المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - كتاب الرؤيا - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌22 - كتاب الرؤيا

‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

ص: 131

22 -

كِتَابُ الرُّؤْيَا

(كتاب الرؤيا)

وهو ما يُرى في المنام، يقال: رأى في منامِه رُؤْيا - بلا تنوين - بمعنى الرؤية، لكن فُرقَ بينَ ما يُرى مناماً ويقظة بتاء التأنيث وألفه.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3559 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يَبْقَ مِن النُّبوَّةِ إلَّا المبشِّراتِ"، قالوا: وما المُبشَراتُ؟ قال: "الرُّؤيا الصَّالحةُ يَراها المسلمُ، أو تُرَى لهُ".

"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: لم يَبْقَ مِن النُّبوة"؛ أي: من أجزاءِ النبوة.

"إلَّا المبشِّرات، قالوا: وما المبشِّرات؟ قال: الرؤية الصالحِة"؛ أي: الحسَنَةُ، وقيل: أي: الصحيحة.

"يَراها المسلمُ"؛ أي: لنفسِه.

"أو ترَى له" عليّ بناء المجهول؛ أي: يَراها مسلم لأجل مسلم آخرَ.

* * *

ص: 133

3560 -

وقال: "الرّؤيا الصَّالحةُ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأربعينَ جُزْءاً مِن النُّبوَّةِ".

"عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة جُزْء مِن ستةٍ وأربعين جُزْءاً من النّبوَّة"، قيل: هذا إخبارٌ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عن رؤياه؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم أنبأَ بالرؤيا في بدءِ نبَّوتهِ ستةَ أشهُرٍ وكانَ زمانُ نبوتهِ ثلاثًا وعشرين سنة، فزمانُ رؤياه بالنسبةِ إلى جميعِ زمانِ وَحْيه جزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءًا.

3561 -

وقال: "مَن رآني في المنامِ فقد رآني فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ في صورتي".

"وعنه قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: مَن رآني في المنام فقدْ رَآني"؛ أي: قدَ رأى مِثَالِي.

"فإنَّ الشيطانَ لا يتمثَّلُ بي"؛ أي: لا يكونُ على مثِالي، وهذا غير مختصِّ بنبينا صلى الله عليه وسلم بل جميعُ الأنبياء معصومون من أنْ يظهرَ شيطان بصُوَرهم في النوم واليقظَة؛ لئلا يشتَبهَ الحقُّ بالباطل، ويروى:(في صورتي).

* * *

3562 -

وقال: "مَن رآني فقد رأى الحَقَّ".

"عن أبي قَتادة قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: مَن رآني في المنامِ فقدْ رأى الحَقَّ"؛ أي: الرؤيا الصادقة.

* * *

3563 -

وقال: "من رَآني في المنامِ فسَيراني في اليقَظةِ، ولا يتمثَّلُ الشَّيطانُ بي".

"وعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: مَنْ

ص: 134

رآني في المنام فسَيَراني في اليَقَظَة"، والمرادُ به يقظةُ دارِ الآخرةِ، وبرؤيتهِ فيها الرؤيةَ الخاصَّة بالقُرْب منه، وقيل: المرادُ به أهلُ عَصْرِه، معناه: مَن رآني في المنامِ ولم يكنْ هاجَرَ ورزقَه الله الهِجْرةَ وفي رؤيته في اليقظة.

"ولا يتمثَّلُ الشيطانُ بي".

* * *

3564 -

وقال: "الرُّؤيا الصَّالحةُ مِن الله، والحُلْمُ مِن الشَّيطانِ، فإذا رَأَى أحدكم ما يُحِبُّ فلا يحدِّثْ بهِ إلَّا مَن يُحِبُّ، وإذا رَأَى ما يكرهُ فليتعوَّذْ بالله مِن شرِّها ومِن شرِّ الشَّيطانِ وليتفُلْ ثلاثًا، ولا يُحدِّثْ بها أحدًا فإنَّها لن تَضُرَّه".

"وعن قَتادَة قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: الرؤيا الصالحةُ مِن الله "؛ أي: بشارةٌ منه تعالى له بالخيرِ، مثل أن يَرى في منامه شيئًا فيه بِشَارةٌ، أو تنبيهٌ عن الغَفْلَة.

"والحُلمُ من الشيطان": وهو - بضم الحاء - ما كان من وساوس الشيطانِ، مثل أن يَرى أنه شَرِبَ الخَمْرَ، أو يقتلَ، أو يَزْنيَ وغير ذلك من المُحَرَّمات، ولمَّا كانت الرؤيا الصالحةُ موسومة بالحقّ أضافَها إلى الله تعالى، ولمَّا كانت الحلم تخليطاً لا حقيقة له أضافها إلى الشيطان وإن كان كل منهما بقضاء الله تعالى.

