المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - باب الترجيل - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌4 - باب الترجيل

3407 -

عن ابن عبَّاس قال: مِن السُّنَّةِ إذا جلسَ الرَّجُلُ أنْ يخلَعَ نعلَيْهِ فيضعهما بجنبهِ.

"عن ابن عباسٍ - رضيَ الله تعالى عنهما - قال: مِن السُّنَّةِ إذا جلسَ الرجلُ أن يخلَعَ نعليه فيضعَهما بجنبه"؛ ليكون آمناً من السرقة ونحوها.

* * *

3408 -

عن ابن بُرَبدةَ، عن أبيه: أن النَّجاشي أهدَى إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خُفَّينِ أسودينِ ساذَجَيْنِ، فلبسَهما ثم توضَّأ ومسحَ عليهما.

"عن ابن بُرَيدة عن أبيه: أن النجَاشيَّ أَهْدَى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم خُفَّين أَسْوَدين ساذَجَيْنِ"؛ أي: غيرَ منقوشين.

"فَلبسَهما، ثم توضَّأَ ومسَحَ عليهما".

* * *

‌4 - باب التَّرجيل

" باب التَّرْجيل": وهو التطهيرُ والتَّزْيينُ، والتَّرْجِيلُ: تسريحُ الشَّعْر بالمِشْط؛ أي: استعمالُه فيه.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3409 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أُرَجِّلُ رأسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائِض.

"من الصحاح":

" عن عائشةَ قالت: كنتُ أُرَجِّلُ شعرَ رسولِ الله صلى الله تعالى عليه

ص: 50

وسلَّم وأنا حائِضٌ"، وفيه دليلٌ على جوازِ المخالَطَة مع الحُيَّض.

* * *

3410 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الفِطْرةُ خمسٌ: الختانُ، والاستِحدادُ، وقَصُّ الشَّاربِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الآباطِ".

"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - أنه قالَ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الفِطْرة"؛ أي: السُّنةُ "خَمس: الخِتانُ"، قال الحسن: أنه للرجال سُنَّة، وعند أكثَر: أنه واجبٌ، وشدَّدَ فيه ابن عباس فقال: الأَقْلَف لا تُقْبَلُ شهادتُه وصلاتُه وذبيحتُه، وكان أبو العباس بن شُرَيح يقول: سترُ العورةِ واجبٌ وفاقاً، فلولا وجوبُ الخِتانِ لم يَجُزْ كشفُه له، فجوازُ الكشفِ له دليلُ وجوبهِ.

"والاستحدادُ"؛ أي: حَلْقُ العانة.

"وقصُّ الشارب، وتقليمُ الأظفار، ونتفُ الآباط"، جمع الإبط، والتوفيقُ بينَه وبين حديثِ عائشةَ:"عشرةٌ من الفِطْرة" أنه أشارَ في هذا الحديثِ إلى مُعْظَمِها.

* * *

3411 -

وقال: "خالِفُوا المُشركينَ: أَوفِروا اللِّحَى، وأَحفُوا الشَّواربَ".

ويُروَى: "أَنهِكوا الشَواربَ، وأَعفُوا اللحىَ".

"وقال النبي صلى الله عليه وسلم خالِفُوا المُشْرِكين": فإنهم يقُصُّون اللّحَى ويتركُون الشواربَ حتى يطولَ.

"وأَوْفرُوا اللّحَى"، بضم اللام: جمع اللِّحْية، والتوفيرُ بعدَمِ القَطْع وبتخلِيحهِا وافرة؛ أي: تامة.

ص: 51

"وأَحْفُوا الشَّوَارب"، بقطع الهمزة والوصل أيضًا؛ أي: بالِغُوا في أَخْذِها حتى يُلْزِقُوا الجَزَّ بالشفة، والأصلُ في الإحفاء: الاستقصاءُ.

"ورُوِي: انهكُوا الشَّوارب"؛ أي: بالِغُوا في قَصِّها.

"وأعْفُوا اللحى": مِن: عفا النبتُ والشعر؛ أي: كَثُرَ.

* * *

3412 -

وقال أنسٌ رضي الله عنه: وُقِّتَ لنا في قصِّ الشَّاربِ، وتقليم الأظفارِ؛ ونتفِ الإبْطِ، وحَلْقِ العانةِ، أنْ لا نتَرُكَ أكثرَ مِن أربعينَ ليلةً.

"وقال أنس رضي الله عنه: وُقِّتَ لنا في قَص الشاربِ، وتقليم الأظفار، ونتفِ الإبط، وحَلْقِ العانة، أن لا نتركَ أكثرَ من أربعين ليلة"، وقد جاءَ في بعض الروايات عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذُ أظفارَه وشاربَه كلَّ جمعة، ويحلِقُ العانةَ في كلّ عشرين يومًا، وينتِفُ الإبط في كلِّ أربعين يومًا.

* * *

3413 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اليهودَ والنَّصارَى لا يَصبُغُونَ فخالِفوهم".

"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى الله عليه وسلم قال -: إنَّ اليهودَ والنصارى لا يَصْبغُون"؛ أي: لحاهم وشعورَهم، وهو - بضم الباء وفتحها - لغتان.

"فخالِفُوهم"؛ أي: اصبغُوا لحاكم بالحِنَّاء ونحوِه مما ليس بسواد.

* * *

3414 -

وعن جَابرٍ رضي الله عنه قال: أُتيَ بِأبي قُحَافةَ يومَ فتح مَكَّةَ، ورأسُه

ص: 52

ولحيَتُه كالثُّغامَةِ بَيَاضًا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"غَيروا هذا بشيءٍ، واجتنِبُوا السَّوادَ".

"عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: أُتِيَ بأبي قُحَافة"؛ اسمهُ عثمانُ بن عامر.

"يومَ فَتْح مَكَّةَ ورأسُه ولحيتُه كالثغَامة"، نبتٌ في الجبل أبيضُ الزَّهْرِ والثَّمَر، تبيضُّ كأنه الثَّلْجُ، شُبهَ به الشَّيْبُ.

"بياضاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غيرُوا هذا" الشَّيْبَ.

"بشيءٍ"؛ أي: اخضبُوه بخِضَابٍ سوى السَّوَاد.

"واجتَنِبُوا السوادَ"، قيل: هذا في حقِّ غيرِ الغُزَاة، وأما مَن فعلَ ذلك مِن الغُزَاة؛ ليكون أهيبَ في عينِ العدوّ، لا للتزين فلا بأسَ به، روي: أن عثمانَ والحسنَ والحسينَ خَضَبُوا لحاهم بالسواد للمهابة.

* * *

3415 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ موافقةَ أهلِ الكتابِ فيما لم يُؤمرْ فيهِ، وكانَ أهلُ الكتابِ يَسدِلُون أشعارَهم، وكانَ المشركونَ يَفرُقون رؤوسهم فسَدَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ناصيتَه ثم فَرَقَ بعدُ.

