المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب الملاحم - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌2 - باب الملاحم

‌2 - باب المَلاحِمِ

(باب الملاحم)

جمع: ملحمة، وهي الواقعة العظيمة، وقيل: موضع القتال، مأخوذ من اللحم؛ لكثرة لحوم القتلى فيها، قيل: ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: نبي الملحمة؛ أي: نبي القتال.

مِنَ الصِّحَاحِ:

4169 -

عن أبي هُريرَةَ: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتانِ عَظيمَتانِ، يكونُ بينَهُما مَقْتَلَةٌ عَظيمةٌ دَعْواهُما واحِدَةٌ، وحتَّى يُبعَثَ دجَّالونَ كَذَّابونَ قَريبُ مِنْ ثلاثينَ، كلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رسولُ الله، وحتَّى يُقبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، ويتقارَبَ الزَّمانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ وهو القتْلُ، وحتَّى يَكْثُرَ فيكُمُ المالُ فيَفيضَ حتَّى يُهِمَّ رَبَّ المالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقتَهُ، وحتَّى يَعْرِضَهُ فيقولُ الذي يَعْرِضُهُ عليهِ: لا أَرَبَ لي بِهِ، وحتَّى يتَطاوَلَ النَّاسُ في البنيانِ، وحتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فيقولَ: يا ليتَني مَكانَهُ، وحتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبها، فإذا طَلعَتْ ورَآها النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فذلكَ حِيْنَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}، ولتُقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ نشَرَ الرَّجُلانِ ثَوبَهُما بينَهُما فلا يتَبايَعانِهِ ولا يَطْوِيانِهِ، ولتُقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدِ انصَرَفَ الرَّجُلُ بلَبن لِقْحَتِهِ فلا يَطْعَمُهُ، ولتُقومَنَّ السَّاعَةُ وهو يَلِيطُ حَوْضَهُ فلا يَسقي فيهِ، ولتقومَنَّ السَّاعَةُ وقدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إلى فيهِ فلا يَطعَمُها".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقتتلَ

ص: 512

فئتان عظيمتان، يكون بينهما مقتلة عظيمة"؛ أي: موضع قتال.

"دعواهما واحدة": وهي الإسلام؛ يعني: تدَّعي كلُّ واحدة من الطائفتين أنها على دين الإسلام.

"وحتى يُبعَث دجَّالون كذابون": كل كذاب دجال، يقال: دجل الحقَّ بالباطل؛ أي: غطاه به، ومنه أخذ الدجَّال، ودجله: سحره وكذبه، أو تمويهه على الناس وتلبيسه، أو ضربه في الأرض وقطعه أكثر نواحيها.

"قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل": جمع زلزلة، وهي تحريك الأرض.

"ويتقارب الزمان": قال الخطابي: يريد به زمان خروج المهدي، ووقوع الأمانة في الأرض بما يبسطه من العدل فيها.

"وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض": من فاض الماء: إذا انصبَّ عند امتلائه.

"حتى يهمَّ ربُّ المال"؛ أي: يحزنه فقدان "من يقبل صدقته": قيل: وذلك إنما يكون لانقطاع نفوس الناس عن الرغبة في المال؛ لما رأوا من أشراط الساعة.

"وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه"؛ يعني: الفقير.

"لا أربَ"؛ أي: لا حاجة. "لي فيه وحتى يتطاول الناس في البنيان"؛ أي: يفتخرون بارتفاع الأبنية.

"وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه"؛ يعني: يا ليتني كنت ميتاً حتى لا أرى الفتن.

"وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفعُ نفساً إيمانها لم تكن آمنت": قيل: الجملة صفة

ص: 513

(نفس)، والأولى أن تحمل على الاستئناف؛ لئلا يقع الفصل بين الصفة والموصوف.

"من قبل"؛ أي: قبل طلوع الشمس من مغربها؛ لأن ذلك الإيمان إيمان يأس، وهو غير مقبول.

"أو كسبت": عطف على (آمنت).

"في إيمانها خيراً": المراد من الخير: التوبة أو الإخلاص، فتنوينه للتعظيم؛ يعني: لا ينفع تلك النفس إيمانها في قبول توبتها، وهذا اقتباس من قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] الآية.

قيل: عدم قبول الإيمان والتوبة في ذلك الوقت مخصوصٌ بمن يشاهد طلوعها حتى أن من ولد بعده أو لم يشاهده يقبل كلاهما منه، والأصح أنه غير مخصوص به؛ لما جاء في الحديث الصحيح:"إن التوبة لا تزال مقبولة (1) حتى يُغلَق بابُها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أُغلِق".

"ولتقومن الساعة وقد نشر"؛ أي بسط "الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته": وهي ذات اللبن من النوق.

"فلا يطعمه"؛ أي: فلا يتمكن أن يشرب اللبن الذي حلبه.

"ولتقومن الساعة وهو يليطُ حوضه"؛ أي: يطينه، ويصلحه؛ ليسقي به إبله.

"فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أُكْلَته": بضم الهمزة؛ أي: لقمته.

(1) في "غ": "تقبل".

ص: 514

"إلى فيه، فلا يطعمها": وهذا إشارة إلى أن قيام الساعة يكون بغتة، تقوم وهم في اشتغالهم.

* * *

4170 -

وقال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وحتَّى تُقاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعيُنِ حُمْرَ الوُجوهِ ذُلْفَ الأُنوفِ، كأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ".

"وعنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواماً نعالهم الشعر"؛ أي: من جلود مشعرة غير مدبوغة، ذهب بعضهم إلى أنهم الديلم؛ لأن نعالهم الشعر.

