الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ
" باب الحذر والتأني في الأمور"، وهو ضد العجلة.
مِنَ الصِّحَاحِ:
3929 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُلْدَغُ المُؤمنُ مِن جُحْرٍ واحدٍ مرَّتينِ".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن" - بصيغة النفي - "من جحر واحد مرتين" معناه لا ينبغي للمؤمن الحازم المتيقِّظ أن يخدع مما تَضَرَّرَ به مرة بعد أخرى، قاله صلى الله عليه وسلم لمَّا أَسر أبو غزة الشاعر يوم بدر فمنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعاهده على أن لا يهجو المؤمنين، فأطلقه ثم رجع إلى الهجو والإيذاء، فلما أُسر يوم أحد طلب المنَّ مرة ثانية، فقال:(لا يلدغ المؤمن) الحديث، وأمر بضرب عنقه.
ويروى بصيغة النهي، معناه: لا يُخدعنَّ المؤمن ولا يُؤتينَّ من ناحية الغفلة فيقع في مكروه وشر؛ أي: لا يُفْعلْ به هذا الفعل مرتين.
* * *
3930 -
وقال لأِشَجِّ عبدِ القَيْسِ: "إنَّ فيكَ لخَصْلَتينِ يُحِبُّهما الله: الحِلْمُ والأَناةُ".
"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس" بالإضافة، وكان رئيسَ عبد القيس وهي قبيلة، وفي بعض النسخ بفتح (أشج) على أنه غير منصرِفٍ، فيكون (عبد القيس) بدلًا منه على حذف المضاف؛ أي: رئيس عبد القيس.
"إن فيك لخلصتين يحبهما الله: الحلم" وهو بكسر الحاء: تأخير مكأفاة
الظالم، والمراد به هنا عدمُ استعجاله وتراخيه حتى ينظر في مصالحه.
"والأناة" على وزن القناة، وهو التثبُّت والوقار، والمراد به جودةُ نظره في العواقب.
* * *
مِنَ الحِسَان:
3931 -
عن سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعديِّ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الأَناةُ مِن الله، والعَجَلَةُ من الشَّيطانِ"، غريب.
"من الحسان":
" عن سهل بن سعد الساعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأناةُ من الله تعالى والعجلةُ من الشيطان"، "غريب".
* * *
3932 -
عن أبي سعيدٍ قال: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا حليمَ إلا ذو عَثرةٍ، ولا حَكيمَ إلا ذو تَجربةٍ"، غريب.
"عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حليم إلا ذو عثرة"؛ أي: زلةٍ؛ يعني: لا حليم كاملًا إلا مَن وقع في زلةٍ وحصل منه الخطأ والاستخجال [فعُفي عنه](1) فيَعْرِفُ به رتبةَ العفو، فيحلم به عند عثرة غيره، لأنه عند ذلك يصير ثابت القدم.
"ولا حكيم إلا ذو تجربة"؛ أي: لا حكيم كاملًا إلا مَن جرَّب الأمور وعلم المصالح والمفاسد، فانه لا يفعل فعلًا إلا عن حكمة، إذ الحكمة: إحكام
(1) ما بين معكوفتين من "مرقاة المفاتيح"(9/ 255).
الشيء وإصلاحه من الخلل.
"غريب".
* * *
3933 -
عن أنسٍ: أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِني، فقالَ:"خُذِ الأَمرَ بالتَّدبيرِ، فإنْ رأيتَ في عاقبتِه خَيْرًا فأَمْضهِ، وإنْ خِفْتَ غَيًّا فأَمْسِكْ".
"عن أنس: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال: خذ الأمر بالتدبير"؛ أي: التفكُّر في مصالحه ومفاسده، والنظر في عاقبته.
"فإن رأيت في عاقبته خيرًا فأمضه"؛ أي: فافعله.
"وإن خفت غيًا"؛ أي: ضلالًا وخسارًا "فأمسك"؛ أي: فاتركه.
* * *
3934 -
عن مُصْعَبِ بن سَعْدٍ، عن أبيهِ - قالَ الأَعْمَشُ: لا أعلَمُه إلا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "التُّؤَدَةُ في كلِّ شَيءٍ خيرٌ إلا في عَمَلِ الآخِرةِ".
"عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال الأعمش: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم "؛ يعني: أنه مرفوع إليه صلى الله عليه وسلم.
"قال: التؤدة" بضم التاء وفتح الهمزة؛ أي: التأني.
"في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة" قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133].
* * *
3935 -
عن عبدِ الله بن سَرْجَسَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "السَّمْتُ الحَسَنُ
والتؤَدَةُ والاقتصادُ، جزءٌ مِن أربعةٍ وعشرينَ جزأً مِن النبوةِ".
"عن عبد الله بن سَرْجِس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السمتُ الحسن"؛ أي: السيرةُ المَرْضيَّةُ وحسنُ الهيئة في الدين.
"والتؤدة والاقتصاد" وهو سلوك القصد؛ أي: الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط في الأمور، والدخول فيها برفق.
