الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - كِتابُ الفِتَنِ
25 -
كِتابُ الفِتَنِ
(كتاب الفتن)
جمع: فتنة، وهي الامتحان والاختيار.
مِنَ الصِّحَاحِ:
4141 -
عن حُذَيْفةَ قال: "قامَ فِينا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقاماً، ما تركَ شيئاً يكونُ في مَقامِهِ ذلكَ إلى قِيامِ السَّاعةِ إلَّا حدَّثَ بهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ ونسَيَهُ مَنْ نسِيَهُ، قدْ عَلِمَهُ أصحابي هؤلاءِ، وإنَّهُ لَيكونُ منهُ الشَّيءُ قدْ نسيتُهُ، فأراهُ فأذْكُرُه كما يَذكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إذا غابَ عنهُ، ثُمَّ إذا رآهُ عَرَفَهُ".
"من الصحاح":
" عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً": نصب على المصدر؛ أي: خطيباً، ووعَظَنا وأخبَرَنا بما يظهر من الفتن.
"ما ترك شيئاً يكون": صفة (شيئاً)، وهي تامة.
"في مقام": اسم الزمان.
"ذلك": صفته؛ أي: في زمانِ عصرِه.
"إلى قيام الساعة إلا حدَّث به"؛ أي: بذلك الشيء الكائن.
"حفظَه مَن حفظَه، ونسيَه مَن نسيَه، قد عَلِمَه أصحابي هؤلاء، وإنه"؛ أي: وإن الشأنَ.
"لَيكون منه الشيءُ"؛ أي: لَيقع شيءٌ مما ذَكرَه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
"قد نسيتُه، فأَراه": على صيغة الفاعل.
"فأَذكره" عند وقوعه.
"كما يَذكر الرجلُ وجهَ الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفَه".
* * *
4142 -
وعن حُذَيْفَةَ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "تُعْرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ كالحَصيرِ عُوْداً عُوْداً، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيهِ نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأيُّ قَلْبٍ أنكَرَها نُكِتَتْ فيهِ نُكْتَةٌ بَيضاءُ، حتَّى تَصيرَ على قلبَيْنِ: أَبْيضَ مِثلِ الصَّفا، فلا تَضُرُّهُ فِتنةٌ ما دامَتِ السَّماواتُ والأَرْضُ، والآخرُ أسودُ مُرْبادًّا كالكُوزِ، مُجَخِّياً لَا يَعرِفُ مَعْروفاً، ولا يُنكِرُ مُنْكراً، إلَّا ما أُشْرِبَ مِنْ هَواهُ".
"وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: تُعرَض الفتنُ على القلوب"؛ أي: تُوضَع عليها وتُبسَط، من: عرضَ العُود على الإناء يَعرِضه؛ أي: وضعَه عَرضاً.
"كالحصير عود عود" بالرفع، كذا ذكره مسلم، والمؤلف اختار رواية رفعه بفعل محذوف؛ أي: نُسج عودٌ عودٌ، واحد: العيدان، وهو ما يُنسَج به الحصير من طاقاته، أو خبر مبتدأ محذوف، ويروى بالنصب في غير "المصابيح" حالاً؛ أي: يُنسَج على هذه الحال، قيل: تعرَض الفتنُ على القلوب شيئاً فشيئاً وتُنسَج فيها واحدةً بعدَ واحدةٍ، كالحصير الذي يُنسَج عوداً عوداً، ويُعرَض عليها، فيؤثِّر فيها واحدةً بعدَ واحدةٍ، كتأثير عيدان الحصير في جنب النائم عليه واحداً بعدَ واحدٍ؛ أي: تُعرَض مترادفةً بعضها خلف بعض، قيل: أراد بالفتن:
الاعتقادات الفاسدة.
"فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها" على صيغة المجهول؛ أي: الفتنَ، يقال: أُشرِبَ قلبُه محبةَ كذا؛ أي: خالطه وحلَّ محلَّ الشراب؛ يعني: أيُّ قلبٍ اختلط بها اختلاطَ الصبغ بالثوب.
"نُكتت فيه": على صيغة المجهول أيضاً؛ أي: نُقطت وأثَّرت في قلبه.
"نكتةٌ"؛ أي: نقطةٌ.
"سوداءُ"، وأصل النَّكت: ضرب الأرض بقضيب، فيؤثِّر فيها.
"وأيُّ قلبٍ أَنكرَها"؛ أي: امتنع عن قَبول تلك الفتن.
"نُكتت فيه نكتةٌ بيضاءُ"؛ يعني: ظَهر فيه النورُ.
قوله: "حتى تصير": غاية لكلا الأمرين؛ يعني: يصير الإنسانُ، أو قلوبُ أهل ذلك الزمان "على قلبين"؛ أي: نوعين، أحدهما:
"أبيضَ مثلَ الصَّفا" بالقصر: وهو الحجر الأبيض شديد البياض.
"فلا تضرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض"؛ لأنها قلوبٌ صافيةٌ قد أَنكرتْ تلك الفتنَ في ذلك الزمان، فحفظها الله بعد ذلك الزمان عنها إلى يوم القيامة.
"والآخرَ أسودَ مُرْبادًّا"، وهو بضم الميم وسكون الراء المهملة وبالباء الموحدة والدال المشددة المهملة: الطِّين المتغير المُنتِن الذي صار أسودَ من غاية تغيُّره وطول مكثه لمكان، نُصب على الذم، وقيل برفعه، وفي رواية:"مُرْبَدًّا"، من: اربَدَّ، والرُّبْدَة: لون بين السواد والغبرة، وقيل: هي لون الرماد، وإنما وُصف هذا النوع بها لكونها لوناً فيه سواد وبياض، لكن سوادَه أغلبُ، وهذا القلب فيه سواد من قَبول الفتن ودخولها فيه، وفيه بياض لوجود الإيمان فيه، لكن صار مغلوباً بالاعتقادات الفاسدة.
"كالكُوز مُجَخِّياً" بضم الميم وفتح الجيم قبل الخاء المعجمة المكسورة المشددة، نُصب على أنه حال عن الضمير في (مربداً)، أو عن (الكوز)، والعامل فيه معنى الفعل الكائن في الكاف الجارَّة؛ لأنه مفعول معنًى، إذ تقديره: يشبه الكُوزَ.
يقال: جَخَّى الليلُ: إذا مالَ ليذهبَ؛ أي: مائلاً منصبًّا ما فيه من المعارف والعلوم، شبه الذي لا يعي خيراً بالكُوز المائل الذي لا يَلبَث فيه شيء.
"لا يَعرِف"؛ أي: هذا القلبُ.
"معروفاً، ولا يُنكِر منكَراً"؛ يعني: لا يبقى فيه عرفانُ ما هو معروفٌ، ولا إنكارُ ما هو مُنكَرٌ.
"إلا ما أُشربَ من هواه"؛ يعني: لا يَعرف إلا ما قِيل من الاعتقادات الفاسدة والشهوات النفسانية.
* * *
4143 -
وقال حُذَيْفَةُ: حدَّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَديثَيْنِ، رأَيتُ أَحَدَهُما، وأنا أَنتَظِرُ الآخرَ، حَدَّثنا أنَّ الأَمانةَ نَزلَتْ في جَذْرِ قُلوبِ الرِّجالِ، ثمَّ عَلِموا مِنَ القُرآنِ، ثمَّ عَلِموا مِنَ السُّنَّةِ. وحَدَّثَنا عنْ رفعِها قال:"يَنامُ الرَّجُلُ النَّوْمةَ فتُقْبَضُ الأَمانةُ مِنْ قلبهِ، فيَظلُّ أثَرُها مِثْلَ أثَرِ الوَكْتِ، ثمَّ يَنامُ النَّوْمةَ فتُقْبَضُ، فيَبقَى أثَرُها مِثْلَ أثَرِ المَجْلِ كجَمْرٍ دَحْرجتَهُ على رِجلِكَ فنَفِطَ، فتراهُ مُنْتَبراً وليسَ فيهِ شيءٌ، ويُصْبحُ النَّاسُ يتَبايَعونَ ولا يكادُ أَحَدٌ يُؤدِّي الأمانةَ، فيُقال: إنَّ في بني فُلانٍ رَجُلاً أميناً، ويُقالُ للرَّجُلِ: ما أَعْقَلَهُ، وما أظرَفَهُ، وما أَجْلَدَهُ، وما في قَلْبهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ".
