المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب التوكل والصبر - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌5 - باب التوكل والصبر

العاقل الحازم المحتاط في الأمور.

"مَن دانَ نفسَه"؛ أي: أذلَّها واستعبدَها، وقيل: أي حاسبَها في الدنيا أنه عملَ خيرًا أم شرًا؟ فإن كان خيرًا حمدَ الله، وإن كان شرًّا تابَ واستغفرَ وندمَ قبل أن يُحاسَبَ في الآخرة.

"وعملَ لِمَا بعدَ الموت، والعاجزُ مَن أَتبعَ نفسَه هواها"؛ أي: أَعطَى ما أرادتْ من المحرَّمات.

"وتمنَّى على الله"؛ يعني: العفوَ والمغفرةَ والجنةَ من غير توبةٍ واستغفارٍ.

* * *

‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

" باب التوكل والصبر" والمراد بـ (التوكل): وهو التوكل الخاص، هو أن يتيقَّن أنه لا يصيبه إلا ما كَتَبَ الله له من النفع والضر.

مِنَ الصِّحَاحِ:

4088 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يدخُلُ الجَنَّةَ منْ أُمَّتي سَبعُونَ ألفًا بغيرِ حِسابٍ، هُمُ الذينَ لا يَسْتَرْقونَ، ولا يتَطيَّرونَ، وعلى ربهمْ يَتوَكَّلونَ".

"من الصحاح":

" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حسابٍ، هم الذين لا يَسْتَرْقُون"؛ أي: لا يطلبون الرقيةَ.

"ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكلون": وهذا من صفة الأنبياء والأولياء

ص: 432

المُعرِضين عن أسباب الدنيا، وهي درجة الخواصِّ، وأما العوامُّ فقد رُخِّصَ لهم الرقية والتداوي بالعلاج، كما مرَّ في بابها.

* * *

4089 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: "عُرِضَتْ عليَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمرُّ النَّبيّ ومَعَهُ الرَّجُلُ، والنَّبيُّ ومَعَهُ الرَّجُلانِ، والنَّبيُّ ومَعَهُ الرَّهْطُ، والنبيُّ وليسَ مَعَهُ أَحَدٌ، فرأَيتُ سَوادًا كثيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرجَوْتُ أنْ يكونَ أُمَّتي، فقيلَ: هذا موسَى في قومِهِ، ثُمَّ قيلَ لي: انظُرْ هكذا، فرأيتُ سَوادًا كثيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقيلَ: انظُرْ هكذا وهكذا، فرأيتُ سَوادًا كثيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقيلَ: هؤلاءِ أُمَّتُكَ، ومعَ هؤلاءَ سَبْعونَ ألفًا قُدَّامَهُمْ، يَدخُلونَ الجنَّةَ بغيرِ حِسابٍ؛ هُمُ الذينَ لا يَتَطيَّرونَ، ولا يَسْتَرْقونَ، ولا يَكْتَوُونَ، وعلَى ربهمْ يتَوكَّلونَ"، فقامَ عُكَّاشَةُ بن مِحْصَنٍ فقالَ: ادعُ الله أنْ يَجعَلَني منهُمْ، فقال:"اللهمَّ! اجْعَلْهُ منهُمْ"، ثمَّ قامَ رَجُلٌ آخرُ فقال: ادع الله أنْ يَجعلَني منهُمْ، قال:"سَبقَكَ بها عُكَّاشَةُ".

"وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: عُرضتْ عليَّ الأممُ"؛ أي: أراني الله! لأنبياءَ مع أممهم.

"فجعل"؛ أي: طفقَ.

"يمرُّ النبيُّ ومعه الرجلُ"؛ يعني: لم يؤمن به إلا رجلٌ.

"والنبيُّ ومعه الرجلان، والنبيُّ ومعه الرَّهطُ، والنبيُّ وليس معه أحدٌ، فرأيتُ سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق"؛ أي: سترَه من كثرته، "فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى في قومه، ثم قيل لي: انظر فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادًا كثيرًا سدَّ الأفقَ، فقيل: هؤلاء

ص: 433

أمتُك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا قُدَّامَهم يدخلون الجنةَ بغير حساب، هم الذين لا يتطيَّرون ولا يَسْتَرْقُون ولا يَكْتَوُون" من: الكَيِّ.

"وعلى ربهم يتوكلون، فقام عُكاشة" - بضم العين وتشديد الكاف وتخفيفها - "ابن مِحْصَن فقال: يا رسولَ الله! ادع الله أن يجعلَني منهم، فقال: اللهم اجعلْه منهم، ثم قام رجل آخر"، قيل: هو سعد بن عبادة.

