المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - باب البكاء والخوف - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌7 - باب البكاء والخوف

روي: أنه قيل للحسن البصري: إن الناس أشاروا إليك بالأصابع؟ فقال: لا يعني النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك؛ وإنما عَنَى به المُبتدِعَ في دِينه، الفاسقَ في دنياه.

* * *

‌7 - باب البكاء والخوف

(باب البكاء والخوف)

مِنَ الصِّحَاحِ:

4109 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "والذي نَفْسي بيدِه، لوْ تَعْلَمونَ ما أعلمُ لبَكَيْتُمْ كثيرًا، ولضحِكْتُمْ قَليلًا".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لو تعلمون ما أعلم"؛ أي: من شدة العذاب وغضب الله وصفة النار.

"لَبكيتُم كثيرًا" من خشية الله.

"ولَضحكتم قليلًا"؛ فإن قيل: الخطاب إن كان للمؤمنين خاصة فليس ثمةَ ما يوجب تقليلَ الضحك وتكثيرَ البكاء؛ لأن المؤمنَ وإن دخل النارَ عاقبتُه الجنة لا محالَة مخلَّدًا فيها، فكان مدةُ ما يوجب البكاءَ بالنسبة إلى ما يوجب الضحكَ والسرورَ نسبةَ شيءٍ يسيرٍ إلى ما لا يتناهى، وذلك يوجب العكسَ، وإن كان عامًا فليس للكافر ما يوجب ضحكًا أصلًا؟ قلنا: الخطاب للمؤمنين، وخرج في مقام ترجيح الخوف على الرجاء إخافةً على الخاتمة.

* * *

ص: 449

4110 -

وقال: "والله لا أَدْري وأنا رسولُ الله ما يُفْعَلُ بي ولا بِكُمْ".

"عن أم العلاء الأنصارية - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أدري وأنا رسولُ الله": الواو فيه للحال.

"ما يُفعَل بي ولا بكم"، (ما) هذه: للاستفهام، لا يجوز حملُ نفي الدراية على تردده صلى الله عليه وسلم في مآل أمره؛ لدلالة الكتاب والسُّنة على اجتبائه تعالى إياه، بل يُحمل على نفي علم الغيب عن نفسه بالمقدور والمكنون من أمره وأمر غيره، وكان هذا القولُ منه صلى الله عليه وسلم حينَ قالت امرأ في حقِّ عثمان بن مظعون لمَّا تُوفي: هنيئًا لك الجنة؛ زجرًا لها على سوء الأدب بالحكم على الغيب، وقيل: كان قبل نزول: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2].

قال الحسن البصري: معناه: لا أدري أموتُ أم أُقتل؟ ولا أدري ما يُفعل بكم مثلَ ما فُعل بالأمم المكذِّبة من رمي الحجارة من السماء والخَسف ومسخ الصُوَر أم لا؟

* * *

4111 -

وقال: "عُرِضَتْ عليَّ النَّارُ، فَرَأَيتُ فيها امرَأةً منْ بني إسرائيلَ تُعذَّبُ في هِرَّةٍ لها، رَبَطَتْها فلم تُطْعِمْها، ولم تَدعْها تأكُلُ مِنْ خَشاشِ الأَرْضِ حتَّى ماتتْ جُوْعًا، ورأيتُ عَمْرَو بن عامِرٍ الخُزَاعِيِّ يجُرُّ قُصْبَهُ في النَّارِ، وكانَ أوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوائِبَ".

"وعن جابر وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرضت عليَّ النارُ، فرأيت فيها امرأةً من بني إسرائيل تعذَّب في هِرَّة لها، ربطتْها فلم تطعمْها، ولم تَدَعْها تكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعًا": تقدم بيانه في فصل الصدقة.

ص: 450

"ورأيت عمرو بن عامر الخزاير يجرُّ قُصْبَه"بالضم ثم السكون؛ أي: أمعاءَه.