"وقال حذيفة رضي الله عنه: حدثنا رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم حديثين،
رأيت أحدَهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة" أراد بها: الإيمان.
"نَزلت في جَذْر" بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال المعجمة: أصل كل شيء؛ أي: في أصلِ "قلوب الرجال، ثم عَلِموا"؛ أي بنور الإيمان.
"من القرآن، ثم عَلِموا من السُّنة": وهي الأحاديث النبوية، وفيه: إشارة إلى أن تعلُّمَ السُّنة بعدَ تعلُّم القرآن.
"وحدَّثَنا عن رفعِها" أراد به: ارتفاع الإيمان، أو انتقاصه؛ فإنه سيكون بعد عصر آخر لا في عصر الصحابة.
"قال: ينام الرجلُ النَّومةَ، فتُقبَض الأمانة"؛ أي: بعضُها.
"من قلبه": تنقص ثمرةُ الإيمان.
"فيظلُّ أثرُها"؛ أي: يصير أثرُ الأمانة، والأثر: ما بقي من رسم الشيء.
"مثلَ أثر الوَكْت" بفتح الواو وسكون الكاف، واحدها: وَكْتَة، وهي أثر في الشيء كالنقطة من غير لونه، وقيل: هي نقطة بيضاء تَظهَر في سواد العين.
"ثم ينام النَّومةَ فيُقبَض"؛ أي: بعضُ ما بقي فيه من الأمانة.
"فيبقى أثرُها مثلَ أثر المَجل"، يقال: مَجَلتْ يدُه - بالفتح - تَمْجل - بالضم والكسر - مَجْلاً بسكون الجيم، ومَجِلَتْ - بالكسر - مَجَلاً بفتحتين؛ أي: سخن جلدها وظهرَ فيها ما يشبه البثر عن الأشياء الصلبة، والمجل وإن كان مصدراً أُريد به نفس النقطة.
"كجمرٍ": بدل من (مثل أثر المَجل)؛ أي: يكون أثرُها في القلب كأثر جمرٍ، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أثرُ المَجل كجمرٍ.
"دحرجَته"؛ أي: ردَّدته على رِجلك.
"فنَفِطَ" بالكسر؛ أي: مَجلٌ من جمرٍ.
"فتراه مُنتبراً"؛ أي: منتفخاً مرتفعاً، من: النَّبر، الرَّفع، وهذا أقلُّ من الأول؛ لأنه شبه الأمانة في هذا المجوف، بخلاف الأول، ذكر الضمير على إرادة الموضع المدحرج عليه الجمر.
"وليس فيه شيء"؛ أي: شيءٌ صالحٌ، بل ماءٌ فاسدٌ، كذلك هذا الرجل يحسبه الناسُ صالحاً ولا يكون فيه من الصلاح والإيمان؛ يعني: أن الأمانةَ تُقبَض وتُرفَع عن القلوب شيئاً فشيئاً؛ عقوبةً لأصحابها على ما اكتسبوا من الذنوب، حتى إن الرجل إذا استيقظ من منامه لا يجد قلبه على ما كان عليه؛ لأنه أولاً لا يبقى في قلبه من الأمانة أثرٌ إلا أثر الوَكت، وثانياً مثلَ أثر المَجل، أراد به: خلو القلب عنها مع أثر أثرها.
"ويصبح الناس يتبايعون"؛ أي: يجرى بينهم البيع.
"ولا يكاد أحد يؤدِّي الأمانة"؛ أي: لا يَقرُب يؤدِّيها في المعاملات؛ لأن حفظَ الأمانةِ من أثر كمال الإيمان، فإذا أُنقص الإيمان نقصت الأمانة؛ يعني: لا يبقى مَن يحفظ الأمانةَ إلا قليل، حتى يكون في ناحية واحدٌ.
"فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقلَه! وما أظرفَه! وما أَجلدَه! "(ما) في الثلاثة: للتعجب؛ يعني: يُمدَح أهلُ ذلك الزمان بكثرة العقل والظرافة والجلادة، لا بكثرة الصلاح.
"وما"؛ الواو: للحال، و (ما): للنفي؛ أي: والحال أنه ليس "في قلبه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ".
* * *
4144 -
وعن حُذَيْفةَ قال: كانَ النَّاسُ يَسألونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أسأُلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخافةَ أنْ يُدرِكَني، فقُلْتُ: يا رسولَ الله! إنَّا كُنَّا في
جاهِليَّةٍ وشرٍّ، فجاءَنا الله بهذا الخَيْرِ، فهلْ بعدَ هذا الخيرِ مِنْ شرٍّ؟ قال:"نعمْ"، قلتُ: وهلْ بعدَ ذلكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قال: "نعمْ، وفيهِ دَخَنٌ". قلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قال: "قومٌ يَسْتنُّونَ بغيرِ سُنَّتي، ويَهدونَ بغيرِ هَدْيي، تَعرِفُ منهمْ وتُنكِرُ". قلت: فهلْ بعدَ ذلكَ الخَيرِ منْ شرٍّ؟ قال: "نعمْ، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أجابَهُمْ إليها قَذَفوهُ فيها". قلتُ: يا رسولَ الله! صِفْهُمْ لنا. قال: "هُمْ مِنَ جِلْدَتِنا، ويتكلَّمونَ بألسِنَتِنا". قلتُ: فما تأْمُرُني إنْ أدركَني ذلكَ؟ قال: "تَلزَمُ جَماعَةَ المُسْلِمينَ وإمامَهُمْ". قلتُ: فإنْ لمْ يكُنْ لهُمْ جَماعَةٌ ولا إمامٌ؟ قال: "فاعتَزِلْ تلكَ الفِرَقَ كلَّها، ولوْ أنْ تَعَضَّ بأصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدرِكَكَ المَوْتُ وأنتَ على ذلكَ".
وفي رِوايةٍ: "تكونُ بعدِي أئِمَّةٌ لا يَهتَدونَ بهُدايَ ولا يَستنُّونَ بسُنَّتي، وسيقومُ فيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ كقلوبِ الشَّياطينِ في جُثمانِ إنسٍ". قالَ حُذَيْفةُ، قلتُ: كيفَ أَصْنَعُ يا رسولَ الله إنْ أدركْتُ ذلكَ؟ قال: "تَسْمَعُ وتُطيعُ الأميرَ، وإن ضُرِبَ ظَهْرُكَ وأُخِذَ مالُكَ".
"وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله! إنا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ"؛ أي كفرٍ.
"فجاءنا الله بهذا الخير"؛ يعني: الإسلام.
"فهل بعدَ هذا الخير من شرٍّ؟ "؛ أي: هل يجيء بعد الإسلام الكفرُ والضلالةُ والبدَعُ والفتنُ؟
"قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشرِّ من خير؟ "؛ أي: وهل تزول تلك الفتنُ والبدَعُ ويجيء بعدها العدلُ والصلاحُ؟
"قال: نعم، وفيه"؛ أي: في ذلك الخير "دَخَنٌ" بفتحتين؛ أي: كُدورة؛ يعني: لا يكون الخير محضاً، بل مشوباً بكدورةٍ وظلمةٍ.
"قلت: وما دَخَنُه؟ قال: قومٌ يستنُّون بغير سُنَّتي"؛ يعني: يكون في ذلك الوقت قومٌ يعتقدون اعتقاداتٍ ويعملون أعمالاً غيرَ ما أنا عليه.
"ويَهدون بغير هَدْيي"؛ أي: يتخذون سيرةً وطريقةً غير سيرتي وطريقتي من القول والفعل.
"تَعرِف منهم وتُنكِر"؛ أي: تُبصِر منهم المعروفَ والمنكرَ أيضاً، أي: يصدرانِ عنهم مخلوطاً.
"قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ قال: نعم، دعاة" جمع: داعٍ.
"على أبواب جهنم"؛ يعني: يظهر بعد ذلك جماعة من أهل البدعة والضلالة يدعون الناس من الهداية إلى الضلالة، ومن السُّنة إلى البدعة، فكأنهم كائنون على أبواب جهنم داعين الناسَ إلى الدخول فيها، مثل كون صاحب الدعوة عند باب بيته داعياً الناس إلى الدخول في ضيافته.
"مَن أجابهم إليها قذفوه فيها"؛ أي: رَمَوه في جهنم.