"فقال: يا رسولَ الله! ادع الله أن يجعلَني منهم، فقال سَبَقَك بها"؛ أي بتلك الدعوة والمسألة "عُكاشةُ"؛ لأنه لم يُؤذَن له في ذلك المجلس بالدعاء إلا لواحد.

وفيه: تحريض للناس على المسارعة إلى الخيرات وطلب الأدعية الصالحة من الصالحين والصالحات؛ لأن في التأخير آفاتٍ، وقيل: كان ذلك الرجلُ منافقًا ولم يكن مستحقًا لتلك المنزلة، فأجابه صلى الله عليه وسلم بكلامٍ محتمل، ولم يُرِدِ التصريحَ له بأنك لستَ منهم؛ لحسن خُلقه.

* * *

4090 -

عن صُهَيْبٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمنِ، إِنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ له خيرٌ، وليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلَّا للمُؤْمنِ، إنْ أصابتْهُ سرَّاءُ شَكَرَ فكانَ خيرًا لهُ، وإنْ أصابتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فكانَ خَيْرًا لهُ".

"عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبًا لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابتْه سَرَّاء شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضَرَّاءُ صبر فكان خيرًا له".

* * *

4091 -

وقال: "المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إلى الله مِنَ المُؤْمنِ

ص: 434

الضَّعيفِ، وفي كُلٍّ خيرٌ، اِحْرِصْ على ما ينفعُكَ، واستَعِنْ بالله ولا تَعْجزْ، وإنْ أصابَكَ شيءٌ فلا تَقُلْ: لَوْ أنِّي فَعَلْتُ كذا كانَ كذا وكذا، ولكنْ قُلْ: قَدَّرَ الله وما شاءَ فَعَلَ، فإنَّ لوْ تفتحُ عَمَلَ الشَّيطانِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنُ القويُّ"؛ أي: في الاعتقاد بالله وفي التوكل عليه، وقيل: أراد به: مَن صبر على مجالسة الناس وتحمُّل أذاهم وعلَّمهم الخيرَ.

"خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف": الذي يفرُّ من الناس ولا يخالطهم؛ لعدم تحمُّل أذاهم، ولا ينفع إلا نفسَه.

"وفي كلٍّ خيرٌ"؛ أي: في كلُّ مؤمنٍ خيرٌ؛ لقيام الإيمان به، وقيل: أي: في كل أمرٍ من الاختلاط بالناس والاعتزال عنهم خيرٌ من وجهٍ، إلا أن الاختلاطَ معهم أَولى.

"احرصْ على ما ينفعُك، واستعنْ بالله ولا تَعجَزْ"؛ أي: عن العمل بما أُمرت، ولا تتركْه مقتصرًا على الاستعانة، بل كمالُ الإيمان أن ينتفعَ أحدُهما بالآخر.

"وإن أصابك شيء" مما تكرهه "فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله"؛ أي: كذا وكذا؛ أي: كان ذلك بتقدير الله ومشيئته، "وما شاء الله فعل"، لا مَردَّ له، ومعناه: لا تُنازِعِ القَدَرَ ولا تتأسَّفْ على الفائت.

"فإن لو"؛ أي لفظة (لو)"تفتح عملَ الشيطان"؛ أي: تقع فاتحةَ كلامٍ يفضي إلى عمل الشيطان؛ لأن التكذيبَ بالقَدَر وعدمَ الرضا بصنع الله من عمل الشيطان، قيل: النهي عن تلفظ (لو) إنما هو لمن قاله معتقدًا ذلك حتمًا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في قلب الحج إلى العمرة: "لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم

ص: 435

أَسُقِ الهَدْيَ" فليس من هذا القبيل، وإنما هو كلامٌ قَصدَ به تطييبَ قلوبهم، وتحريضَهم على التحلُّل من أعمال الحج إلى أعمال العمرة، كما مرَّ في بابه.

* * *

مِنَ الحِسَان:

4092 -

عن عمرَ بن الخَطَّاب رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لوْ أنَّكمْ تتوكَّلونَ على الله حَقَّ توكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كما يَرْزُقُ الطَّيرَ، تَغْدو خِماصًا، وتَرُوحُ بِطانًا".

"من الحسان":

" عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّلهِ"؛ يعني: لو اعتمدتم على الله اعتمادًا تامًا، وعلمتُم أن الله لا يُخلِف وعدَه فيما قال:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].