"فإذا رأى أحدكم ما يحبُّه فلا يحدِّث به إلَّا مَن يُحِبُّ"؛ لأنَّ مَن لا يحبُّه لا يأمَن مِن تأييد تعبيره بسوء، قال الله تعالى حكاية عن يعقوب ويوسف:{يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5].

قال عمر رضي الله تعالى عنه: إذا رأى أحدَكم رؤيا فقصَّها على أخيه فليقلْ: خيراً لنا وشراً لأعدائنا.

ص: 135

"وإذا رأى ما يَكْرَهه فليتعوَّذْ بالله من شَرِّها وشَرِّ الشيطانِ، وليَتْفُلْ"؛ أي: ليرْمِ البُصَاقَ من طَرَفِ لسانهِ "ثلاثاً"؛كراهة لتلك الرؤيا وطَرْداً للشيطان.

"ولا يحدِّثْ بها أحداً"؛ لئلا يزدادَ هماً.

"فإنَّها لن تَضُرَّه".

* * *

3565 -

وقال: "إذا رَأَى أحدُكم الرُّؤيا يكرهُها فلَيَبْصُقْ عن يسارِه ثلاثًا، ولِيستَعِذْ بالله مِن الشَّيطانِ ثلاثًا، وليتحوَّلْ عن جنبه الذي كانَ عليهِ".

"وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: إذا رأى أحدكم الرؤيا يَكرَهُها فليَبْصُقْ عن يسارِه ثلاثًا، وليستعِذْ بالله من الشيطان ثلاثًا"، قصدًا لطَرْدِه عنه.

"وليتحوَّلْ"؛ أي: لينْقُلْ "عن جَنْبهِ الذي كان عليه" إلى جَنْبه الآخر، ليزولَ عنه رؤيةُ حلم الشيطانِ.

* * *

3566 -

وقَال: "إذا اقتَربَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكذِبُ رؤُيَا المُؤْمنِ، ورُؤيَا المُؤْمنِ جُزْء مِن سِتَّةٍ وأربَعِينَ جُزْءاً مِن النُّبوَّةِ، ومَا كَانَ مِن النُّبوَّةِ فإنَّه لا يَكْذِبُ"، رواهُ مُحمَّدُ بن سِيرِينَ، عَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَال مُحَمَّدٌ: وأَنا أقُولُ: الرُّؤيا ثَلاثٌ: حَدِيْثُ النَّفسِ، وتَخْوْيفُ الشَّيطانِ، وبُشرَى مِن الله، فمَنْ رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُه فلا يقُصَّه عَلى أَحَدٍ، ولْيقُمْ فليُصَلِّ، قَال: وكَانَ يَكرَهُ الغُلَّ في النَّومِ ويُعْجبُه القَيْدُ، ويُقالُ: القَيْدُ ثبات في الدِّينِ. وأَدْرجَ بعضُهم الكُلَّ في الحَديثِ.

"وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم:

ص: 136

إذا اقتربَ الزمانُ لم تَكَدْ تكذِبُ رؤيا المؤمنِ"، المراد منه اقترابُ الساعة، وقيل: وقت اعتدالِ اللَّيل والنهار؛ لأنَّ عند ذلك تَصِحُّ الأمزِجَةُ فتكونُ الرؤيا آمنةً عن التَّخَالِيط، وقيل: المرادُ منه زمان يستَقْصِرُ ويتقارَبُ أطرافُه حتَّى يكونَ السنةُ كالشهر، والشهرُ كالجمعة، والجمعةُ كاليوم، واليومُ كالساعة؛ لاستلذاذِه وَبْسطِ العَدْل فيه، وذلك يكونُ في زمانِ المَهْدِيِّ، ويحتملُ أنه أرادَ بذلك إذا قَرُبَ أَجَلُ الرجل بسِن الكهولةِ والمَشِيبِ فإنَّ رؤياه قلَّما يكذِبُ لذهاب الظُّنونِ الفاسِدَةِ، وتوُّزع الشهواتِ عنه، قيل: رؤيا الليلِ أَقْوى مِن رؤيا النَّهارِ وأصدَقُ ساعاتهِ وقتَ السَّحَر.

"ورؤيا المؤمنِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعين جُزْءاً من النُّبوةِ، وما كانَ من النُّبوةِ فإنَّه لا يكذِبُ، رواه محمد بن سيرين": وهو مِن التَّابعين.

"عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال محمد بن سيرين: وأنا أقولُ: الرؤيا ثلاثة: حديثُ النفس"، كمَنْ يكونُ في أمر وفي حِرفة يَرى نفسَه في ذلك الأمر، وكالعاشق يَرى معشوقَه، ونحو ذلك.