"وحتى تقاتلوا التُّرْكَ"، قال السدي: الترك سرية من يأجوج ومأجوج، فجميع الترك منهم، وعن قتادة: أنهم كانوا اثنين وعشرين قبيلة، بنى ذو القرنين السدَّ على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت قبيلة واحدة وهم الترك، سموا التُّرك؛ لأنهم تركوا خارجين.

"صغارَ الأعين حمرَ الوجوه ذُلْفَ الأنوف": جمع الأنف، (الذُّلف) بضم الذال المعجمة وسكون اللام: جمع الأذلف كـ (حمر) و (أحمر)، وهو الذي يكون أنفه صغيراً أو يكون في طرفه غلظ.

"كأن وجوههم المجان" بفتح الميم وتشديد النون: جمع المجنُّ، وهو الترس.

"المطرَّقة" بضم الميم وفتح الراء المخففة: وهي التي ألبست طراقًا؛ أي: جلداً يغشاها، شبه وجوههم في عرضها ونتوء وجناتها بالترس الملبس طراقًا، قيل: وجد قتال هؤلاء الترك الموصوفين بالصفات المذكورة مرات، وهذه كلها

ص: 515

معجزات لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.

* * *

4171 -

وقال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا خُوزاً وكِرْمانَ مِنَ الأعاجِمِ، حُمْرَ الوُجوهِ فُطْسَ الأُنوفِ صِغارَ الأَعيُنِ، كأنَّ وُجوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ نِعالُهُمُ الشِّعَرِ".

ويُروَى: "عِراضَ الوُجُوهِ".

"وعنه قال: قال رسول الله عليه السلام: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خُوزاً": بضم الخاء.

"وكرمان" بفتح الكاف: هما بلدتان معروفتان، والمراد منهما: صنفان من الترك.

"من الأعاجم حمرَ الوجوهِ فُطْسَ الأنوف"[بضم الفاء] وسكون الطاء المهملة: جمع الأفطس، وهو: الذي تنخفض قصبة أنفه.

"صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر. ويروى: عِراض الوجوهِ".

* * *

4172 -

وقال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهودَ، فيقتُلُهُم المُسْلِمونَ حتَّى يَخْتَبئَ اليَهودِيُّ مِنْ وَراءِ الحَجَرِ والشَّجَرِ، فَيقولُ الحَجَرُ والشَّجَرُ: يا مُسْلِمُ! يا عَبْدَ الله! هذا يَهُودِيٌّ خَلفِي، فَتَعَالَ فاقتُلْهُ، إلا الغَرْقَدَ فإنَّهُ منْ شَجَرِ اليَهودِ".

"وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقاتل

ص: 516

المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئَ اليهوديُّ"؛ أي: يختفي.

"من وراء الحجر والشجر"؛ أي: خلفهما.

"فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد" بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف: ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك، وقيل: هو كبار العَوْسَج، وله ثمر يؤكل حلو أحمر، كأنه حب العقيق.

"فإنه شجر اليهود": أضيف إليهم بأدنى ملابسة.

* * *

4173 -

وقال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطانَ يَسوقُ النَّاسَ بعَصاهُ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان": اسم قبيلة باليمن، وكان هو قحطان بن هود أبو اليمن.

"يسوق الناس بعصاه"؛ أي: يصير حاكمًا عليهم، ويسوقهم كيف شاء سوقَ الراعي غنمه بعصاه. قيل: لعل ذلك الرجل القحطاني يقال له: جَهْجَاه.

* * *

4174 -

وقال: "لا تَذْهَبُ الأيَّامُ واللَّيالي حتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقالُ لهُ: الجَهْجَاهُ".

وفي رِوايةٍ: "حتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ المَوالي يُقالُ لهُ: الجَهْجَاهُ".

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الأيام والليالي"؛ أي: لا ينقطع الزمان، ولا تأتي القيامة.

ص: 517

"حتى يملكَ رجل يقال له: الجَهْجَاهُ".

"وفي رواية: حتى يملك رجل من الموالي": جمع المولى، وهو هنا: المملوك أو العتيق؛ أي: يصير حاكمًا على الناس.

"يقال له: الجهجاه".

* * *

4175 -

وقالَ: "لَيَفْتَتِحَنَّ عِصابَةٌ مِنَ المُسْلِمينَ كَنْزَ آلِ كِسرَى الذي في الأَبْيَضِ".

"وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليفتتحنَّ عصابةٌ"؛ أي: جماعة.

"من المسلمين كنزَ آل كسرى الذي في الأبيض": أراد به: أبيض المدائن، وهو قصر حصين كان لكسرى، وكانت الفرس تسميه سيد كوشك، وقيل: الأبيض المدائن، وقد أُخرِج كنزه في أيام عمر رضي الله عنه، والآن بني موضعه مسجد المدائن.

وعن بعض أهل الحديث: إن الأبيض الذي في الحديث هو الذي بهمدان المدعو بشهرستان، وهو مما بناه دارا بن دارا، والأول أكثر.

* * *

4176 -

وقالَ: "هَلَكَ كِسْرَى فَلا يكونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وقَيْصَرُ ليَهْلِكَنَّ ثمَّ لا يكونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، ولتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهُما في سبيلِ الله". وسَمَّى الحَرْبَ خُدْعَةَ.

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا هلك كسرى هذا": ماض بمعنى المستقبل؛ يعني: سيهلك كسرى، وهو اسم لمن ملك فارس.

ص: 518

"فلا يكون كسرى بعده، وقيصر": وهو اسم لمن ملك الروم.