"قلت: يا رسولَ الله! صِفْهم لنا، قال: هم من جلدتنا"؛ أي: هم من أبناء جنسنا، أو من عشيرتنا وأقربائنا، أو من أهل مِلَّتنا، و (الجِلدة) أخصُّ من (الجِلْد).
"ويتكلمون بألسنتنا"؛ أي: بالعربية، قيل: يتكلمون بالمواعظ والحكم، وليس في قلوبهم شيءٌ من الخير، {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} .
"قلت: فما تأمرُني إن أدركَني ذلك؟ "؛ أي: ذلك الزمانُ.
"قال: تَلزَم": خبر في معنى الأمر؛ أي: الزمْ.
"جماعةَ المسلمين وإمامَهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة"، قيل:(أن) هذه: مخففة من المثقلة المفتوحة، والمراد: الحث على التمسك بما يصبره ويقوِّي
عزمَه على اعتزالهم بأبلغ الوجوه.
"حتى يدركك الموتُ وأنت على ذلك"، الواو: للحال.
"وفي رواية: يكون بعدي أئمةٌ لا يهتدون بهُداي، ولا يستنُّون بسنَّتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبُهم قلوبُ الشياطين في جُثمان إنسٍ" بضم الجيم؛ أي: في جسدهم.
"قال حذيفة: قلت: كيف أصنع يا رسولَ الله إن أدركتُ ذلك؟ قال: تَسمع وتُطيع الأميرَ"؛ يعني: طريق النجاح في ذلك الوقت: أن تسمعَ ما يأمرك الأمير وتطيعَه.
"وإن ضربَ ظَهرَك وأخذَ مالَك"؛ إلا إذا أمرَك بمعصيةٍ فحينَئذٍ لا تُطِعْه، ولكن لا تقاتِلْه، بل فرَّ منه.
* * *
4145 -
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بادِرُوا بالأَعْمالِ فِتَناً كقِطَعِ اللَّيلِ المُظْلِم، يُصبحُ الرَّجُلُ مُؤمِناً ويُمْسي كَافِراً، ويُمْسي مُؤْمِناً ويُصْبحُ كافِراً، يبيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال فتناً"؛ يعني: سابقوا باشتغال الأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن المانعة عنه، المراد بـ (الفتن): القتل والنهب والاختلاف بين المسلمين.
"كقِطَعِ الليل المُظلِم"، (القِطَع) - بكسر القاف وفتح الطاء - جمع: قطعة، والغرض من هذا التشبيه: بيان حال الفتن، من أنها ستقع وتستمر، ولا يُعرف سببُها ولا طريقُ الخلاص منها.
"يصبح الرجلُ مؤمناً": وهذا استئناف بيان لبعض تلك الأحوال.
"ويمسي كافراً"؛ معناه: يصبح محرِّما ما حرَّمه الله ويمسي مستحِلاً إياه.
"ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دِينَه بعَرَضٍ من الدنيا"، (عَرَض الدنيا): ما كان من مالٍ، قلَّ أو كَثُرَ.
* * *
4146 -
وقال: "ستكونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشي، والماشي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعي، مَنْ تَشرَّفَ لها تَسْتَشرِفْهُ، فمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعاذاً فلْيَعُذْ بهِ".
وفي رِوايةٍ: "النَّائِمُ فيها خيرٌ مِنَ اليَقْظانِ، واليَقْظانُ خيرٌ مِنَ القائِمِ".
وفي رِوايةٍ: "فإذا وَقَعَتْ فمَنْ كانَ له إبلٌ فَلْيَلْحَقْ بإبلِهِ، ومَنْ كانَتْ لهُ غَنَمٌ فليلْحَقْ بغَنَمِهِ، ومَنْ كانَتْ لهُ أرضٌ فليلْحَقْ بأرضهِ". فقالَ رَجُلٌ: يا رسُولَ الله! أرأَيْتَ مَنْ لمْ تكُنْ لهُ إبلٌ ولا غَنَمٌ ولا أرضٌ؟ قال: "يعمِدُ إلى سيفِهِ فيدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بحَجَرٍ، ثمَّ ليَنْجُ إن استطاعَ النَّجاءَ، اللهمَّ هلْ بلَّغْتُ؟ " ثلاثاً، فقال رَجُلٌ: يا رسُولَ الله! أرأيتَ إنْ كرِهْتُ حتَّى يُنْطَلَقَ بي إلى أَحَدِ الصَّفَيْنِ فضرَبني رَجُلٌ بسيفِهِ، أوْ يَجيءُ سَهْمٌ فيقتُلُني؟ قال:"يَبوءُ بإثمه وإثمِك ويكونُ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتنٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم"؛ لأن القائمَ أقربُ من القاعد إلى تلك الفتنة لمشاهدته ما لا يشاهده القاعدُ.
"والقائم فيها"؛ أي: القائم بمكانه في تلك الحال.
"خيرٌ من الماشي"؛ أي: من الذي يمشي إلى الفتنة.
"والماشي فيها خيرٌ من الساعي"؛ أي: من الذي يسعى ويعمل في الفتنة.
"مَن تشرَّف لها"؛ أي: مَن نظرَ إلى تلك الفتنة.
"تَستشرفْه"؛ يعني: تجرَّه لنفسها وتدعوه إلى الوقوع فيها؛ فالخلاصُ في التباعُدِ منها، والهلاكُ في مقاربتها.
"فمَن وجدَ ملجأً أو مَعاذاً": شك من الراوي؛ أي: موضعاً يخلص بالذهاب إليه من الفتنة.
"فَلْيَعُذْ به"؛ أي: ليذهبْ إليه.
"وفي وراية: النائمُ فيها خيرٌ من اليقظان، واليقظان خيرٌ من القائم، وفي وراية: فإذا وقعت"؛ أي: الفتنُ.
"فمَن كان له إبلٌ فَلْيلحقْ بإبله"؛ أي: ليطردْها وَلْيَبعُدْ عن موضع الفتنة.
"ومَن كان له غنمٌ فَلْيلحقْ بغنمه، ومَن كان له أرضٌ فَلْيلحقْ بأرضه، فقال رجل: يا رسولَ الله! أرأيتَ"؛ أي: أخبرْني.
"مَن لم تكن له إبلٌ ولا غنمٌ ولا أرضٌ؟ قال: يعمد"؛ أي يقصد.
"إلى سيفه فيدقُّه على حدِّه بحجرٍ"؛ يعني: فَلْيكسرْ سلاحَه؛ كيلا يذهبَ به إلى الحرب، فإنما أمر صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأن تلك الحربَ تكون بين المسلمين، فلا يجوز حضورُها.
"ثم لِيَنجُ إن استطاع النَّجاء"؛ أي: لِيسرعْ هرباً؛ حتى لا يصيبَه البلاء والفتن، وقال صلى الله عليه وسلم بعد ذكر هذه الفتن:"اللهم هل بلَّغتُ؛ ثلاثاً"؛ أي: ثلاث مرات.
"فقال رجل: يا رسولَ الله! أرأيتَ إن كُرهتُ حتى يُنطلَقَ بي إلى أحد الصفَّين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: يبوء"؛ أي: يرجع مَن أكَرهك "بإثمِه وإثمِك"؛ أي: تكون عقوبةُ ذنبه وعقوبةُ قتلِ صاحبه عليه، "فيكون من أصحاب النار"، أضاف الإثمَ إليه؛ لأن قتلَه هو سببُ إثمه.
* * *
4147 -
وقال: "يُوشِكُ أنْ يكونَ خَيْرَ مالِ المُسْلِم غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبالِ ومَواقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بديِنهِ مِنَ الفِتَنِ".
"وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون": اسمها ضمير الشأن، وخبرها الجملة بعده، وهي:
"خيرُ مالِ المسلم غنمٌ"؛ أي: سوف تكون المواشي أفضلُ أموال الرجل.
"يتبع بها شَعَفَ الجبال"؛ أي: رؤوسَها، شَعَفُ كل شيء: أعاليه.
"ومواقعَ القطر" جمع: موقع، وهو موضع الوقوع، والقَطْر: المطر؛ أي: المواقع التي ينزل المطر فيها؛ ليرعاها.
"يفرُّ بدينه من الفتن"، ويتخلص بإقامته هناك عنها.