"في النار، وكان"؛ أي: عمرو بن عامر "أولَ مَن سيَّب السوائبَ"؛ أي وضعَ تحريم السوائب، جمع: سائبة، وهي الناقة التي يُسيبها الرجل عند برئه من المرض أو قدومه من السفر، فيقول: ناقتي سائبة، فلا تُمنع من المرعى ولا تُردَّ عن حوضٍ ولا علفٍ، ولا يُحمل عليها، ولا تُركَب، ولا تُحلَب، فكان ذلك تقرُّبا منهم إلى أصنامهم، وقيل: هي الناقة التي وَلدت عشرَ إناث على التوالي، وكانوا يسيبون العبيد فيقولون للعبيد هي سائبة، فيَعتِق، ولا يكون ولاؤه لمُعتِقِه، ويضع مالَه إذا لم يكن له وارثٌ حيث شاء.

* * *

4112 -

عن زينَبَ بنتِ جَحْشٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عليها يَوْمًا فَزِعًا يقولُ: "لا إله إلا الله، وَيْلٌ للعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قدِ اقتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ منْ رَدْمِ يَأْجوجَ ومَأْجوجَ مِثْلُ هذهِ"، وحَلَّقَ بإِصبعَيْه، الإبهامِ والتي تَلِيها، قالتْ زينبُ: فقلتُ: يا رسولَ الله! أَفَنَهْلِكُ وفِينا الصَّالِحونَ؟ قال: "نعمْ، إذا كثُرَ الخَبَثُ".

"وعن زينب بنت جحش - رضي الله تعالى عنها -: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومًا فَزِعًا، يقول: لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب، من شرٍّ قد اقترب"؛ أي: قد قَرُبَ خروج جيش يقاتل العربَ.

"فُتِحَ اليومَ من رَدْمِ"؛ أي: سدِّ.

"يأجوج ومأجوج" الذي بناه ذو القرنين، وهما طائفتان كافرتان من التُّرك.

"مثلُ هذه، وحلَّق بإصبعيه الإبهام والتي تليها"؛ أي؛ جعلَهما حلقةً،

ص: 451

والمراد: أنه لم يكن في ذلك الردم ثقبةٌ إلى اليوم، وقد انفتحت فيه، وانفتاحها من علامات يوم القيامة، فإذا اتسعت خرجوا، وذلك بعد خروج الدجال، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

"قالت زينب: فقلت: يا رسولَ الله! أفنَهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ": مصدر: خَبُثَ يَخْبُثُ، والمراد به: الفسق والفجور.

* * *

4113 -

وقال: "لَيَكُونَنَّ في أُمَّتي أَقوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَريرَ والخَمْرَ والمَعازِفَ، ولَيَنْزِلَنَّ أَقوامٌ إلى جَنبِ عَلَمٍ يَروحُ عليهمْ بسارِحَةٍ لهُمْ، يأتيهمْ رَجُلٌ لحاجةٍ فيقولون: ارجِعْ إلينا غدًا، فيُبيتُهمْ الله، ويَضَعُ العَلَمَ، وَيمسَخُ آخرينَ قِردَةً وخنازيرَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ".

"عن أبي عامر الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَيكونَنَّ في أمتي أقوامٌ يستحلُّون الحِرَ": قيل: وهو مخفف الحِرْح، وهو الفَرْج؛ أي: يستحلُّون الفروج بالأنكحة الفاسدة أو بالزنا، زاعمين أن الرجلَ والمرأةَ إذا رضيَا حلَّ بينهما جميعُ أنواع الاستمتاعات، ويقولون: المرأة مثل البستان، فكما أن لصاحب البستان أن يبيحَ ثمرةَ بستانه لمن شاء؛ فكذلك يجوز للزوج أن يبيحَ زوجتَه لمن شاء؛ وهذا مُعتقَد الملاحدة والجوالق والقَلَندرية.

ذكر صاحب "خلاصة الفتاوى": أن الشيخ الإمام عزَّ الدين الكندي أفتى بسمرقند بقتل الملاحدة والإباحي، والخاقان إبراهيم بن محمد طَمْغَاج خان قَبلَ فتواه وقتلَهم.

"والحريرَ والخَمرَ والمعازفَ": - بفتح الميم - جمع مِعْزَف، من: العَزْف، اللعب بآلة اللهو بضرب، وقد عَزَفَ يَعزِف، كأنه أُخذ من عَزْف السحاب، وهو صوتها.