"ليهلكنَّ، ثم لا يكون قيصر بعده"؛ يعني: سيفتح المسلمون الفرس والروم، ولا يكون ملكهما إلا للمسلمين.

"ولتُقسَمنَّ كنوزُهما في سبيل الله، وسمى"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "الحربَ خَدعةَ": بفتح الخاء المعجمة وضمها، وهذا وارد منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستطراد؛ لأن أصل الكلام كان في ذكر الفتح، وكان حديثًا مشتملاً على الحرب، فأورده بالذكر.

* * *

4177 -

وقال: "تَغْزُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ فَيَفْتَحُها الله، ثُمَّ تَغْزُونَ فارِسَ فَيَفْتَحُها الله، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُها الله، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ الله".

"عن نافع بن عقبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال": الخطاب للصحابة، والمراد به الأمة.

"فيفتحه الله"؛ أي: يجعله مغلوبًا مقهوراً.

* * *

4178 -

عن عَوْفِ بن مالِكٍ قال: أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبوكَ وهو في قُبَّةٍ مِنْ أدَمٍ فقالَ: "اُعْدُدْ سِتًّا بينَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتي، ثمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثمَّ مُوْتانٌ يَأْخُذُ فيكُمْ كقُعاصِ الغَنَمِ، ثمَّ استِفاضَةُ المالِ حتَّى يُعطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دينارٍ فَيَظَلُّ ساخِطًا، ثمَّ فِتْنَةٌ لا يَبقَى بيتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلَتْه، ثمَّ هُدْنَةٌ تكونُ بينَكُمْ وبينَ بني الأَصْفَرِ فيغْدِرونَ فيأْتُونَكُمْ تحتَ ثمانينَ غايةً، تَحْتَ كُلِّ غايةٍ اثْنا عَشَرَ ألفًا".

ص: 519

"عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: اُعدُدْ ستاً"؛ أي: ست علامات.

"بين يدي الساعة"؛ أي: قبل قيام القيامة.

"موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتانٌ" بضم الميم: هو الموت الكثير الوقوع، يريد به: الوباء في تلك الغزوة.

"يأخذُ فيكم كقُعاصِ الغنم" بضم القاف: داء يأخذ الغنم يقتلها على المكان، وقد وقع ذلك في زمان عمر رضي الله عنه في عمواس؛ قرية من قرى بيت المقدس، كان بها عسكر المسلمين، وهو أول طاعون وقع في الإسلام، مات فيه سبعون ألفًا في ثلاثة أيام.

"ثم استفاضة المال"؛ أي: كثرته.

"حتى يُعطَى الرجل": على بناء المجهول.

"مئة دينار": قيل: أي: من الزكاة.

"فيظل ساخطاً"؛ أي: يصير غضبًا؛ لاستقلاله المال.

"ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب": قيل: معناه: بيت من أمتي.

"إلا دخلته": خص العرب؛ لشرفها وقربها منه.

"ثم هدنة"؛ أي: صلح.

"تكون بينكم وبين بني الأصفر": قيل: هم الروم، وهو: الروم بن عيضور بن يعقوب بن إسحاق، كان أصفر في بياض، فسموا به، وقيل: سموا بالأصفر؛ لأنه اسم رجل أسود ملك الروم، فنكح من نسائها، فولد له أولاد في غاية الحسن، فنُسِب الروم إليه.

"فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية": وهو بالغين المعجمة والياء المثناة من تحت: العلم، ويروى بالباء الموحدة، وهو: الأجمة، شبه رماحهم بها.

ص: 520

"تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً".

* * *

4179 -

وقال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأَعْماقِ أوْ بدابقَ، فَيَخْرُجُ إليهمْ جَيْشٌ منَ المَدينةِ منْ خِيارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فإذا تَصَافُّوا قالت الرُّومُ: خَلُّوا بَيْننا وبينَ الذينَ سَبَوْا مِنَّا نُقاتِلْهُمْ، فيقولُ المُسْلِمونَ: لا والله لا نُخلِّي بينَكُمْ وبينَ إخْوانِنا، فيُقاتِلونَهُمْ، فيَنْهزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ الله عَلَيهمْ أَبَداً، ويُقْتَلُ ثُلُثٌ هُمْ أَفْضَلُ الشُّهداءِ عندَ الله، ويَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لا يُفْتَنُونَ أَبَداً، فيَفْتَتِحونَ قُسْطَنْطِينيَّةَ، فَبَيْنَما هُمْ يَقْتَسِمونَ الغَنائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيوفَهُمْ بالزَّيْتونِ إذْ صاحَ فيهِم الشَّيطانُ: إنَّ المَسِيْحَ قدْ خَلَفَكُمْ في أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وذلكَ باطِلٌ، فإذا جاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ، فَبَيْنَما هُمْ يُعِدُّونَ للقِتَالِ ويُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إذْ أُقيمَتِ الصَّلاةُ، فينزِلُ عيسَى بن مَرْيمَ فَأَمَّهُمْ، فإذا رآهُ عدُوُّ الله ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلو تَرَكَهُ لانذابَ حتَّى يَهلِكَ، ولكنْ يَقتُلُهُ الله بيدِهِ، فيُريهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم - أي: أهل الروم - بالأعماق" بفتح الهمزة وسكون العين المهملة: اسم موضع من أطراف المدينة.

"أو بدابق" بفتح الباء الموحدة: موضع سوق بالمدينة، قيل: هو في الحديث بكسر الباء، وهو شك من الراوي.

"فيخرج إليهم جيش من المدينة": قيل: المراد منها: حلب، والأعماق ودابق موضعان بقربه، وقيل: المراد منها: دمشق.