* * *
4148 -
عن أُسامَةَ قال: أَشرَفَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم على أُطُمٍ مِن آطامِ المَدينةِ فقال: "هل تَروْنَ ما أَرَى؟ " قالوا: لا، قال:"فإنِّي لأَرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بُيوتِكُمْ كوَقعِ المَطَرِ".
"وعن أسامة رضي الله عنه قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم "؛ أي: اطَّلعَ ونظرَ.
"على أُطُم": هو - بضمتين - بناء مرتفع من الحجارة، كالقصر والحِصن.
"من آطام المدينة" جمع: أُطُم، وآطامها: حصونها.
"فقال: هل تَرَون ما أرى؟ قالوا: لا، قال: فإني لأَرى الفتنَ تقع خلال بيوتكم"؛ أي: وسطَها.
"كوقع القطر"؛ يعني: أرى الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم حينَ صعدَ ذلك الموضعَ اقترابَ الفتن؛ ليُخبرَ بها أمتَه، ليكونوا على حذرٍ منها.
* * *
4149 -
وقال: "هَلَكَةُ أُمَّتي على يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلَكَةُ أمتي"، أراد بـ (الأمة) هنا: الصحابة؛ فإنهم خيارُ الأمة.
"على يَدي غِلْمَة" جمع: غلام؛ يعني: شُبَّان.
"من قريش"، والمراد: ما وقع بين عثمان وقَتَلَتِه، وعلي والحسن والحسين مع مَن قاتَلَهم، قيل: لعله صلى الله عليه وسلم أراد بأولئك الغِلْمة: الخلفاء الذين كانوا بعد الخلفاء الراشدين، مثل يزيد وعبد الملك بن مروان وغيرهما، فإنه قد لحق بالمسلمين منهم قتلٌ وظلمٌ.
* * *
4150 -
وقال: "يتقارَبُ الزَّمَانُ، ويُقبَضُ العِلمُ، وتظهَرُ الفِتنُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، ويكثُرُ الهَرْجُ". قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: "القتلُ".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتقارب الزمان"، قيل: يريد به اقتراب الساعة، وقيل: تقارب أهل الزمان بعضهم من بعض في الشر، وقيل: هو قِصَر زمان الأعمار وقلة البركة فيها، وقيل: هو قِصَر مدة الأيام والليالي، على ما رُوي:"إن الزمانَ يتقارب حتى تكونَ السَّنةُ كالشهر"، الحديث.
"ويُقبَض العلم، وتَظهَر الفتن، ويُلقَى الشُّحُّ"؛ أي: يُوقَع البخل في قلوب الناس، فيحبُّون المال حبًّا جَمًّا، حتى لا يؤدوا الزكاةَ والكفاراتِ والنذورَ من شدة حب المال.
"ويكثر الهَرْج، قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: القتلُ"؛ أي: تجري الحرب بين طائفتين من المسلمين للعصبية وطلب الجاه، فسَّر النبي عليه الصلاة والسلام الهَرْج بالقتل، وأصله: الاختلاط والاختلاف بحيث يُفضي إلى القتل.
* * *
4151 -
وقال: "والذِي نَفْسي بيدِه، لا تَذْهَبُ الدُّنْيا حتَّى يأْتيَ عَلَى النَّاسِ يومٌ لا يَدْري القاتِلُ فيمَ قتلَ، ولا المَقتُولُ فيمَ قُتِلَ". فقيلَ: كيفَ يكونُ ذلكَ؟ قال: "الهَرْجُ" القاتِلُ والمَقتولُ في النَّارِ".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يومٌ لا يدري القاتلُ فيمَ قَتل؟ ولا المقتولُ فيمَ قُتل؟ فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهَرْجُ، القاتل والمقتول في النار"؛ أما القاتلُ فلقتلِه مسلماً ظلماً، وأما المقتولُ فلأنه كان حريصاً على قتل صاحبه المسلم.
* * *
4152 -
وقال: "العِبادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرَةٍ إليَّ".
"وعن مَعقِل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العبادةُ في الهَرْج"؛ أي: ثوابُ العبادة في زمان الفتن والمحاربة بين المسلمين.
"كهجرةٍ إليَّ"؛ أي: كثوابِ هجرةٍ من مكة إلى المدينة قبلَ فتح مكة.
* * *
4153 -
وقالَ الزُّبَيْرُ بن عَدِيٍّ: أتَيْنا أَنَسَ بن مالِكٍ فشكَوْنا إليهِ ما يلقَوْنَ من الحَجَّاجِ، فقالَ:"اصبرُوا فإنَّهُ لا يأْتي عَلَيكُمْ زمانٌ إلَّا الذي بعدَهُ أَشَرُّ منهُ حتَّى تَلْقَوا ربَّكُمْ". سَمِعْتُهُ مِنْ نبيكُمْ صلى الله عليه وسلم.
"وقال الزبير بن عدي: أتينا أنسَ بن مالك، فشَكَونا إليه ما نلقى من الحَجَّاج، فقال: اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمانٌ إلا الذي بعدَه أشرُّ منه حتى تَلقَوا ربَّكم"؛ أي: حتى تموتوا.
"سمعتُه من نبيكم صلى الله عليه وسلم ".
* * *
مِنَ الحِسَان:
4154 -
عن حُذَيْفةَ رضي الله عنه قال: والله ما أَدْري أَنَسِيَ أَصْحابي أوْ تَناسَوْا؟ والله ما تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قائِدِ فِتْنَةٍ إلى أنْ تَنْقضيَ الدُّنْيا يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثلاثَ مِئَةٍ فَصَاعِداً إلَّا قدْ سَمَّاهُ لنا باسمِهِ واسمِ أبيهِ واسمِ قبيلَتِهِ.
"من الحسان":
" عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: والله ما أدري أنَسِيَ أصحابي أم تَنَاسَوا؟ والله ما تركَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قائدِ فتنةٍ"، أراد به: مَن تظهر بسببه بدعةٌ وضلالةٌ ومحاربة بباطلٍ.
"إلى أن تنقضيَ الدنيا، يَبلُغ مَن معه"؛ أي: مع القائد، والجملة صفة (قائد)؛ أي: يَبلُغ أتباعُه "ثلاث مئة فصاعداً"؛ أي: فزائداً.
"إلا قد سَمَّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته".
* * *
4155 -
وقال: "إنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتي الأَئِمَّةَ المُضلِّينَ، وإذا وُضعَ السَّيْفُ في أُمَّتي لم يُرْفَعْ عنهمْ إلى يَوْمِ القِيامةِ".
"وعن ثَوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنما أخاف على أمتي الأئمةَ المُضلِّين": يدعون أمتي إلى البدعة والضلالة.
"فإذا وُضع السيفُ في أمتي لم يُرفَع عنهم"؛ يعني: إذا ظهر الحرب بينهم يبقى ذلك.
"إلى يوم القيامة"، إن لم يكن في بلد يكون في بلد آخر.
* * *
4156 -
عن سَفينةَ قال: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "الخِلافَةُ ثلاثونَ سنةً ثَمَّ تكونُ مُلْكاً". ثُمَّ يقولُ سَفينةُ: أمْسِكْ، خِلافةُ أبي بكرٍ سَنتين، وخِلافةُ عُمرَ عَشراً، وخِلافةُ عُثمانَ اثنتَي عَشَرةَ، وعليٌّ سِتًّا".
"عن سَفِينة": مولى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل: مولى أم سَلَمة، أعتقتْه واشترطتْ عليه خدمةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاشَ، تُوفي في زمن الحجاج.
"أنه قال: سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: الخلافة"؛ أي: الخلافةُ المَرْضيَّةُ لله ولرسوله.
"ثلاثون سَنةً": وهو زمن خلافة الخلفاء الراشدين المهديين.
"ثم تكون مُلكاً"، فلا يكون الخلفاء مُتَّبعينَ بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، يظلمون الناسَ ويخلطون الشرَّ بالخير.
"ثم يقول سَفِينةُ" لراويه حمادٍ أستاذِ أبي حنيفة: "أَمسِكْ"؛ أي: أحسبْ، وقيل: أمر مخاطب لا يعنيه؛ أي: احفظْ أو عدَّ.
"خلافةَ أبي بكر سنتين، وخلافةَ عُمرَ عشرةً وَخلافةَ عثمان اثنتي عشرةَ، وعليٍّ ستًّا".
