهلٍ ولا إلى مالٍ، بل قَصَروا أنفسَهم على المأكل والمشرب، ومن هذا القبيل أيضًا الجماعة الجوالقية ونحوهم.
"والخائن الذي لا يَخْفَى له طمعٌ"؛ أي: لا يخفى طمعُه في شيء ما "وإن دق"؛ أي: قلَّ، "إلا خانه"؛ أي: إلا سعى فيه حتى يجده فيخونه، أو معناه: لا يتطلع إلى موضع خيانة إلا خان ما طمع فيه وإن كان المطموعُ فيه شيئاً يسيرًا، وهذا هو الثاني من الخمسة.
"ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك"؛ أي: لا يفارق مخادعته إياك "عن أهلك ومالك" صباحَه ومساءه؛ أي: يخادعُك في أكثر أحواله، وهذا هو الثالث منها.
"وذكر"؛ أي: قال الراوي: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخمسة: "البخل والكذب"؛ أي: البخيل والكذاب، فأقام المصدر مُقامَ اسم الفاعل؛ لأنَّ المذموم هو المصدر لا مَن يقوم به، وهذا هو الرابع منها.
"والشنظير" بكسر الشين والظاء المعجمتين يتخللهما السكون: هو السيئ الخلق.
"الفحاش" نعتٌ له؛ أي: هو مع سوء خلقه فحَّاشٌ في كلامه، وهذا هو الخامس منها.
3858 -
وقالَ: "والذي نفسي بيدِه، لا يؤمنُ عبدٌ حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يحب لَنْفسِه".
"وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد"؛ أي: لا يكمُل إيمانه "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
* * *
3859 -
وقالَ: "والله لا يُؤْمِنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ"، قيلَ: مَن، يا رسولَ الله؟ قال:"الذي لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه".
"وعن أبي شريح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقه"؛ أي: غوائلَه وشرورَه، جمع بائقة وهي الداهية.
* * *
3860 -
وقالَ: "لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه".
"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه".
* * *
3861 -
وقالَ: "ما زالَ جِبْريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُه".
"وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار"؛ أي: يأمرني بحفظ حق الجار والإحسانِ إليه ودفعِ الضرر عنه.
"حتى ظننتُ أنَّه سيورِّثُه"؛ أي: سيحكم بميراث أحد الجارين من الآخر.
* * *
3862 -
وقالَ: "إذا كُنْتم ثلاثةً فلا يتَنَاجَى اثنانِ دونَ الآخرِ حتى يختلِطُوا بالنّاسِ مِن أجْلِ أنْ يُحزِنَه".
"عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم"؛ أي: في المصاحبة "ثلاثة فلا يتناجى اثنان"؛ أي: لا يتكلمان بالسر.
"دون الآخر" لأنه ربما يتوهَّم أن نجواهما لأجلِ قَصدِهما له بشرِّ.
"حتى يختلطوا بالناس" وهذا يؤذِنُ بأن النهي خاصٌّ بموضعٍ لا يأمنُ الشخص فيه صاحبه على نفسه.
"من أجل أن يَحزُنَه"؛ أي: لا يحزنه، مفعول له، وضمير الفاعل للمتناجي وضمير المفعول للآخر، قيَّد بالثلاثة لأنهم إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان فلا بأس به.
* * *
3863 -
وعن تَميم الدّارِيِّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّينُ النَّصيحَةُ"، ثلاثًا، قلنا: يا رسولَ الله! لِمَن؟ قال: اللهِ، ولكِتابه، ولرَسُوله، ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ، وعامَّتِهم".
"وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدِّين"؛ أي: عماد الدين، أو أفضل أعماله "النصيحة" وهي إرادة الخير للمنصوح له بقولٍ أو فعل، وأصل النصح الخلوص.
"ثلاثًا"؛ أي: ذكرها ثلاث مرات.
"قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال لله" والنصيحة لله تعالى الإيمانُ به وإخلاصُ العمل فيما أَمر به.
"ولكتابه" نصيحته الاعتقادُ بأنّه كلام الله والعملُ بمحكمه التسليمُ بمتشابهه.