"من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين

ص: 521

الذين سبوا منا": علي بناء الفاعل، يريدون: من غزوا بلادهم من المسلمين، فسبوا ذراريهم.

"نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث"؛ أي: من جيش المسلمين.

"لا يتوب الله عليهم"؛ أي: لا يلهمهم الله التوبة، بل يصرون على الفرار "أبدًا، ويُقتلُ ثلثُهُمْ أفضلُ الشهداء عند الله": (أفضل) بالرفع: خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب حال.

"ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون": بصيغة المجهول؛ أي: لا يقع بينهم فتنة الخلف وغيره.

"أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية": وهي بلدة عظيمة من أعظم بلاد الروم.

فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون"؛ أي: بشجرة.

إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح"؛ يعني: الدجَّال.

"قد خَلَفَكم" بتخفيف اللام؛ أي: قام مقامكم.

"في أهليكم"؛ أي: في دياركم ومنازلكم.

"فيخرجون"؛ أي: جيش المسلمين من قسطنطينية.

"وذلك"؛ أي: ذلك القول من الشيطان.

"باطل": وكذب.

"فإذا جاءوا الشامَ، خرج"؛ أي: الدجَّال.

"فبينما هم يُعِدُّون": من (الإعداد) بمعنى: التهيئة.

"للقتال"؛ أي: لقتال الدجال.

"يسوون الصفوت إذ أقيمت الصلاة"؛ أي: جاء وقت إقامة المؤذن للصلاة.

ص: 522

"فينزل عيسى ابن مريم، فأمَّهم": قال الطيبي: معناه: قصد المسلمين بأخذ سنة رسولهم والاقتداء بهم، لا أن عيسى عليه السلام يؤمهم ويقتدون به، وقيل: الضمير المنصوب يعود إلى أهل الدجال ومتابعيهم؛ يعني: قصدهم بإهلاكهم.

"فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه"؛ أي: لو ترك عيسى عليه السلام الدجالَ، ولم يقتله.

"لانذابَ حتى يهلك"؛ أي: بالكلية.

"ولكن يقتله الله بيده"؛ أي: عيسى عليه السلام.

"فيريهم"؛ أي: عيسى عليه السلام المسلمين أو الكافرين.

"دمَهُ في حربته".

* * *

4180 -

عن عبدِ الله بن مَسْعودٍ قالَ: إنَّ السَّاعةَ لا تَقُومُ حتَّى لا يُقْسَمَ مِيراثٌ ولا يُفْرَحَ بغَنيمةٍ. ثمَّ قالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعونَ لأَهْلِ الشَّامِ ويَجْتَمعُ لهُمْ أَهْلُ الإسْلامِ، يعني الرُّومَ، فيتَشَرَّطُ المُسْلِمونَ شُرْطةً للمَوْتِ لا تَرْجِعُ إِلا غالِبةً، فَيقْتَتِلونَ حتَّى يَحْجُزَ بينهمُ الليلُ، فَيَفِيءُ هؤلاءِ وهؤلاءِ، كلٌّ غيرُ غالِبٍ، وتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثمَّ يتَشَرَّطُ المُسْلِمونَ شُرْطَةً للمَوْتِ لا ترجِعُ إلا غالِبةً، فيقتَتِلونَ حتَّى يُمْسُوا، فَيَفِيءُ هؤلاءَ وهؤلاءَ، كلٌّ غيرُ غالِبٍ، وتفنَى الشُّرْطَةُ، فإذا كانَ اليومُ الرَّابعُ نَهدَ إليهِمْ بَقيَّةُ أَهْلِ الإِسلامِ، فيجعلُ الله الدَّبْرَةَ عليهِمْ فَيقْتَتِلُونَ مَقْتَلةً لمْ يُرَ مِثلُها، حتَّى إنَّ الطَّائِرَ ليَمُرُّ بجنَباتِهمْ فما يُخَلِّفُهُمْ حتَّى يخِرَّ مَيْتاً، فيتَعادُّ بنو الأَبِ كانوا مِئَةً فلا يَجدونه بَقِيَ منهُمْ إلَّا الرَّجُلُ الواحِدُ، فَبأَيِّ غَنيمةٍ يُفْرَحُ؟ أو أَيُّ مِيْراثٍ يُقَسَمُ؟ فبينا هُمْ كذلكَ إذْ سَمِعُوا ببَأْسٍ هو أكبَرُ منْ ذلكَ، فجاءَهُمُ

ص: 523

الصَّريخُ أنَّ الدَّجَّالَ قدْ خَلَفَهُمْ في ذَرَارِيهِمْ فيَرفُضُونَ ما في أَيديهِمْ ويُقبلونَ، فيَبعثونَ عَشْرَةَ فوارِسَ طَليعةً، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنِّي لأَعْرِفُ أَسماءَهُم وأَسْماءَ آبائهِمْ، وألوانَ خُيولهِم هُمْ خَيرُ فَوارِسَ، أو مِنْ خيرِ فَوارسَ على ظَهرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ".

"عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله عليه وسلم: لا تقوم الساعةُ حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرَح بغنيمة، ثم قال"؛ أي النبي عليه الصلاة والسلام.

"عدو": هو اسم يقع على الواحد والجمع.

"يجمعون لأهل الشام"؛ أي: يجمعون الجيش والسلاح والخيل للقتال مع أهل الشام.

"ويجمع لهم أهل الإِسلام"؛ أي: للقتال.

"يعني: الروم": تفسير للعدو.