* * *
4157 -
وعن حُذَيْفةَ قال: قلتُ: يا رسُولَ الله! أيكونُ بعدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ كما كانَ قبلَهُ شرٌّ؟ قال: "نعمْ". قلتُ: فما العِصْمَةُ؟ قال: "السَّيفُ". قلتُ: وهَلْ بعدَ السَّيفِ بقيَّةٌ؟ قال: "نعمْ، تكونُ إِمارَةٌ على أَقْذَاءَ وهُدْنةٌ على دَخَنٍ". قلتُ: ثمَّ ماذا؟ قال: "ثمَّ تَنْشَأُ دُعاةُ الضَّلالِ، فإنْ كانَ لله في الأَرْضِ خَليفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ وأَخَذَ مالَكَ فَأطِعْهُ، وإلا فَمُتْ وأنتَ عاضٌّ على جِذْلِ
شَجَرةٍ". قلتُ: ثمَّ ماذا؟ قال: "ثمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بعدَ ذلكَ، معَهُ نَهْرٌ ونارٌ، فمَنْ وَقَعَ في نارِهِ وجَبَ أَجْرُهُ وحُطَّ وِزْرُهُ، ومَنْ وقعَ في نهرِهِ وجَبَ وِزْرُهُ وحُطَّ أجرُهُ". قالَ: قلتُ: ثمَّ ماذا؟ قال: "ثمَّ يُنْتَجُ المُهْرُ فلا يُركَبُ حتَّى تَقُومَ السَّاعةُ".
وفي رِوايةٍ: "هُدْنَةٌ على دَخَنٍ، وجَماعةٌ على أقذاءَ". قلتُ: يا رسولَ الله! الهُدْنة عَلَى الدَّخَنِ ما هيَ؟ قال: "لا تَرْجِعُ قلوبُ أقوامٍ على الذي كانتْ عليهِ". قلتُ: بعدَ هذا الخَيْرِ شرٌّ؟ قال: "فِتْنَةٌ عَمْياءُ صَمَّاءُ، عليها دُعاةٌ على أبوابِ النَّارِ، فإنْ مِتَّ يا حُذَيفَةُ وأنتَ عاضٌّ على جِذْلٍ خيرٌ لكَ منْ أنْ تتَّبعَ أَحَداً منهُمْ".
"وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسولَ الله! أيكون بعدَ هذا الخير شرٌّ"؛ أي: بعد الإسلام كفرٌ.
"كما كان قبلَه شرٌّ؟ " يعني: في الجاهلية.
"قال: نعم، قلت: فما العصمة؟ "؛ أي: ما طريقُ النجاة من ذلك الشر؟
"قال: السيفُ"؛ أي: طريق النجاة أن تضربَهم بالسيف.
قال قتادة: المراد بهذه الطائفة: هم الذين ارتدُّوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام في زمن خلافة الصدِّيق رضي الله عنه
"قلت: وهل بعد السيف بقيةٌ؟ "؛ أي: هل يبقى الإسلامُ بعد محاربتنا إياهم؟ وهل يَصلُح أهلُ ذلك الزمان بعد ذلك؟
"قال: نعم، تكون إمارة على أقذاء" جمع: قَذًى، وهي جمع: قَذَاة، وهي ما يقع في العين من التِّبن والتراب أو غير ذلك؛ أي: يكون اجتماع الناس على مَن جُعل أميراً بكراهة لا بطيبِ القلوب، يقال: فعلت كذا وفي العين قذًى؛ أي: فعلتُه على كراهةٍ.
"وهُدْنة" بضم الهاء وسكون الدال: الصُّلح والموادعة بين المتحاربين.
"على دَخَن": وهو الكُدورة واللون الذي يضرب إلى السواد؛ يعني: يقع صلحٌ مع ذلك الأمير غيرُ صافٍ، بل على بقايا من الضغن؛ لعدم الموافقة، وذلك أن الدخانَ أثرٌ من النار يدلُّ على بقيةٍ منها، يُظهرون الصلحَ ويُبطنون العداوةَ والبغضَ؛ كما أن العينَ التي فيها القذاةُ ظاهرُها صحيحٌ وباطنُها سقيمٌ.
"قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم تنشأ"؛ أي: تَظهَر "دعاة الضلال".
"فإن كان لله في الأرض خليفةٌ جَلَدَ ظَهرَك": صفة (خليفة).
"وأخذَ مالَك، فأَطِعْه": إنما أمره بالإطاعة مع ذلك كله؛ لئلا تثورَ فتنة.
"وإلا"؛ أي: وإن لم يكن لله في الأرض خليفةٌ "قمتَ": خبر بمعنى الأمر؛ أي: قُمْ.
"وأنت عاضٌّ على جذلِ" بفتح الجيم وكسرها؛ أي: على أصلِ "شجرةٍ"؛ أي: فعليك بالعزلة عنهم والفرار منهم إلى موضعٍ بعيدٍ عنهم تحتَ شجرةٍ، وبالصبر على مصائب الزمان وتحمُّل مشاقِّه، وهذا مأخوذ من قولهم: يعضُّ الحجارةَ لشدة الألم، أو من قولهم: عضَّ الرجلُ بصاحبه: إذا لزمَه ولصقَ به.
"قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال بعد ذلك، معه نهرٌ ونارٌ، فمَن وقع في ناره"؛ يعني: مَن خالَفَه حتى يلقيَه في ناره، وإضافة النار إليه دليلٌ على أنه ليس بنارٍ، بل سحر.
"وجب أجرُه وحُطَّ وِزرُه، ومَن وقع في نهره وجب وِزرُه وحُطَّ أجرُه، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يُنتج المُهرُ" من: النَّتج، يقال: نتُجت الفَرَسُ أو الناقةُ - على بناء ما لم يسم فاعله - نتاجاً، ونتَجها أهلُها نَتجاً، والإنتاج: اقتراب ولادتها، والمُهر: ولد الفَرَس، والأنثى: مُهرة.
"فلا يُركِب" بضم الياء وكسر الكاف، من قولهم: أَركبَ المُهرُ: إذا حان وقتُ ركوبه.
"حتى تقومَ الساعة"، قيل: لعل المراد به: زمان نزول عيسى عليه السلام وظهور الإسلام، ووقوع العدل والأمن بين الناس يومَئذٍ، فلا يُركب المُهر إلى يوم القيامة؛ لعدم احتياج الناس في ذلك الزمان إلى محاربة بعضهم بعضاً، وقيل: المراد: أن بعد خروج الدجال لا يكون زمان طويل حتى تقومَ الساعة؛ أي: أنه يكون حينئذ قيام القيامة قريباً قَدْرَ زمان إنتاج المُهر وإركابه.
"وفي رواية: هُدنة على دَخَن، وجماعةٌ على أقذاء، قلت: يا رسولَ الله! الهُدنة على الدَّخَن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوبُ أقوامٍ على الذي كانت عليه"؛ أي: لا تكون قلوبُهم صافيةً عن الحقد والبغض كما كانت صافيةً قبل ذلك.
"قلت: بعدَ هذا الخير شرٌّ؟ قال: فتنة عمياء"؛ أي: يَعمَى فيها الإنسانُ عن أن يرى الحقَّ.
"صمَّاء"؛ أي: ويصمُّ عن أن يَسمعَ فيها النصيحةَ والهُدى، بل يتحاربون لا عن بصيرة بل جهلاً وعداوةً، كما أن الأعمى لا يدري أين يذهب؛ فكذا أولئك لا يدرون بأي سببِ يقاتلون؟
وقيل: الفتنة التي لا سبيلَ إلى تسكينها؛ لتناهيها شدةً ودهاءً.
"عليها دعاةٌ على أبواب النار، فإن تَمُتْ يا حذيفةُ وأنت عاضٌّ على جذلٍ خيرٌ لك من أن تتبعَ أحداً منهم".