"لَرَزقَكم"؛ أي: لَوصَّلَ إليكم رزقَكم من غير سعي منكم.

"كما يَرزُق الطيرَ؛ تغدو"؛ أي: بُكرة. "خِماصًا" بكسر الخاء المعجمة: جمع خميص، وهو الضامر، والمراد هنا: الجائع.

"وتَرُوحُ"؛ أي: عِشاءً "بِطَانًا" بكسر الباء: جمع بطين، وهو عظيم البطن، والمراد: الشِّبَع، يُحكى: أن فرخَ الغراب عند خروجه من بيضته يكون أبيضَ اللون، فيُنكره الغراب، فيتركه ويذهب، ويبقى الفرخُ جائعًا، فيُرسل الله إليه الذبابَ والنملَ، فيلتقطهما إلى أن يَكبرَ قليلًا ويسودَّ، فيرجع إليه الغراب، فيراه أسودَ، فيضمُّه إلى نفسه ويتعهَّده، فهذا يَصِلُ إليه رزقُه بلا سعي، وهو المراد في الحديث.

قيل: هذا الحديث ليس لمنع الناس عن الاكتساب

ص: 436

والاحتراف، بل لتعليمهم وتعريفهم أن الرازقَ هو الله تعالى.

قال الشيخ أبو حامد: مَن ظنَّ أن التوكلَ تركُ الكسب بالبدن والتدبير بالقلب فقد أخطَأ؛ فإنه حرامٌ في الشرع.

وقال الإمام القُشيري: محلُّ التوكل القلبُ، والحركةُ بالظاهر لا تنافيه.

* * *

4093 -

عن عبدِ الله بن مَسْعودٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّها النَّاسُ! ليسَ مِنْ شيءٍ يُقرِّبُكُمْ إلى الجَنَّةِ ويُباعِدُكُمْ مِنَ النارِ إلَّا قدْ أَمَرْتُكُمْ بهِ، وليسَ شيءٌ يُقرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ ويُباعِدُكُم مِنَ الجنَّةِ إلَّا قدْ نَهيتُكُمْ عنهُ، وإنَّ الرُّوحَ الأَمينَ - ويُروى: وإنَّ رُوحَ القُدُسِ - نَفَثَ في رُوْعِي: أنَّ نَفْسًا لنْ تموتَ حتَّى تَستكمِلَ رِزْقَها، ألا فاتَّقُوا الله وأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحمِلَنَّكُمُ استِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ تَطلُبوهُ بمَعاصِي الله، فإنَّهُ لا يُدرَكُ ما عِندَ الله إلَّا بطاعتِهِ".

"عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناسُ! ليس من شيء"، (من): زائدة.

"يقرِّبكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا قد أمرتُكم به، وليس شيءٌ يقرِّبكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا قد نَهيتُكم عنه، وإن الروحَ الأمينَ"؛ يعني: جبريل عليه الصلاة والسلام.

"ويروى: وإن رُوحَ القدسِ نفثَ"؛ أي أَوحَى أو نفخَ.

"في روعي"؛ أي في نفسي وقلبي، والغرض: أنه أَوحَى إليه وحيًا غيرَ جَلِىٍّ.

"أن نفسًا" بفتح الهمزة ويجوز الكسر؛ لأن الإيحاءَ في معنى القول.

ص: 437

"لن تموتَ حتى تستكملَ رزقَها، ألا فاتقوا الله وأَجمِلُوا في الطلب"؛ أي: اكتسبوا المالَ الحلالَ بوجهٍ جميلٍ؛ أي: شرعي.

"ولا يَحمِلَنَّكم استبطاءُ الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله"، إنما قال: "استبطاء الرزق) دون إبطائه؛ لأن الرزقَ لا يُـ[ـستـ]ـبطأ عن وقته، ولكن يُستعجل قبل وقته المقدَّر، فإذا لم يأتِ قبل ذلك الوقت استُبطِئ.

"فإنه": الضمير للمشار.

"لا يُدرَك ما عند الله، من الجنة التي وعدَها الله تعالى للمؤمنين، أو من الرزق "إلا بطاعته".

فإن قلت: قد يُدرَك الرزق بالمعاصي؟

قلت: ما يُدرَك به لا بركةَ فيه، فكأن إدراكَه كعدمه، أو أُريد بالإدراك: الطلب؛ لأنه لازمُه، أو المراد به: الرزق الحلال.