"فيشترَّط المسلمون شُرْطة" بضم الشين وسكون الراء: أول طائفة تشهد الوقعةَ من الجيش، سموا بها؛ لأنهم يشرطون؛ أي: يتقدَّمون، ويُعِدُّون أنفسهم للمهلكة.

"للموت"؛ أي: للحرب، واللام للعاقبة.

"لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل"؛ أي: يدخل بينهم الليل، فيتركوا القتال، والحجز: المنع.

"فيفيء"؛ أي: فيرجع.

"هؤلاء"؛ أي: المسلمون.

"وهؤلاء"؛ أي: الكفار.

ص: 524

"كلٌّ غير غالب، وتفنى الشُّرطة، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب، وتفيء الشرطة، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كلٌّ غير غالب، وتفيء الشرطة": وهنا إشكال من حيث أن الشرطة إذا فاءت غيرَ غالبة لم تفنَ؛ إذ لو فنيت لم ترجع غير غالبة، فتوجيهه أن يقال: كان مع الشرطة جمع آخر من الجيش، وهم الراجعون غير غالبين لا الشرطة، أو كان سائر المسلمين في كل يوم مع شرطة ذلك اليوم، فالراجعُ سائرهم دونها.

وقيل: معناه: شرطوا مع أنفسهم شرطًا أن لا ينهزموا عن الحرب، ولا يرجعوا عنها إلا غالبين، وهذا إنما يصح لو كان الشين من (شرطة) مفتوحة؛ أي: شرطة واحدة، وعلى هذا فناءُ الشرطة زوالها بسبب دخول الليل؛ لأن عند دخوله ترتفع الشرطة بغير اختيارهم.

"فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم"؛ أي: قام وقصد مسرعًا إلى قتالهم.

"بقيةُ أهل الإِسلام، فيجعل الله الدَّبَرَة" بفتحات؛ أي: الهزيمة.

"عليهم"؛ أي: على الكفار.

"فيقتتلون مقتلة لم يُرَ مثلها حتى إن الطائر ليمرُّ بجنباتهم"؛ أي: بنواحيهم وجوانبهم.

"فما يخلِّفهم" بكسر اللام المشددة: من خلفت فلانًا ورائي: إذا جعلته متأخِّراً عنك.

"حتى يخر"؛ أي: يسقط.

"ميتًا": من نتنهم، وفي هذا إيماءٌ إلى طول مسافة بسقوط الموتى.

ص: 525

"فيتعادُّ بنو الأبِ"؛ أي: يعد جماعة حضروا تلك الحرب كلهم أقارب.

"كانوا"؛ أي: بنو الأب "مئة، فلا يجدونه": الضمير المنصوب فيه عائد إلى (بنو الأب)؛ لأنه ليس يجمع حقيقة لفظًا بل معنى، وقيل: عائد إلى (مئة) بتأويل العدد؛ أي: فلا يجدون عدَّهم، وروي:(فلا يجدون) بدون ضمير المفعول.

"بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يُفرَح؟ أو أي ميراث يقسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس"؛ أي: بحرب.

"هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ"؛ أي: المستغيث، فعيل من (الصراخ): الصوت.

"إن الدجال قد خَلَفهم في ذراريهم"؛ أي: قعد مكانهم.

"فيرفضون"؛ أي: يتركون ويلقون.

"ما في أيديهم": من الغنيمة.

"ويقبلون فيبعثون"؛ أي: فيرسلون.

"عشرة فوارس طليعة": وهي التي تبعث؛ لتطَّلعَ على أحوال العدو كالجواسيس، وجمعها: طلائع، وهي دون السرية.

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أسمائهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس - أو: من خير فوارس - على ظهر الأرض يومئذ": شك من الراوي.

* * *

4181 -

عن أبي هُريرةَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "هل سَمِعْتُمْ بمَدينةٍ جانِبٌ منها في البَرِّ وجانِبٌ منها في البَحْرِ؟ " قالوا: نَعَمْ يا رسولَ الله، قال: "لا تَقُومُ

ص: 526

السَّاعَةُ حتَّى يغَزُوَهَا سَبْعونَ ألفًا منْ بني إسحاقَ، فإذا جَاؤُوهَا نزَلُوا فَلَمْ يُقاتِلُوا بسِلاحٍ ولمْ يَرمُوا بسَهْمٍ، قالوا: لا إلهَ إلَّا الله والله أكبَرُ، فيَسقُطُ أحدُ جانِبَيْها الذي في البَحْرِ، ثمَّ يقولون الثَّانِيَةَ: لا إلهَ إلَّا الله والله أكبَرُ، فيَسقُطُ جانِبُها الآخرُ، ثمَّ يقولون الثَّالثةَ: لا إلهَ إلَّا الله والله أكبَرُ، فيُفَرَّجُ لهُمْ، فيَدخُلونهَا فيَغْنَمُون، فبَيْنا هُمْ يَقْتَسِمُونَ المَغَانِمَ إذْ جاءَهُمُ الصَّريخُ فقالَ: إنَّ الدَّجَّالَ قدْ خَرَجَ، فيترُكُونَ كلَّ شَيْءٍ وَيرْجِعُونَ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل سمعتم بمدينة جانبٌ منها في البر، وجانبٌ منها في البحر": أراد بها: قسطنطينية.

"قالوا: نعم يا رسول الله! قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق": قيل: هم أكراد الشام؛ إذ هم من نسل إسحاق النبي عليه الصلاة والسلام، وهم مسلمون.

"فإذا جاءوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقولُ الثانية"؛ أي: في المرة الثانية: "لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقول الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرَّج لهم، فيدخلونها، فيغنمون، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخُ فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كلَّ شيء، ويرجعون".