"جزء من أربع وعشرين جزءًا من النبوة"؛ يعني: إن هذه الخصال من خصال الأنبياء فاقتدوا بهم فيها.
* * *
3936 -
وعن ابن عبَّاسٍ: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الهَدْيَ الصَّالحَ، والسَّمْتَ الصَّالحَ، والاقتِصادَ، جُزْءٌ مِن خَمْسةٍ وعِشرينَ جُزْءًا مِن النُّبوَّةِ".
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الهديَ الصالح" هديُ الرجل: حاله ومذهبه.
"والسمت الصالح والاقتصاد جزءٌ من خمس وعشرين جزءًا من النبوة" والتقدير بأربع وعشرين في الحديث الأول وبخمس وعشرين في الحديث الثاني مما لا يهتدى إليه إلا بنور النبوة، ومن حق (الأربع) و (الخمس) إلحاقُ تاء التأنيث بهما، ولعل التغيير وقع من بعض الرواة.
* * *
3937 -
وعن جابرِ بن عبدِ الله، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا حَدَّثَ الرَّجلُ بالحديثِ ثُمَّ التفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ".
"وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه
قال: إذا حدَّث الرجلُ بالحديث، ثم التفتَ"؛ أي: غابَ عنك.
"فهي أمانة" ضمير (هي): للحكاية؛ لأن الحديثَ بمعنى الحكاية؛ أي: صار حديثُه عندَك أمانة في عنقك، يَحرُم عليك إضاعتُها؛ أي: إفشاؤُها.
* * *
3938 -
عن أبي هُريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لأبي الهَيْثَم بن التَّيهانِ: "هلْ لكَ خَادِمٌ؟ " قال: لا، فقالَ:"فإذا أتَانَا سَبْيٌ فائتنا"، فأُتِيَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم برَأسَينِ، فأتاهُ أبو الهَيْثمِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اختَرْ مِنْهُما"، فقالَ: يا نبَيَّ الله! اختَرْ لي، فقالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ المُسْتَشارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هذا فإنِّي رأيتُه يُصلي، واستَوْصِ بهِ مَعْروفًا".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي الهيثم بن التيهان" - بكسر التاء وفتحها وتشديد الياء -: "هل لك خادم؟ قال: لا، فقال: إذا أتانا سَبْيٌ فائتِنا، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسينِ"؛ أي: غلامَينِ.
"فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اختَرْ منهما، فقال: يا نبيَّ الله! اختَرْ لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المستشار": اسم مفعول من (استشارَه): إذا طلبَ رأيَه فيما فيه المصلحةُ من الأمور.
"مُؤتَمَن"؛ أي: ينبغي أن يكونَ أمينًا، فيجب عليه أن يُخبرَ المستشيرَ بما هو المصلحةُ.
"خُذْ هذا؛ فإني رأيتُه يصلي، واستَوصِ به معروفًا"؛ أي: اقبَلْ وصيتي فيه بالمعروف، وقيل: معناه: لا تأمرْه إلا بالمعروف وانصَحْ له.
* * *
3939 -
وقال: "المَجالِسُ بالأَمانةِ إلا ثلاثةَ مَجالسٍ: سَفْكُ دَمٍ حَرامٍ، أو فَرْجٌ حَرامٌ، أو اقتطاعُ مالٍ بغَيرِ حَقٍّ".
"وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المجالس بالأمانة"؛ يعني: ينبغي للمؤمن إذا رأى أهلَ مجلسٍ على مُنكَرٍ ألَّا يُشيعَ بما رأى منهم.
"إلا ثلاثةَ مجالس: سفكُ دمٍ حرامٍ"، بأن قال واحد من أهل ذلك المجلس: إني أريد قتلَ فلان.
"أو فرجٌ حرامٌ"، بأن قال: أريد الزِّنا بفلانةَ.
"أو اقتطاعُ مالٍ بغيرِ حقٍّ"، بأن قال: أريد أخذَ مالِ فلانٍ؛ فإنه لا يجوز للمستمعين حفظُ هذا السِّر؛ لأنه فسادٌ كبيرٌ، وإخفاؤُه إضرارٌ عظيمٌ.
* * *
3940 -
وقال: "إنَّ مِن أعظَمِ الأَمانةِ عندَ الله تعالى يومَ القِيامةِ: الرَّجُلُ يُفْضي إلى امرأتِهِ وتُفضي إليه ثم يُفشي سِرَّها".
"وعن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الأمانة": بحذف المضاف؛ أي: أعظمِ خيانةِ الأمانةِ.
"عند الله تعالى يومَ القيامة الرجلَ"؛ أي: خيانةَ الرجلِ.
"يُفضي إلى امرأته"؛ أي: يصلُ إليها استمتاعًا.
"وتُفضي إليه، ثم يُفشِي سرَّها": بأن يتكلم ما جرى بينه وبينها قولًا وفعلًا، قيل: تحريم إفشاء هذا السرِّ إذا لم يترتب عليه فائدةٌ، أما إذا ترتَّب بأن تدَّعي عليه العجزَ عن الجِمَاع، أو إعراضَه عنها، أو نحو ذلك فلا كراهةَ في ذِكرِه.
* * *