* * *
4158 -
عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: كنتُ رَديفاً خَلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً على حِمارٍ، فلمَّا جاوَزنا بُيوتَ المَدينةِ قال:"كيفَ بكَ يا أبا ذَرٍّ إذا كانَ في المدينةِ جُوْعٌ تقومُ عنْ فِراشِكَ فلا تبلُغُ مَسْجدَكَ حتَّى يُجْهِدَكَ الجُوعُ؟ " قالَ: قلتُ: الله ورسولُهُ أعلمُ، قالَ:"تعفَّفْ يا أبا ذرٍّ"، ثمَّ قالَ:"كيفَ بكَ يا أبا ذرٍّ إذا كانَ بالمَدينةِ مَوْتٌ يبلُغُ البَيْتُ العبدَ حتَّى أنَّه يُباعُ القَبْرُ بالعبدِ؟ " قالَ: قلتُ: الله
ورسولُهُ أعلمُ، قال:"تصَبَّرْ يا أبا ذرٍّ"، قالَ:"كيفَ بكَ يا أبا ذرٍّ إذا كانَ بالمَدينةِ قَتْلٌ تَغْمُرُ الدِّماءُ أَحْجارَ الزَّيْتِ؟ " قال: قلتُ: الله ورسولُهُ أعلمُ، قال:"تأْتي مَنْ أنتَ منهُ" قالَ: قلتُ: وألبَسُ السِّلاحَ؟ قال: "شارَكْتَ القَوْمَ إذاً" قُلتُ: فكيفَ أَصْنعُ يا رسولَ الله؟ قال: "إنْ خَشِيْتَ أنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فأَلْقِ ناحِيةَ ثوبكَ عَلَى وَجْهِكَ لِيَبُوءَ بإثْمِكَ وإِثْمِهِ".
"عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: كنتُ رديفاً خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على حمارٍ، فلما جاوزْنا بيوتَ المدينة قال: كيف بك يا أبا ذَرٍّ إذا كان في المدينة جوعٌ"؛ يعني: كيف يكون حالك إذا ظهر فيها قحطٌ وحصل لك جوعٌ؟
"تقوم عن فراشك ولا تَبلُغ مسجدَك حتى يَجهدَك الجوعُ؟ "؛ أي: يُلقيك في الجَهد، وهو المشق؛ يعني: يُزيل قوتَك حتى تعجزَ عن المشي من البيت إلى المسجد.
"قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: تعفَّفْ يا أبا ذَرٍّ"؛ أي: لازِمِ العفةَ، وهي الصلاح والتصبُّر على أذى الجوع، والتقوى والكفُّ عن الحرام وعن سؤال الناس.
"ثم قال: كيف بك يا أبا ذَرٍّ إذا كان في المدينة موتٌ يَبلُغ البيتُ" أراد به: القبر.
"العبدَ حتى إنه يُباع القبرُ بالعبدِ؟ "؛ يعني: يُباع موضعُ كلُّ قبرٍ بعبدٍ؛ يعني: لا يَحفر الحفَّار قبراً حتى يأخذَ عبداً أو قيمتَه بالأجرة، أو لا يجد أحدٌ موضعَ قبرٍ إلا بعبدٍ؛ من كثرة الأموات، وقلة مَن يقوم بأمرهم، أو أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثيرٌ من الناس إلا عبدٌ يقوم بمصالح ضَعَفَة أهل ذلك البيت.
"قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: تصبَّرْ يا أبا ذَرٍّ"؛ يعني: اصبرْ بالبلاء ولا تَجزعُ تُصِبِ الأجرَ.
"قال: كيف بك يا أبا ذَرٍّ إذا كان في المدينة قتلٌ تَغمرُ"؛ أي: تسترُ "الدماءُ أحجارَ الزيت؟ " وتعلوها؛ لكثرة القتلى، وهي اسم موضع بالمدينة قريب الزَّوراء، موضع صلاة الاستسقاء.
وفي "المغرب": (أحجار الزيت): مَحلَّة بالمدينة، قيل: قد وقعت هذه الوقعةُ في أيام يزيد بن معاوية، توجَّه إليها مسلم بن عقبة المُرِّيُّ المستبيح لحرم النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بعسكره في متن الغربية من المدينة، واستباح حُرمتَها وقَتلَ رجالَها وعاث فيها ثلاثةَ أيام؛ أي: أفسدَ، وقيل: خمسةَ أيام، ثم توجَّه إلى مكة، وذابَ كما يذوب الملح في الماء، ومات في الطريق.
"قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تأتي مَن أنتَ منه"؛ أي: ترجع إلى إمامك ومَن بايعتَه.
"قال: قلت: وأَلبَس السلاحَ؟ قال: شاركتَ القومَ إذاً"؛ أي: في الإثم، قاله لتأكيد الزجر عن إراقة الدماء، وإلا فالدفعُ واجبٌ.
"قلت: فكيف أصنع يا رسولَ الله؟ قال: إن خشيتَ أن يَبهَرَك شعاعُ السيف"؛ أي: يغلبَك ضوؤُه وبريقُه، والبَهْر: الغَلَبة، وقيل: الباهر: الشديد الإضاءة.
"فألقِ ناحيةَ ثوبكِ على وجهك"؛ يعني: لا تُحارِبْهم وإن حاربوك، بل اسلمْ نفسَك للقتل.
"لِيبوءَ"؛ أي لِيرجعَ القاتلُ "بإثمِك وإثمِه"، والاستسلام: إنما يكون إذا لم يمكن الفرار، وإنما أُمر بالاستسلام وعدم المحارب؛ لأن أولئك من أهل الإسلام.
* * *
4159 -
وعن عبدِ الله بن عَمْرِو بن العاصِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "كيفَ بكَ إذا بَقيتَ في حُثالَةٍ مِنَ النَّاسِ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأَماناتُهُمْ، واخْتَلَفُوا فكانُوا هكذا؟ " وشَبَّكَ بينَ أَصَابعِهِ، قال: فبمَ تأمُرُني؟ قال: "عليكَ بِما تعرِفُ، ودَعْ ما تُنكِرُ، وعَلَيكَ بخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإيَّاكَ وعَوَامَّهُمْ".
وفي روايةٍ: "اِلزَمْ بَيْتَكَ، واملِك عَليكَ، لسانَكَ، وخُذْ ما تَعْرِفُ، ودَعْ ما تُنكِرُ، وعليكَ بأمرِ خَاصَّةِ نفسِكَ، ودَعْ أَمْرَ العَامَّة"، صحيح.
"وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: كيف بك"؛ أي: كيف حالُك.
"إذا بقيتَ في حُثالةٍ من الناس"، والحُثالة بضم الحاء المهملة: الرديء من كل شيء.
"مَرَجَتْ"؛ أي: اختلطتْ وفَسدتْ.
"عهودُهم وأماناتُهم"؛ يعني: لا يكون أمرهم مستقيماً، بل يكون كلَّ يومٍ أو كلَّ لحظةٍ على طبعٍ وعلى عهدٍ، ينقضون العهودَ ويخونون الأماناتِ.
"واختلفوا، فكانوا هكذا، وشبَّك بين أصابعه"؛ يعني: يمزج بعضهم في بعض، فلا يُعرف الأمين والخائن، ولا البَرُّ ولا الفاجر.
"قال: فبمَ تأمرُني؟ قال: عليك بما تَعرِف"؛ أي: الزمْ بما تَعرف كونَه حقًّا وصواباً وافعلْه.
"ودَعْ"؛ أي: اتركْ "ما تُنكِر، وعليك بخاصة نفسك"؛ أي: الزمْ أمرَ نفسِك ودِينك واحفظْهم من الفساد.
"وإياك وعوامَّهم"؛ أي: اتركْهم ولا تتبعْهم، وفي هذا رخصةٌ منه عليه الصلاة والسلام في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كثرت الأشرار،
وقلَّت الأخيار، وضعفت الحال، ولم يقدروا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
"وفي رواية: الزمْ بيتَك، وأملِكْ عليك لسانَك" من: الإملاك، وهو الشَّدُّ والإحكام؛ يعني: شدَّ لسانَك؛ أي: أمسكْ لسانَك ولا تتكلمْ في أحوال الناس؛ كيلا يؤذوك.
"وخذْ ما تَعرِف، ودَعْ ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودَعْ أمرَ العامة. صَحَّ".
* * *
4160 -
عن أبي مُوسى، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: "إنَّ بينَ يَدَي السَّاعةِ فِتَناً كقِطَعِ اللَّيلِ المُظْلِمِ، يُصْبحُ الرَّجُلُ فيها مُؤْمِناً ويُمسي كافِراً، ويُمْسِي مُؤْمِناً ويُصْبحُ كافِراً، القاعِدُ فيها خَيْرٌ منَ القائِمِ، والماشي خيرٌ مِنَ السَّاعي، فكسِّرُوا فيها قِسِيَّكُمْ، وقطِّعُوا فيها أوْتاركمْ واضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بالحِجَارَةِ، والزَمُوا فيها أَجْوافَ بُيوتكُمْ، فإنْ دُخِلَ على أَحَدٍ منكُمْ فَلْيكُنْ كخَيْرِ ابنيْ آدمَ"، صحيح.