"وتخويف الشيطانِ"، بأنَّ يلعبَ بالإنسانِ فيُرِيَه ما يُحزِنُه كقوله تعالى:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10] ومِن لَعِبهِ به الاحتلامُ الموجِبُ للغُسْل، وهذان لا تأويلَ لهما.

"وبُشْرَى من الله"، بأنَّ يأتَيك به مَلكُ الرؤيا من نسخةٍ أمِّ الكتابِ؛ يعني من اللوح المحفوظ، وهذا هو الصحيحُ من الرؤيا، وما سوى ذلك أضغاثُ أحلام.

"فمَنْ رأى شيئًا يَكْرَهُه فلا يَقُصَّه على أحدٍ، ولتقُمْ فليصلِّ، قال"؛ أي: ابن سيرين وأبو هريرة: "وكانَ"؛ أي: النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "يكره الغُلَّ في النوم"؛ لأنَّه كُفْرٌ لقوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64]، {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ

ص: 137

أَغْلَالًا} [يس: 8] وقد يكونُ بُخلاً لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: 29] وقد يكون كفًّا عن المعاصي بأنَّ يراه الصالح.

وقيل: ضمير (قال) يعود إلى أيوب، وهو الذي يَروي عن ابن سيرين - رضي الله تعالى عنه - كان يعودُ إلى ابن سيرين، أو في (قال) ضمير ابن سيرين، وفي (كان) ضمير أبي هريرة، وإنَّما يكره الغُلَّ؛ لأنَّه تقييدُ العُنُقِ وتثقيلُه، وذلك يكونُ بتحمُّلِ الدِّيون، أو المظالم، أو كونهِ محكوماً ورقيقاً متعلِّقاً بشيء، أو لأنَّه في حقِّ الكُفار في النَّار.

"ويُعجبُه القَيْدُ"؛ أي: يحبُّ القَيْد.

"ويقال: القيدُ ثباتٌ في الدِّين"؛ يمنعه صاحبُه عن النُّهوض والتقلُّب، فهو كالوَرَعِ المانعِ صاحبَه عمَّا لا يوافِقُ الدِّين، وهذا إذا كان مقيَّداً في مسجدٍ أو في سبيلٍ من سُبُل الخير، أو عملٍ من أعمال البرِّ، فإنْ رآه مسافِراً فهو إقامةٌ عن السَّفَر.

"وأدرجَ بعضُهم الكُلَّ في الحديثِ"، قال أبو عبد الله الثَّقفيُّ: عن أيوبَ السِّجستاني عن محمدِ بن سيرينَ: إنَّ الرؤيا ثلاثة. . . إلخ، من جملة الحديثِ لا مِن قولِ محمد بن سيرين.

* * *

3567 -

عَنْ جَابرٍ قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: رأيتُ في المَنامِ كَأنَّ رأْسِي قُطِعَ، قال: فضحِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال: "إذا لَعِبَ الشَّيطَانُ بأحدِكمُ في مَنامِه فلا يُحدِّثْ به النَّاسَ".

"عن جابرٍ رضي الله عنه أنه قال: جاءَ رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: رأيتُ في المنامِ كأنَّ رأسي قُطِعَ، قال"؛ أي: جابر: "فضَحِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال: إذا لعبَ الشيطانُ

ص: 138

بأحدِكم في منامهِ فلا يحدِّثْ به النَّاسَ".

* * *

3568 -

وعَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ ذاتَ ليلَةٍ فِيْمَا يرَى النَّائمُ كأنَّا في دَارِ عُقبةَ بن رافِعٍ، فأُتِيْنا برُطَبٍ مِن رُطَبِ ابن طَابٍ، فأَوَّلتُ أنَّ الرِّفعةَ لنا في الدُّنيا، والعَاقِبةَ في الآخِرَةِ، وأَنَّ دينَنَا قَدْ طَابَ".

"وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: رأيتُ ذاتَ ليلةٍ"، (ذات) زائدة.

"فيما يَرى النائمُ كأنَّا في دار عُقبَة بن رِافع فأُتينا"، عليّ بناء المجهول.

"بُرطَبٍ مِن رُطَب ابن طَابٍ" رجلِ من أهل المدينة يُنْسَب إليه الرُّطَب والتَّمر.

"فأَوَّلْتُ أنَّ الرفعةَ لنا في الدُّنيا والعاقبةَ في الآخرة، وأنَّ دينَنا قد طابَ"؛ أي: كَملَ وحَسُنَ وزالَ المَكَارِه، أخذَ صلى الله عليه وسلم الرفعةَ من لفظ (رافع)، والعاقبة من لفظ (عُقْبة)، والباقي من لفظ (طاب)، وفيه إشارةٌ إلى أن تعبيرَ الرؤيا قد يؤخَذ من حروف كلماتِه ودلالةِ اشتقاقِها.