"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبُّ موافقةَ أهلِ الكتاب"؛ أي: اليهودَ والنصارى.

"فيما لم يؤمَرْ فيه"؛ أي: فيما لم ينزِلْ عليه فيه حكمٌ بالمخالَفة لهم، قيل: فعلَه صلى الله عليه وسلم في أولَ الإسلام ائتلافاً لهم، فلمَّا أُظْهِرَ الإسلامُ على الدّين كلّه خالفَهم في أمورٍ منها صبغَ الشَّيْبَ.

استدلَّ بعضٌ بالحديث على أنه صلى الله عليه وسلم كان مأموراً باتباعِ شرائعِهم فيما لم

ص: 53

يُوحَ إليه شيء، وإنما كان هذا فيما عَلِمَ أنهم لم يبدِّلُوه.

وقيل: معناه موافقةُ أهلِ الكتاب أَولَى من موافقة المشركين الذين لا كتابَ لهم؛ لأن أهلَ الكتابِ احتملَ أن يعملوا بكتابهم، ولا كذلك المشركين.

"وكان أهلُ الكتاب يُسْدِلُون أشعارهم"، أراد به إرسالَ الشعرِ حولَ الرأسِ من غيرِ أن يقسِمَه بنصفين نصفٍ من جانب يمينه نحوَ صَدْرِه، ونصفٍ من جانبِ يساره كذلك.

"وكان المشركون يَفْرِقُون رؤوسَهم، فسدَلَ النبي صلى الله عليه وسلم ناصيتَه" حين قَدِمَ المدينةَ فرآهم يُسْدِلُون، ففعَل المُسْلِمُون كذلك.

"ثم فَرَقَ بعدَه"؛ لأن جبريلَ عليه السلام أتاه وأخبرَه بالفَرْقِ، ففَرَقَ المسلمون رؤوسَهم.

* * *

3416 -

عن نافعٍ، عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ينهي عن القَزَعِ، قيلَ لنافعٍ: ما القَزَعُ؟ قال: يُحْلَقُ بعضُ رأسِ الصَّبيِّ ويُتْرَكُ البعضُ، وأَلحقَ بعضُهم التفسيرَ بالحديثِ.

"عن نافعٍ، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن القَزَع"، بفتحتين: جمع قَزَعَة، وهي في الأصل قِطْعة من السَّحَاب.

"قيل لنافع: ما القَزَع؟ قال: يَحْلِقُ بعضَ رأسِ الصَّبيِّ ويتركَ البَعْض"، شَبَّهَ كلَّ قطعةٍ من الشعر المحلوق ما حولَه بِقطْعة سحاب، وجهُ كراهَتهِ تقبيحُ الصورةِ، وأنه من عادة الكفار.

"وألحقَ بعضُهم التفسيرَ بالحديث".

* * *

ص: 54

3417 -

ورُوِيَ عن ابن عمرَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حُلِقَ بعضُ رأسِه وتُرِكَ بعضُه، فَنَهاهُمْ عن ذلكَ وقال:"اِحلِقُوا كلَّه، أو اتُركُوا كلَّه".

"ورويَ عن ابن عمَر - رضي الله تعالى عنهما -: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حَلَقَ بعضَ رأسِه وتركَ بعضَه، فنهاهم عن ذلك وقال: احلِقُوا كلَّه أو اتركُوا كلَّه"، فيه إشار إلى أن الحَلْق في غير الحَجِّ والعمرة جائزٌ، وأن الرَّجُلَ مخيَّرٌ بين الحَلْقِ وتَرْكهِ.

* * *

3418 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: "لعنَ النبي صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثينَ مِن الرِّجالِ، والمُترجِّلاتِ من النِّساء"، وقال:"أَخرِجُوهم مِن بيوتكم".

"عن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنهما - قال: لعَن النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُخَنثِين من الرجال"، أرادَ بهم المشبَّهين بالنساء في الزِّيّ واللّباس والخِضَاب والصُّورة والتَّكَلُم والحَرَكات والسَّكَنَات، فهذا الفعل منهيٌّ؛ لأنه تغيير لخَلْقِ الله.

"والمترجِّلات من النساء"، وهن المتشبهات بالرجال زِياً وهيئةً لا رأيًا وعلماً؛ لمَا رُوِيَ: أن عائشةَ كانت رَجلَةَ الرأيِ رأيها كرأي الرجال.

"وقال: أخرجوهم من بيوتكم"، وهذا خطاب للرجال بمنعهم المخنثين من دخول بيوتهِم، فيه دليل على أنه لا يجوزُ دخولُهم على النساء.

* * *

3419 -

وعنه قال: لَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُتَشبهينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساءَ والمتشبهاتِ مِن النِّساء بالرِّجالِ.

"وعنه قال: لعنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات

ص: 55

من النساء بالرجال".

* * *

3420 -

عن ابن عمرَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَعنَ الله الواصلةَ والمُسْتَوْصلَةَ، والواشِمَةَ والمسْتَوْشِمَةَ".

"عن ابن عمَر رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لعَن الله الواصلَة"، وهي المرأةُ التي توصِلُ شعرًا أجنبيًّا بشعرها.

"والمستوصِلَة"؛ أي: التي تطلُبُ هذا الفِعْل.

"والواشمِة"، وهي التي تفعَلُ الوشَمْ، وقد مرَّ معناه وبيانه.

"والمستوشمِة"؛ أي: التي تطلُبُ أن يُفْعلَ بها ذلك.

* * *

3421 -

عن عبدِ الله بن مسعودٍ قال: لعنَ الله الواشِمَاتِ والمُستَوشِماتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجاتِ للحُسْنِ المُغيراتِ خلقَ الله، فجاءتهُ امرأة فقالت: إنَّه بلغَني أنكَ لعنتَ كيتَ وكيتَ؟ فقالَ: ما لي لا ألعنُ مَن لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ومَن هو في كتابِ الله! فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحَينِ، فما وجدتُ فيهِ ما تقولُ؟ قال: لئنْ كنتِ قرأتِهِ لقد وجدْتِه، أَمَا قرأتِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه.

"عن عبد الله بن مسعود قال: لعَن الله الواشماتِ والمستوشماتِ والمتنِّمصَاتِ"، جمع المتنمّصَة وهي التي تنتِفُ شعرَ الوجهِ بالمِنْمَاص؛ وهو المِنقَاش.

"والمتفلِّجات": جمع المتفلِّجَة وهي التي تباعِدُ بين الثنايا والرَّبَاعِيات بترقيقِ الأسنان.

ص: 56

"للحُسْن"، قد تُنازِع فيه الصِّفاتُ التي قبلَه.

"المغِّيراتُ خلقَ الله"؛ أي: بالوَصْل والوَشْم ونحوِهما.

"فجاءَتْه"؛ أي: ابن مسعود.