"ولرسوله" نصيحته تصديقه بكلِّ ما عُلم مجيئه، وإحياءُ طريقته، وفي الحقيقة هذه النصائح راجعة إلى العبد.
"ولأئمة المسلمين" نصيحتهم إطاعتهم في المعروف وتنبيههم عند الغفلة.
"وعامتهم" نصيحة عامة المسلمين دفعُ المضارّ عنهم وجلبُ المنافع إليهم بقدْر الوسع.
* * *
3864 -
وعن جَريرٍ قال: "بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصَّلاةِ، وإِيتاءِ الزَّكاةِ، والنُّصح لكُلِّ مُسْلِم".
"وعن جرير أنَّه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".
* * *
مِنَ الحِسَان:
3865 -
عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ أبا القاسم الصّادقَ المصدوقَ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تُنزَعُ الرَّحمَةُ إلا مِن شَقي".
"من الحسان":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: سمعت أبا القاسم"؛ يعني الرسول.
"الصادق"؛ أي: في أقواله وأفعاله.
"المصدوق"؛ أي: المشهور بصدقه في كلامه، قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
"يقول: لا تُنزع الرحمة إلا من شقي"؛ يعني: مَن ليس في قلبه شفقةٌ ورحمة فهو شقي.
* * *
3866 -
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرحَمُهم الرَّحمنُ، اِرحَمُوا مَن في الأرضِ يَرحَمْكم مَن في السماءَ".
"وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"؛ أي: مَنْ ملكُه وقدرته في السماء، وهو الله، أو المراد به الملائكة، وذلك حفظُهم عن الأعداء وسائر المؤذيات بأمره تعالى، واستغفارهم للراحمين في الأرض.
* * *
3867 -
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ منا مَن لم يَرحَمْ صَغيرَنا، ويُوَقِّر كبيرَنا، ويَأمُر بالمَعْروفِ، ويَنْهَ عن المُنْكَرِ"، غريب.
"وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا"؛ أي: من متابعينا في هذا الفعل.
"من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر"، "غريب".
3868 -
وقال: "ما أكرمَ شابٌّ شَيْخًا مِن أجلِ سِنِّهِ إلا قَيَّضَ الله لهُ عندَ سِنِّهِ مَن يُكْرمُهِ".
"وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكرم شابٌّ شيخاً من أجل سنه إلا قيض الله"؛ أي: قدَّر، أو وَّكل، أو سبَّب، أو سلَّط.
"له عند سنه"؛ أي: عند كبر سنه.
"من يكرمه" وفيه إشعارٌ ببلوغ ذلك الشاب سنَّ ذلك الشيخ المكرم.
* * *
3869 -
وقالَ: "إنَّ مِن إِجْلالِ الله إكرامَ ذي الشَّيبةِ المُسْلِم، وحاملِ القُرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنه، وإكرامَ ذي السُّلْطانِ المُقْسِطِ".
"وقال: إن من إجلال الله"؛ أي: من تعظيمه، والمصدر مضافٌ إلى الفاعل، أو إلى المفعول.
"إكرامَ ذي الشيبة المسلم وحاملِ القرآن غيرِ الغالي فيه"؛ أي: المجاوِزِ فيه عن الحد لفظاً ومعنى، أو الخائنِ فيه بتحريفه أو في معناه بتأويله بباطل.
"والجافي عنه"؛ أي: المتباعد عنه، المُعْرِضِ عن تلاوته والعمل به.
"وإكرام ذي السلطان المُقْسِط".
* * *
3870 -
وقالَ: "خيرُ بيتٍ في المُسلِمينَ بيتٌ فيهِ يتيمٌ يُحسَنُ إليه، وشرُّ بيتٍ في المُسْلِمينَ بيتٌ فيهِ يتيمٌ يُساءُ إليهِ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَنُ إليه، وشر بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يساء إليه"؛ أي:
يؤذى بالباطل، فإنَّ ضربه للتأديب وتعليم القرآن جائز.
* * *
3871 -
وقال: "مَن مَسَحَ رَأْسَ يتيم لم يَمْسَحهُ إلا للهِ، كانَ لهُ بِكُلِّ شَعْرةٍ تَمُرُّ عليها يدُه حَسَناتٌ، ومَن أحسَنَ إلى يتيمةٍ أو يَتيم عندَهُ كنتُ أنا وهوَ في الجَنَّةِ كهاتينِ، وقَرَنَ بينَ أصبُعَيْهِ"، غريب.
"وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسح رأس يتيم"؛ أي: مسح يده على رأسه للتلطف به والرحمة إليه، أو ادَّهن رأسه، أو ستر رأسه.
"لم يمسحه إلا لله، كان له بكلِّ شعرة تمر عليها يدُه حسناتٍ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنتُ أنا وهو في الجنة كهاتين، وقرن بين أصبعيه"، "غريب".
* * *
3872 -
وقال: "مَن آوَى يتيمًا إلى طَعامِه وشَرابهِ أوجَبَ الله لهُ الجَنَّةَ البتَّةَ، إلا أنْ يَعْمَلَ ذنبًا لا يُغفَرُ، ومَن عالَ ثلاثَ بناتٍ أو مِثْلَهن مِن الأَخَواتِ، فأدَّبَهُنَّ وَرَحِمَهُنَّ حتى يُغنِيَهُنَّ الله، أَوْجَبَ الله له الجَنَّةَ"، فقالَ رجل: يا رسولَ الله! أو اثنتَينِ؟ قال: "أو اثنتينِ"، حتى لو قالُوا: أو واحدةً، لقالَ: واحِدَةً، "ومَن أَذْهَبَ الله كريمتَيْهِ وجبَتْ له الجنةُ"، فقيلَ: يا رسولَ الله! وما كريمَتاهُ؟ قال: "عيناهُ".
"عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آوى يتيمًا إلى طعامه وشرابه أوجب الله له الجنة البتة، إلا أن يعمل ذنبًا لا يغفر"، والذنب غيرُ المغفور: الشرك، قيل: ومظالمُ الخَلْق.
"ومن عال ثلاث بنات"؛ أي: ربّاهن وقام برعاية مصالحهن.
"أو مثلهن من الأخوات، فأدَّبهن ورحمهن حتى يُغنيهن الله، أوجب الله له الجنة، فقال رجل: يا رسول الله! أو اثنتين؟ قال: أو اثنتين - حتى لو قالوا: أو واحدة؟ لقال: أو واحدة - ومَن أذهب الله كريمتيه وجبت له الجنة، قيل: يا رسول الله! وما كريمتاه؟ قال: عيناه".
* * *
3873 -
عن جابرِ بن سَمُرَةَ قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ ولدَهُ خيرٌ مِن أنْ يتصدَّقَ بصاعٍ"، غريب.
"وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأَن يؤدِّبُ الرجلُ ولده خيرٌ له من أن يتصدق بصاع"، "غريب".
* * *
3874 -
ورُوِيَ: "ما نَحَلَ الوالِدُ وَلَدَهُ مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أدَبٍ حَسَنٍ"، مرسل.
"ويروى: ما نَحَل الوالد"؛ أي: ما أعطى "ولده من نحل"؛ أي: عطية "أفضل من أدب حسن"، "مرسل".
* * *
3875 -
عن عَوْفِ بن مالكٍ الأَشْجَعيِّ قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وامرَأةٌ سَفْعاءُ الخَدَّيْنِ كهاتينِ يومَ القيامةِ - وأَوْمأَ الرّاوِي بالسَّبابةِ والوُسْطى - امرأةٌ آمَتْ مِن زَوْجِها ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ، حَبَسَتْ نفسَها على يتامَاهَا حتى بانُوا أو مَاتُوا".
"عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: أنا وامرأة سفعاء الخدين"؛ أي: متغيرة الخدين من غاية الجهد والمشقة وترك الزينة والترفُّه إقامةَ على ولدها بعد وفاة زوجها.
"كهاتين يوم القيامة. وأومأ الراوي"؛ أي: أشار "بالسبابة والوسطى".
"امرأةٌ": عطف بيان لـ (امرأة سفعاء)، أو بدلٌ منها، أو خبرُ مبتدأ محذوف؛ أي: هي امرأة.
"آمَتْ"؛ أي: صارت أيماً "من زوجها ذاتُ منصبٍ وجمال حبست نفسها على يتاماها"؛ أي: تركت التزوُّج بزوج آخر واشتغلت بتعهد أطفالها.