* * *

3569 -

عَنْ عبدِ الله بن عُمرَ رضي الله عنه، في رُؤْيَا النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في المَدِيْنَةِ:"رَأَيْتُ امْرَأة سَوداءَ ثائِرةَ الرأسِ، خرجَتْ مِن المَدينةِ حتَّى نزلَتْ مَهْيَعَةَ، فتأَوَّلْتُها: أنَّ وَبَاءَ المَدينةِ نُقِلَ إلى مَهْيَعةَ، وَهِي الجُحْفَةُ".

"عن عبد الله بن عمرَ رضي الله عنهما في رؤيا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة"؛ أي: في حقِّها.

"رأيتُ امرأةً سوداءَ ثائرةَ الرأسِ"؛ أي: منتشِراً شعرُه.

ص: 139

"خرجتْ من المدينة حتى نزلتْ مَهْيَعة"، بفتح الميم والياء.

"فَأَّوَّلتُها أن وباءَ المدينةِ نقُلَ إلى مَهْيَعَة، وهي الجُحْفَة"، ميقاتُ أهلِ الشام، وهو موضعٌ شديدُ الوَخَامة.

* * *

3570 -

وعَنْ أبي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"رأيتُ في المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِن مكَّةَ إلى أرضٍ بها نَخْل، فذهبَ وَهَلي إلى أنَّها اليَمامةُ، أو هَجَر، فإذا هِيَ المَدِينةُ يَثْرِبُ، ورأيتُ في رُؤيَايَ هذه أنِّي هَزَزْتُ سَيْفاً فانقَطَعَ صَدْرُهُ، فإذا هُوَ ما أُصِيْبَ مِن المُؤْمِنينَ يَومَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُه أُخرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فإذا هُوَ مَا جاءَ الله بهِ مِن الفَتْح واجتِمَاعِ المُؤْمنينَ".

"عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيتُ في المنامِ أنِّي أهاجِرُ من مكةَ إلى أرضٍ بها نخلٌ، فذهبَ وَهْلي"، بفتح الواو وسكون الهاء؛ أي: وَهْمي.

"إلى أنها اليمامُة أو هَجَر" بفتح الهاء والجيم، وهما بلدتان معروفتان.

"فإذا هي المدينةُ "يَثْرِب": عطف بيانِ للمدينة.

"ورأيتُ في رؤيايَ هذه أني هَزَزْتُ"؛ أي: حَرَّكْتُ "سيفاً فانقطعَ صَدْرُه"؛ أي: صدْرُ السَّيف.

"فإذا هو ما أُصِيبَ من المؤمنين"؛ بيانٌ للموصول.

"يومَ أُحُد"، إنما أَوَّلَ صلى الله عليه وسلم السيفَ بالمؤمنين؛ لأنهم أنصارُه، وكان صلى الله عليه وسلم يصولُ بهم كما يصولُ الرجلُ بسيفهِ، وأَوَّلَ انقطاعَ صَدْرِه بما استشهدَ يومَ أُحُدٍ معظَمُ عَسْكَرِه كحمزة وغيرِه الذين كانوا كالصَّدْر في جيشِه، وهَزُّه صلى الله عليه وسلم هو حَثُّهم على الجهاد.

"ثم هَزَزْتُه أُخْرَى"، وفيه إشارةٌ إلى أنه صلى الله عليه وسلم حملَهم على الجِهَاد على ذلك

ص: 140

اليومِ مَرَّةَ أُخْرَى.

"فعادَ"؛ أي: السيفُ "أحسنَ ما كانَ، فإذا هو ما جاءَ الله به من الفَتْح واجتماعِ المؤمنين".

* * *

3571 -

وعَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتيْتُ بخزائِنِ الأَرْضِ، فوُضعَ في كَفِّي سِوارَانِ مِن ذَهَبٍ فكبُرا عَلَيَّ، فأُوحِيَ إِليَّ: أن انفُخْهُما، فَنَفَخْتُهُما فذَهَبا، فأَوَّلتُهُما الكذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بينَهمَا: صَاحِبَ صَنعاءَ، وصَاحِبَ اليَمامةِ".

وفي رِوايةٍ: "يُقالُ لأَحدِهِما: مُسَيْلمةُ صَاحِبُ اليمامةِ، والعَنْسيُّ صَاحِبُ صَنعاءَ".

"عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائمٌ أُتِيتُ"، على بناء المَجْهول.

"بخزائنِ الأرضِ"؛ يعني أتاني المَلَكُ بمفاتيحِ خَزَائِنِ الأرضِ، وقيل: أُتَي بالخزائنِ حقيقة إشارة إلى تملُّك أمتهِ عليها بفتح البلادِ عُنوةً ودعوةً.