"امرأة فقالت: إنه بلغَني أنكَ لَعَنْتَ كيتَ وكيتَ"؛ يعني الواشمات والمستوشمات. . . إلخ.

"فقال: ما لي لا ألعَنُ مَن لعَن رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم"؛ أي: لعَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء.

"ومَن هو في كتاب الله فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللَّوحين"، أرادتْ بهما جِلْدَ أولِ المصحَفِ وآخرَه؛ يعني: قرأتُ جميعَ القرآن.

"فما وجدتُ فيه ما تقولُ، قال: لئن قرأْتيه لقد وجدتيه"، الياء فيهما زائدة حصلَتْ من إشباعِ كسرة التاء.

"أما قرأتَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؟ قالت: بلى، فإنه قد نهى عنه"؛ يعني: إذا كان العِبادُ مأمورِين بانتهاءِ ما نهاهم الرسول وقد نهاهم صلى الله عليه وسلم عن الأشياءِ المذكورة في هذا الحديث وغيرِه، فكان جميعُ منهيَّات الرسولِ صلى الله عليه وسلم منهيًا مذكورًا في القرآن.

* * *

3422 -

عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العَينُ حَقٌّ"، ونهَى عن الوَشْم.

"عن أبي هريرةَ - رضيَ الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله: العينُ"؛ أي: إصابتُها.

"حقٌّ"؛ اي: لها تأثير مَقْضيٌّ به في الأنفس والأموالِ في الوضع الإلهي

ص: 57

لا شبهةَ فيه.

"ونهى عن الوشم"، لعل اقترانَ النَّهْيِ عن الوشْمِ بإصابة العَيْن رَدّ لزعمِ الواشِم أنه يردُّ العين.

* * *

3422/ -م - وقال: "لا تَشِمْنَ وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ".

"وقال: لا تشِمُوا ولا تستوشِمُوا".

* * *

3423 -

وقال ابن عمرَ: لقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم مُلَبداً.

"وقال ابن عمرَ: لقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم مُلَبداً" بكسر الباء؛ والتلبيدَ إلصاقُ شعرِ الرأسِ بعضَه ببعض بأن يجعَلَ فيه صَمْغاً ليدفعَ القَمْل، ولئلاً يتفرَّقَ شعرُ الرأسِ، وفيه بيانُ جوازِ التَّلْبيد في غير الإحرام.

* * *

3424 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يتزعفرَ الرَّجلُ.

"عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يتزعْفَرَ الرجلُ"؛ أي: يستعمِلَ الزعفرانَ في ثوبه وبدنِه؛ لأنه عادةُ النساءِ، أما القليلُ منه فيجوزُ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكِرْه لمَّا رآه ببعضِ الصحابة.

* * *

3425 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أُطَيبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأطيبِ ما نجدُ، حتى أجدَ وبيصَ الطّيبِ في رأسِه ولحيتِه.

ص: 58

"عن عائشة - رضَي الله تعالى عنها - قالت: كنت أطيبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأطيبِ ما نجدُ حتى أجدَ وبيصَ الطيبِ"؛ أي: بريقَه ولمعانَه "في رأسِه ولحيتهِ".

قيل: التوفيقُ بين هذا الحديث وبين قولهِ: "طِيبُ الرجالِ ما ظهرتْ ريحُه وخَفِيَ لونُه" أن يقال: كلُّ طِيب له لونٌ وفيه تشبُّهٌ بالنساء من حيث أنَّ لونَه للتزيين والجَمال كالصفرةِ والحمرةِ فهو حرامٌ على الرجالِ، وما لا فلا، كالمِسْك والعَنْبَر والكافور.

قال بعضُهم: ليس في هذا التوفيقِ توفيق لمكان الوَبيص، ويمكن أن يقال: المرادُ من ظهورِ اللونِ ما كان لَوْناً ناشئاً من نفسِ الطيب كالزعفران مثلاً، وهنا جازَ أن يكونَ الوبيصُ لمخالطتهن.

* * *

3426 -

وقالَ نافعٌ: كانَ ابن عمرَ إذا استجمرَ استجمرَ بأُلُوَّةٍ غيرِ مُطَرَّاة، وبكَافُورٍ يطرحُه مع الأُلُوَّةِ ثم قال: هكذا كان يَستجمِرُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

"وقال نافعٌ: كان ابن عمَر إذا استَجْمَرَ"؛ أي: تبخَّرَ وتعطَّر بالمِجمَرَة.

"اسَتْجَمَر بألوَّةٍ" بفتح الهمزة وضمها أيضاً وضم اللام وتشديد الواو: العودُ الذي يُتبخَّر به.

"غيرِ مُطَرَّاة"؛ أي: غير مربَّاة ولا مطيَّبة بكافور أو عنبر ونحوِه مما يزيدُ في رائحته.

"وبكافورٍ يطرحُه": صفة كافور.

"مع الأُلوَّة، ثم قال: هكذا كان يستَجْمِرُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ".

* * *

ص: 59

مِنَ الحِسَان:

3427 -

عن ابن عبَّاس قال: كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُصّ - أو يأخذُ - مِن شاربه وكانَ إبراهيمُ خليلُ الرَّحمن يفعلُه.

"من الحسان":

" عن ابن عبَّاس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصُّ أو يأخذُ"، شك من الراوي.

"مِن شاربهِ، وكان إبراهيمُ خليلُ الرحمن يفعلُه".

* * *

3428 -

عن زيدِ بن أرقمَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لم يأخذْ مِن شاربه فليس منا".

"عن زيدِ بن أرقمَ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم قال: مَنْ لم يأخذْ من شاربهِ فليس منا"، وهذا تهديدٌ لمن تركَ هذه السّنَّة.

* * *

3429 -

عن عبدِ الله بن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يأخذُ أظفارَه وشارِبَه كل جمعةٍ.

"وروي نحوُه عن عبد الله: أنَّ رسولَ الله كانَ يأخذُ أظفارَه وشارَبه كلَّ جمعة".

* * *

3431 -

عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يأخذُ مِن لِحيتِه، مِن عرضها وطولها. غريب.

ص: 60

"عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جده: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يأخذُ من لحيتِه من عَرْضها وطولهِا"، فتسوية شعر اللّحْية سنّة، وهي أن يَقُصَّ كل شعرةٍ أطولَ من غيرها لتَسْتَوِيَ جميعاً.

"غريب".

* * *

3432 -

عن يَعْلَى بن مُرَّةَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى عليهِ خَلُوقاً فقال: "ألكَ امرأة؟ " قال: لا، قال:"فاغسِلْه، ثم اغسِلْه، ثم اغْسِلْهُ، ثم لا تَعُدْ".

"عن يَعْلَى بن مُرَّة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى عليه خَلُوقاً"، نوعٌ من الطّيبِ فيه الصُّفْرة.