ص: 452

"ولَينزلَنَّ أقوامٌ إلى جنب عَلَمٍ؛ أي: جَبَلٍ.

"يروح عليهم": أضمر فاعله اعتمادًا على فهم السامعين، يقال: راحَ القومُ ويروحوا؛ أي: ساروا أيَّ وقتٍ كان؛ يعني: يأتيهم راعيهم كلَّ حين.

"بسارحهٍ"؛ أي بماشيةٍ "لهم": التي تَسرَح بالغداة من الغنم وغيرها ينتفعون بألبانها وأوبارها.

"يأتيهم" يومًا من الأيام "رجلٌ لحاجةٍ": يلتمس منهم قُوتًا، فيمنعونه.

"فيقولون له: ارجعْ إلينا غدًا" لنعطيَك.

"فيبيتهم الله"؛ أي: يرسلُ عليهم العذابَ أو الهلاكَ بَيَاتًا.

"ويضع العَلَمَ"؛ أي: الجبلَ على بعضهم حتى يهلكوا، فلم يُرَ منهم أثر.

"ويمسخ آخرين"؛ أي: يغير صُوَرَ بعضهم.

"قردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة"، ولم يبين في هذا الحديث مكانَهم ولا دِينَهم وإنما أفادَ أنه يكون في آخر الزمان نزولُ الفتن ومسخ الصور في هذه الأمة، كما كان في سائر الأمم.

* * *

4114 -

وقال: "إذا أَنْزَلَ الله بقَوْمٍ عَذابًا؛ أصابَ العَذابُ مَنْ كانَ فيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا على أَعْمَالِهِمْ".

"عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا أَنزلَ الله بقوم عذابًا أصاب العذابُ مَن كان فيهم" من الصالح والظالم والطالح؛ يعني: يصيب الصالحَ ما أصاب الطالحَ بشؤمه.

"ثم بُعثوا" يومَ القيامة "على أعمالهم": يُبعث الصالحُ على أعماله الصالحة فيفوز، والفاجرُ على معصيته فيعذَّب.

* * *

ص: 453

4115 -

وقال: "يُبعَثُ كُلُّ عَبْدٍ على ما ماتَ عليهِ".

"وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يُبعث كلُّ عبدٍ"؛ أي: يُحشَر يومَ القيامة "على ما مات عليه" من العمل.

* * *

مِنَ الحِسَان:

4116 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما رَأَيتُ مِثْلَ النَّارِ نامَ هارِيُها، ولا مِثْلَ الجنَّةِ نامَ طالِبُهَا".

"من الحسان":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتُ مثلَ النار"؛ أي: شدةً وهولًا.

"نامَ هاربُها"؛ أي: صار غافلًا عنها؛ يعني: ينبغي للهارب من عذاب النار أن يفرَّ عن المعاصي والمناهي كلَّ الفرار؛ ليمكنَه الخلاصُ من أليم الجحيم.

"ولا مثلَ الجنة"؛ أي: بهجةً وسرورًا.

"نام طالبُها"؛ يعني: ينبغي لطالبها أن يجدَّ كل الجدِّ في الإتيان بالأوامر، طالبا بذلك الامتثالَ لحضرة ذي الجلال؛ ليمكنَه الوصولُ إلى النعيم المقيم.

* * *

4117 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَلِجُ النَّارَ مَن بَكَى مِنْ خَشيةِ الله حتَّى يَعودَ اللَّبن في الضَّرْعِ".

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يَلِجُ النارَ"؛ أي: لا يدخلُها.

ص: 454

"مَن بَكَى من خشية الله تعالى": هذا أرجى للعصاة التائبين الباكين من خشية الله.

"حتى يعودَ اللَّبن في الضرع": وذلك من التعليقات المستحيلة.