"فُوضعَ"؛ أي: مِن خزائنِ الأرض "في كَفِّي سِواران من ذهبٍ فكَبُرَا"؛ أي: ثَقُلا "عليَّ"؛ لكراهةِ نفسي إياهما.

"فأُوحِيَ إلي أن انفُخْهما"، (أن) هذه مفسِّرة لتضمُّنِ (أوحي) معنى القول، وفيه إرشاد إلى سهولةِ أمرِهما وذهابهمِا بأدْنىَ سَعْي.

"فنفخْتُهما فذهبَا، فأوَّلْتُهما الكذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أنا بينَهما؛ صاحبُ صنعاء" وهو الأسودُ العَنْسِي، "وصاحبُ اليَمامة" مُسَيلَمةُ الكَّذاب، رجلان ادَّعيا النبوةَ في عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وجهُ تأويلهِما بالكَذَّابَين أن السِّوَارَين كالقَيْد لليدِ يمنُعها عن البَطْشِ، فكذا الكَذَّابان يقومان بمعارضةِ شريعتهِ ويصُدَّان عن نفاذِ أمرِها، أمَّا

ص: 141

الأسودُ العَنْسي فقد قتلَه فيروز الدَّيْلَمي في مَرَضِ وفاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلمَّا بلغَه خبرُ قتلِه قال: فازَ فيروزُ، وأمَّا مُسيلمةُ فقد قتلَه الوحشيُّ قاتلُ حمزةَ في خلافةِ الصِّديق، فلمَّا قتلَه قال: قتلتُ خيرَ النَّاسِ في الجاهلية وشَرَّ النَّاسِ في إسلامي.

"وفي رواية قال: أحدُهما: مُسَيلَمةُ صاحبُ اليمامة، والعَنْسِيُّ صاحبُ صنعاء": بلدة باليمن.

* * *

3572 -

وقالت أمُّ العَلاءَ الأنصاريَّةُ: رأيتُ لِعثُمانَ بن مَظْعُونٍ رضي الله عنه في النَّومِ عَيْناً تَجرِي، فقَصَصْتُها على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ذاكَ عَمَلُه يُجْرَى لهُ".

"وقالت أمُّ العلاءَ الأنصاريةُ: رأيتُ لعثمانَ بن مظعون"، بفتح الميم وسكون الظاء المعجمة.

"في النوم عيناً تَجْرِي"، وكانت هذه الرؤيا بعد وفاةِ عثمان.

"فقصَصْتُها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ذاك عملُه يُجْرَى له"، عبَّرَ صلى الله عليه وسلم العينَ الجاريةَ له بأعمالهِ الصالحةِ التي يَصِلُ ثوابهُا إليه.

* * *

3573 -

عن سَمُرَةَ بن جُنْدبٍ رضي الله عنه قَال: "كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى أقبلَ علينا بوجْهِهِ فَقَال: "مَن رَأَى مِنْكُم اللَّيلةَ رؤيا؟ " قال: فإِنْ رَأَى أحدٌ قَصَّها، فيقولُ: "ما شاءَ الله! " فسألنا يَوْماً فقال: "هل رَأَى منكُم أَحَدٌ رؤيا؟ " قُلْنَا: لا، قال: "لكنِّي رأيتُ الليلةَ رَجُلَيْنِ أتَياني، فأَخَذا بيدَيَّ فأَخْرجاني إلى أرْضٍ مُقدَّسةٍ، فإذا رَجُلٌ جَالِسٌ، ورَجُلٌ قائمٌ بيدِهِ كلُّوب مِن حَديدٍ، يُدْخِلُه في شِدْقِه فيُشقَّه حتَّى يبلُغَ قَفاهُ، ثم يفعَلُ بشِدْقِه الآخرِ مِثلَ ذلكَ، ويَلتئمُ شِدْقُه هذا،