"فقال: ألك امرأة"؛ أي: إن كان لك امرأة أصابَكَ الخَلُوقُ من بدنهِا، أو ثوبهِا فأنت معذورٌ.

"قال: لا قال: فاغسِلْه، ثم اغسِلْه، ثم اغسِلْه، ثم لا تَعُدْ"؛ أي: لا ترجِعْ إلى استعمالِه؛ فإنه لا يَليقُ بالرجال.

* * *

3433 -

عن أبي موسى قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبلُ الله صلاةَ رجل في جَسَدِه شيء مِن خَلُوق".

"عن أبي موسى قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يَقْبَلُ الله صلاةَ رجلٍ"؛ أي: لا كمالَ لصلاة رجلٍ "في جَسَدِه شيء من خَلُوق"، وهذا وعيدٌ وَزْجرٌ عن استعمال الخَلُوق.

* * *

ص: 61

3434 -

عن عمَّارِ بن ياسرٍ قال: قدِمْتُ على أهلي وقد تَشَقَّقتْ يَدَاي فخَلَّقوني بزعفرانَ، فغدوْتُ على النبي صلى الله عليه وسلم فسلَّمتُ عليهِ فلم يردَّ عليّ، وقال:"اذهبْ فاغسلْ هذا عنك".

"عن عمارِ بن ياسرٍ قال: قدمتُ على أهلي، وقد تشقَّقَتْ يداي، فخلَّقُوني بزَعْفَران"؛ أي: جعلُوه في شقوقِ يديّ للمداواة.

"فغدوتُ على النبي صلى الله عليه وسلم "؛ أي: جئتُه وقتَ الغداة.

"فسلَّمْتُ عليه، فلم يرد عليَّ وقال: اذهب فاغسِلْ هذا عنك".

* * *

3435 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "طِيبُ الرجالِ ما ظهرَ ريحه وخَفِيَ لونُه، وطِيبُ النِّساء ما ظهرَ لونُه وخفيَ ريحه".

"وعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: طِيْبُ الرجالِ ما ظهرَ ريحه وخَفِيَ لونُه، وطِيْبُ النّساء ما ظهرَ لونُه وخَفِيَ ريحه".

* * *

3436 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ يتطيَّبُ منها.

"عن أنس رضي الله عنه قال: كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم سُكَّة"، بضم السين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة: نوعٌ من الطّيبِ عربي، وقيل: السُّكُّ معجون من أنواع الطّيْبِ، والسُّكَّة قطعة منها.

"يتطيبُ منها".

* * *

3437 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ دَهْنَ رأسِه وتسريحَ

ص: 62

لحيتِه، ويُكثِرُ القِناعَ، كأنَّ ثوبَه ثوبُ زيَّاتٍ.

"وعنه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكِثرُ دَهْنَ رأسهِ"، بفتح الدال.

"وتسريَح لحِيتهِ، ويُكثِرُ القِناع"؛ أي: يكثر اتخاذَ القِنَاع، وهو الخِرْقَة التي تُجْعَلُ على الرأسِ لحفظِ العِمَامَة عِند التَّدْهِين من الدُّهْن.

"وكأنَّ ثوبَه ثوبُ زيّات": لحِرْصِه على التَّدْهين.

* * *

3438 -

عن أمِّ هانئٍ قالت: قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علينا بمكَّةَ قَدْمةً ولهُ أربعُ غَدَائر.

"عن أم هانئ قالت: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم علينا مكةَ قَدْمةً"، وهي مرة من القُدُوم.

"وله أربعُ غدائرَ"؛ جمع غديرة: وهي الضَّفِيرة والذؤَابة.

* * *

3439 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: كنتُ إذا فَرقتُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم رأسَه صَدَعْتُ فرقَهُ عن يَافُوخِهِ، وأرسلتُ ناصيتَهُ بينَ عينيهِ.

"وقالت عائشةُ: كنتُ إذا فَرَقْتُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم رأسَه"؛ أي: إذا قَسَمْتُ شعرَ رأسِه قِسْمين أحدُهما من جانبِ يمينهِ، والآخر من جانب يَسارِهِ.

"صَدَعْتُ"؛ أي: شَقَقْتُ.

"فَرْقَه"، بالفتحات: هو الخطُّ الظاهرُ بين شعرِ الرأسِ إذا قُسِمَ نصفين وهو بياضُ بَشَرَةِ الرأس.

"عن يافوخِه"، وهو مؤخرُ الرأسِ مما يلي القَفَاء، يعني كان أحدُ طَرَفي

ص: 63

ذلك الخَطِّ عند اليافُوخِ والآخرُ عند جبهته.

"وأرسلْتُ ناصيتَه"؛ أي: شعرَ ناصيتِه.

"بين عينيه"، بحيث يقعُ نِصْفَ شعرِ ناصيتهِ من جانبِ يمينه، والآخرُ من جانب يساره.

* * *

3440 -

عن عبدِ الله بن مُغَفَّل قال: نهىَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن التَّرجُّلِ إلا غِبًّا.

"عن عبد الله ابن مغفَّل قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الترجُّل"؛ أي: التمشُّط.

"إلا غِبًّا"، وهو أن يَفْعلَ يوماً ويتركَ يوماً، والمرادُ هنا النهيُ عن دوام تسريحِ الشعر وتدهينه؛ لأنه مبالغة في التزيين والتَّنْعِيم إلا حيناً بعد حين.

* * *

3441 -

قال رجلٌ لفُضالةَ بن عُبَيْد: ما لي أراكَ شَعِثاً؟ قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ ينهانَا عن كثيرٍ مِن الإِرْفَاهِ، قال: ما لي لا أَرَى عليكَ حِذَاءً؟ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرنا أنْ نَحتَفِي أحياناً.

"قال رجلٌ لفُضالَة بن عُبيد: ما لي أراك شَعِثاً؟ "؛ أي: متفرّقَ الشعر.

"قال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثيرٍ من الإِرْفاه"، بكسر الهمزة على المصدر معناه: الترجُّل والتَّدْهِين كلَّ يوم، مأخوذ مِن: رَفَهَتِ الإبل ترفُه رُفُوهاً ورَفَهاً وردتِ الماءَ كلَّ يومٍ متى شاءت، ومنه الرفاهية، وهي الخَفْضُ والدَّعَة، وفي معناه مظاهرةُ اللباس على اللباس، والطعامِ على الطعام، كعادة الأعاجم، فإنَّ كثرةَ التنعُّم تجعلُ النَّفْسَ متكبرةً غافلةً، ولأنَّ اعتيادَ ذلك قد

ص: 64

يضُرُّ؛ لأنه ربما حدَثَ به فقرٌ وسوءُ عيشٍ فيشُقُّ عليه.

"قال"؛ أي: الرجلُ لفُضَالةَ:

"ما لي لا أرى عليك حِذاءً؟؛ أي: نعلًا، وإنما قال عليكَ؛ لأن النعلَ لها اشتمالٌ على الرِّجْل.