* * *

4118 -

وعن أبي ذَرٍّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي أرَى ما لا تَرَوْنَ، وأَسْمَعُ ما لا تَسْمَعونَ، أَطَّتِ السَّماء، وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، والذي نفسي بيدِه، ما فيها مَوْضعُ أَرْبَعِ أَصابعَ إلَّا ومَلَكٌ واضعٌ جَبْهَتَهُ ساجِدًا لله، والله لو تَعلمونَ ما أعلمُ لضَحِكتُمْ قليلًا ولَبكَيْتُمْ كثيرًا، وما تلذَّذْتُمْ بالنِّساءِ على الفُرُشاتِ، ولَخَرَجْتُمْ إلى الصُّعُداتِ تَجْأرونَ إلى الله"، قالَ أبو ذَرٍّ: يا لَيْتني كنتُ شَجَرةً تُعْضَدُ.

"وعن أبي ذَرِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إني أرى ما لا تَرَون، وأسمع ما لا تسمعون؛ أَطَّتِ السماءُ"؛ أي: صاحتْ وأنَّتْ من كثرة ما فيها من الملائكة، وفي "الصحاح ": الأطيط: صوت الرجل والإبل من ثقل أحمالها. وهذا مَثَلٌ وإيذانٌ بكثرتهم فيها، وتقريرُ عظمته تعالى وإن لم يكن ثَمَّ أطيطٌ.

"وحُقَّ" على بناء المجهول؛ أي: ينبغي.

"لها أن تئطَّ"؛ أي: تصيحَ وتئنَّ.

"والذي نفسي بيده! ما فيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَه ساجدًا لله تعالى"، قيل: إن لها أطيطًا وخريرًا متناسبًا، منه أُخذت الألحان والتناسبات الموسيقية، وقيل: أطيطها من خشية الله تعالى، فإذا كانت تخشى من الله مع أنها جمادٌ وموضعُ عبادةِ الملائكة؛ فإن الإنسانَ أَولى بأن يخشى، مع أنه ملَّوثٌ بالذنوب، وقيل: أطيطها من ازدحام الملائكة فيها في السجود.

ص: 455

"والله لو تعلمون ما أعلم لَضحكتُم قليلًا ولَبكيتُم كثيرًا، وما تلذَّذتُم بالنساء على الفُرُشات": جمع فُرُش - بضمتين -، وهو جمع: فِراش.

"ولَخرجتم إلى الصُّعُدات" بضمتين، وهو جمع: صعيد، كـ (طريق وطُرُق وطُرُقات)، وقيل: جمع: صُعْدَة كـ (ظُلْمة وظُلمات)، وهي فِناءُ الدار وممرُّ الناس بين يدَيك؛ يعني: ولَخرجتُم من منازلكم إلى البراري والصحاري.

"تجأرون"؛ أي: تتضرَّعون "إلى الله"، رافعين أصواتكم بالدعاء فعل الوجل من نزول البلاء.

"قال أبو ذَرٍّ: يا ليتَني كنتُ شجرةً تُعضَد"؛ أي: تُقطَع؛ يعني يا ليتَني كنتُ بريئًا من الذنوب لم أُحشَر يومَ القيامة، كالشجرة التي تُعضَد، ولم أعذَّب، وهذا القولُ منه من غاية خشية الله تعالى، ظاهره يدل على أنه من كلام أبي ذَرٍّ، وقيل: هو من كلامه صلى الله عليه وسلم.

* * *

4119 -

عن أبي هُريرَةَ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ أدْلَجَ، ومَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، ألا إنَّ سِلْعَةَ الله غاليةٌ، ألا إنَّ سِلْعَةَ الله الجنَّةُ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن خافَ"؛ أي: مِن عدوٍّ.

"أَدْلَجَ"؛ أي: هربَ في أول الليل؛ لأن العدوَّ يُغِيرُ في آخره.

"ومَن أَدْلَجَ بَلَغَ المنزلَ" يريد: مَن خاف الله فَلْيهربْ من المعاصي إلى الطاعات.

"ألا": حرف تنبيه.

"إن سلعةَ الله"؛ أي: متاعه "غاليةٌ"؛ أي: رفيعةُ القيمة، لا يَليق بثمنها

ص: 456

إلا النفسُ والمالُ.

"ألا إن سلعةَ الله الجنةُ".