ص: 142

فيعَودُ فيصْنَعُ مِثلَه، قُلْتُ: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ، فانطلَقْنا حتَّى أتيْنا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجعٍ على قفَاهُ، ورَجُلٌ قائمٌ على رأسِهِ بِفِهْرٍ أو صَخْرةٍ يشْدَخُ بِهِ رأسَهُ، فإذا ضَرَبَه تَدَهْدَهَ الحَجرُ، فَانطَلقَ إليهِ لِيأْخُذَه، فلا يرجِعُ إلى هَذا حتَّى يلْتَئِمَ رأسُهُ، وعَادَ رأسُهُ كَمَا كَانَ، فعادَ إليهِ فضرَبَه، فقلْتُ: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ، فانطلَقْنا حتَّى أتيْنا إلَى نَقْبٍ مِثلِ التَّنُّورِ، أَعْلاهُ ضَيقٌ وأسفَلُه واسِعٌ، تتوقَّدُ تحتَه نارٌ، فإذا اتَّقدَتْ ارتفعُوا حتَّى يَكادوا يَخرُجُونَ منها، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها، وفيها رِجَالٌ ونسَاءٌ عُراةٌ، فَقُلتُ: ما هذا؟ قَالا: انطلِقْ، فانْطَلَقْنا حتَّى أتيْنا على نَهرٍ مِن دَمٍ، فيهِ رَجُل قائمٌ، وعلى شَطِّ النَّهرِ رَجُل بَيْنَ يَدَيهِ حِجارَةٌ، فأقبلَ الرَّجُلُ الذي في النَّهرِ، فإذا أرادَ أنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلَ بحَجَرٍ في فِيْهِ، فردَّه حيثُ كان، فجعَلَ كُلَّما جَاءَ ليخرُجَ رَمَى في فِيْهِ بحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَان، فَقُلتُ: مَا هذا؟ قَالا: انْطَلقْ، فانطلَقْنا حتَّى انتهَيْنا إلى رَوضةٍ خَضراءَ فيها شَجرةٌ عظيمةٌ، وفي أَصْلِها شَيْخٌ وصِبْيانٌ، وإذا رَجُل قريبٌ مِن الشَّجَرةِ بَيْنَ يَدَيهِ نارٌ يوقدُها، فصَعَدا بيَ الشَّجَرةَ فأَدخَلاني دارًا أَوْسَطَ الشَّجرةِ لم أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ منها، فيها رِجَالٌ شُيوخٌ وشُبَّانٌ ونِساءٌ وصِبيَانٌ، ثم أخرَجاني منها فصَعَدا بيَ الشَّجرةَ، فأدخلاني دارًا هي أفضلُ وأحسنُ، فيها شُيوخٌ وشبَّانٌ، فقلتُ لهما: إنَّكما قد طَوَّفتُمانِي اللَّيلةَ فأخبراني عمَّا رأيتُ، قالا: نعم، أمَّا الّذي رأيتَه يُشَقُّ شِدقُه فكذَّابٌ يُحدث بالْكَذْبَةِ فتُحْمَلُ عَنْهُ حتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ، فيُصنَعُ بهِ ما تَرَى إلى يومِ القيامةِ، والَّذي رأيتَه يُشدَخُ رأسُه فرجلٌ علَّمَه الله القُرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ ولم يعملْ بما فيه بالنَّهارِ، يُفعَلُ بهِ مَا رأيتَ إلى يومِ القيامةِ، والذي رأيتَه في النَّقْبِ فهم الزُّناةُ، والذي رأيتَهُ في النَّهرِ آكلُ الرِّبا، والشَّيخُ الَّذي رأيتَه في أصلِ الشَّجرةِ إبراهيمُ عليه السلام والصِّبيانُ حَوْلَه فأولادُ النَّاسِ، والَّذي يوقِدُ النَّارَ مالِكٌ

ص: 143

خازِنُ النَّارِ، والدَّارُ الأُولَى التي دَخْلَتَ دارُ عامَّةِ المؤمنينَ، وأمَّا هذه الدَّارُ فدارُ الشُّهداءِ، وأَنَا جِبْريلُ، وهذا مِيْكائِيْلُ، فارفعْ رأسَكَ، فرفعْتُ رأسي فإذا فوقي مثلُ السَّحاب - وفي رِوَايةٍ: مثلُ الرَّبابةِ البَيْضَاءِ - قالا: ذاكَ منزلُكَ، قلتُ: دَعاني أَدْخُلْ منزِلي، قالا: إِنَّه بَقِيَ لكَ عُمُرٌ لَمْ تَستكمِلْهُ فلو استكمَلْتَهُ أتيتَ منْزِلَك".

"عن سَمُرَة بن جُنْدَب أنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى"؛ أي: صلاةَ الصُّبْحِ وفرغَ من أورادهِ.

"أقبلَ علينا بوجههِ فقال: مَن رأى منكم الليلةَ رؤيا؟ ": على وزن فُعلَى بلا تنوين.

"قال"؛ أي: الراوي: "فإنَّ رأَى أحدٌ قَصَّها"؛ أي: أخبرَ بتلك الرؤيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

"فيقول"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم في تعبيره "ما شاء الله"؛ أي: ما يُلْهِمُه الله تعالى على قَلْبه، ويُجْرِي على لسانه.

"فسألَنا"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم "يومًا فقال: هل رأى منكم أحدٌ رؤيا؟ قلنا: لا، قال: لكنِّي رأيتُ الليلةَ رَجْلَين أتَياني فأخَذَا بيدِي فأخْرَجَاني إلى أرضٍ مُقدَّسة"؛ أي: مطهَّرة مطيبَّة، وهي الشَّام.

"فإذا رجل جالسٌ، ورجل قائمٌ بيدِه كَلُّوب" بفتح الكاف وتشديد اللام المضمومة: حديد معوجَّةُ الرأسِ.