"قال"؛ أي: فُضَالَة: "كان رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمَرُنا أن نَحْتَفِيَ"؛ أي: نَمْشِي حافياً "أحيانًا" تواضعًا وكَسْرًا للنفس، وليتمكَّن ذلك عند الاضطرار إليه.

* * *

3442 -

وعن أبي هريرةَ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كانَ له شعر فليُكْرِمْهُ".

"وعن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: من كان له شعر فليُكْرِمْه" بالتدهين والترجيلِ بلا مبالَغة، والتنظيفِ بالغَسْل.

* * *

3443 -

وعن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحسنَ ما غيرَ بهِ الشَّيْبُ: الحِنَّاءُ والكَتَمُ".

"عن أبي ذَرٍّ قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ أحسنَ ما غيرَ به الشيبُ الحِنَّاءُ والكَتَمُ" بفتحتين والتخفيف: نبت يخلَطُ بالوسمة، ويصبَغُ به الشعرُ؛ أي: الشَّيْبُ يُخضَبُ بالحِنَّاء تارةَ فيكون لونُه أحمرَ، وبالكَتَم أخرى فيكون لونه أخضرَ، فالمرادُ استعمالُ كل منهما مفرَدًا، إذ لو خُلِطَ الحِنَّاءُ بالكَتَم، أو خُضبَ بالحِنَّاء، ثم بالكَتَم يكونُ لونُه أسودَ، واللونُ الأسودُ منهي عنه، فالواو تكون بمعنى (أو).

ص: 65

والظاهر: أن المرادَ تفضيلُهما في تغييرِ الشيبِ بهما على غيرِهما، لا بيانُ كيفيةِ التغيير.

* * *

3444 -

عن ابن عبَّاسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "يكونُ قومٌ في آخرِ الزَّمانِ يخضبُونَ بهذا السَّوَادِ، كحَوَاصلِ الحَمَامِ، لا يَجدُون رائحةَ الجنَّةِ".

"عن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنهما -، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: يكونُ قوم في آخرِ الزمانِ يَخْضبُون"؛ أي: الشعرَ الأبيضَ "بهذا السَّوَادِ كحواصلِ الحَمَام"؛ أي: في برقه، وحوصلةُ الحَمَام معدتُه، والمرادُ هنا صدرُه، وليس جميعُ الحمائِمِ حواصِلُها سود بل بعضُها.

"لا يجدُون رائحةَ الجَئة"، يرادُ به التهديدُ والتَّشْدِيدُ.

* * *

3445 -

عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يلبَسُ النِّعالَ السِّبْتيَّة، ويُصَفّرُ لحيتَهُ بالوَرْسِ والزَّعفرانِ، وكانَ ابن عمَر رضي الله عنه يفعلُ ذلكَ.

"عن ابن عمَر - رضي الله تعالى عنهما -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يلبَسُ النِّعالَ السَّبْتيةِ"، والسَّبْتُ - بالكسر -: جلودُ البقر المدبوغة بالقرظ، وهو ورق السلم يُتَّخَذُ منها النعال، سُمّيت بها؛ لأن شعورَها قد سُبتَ عنها؛ أي: حُلِقَتْ وأُزيلتْ بالدّبَاغ.

"ويُصَفِّر لحيتَه": من التصفير؛ أي: يجعلها أصفر.

"بالوَرْس": وهو نبث أصفرُ يكونُ باليمن.

"والزَّعفرانِ، وكانَ ابن عمر يفعلُ ذلك".

* * *

ص: 66

3446 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: مرَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ قد خَضَبَ بالحِنَّاء فقال: "ما أحسنَ هذا! " قال: فمرَّ آخرُ قد خضبَ بالحِنَّاء والكَتَم، فقال:"هذا أحسنُ مِن هذا! " ثم مرَّ آخرُ قد خضبَ بالصُّفْرَةِ فقال: "هذا أحسنُ مِن هذا كلِّه".

"عن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: مرَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ قد خضبَ"؛ أي: شعَره بالحِنَّاء، فقال: ما أحسنَ هذا! قال: فمرَّ آخرُ وقد خضَبَ شعرَه"بالحِنَّاء والكَتَم، فقال: هذا أحسُن من هذا، ثم مرَّ آخرُ قد خضبَ بالصُّفْرَة، فقال: هذا أحسُن مِن هذا كلِّه".

* * *

3447 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "غَيرُوا الشَّيْبَ، ولا تَشَبَّهوا باليهودِ".

"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه تعالى عليه وسلم: غيرُوا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود"؛ أي: لا تَشَبُّهوا بهم في تَرْكِ خضابِ الشَّيْب.

* * *

3448 -

عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَنتِفُوا الشَّيْبَ فإنه نورُ المسلم، مَن شابَ شيبةً في الإسلامِ كتبَ الله لهُ بها حسنةً، وكفَّر عنه بها خطيئةً، ورفَعهُ بها درجة".

"عن عمروِ بن شُعَيب، عن أبيه، عن جَدِّه قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تَنْتِفُوا الشَّيْب"؛ أي: لا تقلَعُوه "فإنه نورُ المُسْلِم"؛ لأنه يمنُع عن الغرور، ويدْعُو إلى الإنابة إلى دارِ السُّرور، ويكسِرُ الشهواتِ، ويُميلُ

ص: 67

إلى الطاعات، وكلُّ ذلك موجِبٌ للثواب المُفْضي إلى النُّورِ في دار المآب.

"مَنْ شابَ شيبةً في الإسلام كتَب الله له بها حسنةً، وكَفَّرَ عنه بها خطيئةً، ورفَعه بها درجة"، وأولُ مَن شابَ من بني آدم كان إبراهيمُ خليلُ الله، فلمَّا رأى الشيبَ في لحيتِه، فقال: ما هذا يا ربِّ؟ فقال الله تعالى: هذا الوَقَارُ، فقال إبراهيم عليه السلام: يا ربِّ! زِدْني وقارًا.

* * *

3449 -

عن كعبِ بن مُرَّةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَن شابَ شَيْبةً في الإسلامِ، كانتْ لهُ نُوراً يومَ القيامةِ".

"عن كعب بن مرَّة: عن رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَن شابَ شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة"؛ أي: ضياءً ومُخلِّصًا عن شِدّة القيامة.

* * *

3450 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أغتسِلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن إناءٍ واحدٍ، وكانَ لهُ شعر فوقَ الجُمَّةِ ودونَ الوَفْرةِ.

"عن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها -: كنتُ أغتسِلُ أنا ورسولُ الله من إناء واحدٍ، وكان له شعر فوق الجُمَّة"، بضم الجيم وتشديد الميم: الشعرُ الذي يكونُ إلى المَنْكِب.