"حتى بانوا"؛ أي: انقطعوا عنها بالكبر والبلوغ، واستقلوا بالقوة والعقل والرشد بحيث يقدر كلٌّ منهم بالقيام بأمور نفسه، فإن الولد ما لم يكبر فهو ملتزقٌ بأمه غيرُ بائن عنها، أو معناه: انتشروا، أو ظهروا.
"أو ماتوا".
* * *
3876 -
وعن ابن عبّاسٍ قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانت لهُ أُنثَى فلم يَئِدها، ولم يُهِنْها، ولم يُؤْثر ولدَه عَلَيها - يعني الذُّكورَ - أَدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ".
"وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له أنثى فلم يئدها"؛ أي: فلم يدفنها حية كما هو عادة الجاهلية فراراً من العار أو الفقر.
"ولم يُهنها"؛ أي: لم يُذِلَّها.
"ولم يُؤْثِر"؛ أي: لم يختر.
"ولده عليها، يعني الذكور" على الأنثى.
"أدخله الله الجنة".
* * *
3877 -
عن أنسٍ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَن اغتيبَ عندَه أخوهُ المُسْلِمُ وهوَ يقدِرُ على نَصْرِه فنَصَرَهُ نصرَهْ الله في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فإنْ لم يَنْصُره وهو يَقْدِرُ على نصرِه أدركَه الله بهِ في الدُّنيا والآخِرةِ".
"وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغتيب" علي بناء المجهول من الغيبة.
"عنده أخوه المسلم وهو يقدر على نصره فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، فإن لم ينصره وهو يقدر على نصره أدرك الله به"؛ أي: انتقم منه بسبب ترك النصرة "في الدنيا والآخرة".
* * *
3878 -
وقال: "مَن ذَبَّ عَن لَحْم أخيهِ بالمغيبَةِ كانَ حَقًّا على الله أنْ يُعتِقَه مِن النّارِ".
"وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذبَّ عن لحم أخيه بالمغيبة"؛ أي: دفع مغتاباً عن غيبة أخيه المسلم.
"كان حقًا على الله أن يعتقه من النار".
* * *
3879 -
وعن أبي الدَّرداءِ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ما مِن مُسْلِم يَرُدُّ عن عِرْضِ أخيهِ، إلَّا كان حَقًّا على الله أنْ يَرُدَّ عنهُ نارَ جَهَنَّمَ يومَ القيامةِ، ثمَّ تلا هذه الآيةَ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ".
"عن أبي الدرداء أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يردّ [عن] عرض أخيه"؛ أي: يمنع عن غيبة مسلم.
"إلا كان حقًا على الله أن يردَّ عنه نار جهنم يوم القيامة، ثمَّ تلا هذه الآية: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] ".
* * *
3880 -
عن جابرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِن امرئٍ مُسْلِم يَخْذُلُ امرَأً مسلمًا في موضعٍ تُنْتَهَك فيه حُرمَتُهُ، ويُنتَقَصُ فيه مِن عِرضهِ، إلا خَذَلَهُ الله تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فيهِ نصرتهُ، وما من امرئٍ مُسْلِم ينصُرُ مُسلِمًا في مَوْضعٍ يُنتَقَصُ مِن عِرضهِ، ويُنتَهكُ فيه مِن حُرمَتِه إلا نصَره الله في مَوْطِنٍ يُحِبّ نُصرَتَه".
"عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلمًا"؛ أي: يترك نصره ولا يمنع من اغتيابه.
"في موضع يُنتهك فيه حرمته" وانتهاكُها تناولُها بما لا يَحلُّ.
"ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله تعالى في موضع يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته".
* * *
3881 -
وقال: "مَن رَأَى عَوْرَةً فستَرها كانَ كمَن أحيا مَوْؤُدَةً".
"وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى عورة" وهي ما يكره الإنسان ظهوره؛ أي: من رأى عيبًا، أو أمرًا قبيحًا في مسلم.