"من حديدٍ، يُدْخِلُه في شِدْقَهِ" بكسر الشين المعجمة وسكون الدال المهملة، وهو طرفُ شفتيه من جانبِ الأُذُن.

"فيشقُّه حتَّى يبلغَ قفاه، ثم يفعلُ بشِدْقِه الآخرِ مثلَ ذلك، ويلتَئِمُ شِدْقُه هذا"؛ أي: يبَرأ شِدْقُه المشقوقُ.

ص: 144

"فيعودُ فيَصْنَعُ مِثلَه، فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطِلْق"؛ أي: اذهبْ.

"فانطلْقنا حتَّى أتيْنا على رجلٍ مضطجعٍ على قَفَاه ورجلٍ قائمٍ على رأسِه بِفِهْر": بكسر الفاء، وهو الحَجَر مِلْء الكَفِّ.

"أو صخرةٍ"، شكٌّ من الراوي.

"يَشْدَخُ" بالشين والخاء المعجمتين وبفتح الدال المهملة؛ أي: يَكْسِرُ "به رأسَه، فإذا ضربَه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ"؛ أي: تَدَحْرَجَ.

"فانطلقَ إليه"؛ أي: الرجلُ إلى ذلك الحَجَر.

"ليأخذَه فلا يرجِعُ إلى هذا"؛ أي: ذلك الرجلُ إلى هذا المَشْدُوخ.

"حتَّى يلتَئِمَ رأسُه، وعادَ رأسُه كما كان"، هذه الجملةُ تأكيدٌ لمَا قبلَها.

"فعادَ إليه فضربَه، فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ فانطلَقْنا حتَّى أتينْا إلى نَقْبٍ"؛ أي: ثُقْبَة "مثلِ التَّنُّور، أعلاه ضَيقٌ وأسفلُه واسعٌ، تتوقَّدُ تحته نارٌ فإذا اتَّقدَتِ"؛ أي: اشتعلتْ النارُ "ارتفعُوا"؛ أي: النَّاسُ الذين في النَّقْب.

"حتَّى يكادُوا يخرجون منها فإذا خَمدَتْ" بفتح الخاء المعجمة والميم؛ أي: سكنَ لَهبُها.

"رجَعُوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ فانطلَقْنا حتَّى أتيْنا على نهرٍ من دَمٍ فيه رجل قائمٌ، وعلي شَطِّ النَّهْرِ"؛ أي: طرفه "رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبلَ الرَّجُلُ الذي في النهر فإذا أرادَ أن يَخْرُجَ رمى الرجلَ بحجَرٍ في فيه فردَّه حيث كان، فجعلَ كما جاءَ ليخرُجَ رمى في فيه بحجرٍ فيرجِعُ كما كان، فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطلِقْ، فانطلقْنا حتَّى أتينا إلى روضةٍ خضراءَ فيها شجرةٌ عظيمة، وفي أصلِها شيخٌ وصِبيان، فإذا رجلٌ قريبٌ من الشجرة وبين يديه نارٌ يوقدُها، فصعدَا بي الشجرة"؛ أي: رفعاني على الشجرة.

ص: 145

"فأدْخَلاني دارًا" وسطَ الشَّجَرة "لم أرَ قطُّ أحسنَ منها، فيها رجالٌ وشيوخ وشُبَّانٌ" بضم الشين وتشديد الباء: جمع شاب.

"ونساءٌ وصِبْيان، ثم أَخْرَجَاني منها فصعدَا بي الشَّجرةَ فأَدْخَلَاني دارًا هي أحسنُ وأفْضَلُ" من الدار الأولى.

"وفيها شيوخٌ وشبانٌ، فقلتُ لهما: قد طَوَّفتُماني الليلةَ، فأخبرَاني عما رأيت؟ قالا: نعَم، أمَّا الرجلُ الذي رأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه فكذَّابٌ يحدِّث بالكِذْبَة يتحمَّل"؛ أي: ينقُلُ تلك الكِذْبةَ "حتَّى تبلغَ الآفاقَ، فيُصْنَعُ به ما تَرى إلى يومِ القيامةِ، والذي رأيتَه يَشدَخُ رأسه فرجلٌ علَّمه الله القرآنَ، فنام عنه باللَّيل"؛ أي: لم يكنْ يَقْرَأ القرآنَ بالليل، "ولم يعملْ بما فيه بالنهار، يُفعلُ به ما رأيتَ إلى يوم القيامة، والذي رأيتَه في النَّقْبِ فهم الزُّنَاة، والذي رأيتَه في النَّهْرِ آكلُ الرِّبا، والشيخُ الذي رأيتَه في أصْلِ الشجرة إبراهيمُ، والصِّبْيانُ حولَه فأولادُ النَّاسِ، والذي يوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازِنُ النَّار، والدارُ الأُولى التي دخلتَ دارُ عامَّةِ المؤمنين، وأمَّا هذه الدارُ فدارُ الشهداءِ، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل فارفَعْ رأسك، فرفعتُ رأسي فإذا فوقي مِثلُ السَّحاب، وفي رواية مثل الرَّبَابة"؛ وهي - بفتح الراء وبالباء الخفيفة: - السحابةُ التي رَكِبَ بعضُها بعضاً.