"ودون الوَفْرَة"، وهي - بالفتح - الشعرُ الذي إلى شَحْمةِ الأذن، واللِّمَّة دون الجُمَّةَ؛ لأنها ألمّتْ بالمَنْكِبَين، فإذا زادتْ فهي الجُمَّة، ودون الوَفْرَة، وقيل: الجُمَّة أطولُ من الوَفْرة، واللمَّة أطولُ من الجُمَّة، فعلى هذا معناه: أنه بين الجُمَّة والوَفْرَة.

* * *

ص: 68

3451 -

وقال ابن الحَنْظَلِيَّةِ - رجل مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرجلُ خُزَيْم الأَسْديُّ لَوْلَا طولُ جُمَّتِه وإسبالُ إزارِه"، فبلغَ ذلكَ خُرَيْماً فأخذَ شَفْرَة فقطعَ بها جُمَّتَه إلى أُذُنيهِ، ورفعَ إزاره إلى أنصافِ ساقَيْهِ.

"وقال ابن الحَنْظَلِيَّة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الرجلُ خُرَيم الأسديُّ لولا طولُ جُمَّتهِ"، وطولُ الشعر ليس مذموماً، ولعله صلى الله عليه وسلم رأى في هذا الرجل تبخترًا بطول جُمَّتهِ، فأرادَ تقصيرَها منه.

"وإسبالُ إزارِه"؛ أي: إطالُة ذيلهِ.

"فبلغَ ذلك خُرَيمًا، فأخذ شَفْرة"؛ أي: سِكِّيناً.

"فقطَع بها جُمَّتَه إلى أذنيه، ورفعَ إزارَه إلى أنصاف ساقيه"، وفي الحديثِ دليل على جوازِ ذِكْرِ المسلمِ أخاه الغائبِ بما فيه مكروه شرعاً إذا عَلِمَ تركَه لو سمعَه.

* * *

3452 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانت لي ذُؤابَةٌ فقالَت لي أمي: لا أَجُزُّهَا، كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمدُّها ويأخذُها.

"عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانْت لي ذُؤَابة، فقالت لي أمي: لا أَجُزُّها"؛ أي: لا أقطعُها.

"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يمدُّها ويأخذُها"؛ أي: يلعَبَ بها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينبسِطُ معه، وقيل: يمدُّها حتى يصلَ الأذن، ثم يقطعُ الزائدَ من الأُذُن.

* * *

3453 -

عن عبدِ الله بن جَعْفَرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمهلَ آلَ جعفرِ ثلاثاً، ثم

ص: 69

أَتاهم فقالَ: "لا تَبْكُوا على أخي بعدَ اليوم"، ثم قال:"ادعُوا لي بني أخي"، فجيءَ بنا كأننا أفرُجٌ، فقال:"ادْعُوا لي الحلاقَ"، فأمَرَهُ فحلقَ رؤوسنا.

"عن عبد الله بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهلَ آل جعفر" بن أبي طالب؛ أي: تركَ أهلَه بعد وفاته يبكُون عليه.

"ثلاثاً"؛ أي: ثلاثةَ أيام، وإنما ثلاثاً اعتباراً بالليالي، وهذا يدلّ على أن البكاءَ على الميت من غير نَدْب، ونياحةٍ جائزٌ ثلاثةَ أيام.

"ثم أتاهم فقال: لا تَبْكُوا على أخي بعد اليوم"، وهذا يدلّ على أن المستَحبَّ ألَّا يزادَ في البكاء على الميت والتعزيةِ فوقَ ثلاثةِ أيام، وسمَّى جعفراً الطيارَ أخا توسُّعاً؛ لأنه ابن عمِّه وأخوه في الدين.

"ثم قال: ادْعُوا لي بني أخي"، وهم عبد الله، وعوف، ومحمد.

"فجيء بنا كأننا أَفْرُخٌ": جمع الفرخ ولدُ الطير؛ أي: كُنَّا صغاراً.

"فقال: ادْعُوا لي الحَلَّاق فأمرَه فَحَلقَ رؤسَنا"، وإنما حلقَ رؤوسَهم لمَا رأى من اشتغالِ أمِّهم عن تَرْجِيل شعورِهم بما أصابهَا مِن قَتْل زوجِها في سبيل الله، فأشفقَ عليهم الوسَخَ والقَمْلَ، وهذا يدلّ على أن للوَليِّ التصرفَ في الأطفال حَلْقاً وخِتَاناً.

* * *

3454 -

عن أمِّ عطَّيةَ الأنصاريةَ: أنَّ امرأةً كانت تختِنُ بالمدينةِ، فقالَ لها النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لا تُنْهِكِي، فإنَّ ذلِكَ أَحْظَى للمرأةِ وأحبَّ إلى البعلِ".

"عن أم عطيةَ الأنصاريةِ: أن امرأةً كانت تختِنُ بالمدينةِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لها: لا تُنْهِكِي"؛ أي: لا تبالِغي في القَطْع، ولا تَسْتَقْصِي في الخِتَان.

"فإنَّ ذلك"؛ أي: عدمَ النَّهْكِ.

ص: 70

"أَحْظَى"؛ أي: أَنْفَعُ "للمرأةِ، وأحبُّ إلى البَعْل"، وهو الزوجُ، فإنه إذا بولغَ في خِتَانهِا لا تَلْتَذُّ هي ولا هو.

* * *

3455 -

ورُوِيَ: أنَّ امرأة سألت عائِشَةَ رضي الله عنها عن خِضَابِ الحِنَّاءَ؟ فقالت: لا بأسَ ولكِنِّي أكَرهُهُ، كانَ حبيبي صلى الله عليه وسلم يكرهُ ريحَهُ.

"رويَ أن امرأة سألتْ عائشةَ عن خِضَابِ الحِناء، فقالت: لا بأسَ، ولكني لا أكرَهُه، كان حبيبي"؛ أي: أرادت به النبي " صلى الله عليه وسلم يكرَهُ ريحَه".

* * *

3456 -

عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ هنداً بنتَ عتبةَ قالت: يا نبَي الله بايعْني؟ فقالَ: "لا أُبايُعكِ حتى تُغَيري كفَّيْكِ، فكأنهما كَفَّا سَبُعٍ".

"عن عائشةَ: أن هنداً بنت عُتْبةَ قالت: يا نبيَّ الله بايعني؟ فقال: لا أُبايعُكِ حتى تُغَيري كَفَّيْكِ"؛ أي: بخضابِ الحِنَّاء.

"فكأنهما كَفَّا سَبُع"، وهذا يدلُّ على شِدَّةِ استحبابِ الخِضَابِ بالحِنَّاء للنِّساء.

* * *

3457 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: أَوْمَأَتْ امرأة مِن وراء سِتْرٍ، في يدها كتابٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقبضَ النبي صلى الله عليه وسلم يدَه، فقال:"ما أَدري أيدُ رَجُلٍ؛ أَمْ يدُ امرأة؟ "، قالت: بل يدُ امرأةٍ، قال:"لو كنتِ امرأةً لغيَّرتِ أظفاركِ"؛ يعني بالحِنَّاء.