* * *

4120 -

عن أنسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يقولُ الله جلَّ ذِكرهُ: أخرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكرني يَوْمًا، أو خافَني في مَقامٍ".

"عن أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: يقول الله عز وجل: أَخرِجوا مِن النار مَن ذكرَني يومًا": وهذا بشرط أن يكون مؤمنًا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو نبي آخر من الأنبياء قبلَ نسخ دِينه.

"أو خافَني في مقام"؛ أي: من ارتكاب معصية من المعاصي، كما قال الله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].

* * *

4121 -

وعن عائشَةَ رضي الله عنها قالت: سألتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنْ هذهِ الآيةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُم الذينَ يَشْرَبونَ الخَمْرَ وَيسرِقونَ؟ قال: "لا يا ابنةَ الصِّدِّيقِ! ولكنَّهُم الذينَ يَصومونَ ويُصَلُّونَ ويتَصَدَّقونَ، وهُمْ يَخافونَ أنْ لا يُقبَلَ منهُمْ، أولئِكَ الذينَ يُسارِعونَ في الخَيْراتِ".

"عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} "؛ أي: يعملون ما عملوا.

{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} ؛ أي: خائفة.

"أهم الذين يشربون الخَمرَ ويسرقون؟ قال: لا يا ابنة الصدِّيق، ولكنهم الذين يصومون ويصلُّون ويتصدَّقون، وهم يخافون أن لا يُقبَلَ منهم، أولئك

ص: 457

الذين {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} : وهذا يدل أن مقامَ الخوف أفضلُ من مقام الرجاء، وبه قال بعضهم.

* * *

4122 -

عن أُبيِّ بن كعْبٍ قال: كانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذَهَبَ ثُلُثا اللَّيلِ قامَ فقالَ: "يا أيُّها النَّاسُ! اذْكُروا الله، اذكُروا الله، جاءتِ الرَّاجِفَةُ، تتبَعُها الرَّادِفةُ، جاءَ المَوْتُ بما فيه، جاءَ المَوْتُ بما فيه".

"عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناسُ! ": أراد بها: المشركين.

"اذكروا الله، اذكروا الله، جاءتِ الراجفةُ"؛ أي الزلزلة، وهي النفخة الأولى التي يموت منها الخَلقُ وتتزلزل الأرضُ عندها.

"تتبعها الرادفةُ": وهي النفخة الثانية التي يحيا فيها الخَلقُ.

"جاء الموتُ بما فيه"؛ أي: مع ما فيه من أهوال القبر والقيامة.

"جاء الموت بما فيه".

* * *

4123 -

عن أبي سعيدٍ قال: خرج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لِصَلاةٍ فرأَى النَّاسَ كأنَّهمْ يَكْتَشِرونَ، فقالَ:"أمَا إنَّكمْ لوْ أَكْثرتُمْ ذِكْرَ هاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشغلَكُمْ عمَّا أرَى، فأكْثِروا ذِكرَ هادِمِ اللَّذَّاتِ المَوْتِ، فإِنَّهُ لمْ يأْتِ على القَبْرِ يَوْمٌ إلَّا تكلَّمَ فيقولُ: أنا بَيْتُ الغُربةِ، وأنا بيتُ الوَحْدةِ، وأنا بيتُ التُّرابِ، وأنا بيتُ الدُّودِ، وإذا دُفِنَ العَبْدُ المُؤْمِنُ قالَ لهُ القَبْرُ: مَرْحبًا وأهلًا، أمَا إنْ كنتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي على ظَهري إليَّ، فإذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وصِرْتَ إليَّ فَسَترَى صَنيعي بكَ"، قال: "فيتَّسعُ لهُ