* * *

4094 -

عن أبي ذَرٍّ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الزَّهادَةُ في الدُّنْيا ليستْ بتَحْريم الحَلالِ، ولا إِضَاعَةِ المالِ، ولكنِ الزَّهادَةُ في الدُّنْيا أنْ لا تكونَ بما في يَديْكَ أوْثَقَ مِمَّا في يَدَي الله، وأنْ تكونَ في ثَوابِ المُصيبَةِ إذا أَنْتَ أُصِبْتَ بها أرْغَبَ فيها لوْ أنَّها أُبقِيَتْ لكَ"، غريب.

"عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزَّهادةُ في الدنيا"؛ أي: تركُ الرغبة فيها.

"ليست بتحريم الحلال"؛ أي: بأن تحرِّم حلالًا على نفسك بألا تأكلَ لحمًا، ولا تَلبَسَ ثوبًا جديدًا؛ فإن الله تعالى قال:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87].

ص: 438

"ولا إضاعة المال، ولكن الزَّهادةَ في الدنيا أن لا تكونَ بما في يدَيك أوثقَ مما في يد الله"؛ يعني: ليكنِ اعتمادُك بوعد الله من إيصال الرزق إليك أقوى وأشدَّ مما في يدك من المال؛ فإن ما في يدك منه يمكن تلفُه، وما عند الله باقٍ.

"وأن تكونَ في ثواب المصيبة إذا أنت أُصبتَ" بضم الهمزة: مجهول المخاطَب.

"بها"؛ أي: بالمصيبة.

"أرغبَ فيها لو أنها أُبقيت لك"؛ أي لو أن تلك المصيبةَ مُنعت وأُخِّرت عنك، وهو حال من فاعل (أرغب)، المعنى: أن تكون في وصول المصيبة وقتَ إصابتها أرغبَ من نفسك في المصيبة حالَ كونك غيرَ مصابٍ بها؛ لأنك لا تُثاب بوصولها إليك، ويفوتك الثوابُ إذا لم تَصِلْ إليك.

"غريب".

* * *

4095 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: "كُنْتُ خَلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فقال: يا غلامُ! احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احفَظِ الله تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذا سَأَلْتَ فاسأَلِ الله، وإذا استَعَنْتَ فاستَعِنْ بالله، واعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتَمَعَتْ على أنْ يَنفَعُوكَ بشيءٍ لمْ يَنفعوكَ إلا بشَيْءٍ قدْ كتبَهُ الله لك، ولو اجتمَعُوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ لمْ يَضرُّوكَ إلا بشَيْءٍ قدْ كتبَهُ الله عليكَ، رُفِعَتْ الأَقْلامُ، وجَفَّتْ الصُّحُفُ".

"عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: يا غلامُ: احفظِ الله"؛ أي: احفظْ حدودَ الله، وامتثلْ أوامَره، واجتنبْ نواهيَه.

"يحفظْك": في الدنيا من الآفات والمكروهات، وفي الآخرة من العقاب والدركات.

ص: 439

"احفظِ الله تجدْه تجاهَك"؛ أي: تلقاءَك؛ يعني: إذا حفظتَ طاعةَ الله وجدتَه يحفظك وينصرك في مهماتك أينما توجهت من الأمور، ويسهِّل أمورَك التي تقصدها.

"إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلم أن الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ"؛ أي: أقلامُ التقدير عن كتابة الأقدار والأقضية.

"وجفَّت الصُّحف": التي دُؤنَ فيها أقضية المخلوقين، فلا توضَع عليها الأقلامُ بعدُ بتدوين شيء آخر، وعبَّر عن سبقِ القضاء والقَدَر برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيهًا بفراغ الكاتب في الشاهد من كتابته.

* * *

4096 -

عن سَعْدٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ سَعادةِ ابن آدمَ رِضاهُ بما قَضَى الله لهُ، ومِنْ شَقاوَةِ ابن آدمَ تركُهُ استِخارَةَ الله، ومِنْ شَقاوَةِ ابن آدمَ سَخَطُهُ بِما قَضَى الله لهُ"، غريب.

"وعن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سعادةِ ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومِن شقاوة ابن آدم تركُه استخارةَ الله"، والاستخارة: طلب الخير، ومعنى تركه ذلك: ألا يرضى بما استخار الله له ويتركَه.

"ومِن شقاوة ابن آدم سخطُه"؛ أي: غضبه.

"بما قضى الله تبارك وتعالى" من الًافات والفقر والمرض وغير ذلك.

"غريب".

* * *

ص: 440