"عن عائشةَ قالتْ أومَأتِ امرأة"؛ أي؛ أشارتْ "من وراء سِتْر، بيدِها

ص: 71

كتابٌ إلى رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، متعلق بـ (أومأَت).

"فقبضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه، وقال: ما أدْرِي أيدُ رَجُلٍ أم يدُ امرأة؟، قالت: بل يدُ امرأة، قال: لو كنتِ امرأةً"؛ أي: لو كنتِ تُراعِين شِعَارَ النساء "لَغيَّرْتِ أظفارَكِ"؛ يعني بالحِنَّاء.

* * *

3458 -

عن ابن عبَّاسٍ قال: لُعِنَتْ الواصِلةُ والمُستَوْصِلَةُ، والنَّامِصةُ والمُتنمِّصةُ، والواشِمةُ والمُستَوْشمةُ، مِن غيرِ داءٍ.

"عن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنهما - قال: لُعِنَت الواصلُة والمستوصِلَةُ، والنَّامِصَةُ والمتنمِّصَةُ، والواشِمَةُ والمستوشمِةُ من غير داء"؛ أي: من غير عِلَّة؛ يعني: لو كان بها عِلَّةٌ فاحتاجتْ إلى أن تكونَ يدُها للمداواةِ جازَ.

* * *

3459 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّجلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المرأةِ، والمرأةَ تَلْبَسُ لِبسةَ الرجلِ.

"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال: لعَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يَلبَسُ لِبسةَ المرأة، والمرأةُ تلبَسُ لِبسْةَ الرجل".

* * *

3460 -

وقيلَ لعائشةَ رضي الله عنها: إنَّ امرأةً تلبَسُ النَّعلَ! قالت: لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَة مِن النِّساءِ.

"وقيل لعائشة: إن امرَأة تَلبَسُ النعلَ، قالت: لعَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ من النِّساء"، وهي التي تُشبه نفسَها بالرجال في الكلام واللِّباس.

* * *

ص: 72

3461 -

عن ثوبانَ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرَ كانَ آخرُ عهدِه بإنسانٍ مِن أهلِه فاطمةَ، وأولُ مَن يدخلُ عليها فاطمةَ، فقَدِمَ مِن غَزَاةٍ وقد عَلَّقتْ مِسْحًا أو سِتْرًا على بابها، وحَلَّتِ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ قُلْبَينِ مِن فِضَّةٍ، فقَدِمَ فلم يدخلْ، فظنَّت أنَّما منعَه أنْ يدخلَ ما رَأَى، فَهتكَتْ السِّترَ وفكَّتِ القُلْبينِ عن الصَّبيَّيْنِ وقطعَتهُ منهما، فانطلقَا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يبكيانِ، فأخذه منهما وقال:"يا ثوبانُ! اذهبْ بهذا إلى آلِ فلانٍ، إنَّ هؤلاءَ أهلي أَكرَهُ أنْ يأكلوا طيباتِهم في حياتِهم الدُّنيا، يا ثوبانُ اشترِ لفاطمةَ قِلادَةً مِن عَصَبٍ وسِوَارينِ من عاجٍ".

"عن ثوبانَ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرَ كان آخُر عهدهِ بإنسانٍ من أهله فاطمةَ، وأولُ مَن يدخلُ عليها فاطمةُ، فَقدِمَ مِن غزاةٍ"، أصله غَزَوَة، نُقِلَتْ حركةُ الواو إلى الزاي فُقِلبتْ ألفًا لعروض سكونهِا.

"وقد عَلَّقتْ"؛ أي: فاطمةُ "مِسْحًا"؛ أي: بَلاسًا، "أو سِترًا على بابها، وحلَّتْ"، أصلُه: حَلَّيَتْ، فقلبت الياءُ ألفًا وحُذِفَت؛ أي: زَيَّنَتْ "الحسنَ والحسينَ قُلْبَيْنِ": بضم القاف؛ أي: سِوارَين "من فِضَّة، فقَدِمَ"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو تأكيدٌ لـ (قَدِمَ) الأَوَّل.

"فلم يَدْخُلْ" بيتَ فاطمة.

"فظَّنتْ أَنَّما" - بفتح الهمزة - "منعَه أن يدخُلَ ما رأى"، يحتمل أن تكونَ (ما) في (أنما) كافة، وفاعل (منعه) ما رأى تقديره: ما منعَه من الدُّخُول إلا ما رآه من تعليقِ السِّتْر وتحليةِ الحَسَن والحُسَين، ويحتملُ أن تكونَ موصولةً و (منعَه) صِلَتُه، وفاعله ضمير يعود إلى (ما)، وما رأى خبر (أن)، فتقديره: أن الَّذي منعه من الدخول ما رآه، فعلى هذا تكتَبُ (ما) منفصلة.

"فَهتكَتِ السِّتْر"؛ لظنها أنَّه صلى الله عليه وسلم كرهَه للصُّورَ فيه، أو للتجَمُّل والزِّينة.

ص: 73

"وفَكَّت"؛ أي: فصَلَتِ "القُلْبَين عن الصَّبيَّين وقَطَعَتْه منهما، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكِيان فأخذَه"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم القُلْبَ.

"منهما، فقال: يا ثوبانُ! اذهبْ بهذا"، أشار به إلى دراهمَ، أو دنانيرَ أعطاها ثوبان، أو إلى القُلْبَين.

"إلى آلِ فلانٍ، إنَّ هؤلاء أَهْلِي أكرَهُ أن يأكلُوا طَيباتهِم"؛ أي: أن يَتَلَذَّذُوا بطيبِ طعامٍ ولبسٍ نفيسٍ، بل أختارُ لهم الفقرَ والرِّياضَة.

"في حياتهِم الدّنيا، يا ثوبان! اشترِ لفاطمة قلادةً من عَصْبٍ"، بفتح العين وسكون الصاد المهملتين: سِنُّ دابةٍ بحريةٍ تسمَّى فَرَسَ فِرْعَون، يُتَّخذُ منه الخَرَزُ البيضُ ونصابُ السِّكِّين وغيره، وهي لغة يمانِيَة.

"وسوارين مِن عاجٍ"، وهو عظم الفيل.

* * *

3462 -

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اكتحِلُوا بالإثمدِ فإنه يَجْلُو البَصرَ، ويُنْبتُ الشَّعرَ" وزعم: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانتْ لهُ مُكْحُلَةٌ يكتحلُ بها كلَّ ليلةٍ ثلاثةً في هذه، وثلاثةً في هذه.

"عن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: اكتحِلُوا بالإثمد": - بكسر الهمزة -، هو الحَجَرُ المعدنِي يُكتحَلُ به.

"فإنه يجلُو البَصَر"؛ أي: يزيدُ نورَ العَيْن.