ص: 458

مَدَّ بَصَرِه، ويُفتَحُ لهُ بابٌ إلى الجَنَّةِ، وإذا دُفِنَ العَبْدُ الفاجِرُ أو الكافِرُ قالَ لهُ القَبْرُ: لا مَرحَبًا ولا أهلًا، أمَا إنْ كنتَ لأَبغَضُ مَنْ يَمشي على ظَهري إليَّ، فإذْ وُلِّيتُكَ اليومَ وصِرْتَ إليَّ فَسَترَى صَنيعي بكَ، قال: فيَلْتَئِمُ عليهِ حتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ"، قالَ: وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأصابعِهِ، فأَدْخَلَ بعضَها في جَوْفِ بعضٍ، قال: "ويُقيَّضُ لهُ سَبعونَ تِنِّينًا، لوْ أنَّ واحِدًا منها نَفَخَ في الأَرْضِ ما أنبتَتْ شَيئًا ما بَقيتِ الدُّنْيا، فيَنْهَشْنَهُ ويَخْدِشْنَّهُ حتى يُفْضَى بهِ إلى الحسابِ".

قال: وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما القبرُ رَوْضة منْ رِياضِ الجنَّةِ، أوْ حُفْرَةٌ منْ حُفَرِ النَّارِ".

"عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، فرأى الناسَ كأنهم يَكتَشِرُون" من: الكَشْر، ظهور الأسنان للضحك.

"قال: أما إنكم لو أكثرتُم ذكرَ هاذم اللذات لَشغلَكم عما أرى"؛ أي: من التبسم والضحك.

"الموت" مرفوع: فاعلًا لـ (شغل)، أو خبر مبتدأ محذوف، ويجوز النصب بإضمار (أعني)، والجر صفةً لـ (هاذم اللذات).

"فأكثِرُوا ذكرَ هاذمِ اللذات الموتِ"؛ يعني: اهدموا اللذاتِ بذكر الموت.

"فإنه لم يأتِ على القبر يومٌ إلا تكلَّم، فيقول: أنا بيتُ الغربة، وأنا بيتُ الوحدة، وأنا بيتُ التراب، وأنا بيتُ الدُّود، وإذا دُفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبًا وأهلًا، أما"؛ أي: اعلمْ "إنْ كنتَ": إن هذه مخفَّفة من المثقَّلة.

"لأَحبَّ": أفعل تفضيل بني للمفعول.

"مَن يمشي على ظهري إليَّ": متعلق بـ (أحب).

"فإذ وُلِّيتُك اليومَ"؛ أي: صرتُ حاكمًا قادرًا عليك.

ص: 459

"وصرت إلي"؛ أي: مقهورًا تحتَ فعلي بك.

"فسترى صنيعي بك"؛ أي: فعلي بك.

"قال: فيتسع له": أي: القبرُ.

"مَدَّ بصرِه، ويُفتَح له بابٌ إلى الجنة، وإذا دُفن العبدُ الفاجرُ أو الكافر قال له القبر: لا مرحبًا ولا أهلًا، أما إن كنتَ لأبغضَ مَن يمشي على ظهري إليَّ، فإذ وُلِّيتُيك اليومَ وصرتَ إليَّ فسترى صنيعي بك، قال: فيَلْتَئِمُ"؛ أي: ينضمُّ القبر عليه من كل جانب ويعصُره.

"حتى تختلفَ أضلاعُه"؛ أي: يدخلَ بعضُها في بعض.

"قال"؛ أي الراوي: "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه"؛ أي: أشارَ بها.

"فأدخل بعضَها في جوف بعض": تصويرًا لاختلاف الأضلاع، وفيه: إشارة إلى شدة اختلافها.

"قال"؛ أي: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ويُقيَّض له"؛ أي يُوكَّل عليه

"سبعون تنِّينًا، لو أن واحدًا منها نفخَ في الأرض ما أَنبتتْ شيئًا"، (ما) هذه: نافية.

"مما بقيت الدنيا"، (ما) هذه: مصدرية.

"فيَنهَشْنَه ويَخدِشْنَه"؛ أي: يَلدَغْنَه.

"حتى يُفضَى به"؛ أي: يُوصَل "إلى الحساب، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما القبرُ روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرةٌ من حفر النيران".

* * *

4124 -

عن أبي جُحَيْفَةَ قال: قالوا: يا رسولَ الله! قدْ شِبْتَ، قال:"شَيَّبَتْني هُوْدٌ وأخَوَاتُها".

ص: 460