ويُروَى: أَنَّهم قالوا: فَما تأمُرُنا؟ قال: "كونوا أَحْلاسَ بُيُوتكُمْ".
"عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين يدَي الساعة فتناً كقِطَعِ الليل المُظلِم"؛ أي: تكون فتنة ملتبسة شائعة في الدنيا؛ لفظاعتها واستمرارها.
"يصبح الرجلُ فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعدُ فيه خيرٌ من القائم، والماشي خيرٌ من الساعي، فكسِّروا فيها قِسيَّكم" جمع: قَوس.
"وقطِّعوا فيها أوتاركم، واضربوا سيوفَكم بالحجارة"، إنما أَمَرَ بذلك؛
لأن تلك المحاربةَ تكون بين المسلمين.
"والزموا فيها أجوافَ بيوتكم، فإنْ دُخِلَ على أحدٍ منكم فليكنْ كخيرِ ابني آدم"؛ يعني: فليستسلمْ حتى يكونَ قتيلاً كهابيل، ولا يكونَ قاتلاً كقابيل.
"صح".
"ويروى: أنهم قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاسَ بيوتكم" جمع: حِلْس، وهو في الأصل: كِساء تحت بَزذَعَةِ البعير، وأحلاس البيوت: ما يُبسط تحت حُرِّ الثياب، ويقال للرجل اللازم لبيته ولا يبرح فيه: هو حِلْس بيته؛ أي: الزموا بيوتَكم ولا تخرجوا؛ كيلا تقعوا في الفتنة.
* * *
4161 -
وعن أُمِّ مالكٍ البَهْزِيَّةِ قالت: ذكَرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِتنةً فقَرَّبَها، قلتُ: مَنْ خيرُ النَّاسِ فيها؟ قال: "رَجُلٌ في ماشِيَتِهِ يُؤدِّي حَقَّها ويَعبُدُ ربَّهُ، ورَجُلٌ آخذٌ برَأْسِ فَرَسِهِ يُخِيْفُ العَدُوَّ ويُخوِّفُونَه".
"عن أم مالك البَهْزِية رضي الله عنها أنها قالت: ذكرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتنةً، فقرَّبَها"؛ أي: جعلها قريبة الوقوع؛ يعني: وصفَها للصحابة وصفاً بليغاً، فإن مَن وصفَ عند أحدٍ شيئاً وصفًا بليغاً فكأنه قرَّب ذلك الشيءَ إليه.
"قلت: مَن خيرُ الناس فيها؟ قال: رجلٌ في ماشيته"؛ يعني: هربَ من الفتنة ومخالطة الناس إلى بادية بعيدة، ويرعى مواشيَه ويقيم هناك.
"يؤدي حقَّها" من زكاتها.
"ويعبد ربَّه، ورجلٌ آخِذٌ برأس فرسه يُخيف العدوَّ" أراد به: الكفار.
"ويخوِّفونه"؛ يعني: أنه هربَ منها و [من] قتال المسلمين، وقصدَ ثغراً من الثغور يقاتل فئةَ الكفار ويقاتلونه، فبقي سالماً منها غانماً للأجر والمَثُوبة.
* * *
4162 -
عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ستكونُ فِتنةٌ تستنظِفُ العربُ قَتلاها في النَّارِ اللِّسانُ فيها أشدُّ منْ وَقْعِ السَّيفِ".
"عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتنةٌ تَستنظِفُ العربَ"؛ أي: تستوعبهم وتَصِلُ إلى جميعهم.
"قتلاها": جمع قتيل، بمعنى: مقتول.
"في النار": وإنما كانوا فيها؛ لإباحتهم القتالَ مع القاتلين، أو لأنهم لم يقصدوا إعلاءَ الدِّين ودفعَ الظلم عن المسلمين، بل قصدوا التفاخرَ والطمعَ في المال والمُلك.
"اللسانُ فيها أشدُّ من وقعِ السيفِ"؛ أي: التعرُّض لأهلها من الشتم والغِيبة وذِكرِهم بالسوء كالمحاربة معهم، لعل لمراد بهذه الفتنة: الحرب التي وقعت بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين معاوية؛ فإن أصحابَهما أكثرُهم كانوا أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
4163 -
وعن أبي هُريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستكونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْماءُ عَمْياءُ، مَنْ أَشْرَفَ لها استَشْرَفَتْ لهُ، وإِشْرافُ اللِّسانِ فيها كوُقُوعِ السَّيفِ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتنة صمَّاء بَكْمَاء"؛ يعني: لا يَقدِر أحدٌ أن يأمرَ بالمعروف أو ينهى عن المنكر، فمَن تكلَّم فيها بحقٍّ أُوذِيَ.
"عمياء": تقدم معنى (العمياء) و (الصَّمَّاء).
"مَن أَشرفَ لها"؛ أي: اطَّلع عليها وقَرُبَ منها.
"استَشرفتْ له"؛ أي: اطلعتْ تلك الفتنةُ عليه وجذبتْه إليها.
"وإشرافُ اللسان"؛ أي: إطالتُه "فيها كوقوع السيف".
* * *
4164 -
عن عبدِ الله بن عُمَرَ قال: كُنَّا قُعُوداً عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الفِتَنَ، فأَكثَرَ حتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ، فقالَ قائِلٌ: وما فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟ قال: "هيَ هَرَبٌ وحَرْبٌ، ثمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُها منْ تحتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بيتي، يَزْعُمُ أنَّهُ منِّي وليسَ منِّي، إنَّما أَوْليائي المُتَّقُونَ، ثمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ على رَجُلٍ كوَرِكٍ على ضلَعٍ، ثمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْماءِ لا تَدَع أَحَدًا مِنْ هذهِ الأُمَّةِ إلا لطَمَتْهُ لَطْمةً، فإذا قيلَ: انقضَتْ تمادَتْ، يُصْبحُ الرَّجُلُ فيها مُؤْمِناً ويُمْسِي كافِراً، حتَّى يَصيرَ النَّاسُ إلى فُسْطاطَيْنِ: فُسطاطِ إِيْمانٍ لا نِفاقَ فيهِ، وفُسْطاطِ نِفاقٍ لا إِيْمانَ فيهِ، فإذا كانَ ذلكُمْ فانتظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أوْ مِنْ غَدِه".
"عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كنا قعوداً"؛ أي: قاعدين.
"عند النبي صلى الله عليه وسلم، فذَكرَ الفتنَ، فأَكَثرَ"؛ أي: أكثرَ ذِكرَها.
"حتى ذَكرَ الأحلاس": إنما أُضيفت إلى (الأحلاس) لدوامها وطول لبثها، فإن الحِلْسَ يفرش على المكان ويبقى عليه ما دام لا يُرفَع، أو شبَّهها بها لسواد لونها وظلمتها.
"قال قائل: وما فتنةُ الأحلاس؟ قال: هي هَرَبٌ"؛ أي: فرارٌ، يفرُّ بعضُ الناس من بعض؛ لِمَا بينهم من المحاربة.
"وحَرَبٌ" بفتح الحاء والراء المهملتين؛ أي: أخذُ مالٍ وأهلٍ بغير استحقاق.
"ثم فتنة السرَّاء"؛ أي: ذكرَها، تسميتها بـ (السرَّاء)؛ لأنها تَسُرُّ العدوَّ، أو
لأن سببَ الوقوع فيها والابتلاء بها البَطَرُ وسَعَةُ النعمة؛ إذ السرَّاء هو الرخاء، فالإضافة للملابسة أو لكونه فتنةً واسعةً لكثرة الشرور والمفاسد فيها، وقيل:(سرَّاء) من: السَّرَر، داءٌ يأخذ الناقةَ في سُرَّتها، يقال: ناقة سرَّاء؛ أي: بها داء السَّرَر، فالمعنى: فتنة واقعة في الناس تُوجع صدورَهم من الحزن ولحوق الضرر بهم.
ويحتمل أن تكون صفة للفتنة، فأُضفيت إليها إضافةَ (مسجد الجامع) على تأويل: فتنة الحادثة السرَّاء.