"ويُنْبتُ الشَّعْر"؛ أي شعرَ أهداب العَيْن.

"وزعمَ"؛ أي: ابن عباس.

"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانت له مُكْحُلَةٌ"، بضم الميم والحاء: هي التي فيها الكُحْل.

ص: 74

"يَكْتَحِلُ بها كلَّ ليلةٍ ثلاثةً في هذه وثلاثةً في هذه"، وهذا يدلُّ على [أن] السُّنةَ في الاكتحالِ الإيتارُ في كُلِّ عين.

* * *

3463 -

وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كانَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يكتحلُ قبلَ أنْ ينامَ بالإثمدِ ثلاثًا في كلِّ عينٍ، قال: وقال: "إنَّ خيرَ ما تَدَاويتُم به اللَّدُودُ، والسَّعُوطُ، والحِجَامَةُ، والمَشِيُّ، وخيرَ ما اكتحَلْتُم بهِ الإثمدُ، فإنه يجلُو البصرَ ويُنْبتُ الشعرَ، وإنَّ خيرَ ما تَحتجمونَ فيهِ يومُ سبعَ عشرةَ، ويومُ تسعَ عشرةَ، ويومُ إحدى وعشرينَ"، وإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حيثُ عُرِجَ بهِ ما مَرَّ على ملأٍ مِن الملائكةِ إلا قالوا: عليكَ بالحِجَامةِ. غريب.

"وعنه: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكتحِلُ قبل أن ينامَ بالإثمد ثلاثًا في كل عينٍ، قال"؛ أي: ابن عباس.

"وقال"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خيرَ ما تداويتم به اللَّدُود" بفتح اللام: ما سُقيَ المريضُ في أحدِ شِقَّي فَمِه.

"والسَّعُوطُ"، بفتح السين: ما يُصَبُّ في الأنفِ من الدواء.

"والحِجامَةُ، والمَشِيُّ"، بفتح الميم، وكسر الشين المعجمة، وتشديد الياء، ويجوز ضم الميم وكسرها، وهو الدواءُ المُسْهِل، فَعِيل مِن المشيء لحملهِ شاربَه على المشيِ إلى الخَلَاء.

"وخيرُ ما اكتحلتُم به الإِثْمدُ، فإنه يجلُو البصرَ ويُنْبتُ الشَّعْر، وإنَّ خيرَ ما تحتجمُون فيه يومَ سبعَ عشرةَ، ويوم تسعَ عشرةَ، ويومَ إحدى وعشرين، وإنَّ رسول الله حيث عُرِجَ به"؛ أي: حين عُرِجَ به إلى السماء ليلةَ المعراج.

"ما مرَّ على ملإٍ"؛ أي: جماعةٍ من الملائكة.

ص: 75

"إلا قالوا: عليكَ بالحِجَامة": بكسر الحاء المهمَلَة؛ أي: الزمِ الحِجَامة، قيل: وجهُ مبالغةِ الملائكةِ فيها أن الدَّمَ أصلُ القِوى الحيوانية، فإذا نزفَ ضعفت الموادُّ السفليَّةُ وتهذيب الروح القدسية.

"غريب".

* * *

3464 -

عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى الرِّجالَ والنِّساءَ عن دخولِ الحَمَّاماتِ، ثم رخَّصَ للرِّجالِ أنْ يدخلُوا بالميازرِ.

"عن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى الرجالَ والنساءَ من دخولِ الحمَّاماتِ، ثم رخَّصَ للرجال أن يدخلُوها بالمَيازر"، بفتح الميم: جمع المئزر، وهو الإزارُ، دون النِّساء؛ لأن جميعَ أعضائِهنَّ عورةٌ وكشفها غيرُ جائزٍ إلا عند الضرورة بأن اقتضت الحاجُة إلى دخولِ الحَمَّام بأن تكونَ مريضةً فتدخل للتداوي، أو انقطعَ حَيْضُها، أو تكون جُنُبًا، والبَرْدُ شديدٌ فجازَ لها دخولُ الحَمَّام.

* * *

3465 -

عن أبي المَليح قال: قَدِمَ على عائشَةَ رضي الله عنها نِسوةٌ مِن أهلِ حمْصَ فقالت: مِن أينَ أَنتُنَّ؟ قُلْنَ: مِن الشامِ، قالت: فلعلَّكُنَّ مِن الكُورَةِ التي تدخلُ نِسَاؤها الحمَّامَاتِ؛ قُلْنَ: بلى، قالت: فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تخلعُ امرأةٌ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجِها إلا هَتكَتْ السِّترَ بينَها وبينَ ربها".

وفي روايةٍ: "في غيرِ بيتِها إلا هتكَتْ سترَها فيما بينَها وبينَ الله عز وجل.

"عن أبي المَلِيح" بفتح الميم.

ص: 76

"قال: قَدِمَ على عائشةَ نسوةٌ من أهل حِمْص"، بكسر الحاء وسكون الميم، بلدة من الشام.

"فقالت: من أين أنتنَّ؟ قلن: مِن الشام، قالت: فلعلَّكن من الكُورَة": من البلدة، أو الناحية "التي تدخلُ نساؤُها الحَمَّامات؟ قلن: بلى"، فيه دليلٌ على أن العربَ تستعملُ (إلى) في تصديقِ ما بعدَ النفيِ وغيرِه.

"قالت: فإني قد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تخلَعُ امرأةٌ ثيابهَا في غير بيتِ زوجِها إلا هتكتْ السِّتْرَ بينَها وبين ربها"؛ لأنها مأمورةٌ بالتستُّر والتحفُظ من أن يَراها أجنبيٌّ حتَّى لا يجوزَ لهنَّ أن يكشِفْنَ عورتَهنَّ في الخَلْوة أيضًا إلا عند أزواجِهَّن، فإذا كشفتْ أعضاءَها في الحَمَّام من غير ضرورة، فقد هَتَكَتِ السِّتْرَ الَّذي أمرَها الله به.

"وفي رواية: في غير بيتها إلا هتكت سترها فيما بينها وبين الله عز وجل.

* * *

3466 -

عن عبدِ الله بن عمرٍو: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستُفْتَحُ لكم أرضُ العجم، وستجدُونَ فيها بُيوتًا يقالُ لها الحمَّاماتِ، فلا يَدخُلَنَّها الرِّجالُ إلا بالأُزُرِ، وامنعُوها النِّساءَ إلا مريضةً أو نفساءَ".

"عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه -: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها"، ضمير القصة.

"ستُفْتح لكم أرضُ العَجَم، وستَجدُون فيها بيوتًا يقالُ لها الحَمَّامات"، أسندَ الوجدانَ إليهم دون الفَتْح؛ لأن الفتحَ ليس مضافًا إلى فِعْلِهم بل بتأييدٍ منه تعالى.

"فلا يدخلَنَّها الرجالُ إلا بالأُزُر"، جمع الإزار.

ص: 77