* * *

مِنَ الحِسَان:

4182 -

عن معاذِ بن جَبَلٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عُمْرانُ بَيْتِ المَقْدِسِ خَرابُ يثرِبَ، وخَرابُ يثرِبَ خُروجُ المَلْحَمةِ، وخُروجُ المَلْحَمةِ فَتْحُ

ص: 527

قُسْطَنْطِينيَّةَ، وفَتحُ قُسْطَنْطِينيَّةَ خُروجُ الدَّجَّالِ".

"من الحسان":

" عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: عُمرانُ بيت المقدس خرابُ يثربَ"؛ يعني: يخرب بيت المقدس، ثم يعمر في آخر الزمان، فإذا عمر خرب يثرب، وهو مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآن فقد عمر بيت المقدس، عمره السلطان الملك الناصر نصر الله وجه الإِسلام، واستخرج فيه العيون، وأجرى فيه المياه، جزاه الله خيراً.

"وخراب يثرب خروج الملحمة"؛ أي: بعد خرابها تظهر حرب عظيمة، قيل: بين الشام والروم، والظاهر: أنه يكون بين التاتار وأهل الشام.

"وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية خروج الدجَّال".

* * *

4183 -

وعن مُعاذِ بن جَبَلٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"المَلْحَمَةُ العُظْمَىَ، وفَتْحُ قُسْطَنْطِينيَّةَ، وخُرُوجُ الدَّجَّالِ في سَبْعَةِ أَشْهُرٍ".

"وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الملحمة العظمى وفتح قسطنطينية وخروج الدجَّال في سبعة أشهرٍ".

* * *

4184 -

عن عَبْدِ الله بن بُسْرٍ: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينَ المَلْحَمَةِ وفَتْح المَدينةِ سِتُّ سنِينَ، ويَخرُجُ الدَّجَّالُ في السَّابعةِ" قالَ أبو داودَ: وهذا أَصَحُّ.

"وعن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

ص: 528

قال: بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج الدجال في السابعة.

قال أبو داود: هذا أصح"؛ أي: القول بسبع سنين أصح من سبعة أشهر في الحديث الذي قبل.

* * *

4185 -

وعن أبي الدَّرْداءِ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ فُسْطاطَ المُسْلِمينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالغُوطَةِ، إلى جانِبِ مَدينةٍ يُقالُ لها: دِمَشق، منْ خَيْرِ مَدائِنِ الشَّامِ".

"عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن فُسطاط المسلمين"؛ أي: خيامهم.

"يوم الملحمة بالغُوطةِ" بضم الغين المعجمة اسم بلد قريب من دمشق.

"إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق من خير مدائن الشام": وغوطة دمشق معروفة، وهي: بساتينها ومياهها حولها، سميت بها لكونها في مطمئن من الأرض؛ يعني: ينزل جيش المسلمين ويجتمعون هناك.

* * *

4186 -

وعن ابن عُمَرَ: "يُوشِكُ المُسْلِمونَ أنْ يُحاصَروا إلى المَدينَةِ حتَّى يكونَ أبعَدَ مَسالِحِهِمْ سَلاحِ" وسَلاح: قريب من خَيْبرَ.

"وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يوشك"؛ أي: يقرب.

"أن يُحاصَروا": على صيغة المجهول.

"إلى المدينة حتى يكونوا أبعد مسالحهم" بفتح الميم: جمع مسلحة، وهي كالثغر والمرقب، أي: أبعد ثغورهم التي فيها أقوام يرقبون العدو؛ لئلا

ص: 529

يطرقهم على غفلة.

"سَلاح": وهو منون في نسخة، ومبني على الكسر في أخرى، قيل: هو مبني في الحجاز، غير منصرف في بني تميم.

"وسلاح": اسم موضعًا قريب من خيبر"؛ يعني: يفر المسلمون من الكفار ويجتمعون بين المدينة وسلاح.

* * *

4187 -

عن ذي مِخْبَرٍ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ستُصالِحونَ الرُّومَ صلْحًا آمِناً، فتَغزونَ أنتمْ وهمْ عَدُوًّا منْ وَرائِكُمْ، فتُنْصَرونَ وتَغْنَمونَ وتَسْلَمونَ، ثمَّ ترجِعونَ حتَّى تَنزِلُوا بمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فيَرفَعُ رَجُل منْ أهلِ النَّصْرانيّةِ الصَّليبَ، فيقولُ: غَلَبَ الصَّليبُ، فيغضَبُ رَجُلٌ منْ المُسْلمينَ فيدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذلكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وتَجْمَعُ للملحمةِ".

وزادَ بَعْضُهم "ويثورُ المُسْلِمونَ إلى أَسْلِحَتِهِمْ تقْتَتِلونَ، فيُكرِمُ الله تِلْكَ العِصابةِ بالشَّهادَةِ".

"عن ذي مخبر" بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة: هو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، ابن أخ النجاشي الحبشي.

"قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستصالحون الروم": خطاب للمسلمين.

"صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم"؛ أي: فتقاتلون أنتم أيها المسلمون والروم معكم بعد مصالحتكم مع الروم.

"عدوًا من ورائكم"؛ أي: من خلفكم.

"فتُنصَرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج"؛ أي:

ص: 530

موضع ذي خضرة.

"ذي تلول": جمع تل، وهو الموضع المرتفع.

"فيرفع رجل من أهل النصرانية": وهم الروم.

"الصليب، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم، وتجمع"؛ أي: الروم "للملحمة".