"دَخَنُها"؛ أي: دخانُها، والمراد: ظهورها وإثارتها، شبتهها بالدخان المرتفع، يقال: دَخِنَتِ النارُ دَخَناً: إذا ارتفع دخانُها.
"من تحت قَدَمَي رجل"؛ أي: تَظهَر تلك الفتنة بواسطة رجل.
"من أهل بيتي، يزعم أنه مني" في الفعل، وإن كان مني في النَّسَب.
"وليس مني"؛ أي: من أخلَّائي، أو من أوليائي في الحقيقة، أو من أهلي في الفعل؛ لأنه لو كان من أهلي لم يهيج الفتنةَ.
"إنما أوليائي المتَّقون، ثم يصطلح الناسُ على رجلٍ كَورِكٍ على ضلَعٍ" واحد: الضلوع.
قال الخطابي: معناه: يصطلحون على بَيعةِ رجلٍ لا يَصلُح للخلافة، ولا يستقيم به الأمر، وهو تمثيل لعدم استقلاله بالمُلك وعدم ملائمته له، كالوَرِك لا يلائم الضلعَ، ولا يقوم به ولا يحمله.
"ثم فتنة الدُّهَيماء" تصغير: الدَّهماء، وهي الداهية، وقيل: السوداء المظلمة.
"لا تَدَعُ"؛ أي: لا تتركُ.
"أحداً من هذه الأمة إلا لطمتْه لَطمةً"، واللَّطم: الضرب على الوجه ببطن
الكَف، والمراد: أن أثر تلك الفتنة يعمُّ الناسَ ويَصِلُ إلى كل أحد ممن حضرها.
"فإذا قيل: انقضت"؛ أي: تلك الفتنةُ.
"تمادت"؛ أي: بلغتْ غايتَها.
"يصبح الرجلُ فيها مؤمناً"؛ لتحريمه دمَ أخيه وعِرضَه ومالَه.
"ويمسي كافراً" بتحليله ذلك.
"حتى يصيرَ الناس إلى فسطاطَين" يريد بالفسطاط: المدينة التي فيها مجتمع، وكل مدينة: فسطاط، ويقال لنوع من الأبنية في السفر مثل الخيمة.
"فسطاطُ إيمانٍ لا نفاقَ فيه، وفسطاطُ نفاقٍ لا إيمانَ فيه"؛ يعني: يصير أهلُ لك الزمان فرقتين: مؤمن خالص، وكافر خالص.
"فإذا كان ذلك فانتظروا الدجالَ من يومِه أو من غدِه".
* * *
4165 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وَيْلٌ للعَرَبِ مِن شَرٍّ قدِ اقترَبَ، أَفلَحَ مَنْ كَفَّ يدَهُ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويلٌ للعرب، من شرٍّ قد اقترب"، لعله يريد بهذا الشر: الاختلاف الذي يَظهَر في زمن عليٍّ ومعاوية، وبين الحسين وبين يزيد.
"أفلحَ مَن كفَّ يدَه"؛ أي: مِن المحاربة والمخاصمة.
* * *
4166 -
عن المِقْدادِ بن الأَسْوَدِ: أنَّه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ السَّعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السَّعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السَّعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ
الفِتَنَ، ولَمَنْ ابتُلِيَ فَصَبَرَ فَواهاً".
"عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفتنَ"؛ أي: بَعُدَ عنها.
"إن السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفتنَ، إن السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفتنَ، ولَمَنْ ابتُلي"؛ أي: وقعَ في الفتنة.
"فصبر" على أذاهم ولم يحاربهم.
"فواهاً" معناه: التلهُّف، وقد يُوضَع موضعَ الإعجاب بالشيء والاستطابة له، وهو المراد هنا؛ أي: ما أحسنَ وأطيبَ صَبْرَ مَن صَبَرَ عليها! وقد يَرِدُ بمعنى: التوجُّع، وقيل: معناه: فطُوبَى له.
* * *
4167 -
عن ثوبانَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وُضعَ السَّيْفُ في أُمَّتي لم يُرفَعْ عَنْها إلى يَوْمِ القِيامَةِ، ولا تقومُ السَّاعَةُ حتَّى تَلْحَقَ قبائِلُ مِنْ أُمَّتي بالمُشْرِكينَ، وحتَّى تَعْبُدَ قبائِلُ مِنْ أُمَّتي الأَوْثانَ، وأَنَّهُ سيكونُ في أُمَّتي كذَّابونَ ثلاثونَ، كُلُّهمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ الله، وأنا خَاتَمُ النَّبيينَ لا نبيَّ بَعْدِي، ولا تَزَالُ طائفة مِنْ أُمَّتي على الحَقِّ ظاهِرينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالَفَهُمْ حتَّى يأتيَ أمرُ الله".
"عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: إذا وُضع السيف في أمتي، لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي الله، وأنا خاتم النبيين، لا نبيَ بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله":
تقدم بيانه في (باب العلم).
* * *
4168 -
عن عبدِ الله بن مَسْعودٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"تدورُ رَحَى الإِسلامِ لخَمْسٍ وثلاثينَ، أو سِتٍّ وثلاثينَ، أو سَبعٍ وثلاثينَ، فإنْ يَهْلِكُوا فَسَبيلُ مَنْ هَلَكَ، وإنْ يَقُم لهمْ دينُهُمْ يقُمْ لهمْ سبعينَ عاماً". قلتُ: "أَمِمَّا بقيَ أوْ مِمَّا مَضَى؟ قال: "مِمَّا مَضى"، صحيح.
"عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: تدور رحى الإسلام": وهو أن ينتظمَ أمره، من قولهم: فلان رحى القوم؛ أي: سيدهم، سمي به لانتظام أمرهم به، والمعنى: أن أمر الإسلام يستقر ويدور على ما ينبغي.
"لخمس وثلاثين": ففيها مقتل عثمان رضي الله عنه، وهو فتنة الدار، ولم يكن قبلها في الإسلام، واللام بمعنى:(في).
"أو لست وثلاثين": شك من الراوي، ففيها خرج طلحة والزبير إلى حرب الجمل.
"أو لسبع وثلاثين": ففيها حرب صفين، بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة.
"فإن يهلكوا"؛ أي: اختلفوا بعد ذلك، واستهانوا بالدين.
"فسبيل من هلك"؛ أي: سبيلهم سبيل من هلك قبلهم من الأمم السالفة الذين زاغوا عن الحق، سمي الاشتغال بأسباب الهلاك هلاكاً تسميةً للسبب باسم المسبب.
"وإن يَقُمْ لهم دينُهم"؛ أي: إن عاد أمرهم إلى ما كان عليه من إيثار الطاعة ونصرة الحق.
"يَقَمْ لهم"؛ أي: تمادى لهم قوة الدين.
"سبعين عاماً، قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ "؛ يعني: قيام دينهم تلك المدة بعد خمس وثلاثين أم يكون مع الخمسة والثلاثين؟
"قال: مما مضى"؛ يعني: يكون مع الخمسة والثلاثين.
قال الخطابي: دوران الرحى: كناية عن امتداد الحرب والقتال، شبَّهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب؛ لما فيها من هلاك الأنفس، وفسر الدين بالملك، يريد به: ملك بني أمية وانتقاله إلى بني العباس، وكان ما بين استقرار الملك لبني أمية إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بني أمية نحواً من سبعين سنة.
ردَّ بعض الشارحين قول الخطابي بأن ما ذكره مخالفٌ لظاهر الحديث ولسياقه؛ لأنا لم نجدهم يستعملون دوران الرحى في أمر الحرب من غير جريان ذكرها والإشارة إليها.
وقال: لو تأمل الخطابي الحديث كلَّ التأمل وبنى التأويل على سياقه؛ لعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد ملك بني أمية دون غيرهم من الأمة، فإن الملك في بعض الأيام العباسية، لم يكن أقل استقامة منه في الأيام المروانية، ومدة إمارة بني أمية من معاوية إلى مروان بن محمد كانت نحواً من تسع وثمانين سنة، والتواريخ تشهد له، بل أراد: استقامة أمر الأمة في طاعة الولاة وإقامة الحدود والأحكام، وجعل المبدأ فيه أول زمان الهجرة، وأخبرهم: أنهم يلبثون على ما هم عليه خمساً أو ستاً أو سبعاً وثلاثين، ثم يشقون عصا الخلاف، فتفترق كلمتهم.
* * *