"فسترها كان كمن أحيا موؤدة"؛ أي: المدفونة حية بأن أخرجها من القبر كيلا تموت، وجه التشبيه: أن من اطُّلع على عيبه وقبيحه قد يختار الموت على اطِّلاع الغير عليه لما يلحقه من الخجالة؛ فإذا ستر عليه فقد دفع عنه تلك الخجالة التي هي عنده بمثابة الموت فكأنه أحياه.
"صحيح".
* * *
3886 -
عن أبي هريرة قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم مِرآةُ أخيهِ، فإنْ رَأى به أَذى فَلْيُمِطْ عنه"، ضعيف.
وفي رِواية: "المُؤْمِنُ مِرآةُ المُؤمِنِ، والمُؤْمِن أخو المؤمنِ، يَكُفُّ عنهُ ضَيْعتَهُ، ويَحُوطُه مِن وَرائِهِ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليُمِطْ"؛ أي: فليُبْعِد ذلك الأذى "عنه" وليشتغل بإصلاح حاله بأيِّ طريق أمكنه، وليعلم نفسه كنفسه.
"ضعيف".
"وفي رواية: المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكفُّ"؛ أي: يمنع "عنه ضيعته"؛ أي: تَلَفه وخسرانه؛ أي: ليدفع عنه ما فيه عليه ضرر.
وقيل: ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه من حرفة أو تجارة أو غلة، والمعنى: يجمع عليه معيشته ويضمها إليه.
"ويحوطه"؛ أي: يحفظه "من ورائه"؛ أي: في غيبته نَفْساً ومالاً وعِرضاً بأن لا يسكت إذا اغتيب عنده.
3882 -
وقال: "مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِن مُنافِقٍ بعثَ الله لهُ مَلَكًا يحمي لَحْمَهُ يومَ القِيامةِ مِن نارِ جَهَنَّمَ، ومَن رمَى مُسْلِمًا بشَيءٍ يُريدُ شَيْنَه بهِ حَبَسَه الله على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتى يخرُجَ ممَّا قَالَ".
"وعن معاذ وأنس رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حمى مؤمنًا من منافق بعث الله ملكة يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلمًا"؛ أي: قذفه "بشيء يريد شَيْنَه به حبسه الله على جسر جهنم"؛ أي: على الصراط.
"حتى يخرج مما قال"؛ أي: حتى ينقَّى من ذنبه ذلك بإرضاء خصمه، أو بتعذيبه بقَدْر ذنبه.
* * *
3883 -
عن عائِشَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أنزِلُوا النّاسَ مَنازِلَهم".
"عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزلوا الناس منازلهم"؛ أي: أكرموا كل شخص على حسب فضله وقَدْرِ عمله، ولا يجوز للإمام أن يسوِّي بين الخادم ومخدومه ولا بين سيد القوم وقومه.
3884 -
وقالَ: "المَجالسُ بالأمانِة إلا ثلاثةَ مَجالسٍ: سَفْكُ دمٍ حَرامٍ، أو فَرجٌ حَرامٌ، أو اقتِطاعُ مالٍ بغيرِ حَقٍّ".
"قال: المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق".
* * *
3885 -
وقال: "إنَّ مِن أَعظَم الأمانةِ عندَ الله يومَ القيامةِ: الرَّجُلَ يُفضي إلى امرأَتِه وتُفضي إليهِ ثُمَّ يَنشُرُ سِرَّها".
"وقال: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمَّ ينشر سرها".
* * *
3887 -
عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الأصحابِ عندَ الله خيرُهم لصاحبهِ، وخيرُ الجيرانِ عندَ الله خيرُهم لجارِه، غريب.
"عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".
"غريب".
* * *
3888 -
عن ابن مَسْعودٍ قال: قال رَجُل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: كيفَ لي أنْ أَعْلَمَ إذا أحسنتُ أو إذا أسَأتُ؟ فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا سَمِعتَ جيرانَك يقولونَ: قد أحسَنْتَ؛ فقد أحسَنْتَ، وإذا سَمِعتَهم يقولونَ: قد أسأتَ؛ فقد أَسَأتَ".
"عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ "؛ أي: كيف أعلم أني محسن أو مسيء؟.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت" قيل: أراد بهذا أن المحسن مَن سَلِمَ الناسُ من يده ولسانه، والمسيء عكسه.