"وزاد بعضهم"؛ أي: من الرواة: "ويثور المسلمون إلى أسلحتهم"؛ أي ينهضون ويسرعون إليها.

"فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة"؛ أي: الجماعة من المسلمين.

"بالشهادة"؛ أي: يجعلهم شهداء.

* * *

4188 -

عن عبدِ الله بن عَمْروٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"اتْرُكوا الحَبَشَةَ ما تَركوكمْ، فإنَّهُ لا يَستَخْرِجُ كَنْزَ الكعبةِ إلاّ ذُو السّويقَتَيْنِ منَ الحَبَشَةِ".

"عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتركوا الحبشةَ ما تركوكم؛ فإنه": الضمير للشأن.

"لا يستخرج كنز الكعبة": قيل: هو كنز مدفون تحت الكعبة.

"إلا ذو السّويقتين": تصغير الساق.

"من الحبشة": أراد به: حبشياً دقيق الساق.

قال الخطابي: وجه الجمع بين قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وبين هذا الحديث: أن الآية مطلقة، والحديث مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، ويجعل الحديث مخصصًا لعموم الآية، كما خص ذلك في حق المجوس فإنهم كفرة، ومع ذلك أخذ منهم الجزية لقوله عليه الصلاة

ص: 531

والسلام: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".

* * *

4189 -

عن رَجُلٍ من أصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "دَعُوا الحَبَشَةَ ما وَدَعُوكُمْ، واتْرُكُوا التّرْكَ ما تَرَكُوكُمْ".

"عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: دعوا الحبشة ما وَدَعُوكم، واتركوا الترك ما تركوكم"؛ أي: اتركوهم.

وجه تخصيص الحبشة والترك بتركِ الحرب معهم ما داموا تاركين لها: أن الحبشة بلادهم وعرة حارة جداً، بينها وبين المسلمين مفازات شديدة وقفار وبحار، فلم يكَلّفِ المسلمين دخول ديارهم؛ لكثرة التعب وعظم المشقة.

وأما الترك فبأسهم شديد، وبلادهم بعيدة أيضًا، باردة لا تخلو صيفا وشتاء من الثلوج، وجند العرب كانوا من البلاد الحارة، وأمزجتهم حارة، فلم يكلفهم أيضًا دخول بلاد غير ملائمة لطباعهم، وأما إذا دخلوا بلاد الإِسلام قهراً؛ فلا يباح لأحد ترك المقاتلة معهم.

* * *

4190 -

عن بُرَيْدَةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ:"يُقاتِلُكُمْ قَومٌ صِغارُ الأَعْيُنِ - يعني التركَ - قال: تَسوقونَهمْ ثلاثَ مرَّاتٍ حتَّى تُلْحِقوهُمْ بجَزيرَةِ العَرَبِ، فأمَّا في السَّاقَةِ الأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ منهُمْ، وأَمَّا في الثَّانيةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ ويَهْلِكُ بَعْضٌ، وأمَّا في الثالثةِ فيُصْطَلَمُونَ"، أو كما قالَ.

"عن بريدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: يقاتلكم قوم صغار الأعين - يعني: الترك - قال: تسوقونهم": من السَّوق؛ يعني: صاروا مغلوبين منهزمين

ص: 532

بحيث أنكم تسوقونهم.

"ثلاث مرات حتى تلحقوهم بجزيرة العرب، فأما في الساقة الأولى؛ فينجو من هرب منهم، وأما في الثانية؛ فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة؛ فيُصطَلمون": على صيغة المجهول؛ أي: يُستأصلون.

"أو كما قال"؛ أي: قال: (فيصطلمون)، أو قال غير هذا اللفظ.

* * *

4191 -

عن أبي بَكْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَنْزِلُ أُناسٌ منْ أُمّتي بغائِطٍ يُسمُّونَهُ: البَصْرَة، عِند نَهْرٍ يُقالُ لهُ: دِجْلةُ، يكونُ عَلَيهِ جِسْرٌ يكثرُ أهلُها، وتكونُ منْ أَمْصارِ المُسْلِمين، فإذا كانَ في آخرِ الزَّمانِ جاءَ بنو قَنْطُوراءَ عِراضُ الوُجوه صِغارُ الأَعيُنِ، حتَّى يَنْزِلُوا على شَطّ النَّهْرِ فيتفرَّقُ أهلُها ثلاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ يأخُذونَ في أذنابِ البقَرِ والبَرِّيةَ، وهلَكوا، وفِرْقَةٌ يأخُذُونَ لأنفُسِهِمْ، وهلَكوا، وفِرقةٌ يَجْعَلونَ ذَرارِيَّهمْ خَلْفَ ظُهورِهْم ويُقاتِلونهم، وهُمُ الشُّهداءُ".

"عن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ينزل أناس من أمتي بغائط"؛ أي: بغائر من الأرض.

"يسمونه البصرة، عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسرٌ يكثر أهلها، ويكون من أمصار المسلمين": أراد بالبصرة بغداد؛ فإن دجلة هي الشط، وجسرها في وسطها، وإنما عرَّفها بالبصرة؛ لأن ببغداد موضعًا خارجًا عنه قريبًا من بابه يدعى بباب البصرة، فسمى بغداد باسم بعضها؛ لأن بغداد لم تُبن في عهده صلى الله عليه وسلم على هذه الهيئة من كونها مصراً من الأمصار، بل كانت قرى متفرقة منسوبة إلى البصرة محسوبة من أعمالها.

ومعنى الحديث: أن بعضًا من أمتي ينزلون ثمة، ويتوطنون به، ويصير

ص: 533

ذلك الموضع مِصرًا من أمصار المسلمين.

"وإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء" بفتح القاف وسكون النون: وهم الترك، ويقال: قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم عليه السلام، ولدت له أولاد، جاء من نسلهم الترك.

"عراض الوجوه صغار الأعين، حتى ينزلوا على شطِّ النهر": فيقاتلون أهل بغداد.

"فيتفرق أهلها ثلاث فرق: [فرقة] يأخذون في أذنابَ البقر والبرية": يقال: أخذ في الشيء: إذا شرع فيه، معناه: يأخذون طريق الهرب طلبًا لخلاص أنفسهم ومواشيهم، فيهيمون في البوادي.

"فهلكوا": أو معناه: يشتغلون بالزراعة ويعرضون عن المقاتلة ويتبعون البقر للحرث.

"وفرقة يأخذون لأنفسهم"؛ أي: يطلبون الأمان من العدو لخلاص أنفسهم فيقتلهم.

"وهلكوا": بأيديهم.

"وفرقة يجعلون ذراريهم خلفَ ظهورهم، ويقاتلونهم، وهم الشهداء": ولم ينجُ منهم إلا شرذمة قليلة جرحى، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ فإنه وقع كلّ ما ذكر على وفق ما أخبره، وكانت هذه الوقعة في صفر سنة ست وخمسين وست مئة.

* * *

4192 -

عن أنسٍ: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أَنسُ إنَّ النَّاسَ يُمَصِّرونَ أمْصَاراً، وإن مِصْراً منها يُقالُ لهُ: البَصْرَة، فإنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بها أو دَخَلْتَها فإيَّاكَ

ص: 534

وسِباخَها وكلاءَها وسُوقَها وبابَ أُمرائِها، وعليكَ بضَواحِيها، فإنَّه يكونُ بها خَسْفٌ وقَذْفٌ ورَجْفٌ، وقومٌ يَبيتونَ ثم يُصْبحونَ قِردةً وخَنازيرَ".

"عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أنس! إن الناس يمصرون أمصاراً": التمصيرُ: اتخاذُ المِصْر، وهو البلد.

"وإن مصراً يقال لها: البصرة، فإن أنت مررتَ بها، أو دخلتها، فإياك وسِبَاخَها"؛ أي: احذر عن سباخها، وهو بكسر السين: جمع سبخة، وهي أرض تعلوها ملوحة.

"ونخيلَها، وكلاءَها، وسوقها، وباب أمرائها، وعليك بضواحيها": جمع ضاحية، وضاحية كل شيء ناحيته البارزة، وقيل: أراد بضواحيها: جبالها، وهذا أمرٌ بالعزلة.

"فإنه يكون بها": قيل: الضمير للسباخ، والصواب: للمواضع المذكورة.

"خسف": وهو الإذهاب في الأرض.

"وقذف"؛ أي: رمي بالحجارة من السماء؛ أو بالريح الشديدة، أو قذف الأرض الموتى بعد الدفن.

"ورجف": وهو الزلزلة والحركة الشديدة.

"وقوم يبيتون ويصبحون قردة وخنازير": قيل: وفي هذا إشارة إلى أن بها قدرية؛ لأن الخسف والمسخ إنما يكون للمكذبين بالقدر.

* * *

4193 -

عن صالحِ بن دِرْهَم يقولُ: انطَلَقْنَا حاجِّينَ، فإذا رَجُلٌ فقالَ لنا: إلى جَنْبكُمْ قَرْية يُقالُ لها الأُبُلَّة، قُلنا: نعَم، قال: مَنْ يَضْمَنُ لي منكُمْ أنْ

ص: 535

يُصَلِّيَ في مَسْجدِ العَشَّارِ رَكعتَينِ أو أَرْبعاً، ويقولَ: هذا لأبي هُريرَةَ؟ سَمِعْتُ خليلي أبا القاسِم صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِنَّ الله تعالَى يَبْعَثُ مِنْ مَسجدِ العَشَّارِ يَوْمَ القِيامَةِ شُهَدَاءَ لا يَقُومُ مع شُهداءِ بَدْرٍ غَيْرُهُم".

قال أبو داودَ رحمه الله هذا المَسْجدُ مِمَّا يلي النَّهرَ.

"عن صالح بن درهم يقول: انطلقنا حاجين"؛ أي: قاصدين الحج.

"فإذا رجل": وهو أبو هريرة رضي الله عنه، و (إذا) للمفاجأة.

"فقال لنا: إلى جنبكم": بحذف همزة الاستفهام.

"قرية يقال لها: الأبلَّة": قيل: بضمتين وتشديد اللام وقيل بفتح الهمزة: اسم قرية من البصرة.

"قلنا: نعم، قال: من يضمن لي منكم"؛ أي: من يقبل؟ استفهامٌ للالتماس والسؤال.

"أن يصليَ لي في مسجد العَشَّار": بفتح العين والشين المعجمة المشددة.

"ركعتين أو أربعاً، ويقولَ": بالنصب معطوفًا على أن (يصلي).

"هذه": إشارة إلى الصلاة التي عهد بها أبو هريرة.

"لأبي هريرة": أراد بهذا القول فضيلة الصلاة في هذا المسجد.

"سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ": قيل: قوله: (خليلي) لا يخلو عن ترك الأدب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذتُ أبا بكر خليلاً".

قلت: لا يتم أنه ترك الأدب؛ لأنه لا يلزم من اتخاذ أبي هريرة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خليلاً اتخاذُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبا هريرة خليلا، والممنوع هذا، لا العكس.

"يقول إن الله عز وجل: يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع

ص: 536