"البيضاءَ، قالا: ذلك منزِلُكَ، قلت: دَعاني"؛ أي: اتركاني "أدخلْ منزلي، قالا: إنه قد بقيَ لك عُمْرٌ لم تستكمِلْه، فلو استكملْتَه أتيتَ منزِلَك".

وفي الحديثِ استحبابُ السؤالِ عن الرؤيا، والمبادَرةُ إلى تعجيل تأويلِها أولَ النهار قبلَ أن يشتغِلَ الذِّهْنُ في معايشِ الدُّنيا.

* * *

ص: 146

مِنَ الحِسَان:

3574 -

عن أبي رَزينٍ العُقَيْلِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رُؤيا المؤمن جُزءٌ مِن سِتةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزءاً مِن النَّبوُّةِ، وهي على رِجْلِ طائرٍ ما لم يُحدَّثْ بها، فإذا حدَّثَ بها وقعَتْ - وأَحْسِبُه قال: - لا يُحدِّثُ إلَّا حَبيباً أو لَبيْباً".

وفي رِوَايةٍ: "الرُّؤيا على رِجْلِ طَائرٍ ما لم تُعَبَّرْ، فإذا عُبرت وقعَتْ، - أَحْسِبُه قال: - ولا تَقُصَّها إلَّا على وادٍّ أو ذيْ رَأْيٍ".

"من الحسان":

" عن أبي رزِينٍ" بفتح الراء، "العُقَيلِيِّ" بضم العين.

"قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله تعالى عليه وسلم: رؤيا المؤمنِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة، وهي"؛ أي: الرؤيا.

"على رِجْلِ طائرٍ"، هذا مَثَلٌ في عدَم قِرارِ الشيءِ؛ أي: لا تستقِرُّ الرؤيا قرارَها كالشَّيء المعلَّقِ على رِجْل طائرٍ.

"ما لم يحدَّثْ بها، فإذا حُدِّثَ بها وقعتْ" على وفق ما يسوقُه التقديرُ إليك من التعبير.

"وأحسَبُه"؛ من كلام الراوي؛ أي: أظنه "قال"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا يحدِّث إلَّا حَبيباً أو لبيباً"؛ أي: عاقلاً.

"وفي رواية: الرؤيا على رِجْلِ طائرٍ ما لم تُعبَّر"، عليّ بناء المجهول؛ أي: لم تفسَّر.

"فإذا عُبرَتْ وَقَعَتْ أحسَبُه، قال: ولا تقصَّها إلَّا على وادٍّ" بتشديد الدال؛ أي: مُحِبٍّ؛ لأنَّه لا يستقبلُك في تعبيرِها إلَّا بما يُحِبُّ، ولم يعجِّلْ

ص: 147

لك بما لا يَعْلَم.

"أو ذي رَأْيٍ"؛ أي: ذي عِلْمٍ؛ لأنَّه يُخبرُك بحقيقةِ تفسيرِها، أو بأقربِ ما يُعلَم منها.

* * *

3575 -

عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن وَرَقَةَ، فقالَت لهُ خَدِيْجةُ: إنَّه كَانَ صَدَّقَكَ، ولكنْ مَاتَ قبلَ أنْ تظهرَ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أُرِيتُهُ في المَنامِ وعَلَيْهِ ثيابٌ بيضٌ، ولو كَانَ مِن أهلِ النَّارِ لكانَ عليهِ لِباسٌ غيرُ ذلكَ".

"عن عائشةَ أنها قالتْ: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ورقَة" بن نوفل: هو من أهل النَّار أم لا؟، وسيأتي قصتُه في (باب البعث).

"فقالت له"؛ أي: للنبيِّ صلى الله عليه وسلم "خديجةُ: إنه كان صدَّقَك"؛ أي: في نبوَّتِك.

"ولكنْ ماتَ قبل أن تَظْهَرَ"؛ أي: قبل ظهورِ صِيتِ نبوَّتِك.

"فقال رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: أُريتُه في المنام وعليه ثيابٌ بيضٌ، ولو كانَ من أهلِ النَّارِ لكانَ عليه لباسٌ غيرُ ذلك"، عبَّر صلى الله عليه وسلم الثيابَ البيضَ عليه بدِينه، وهذا يدلُّ على أنها مِن لباسِ أهلِ الجَنَّة وأهلِ الخَيْر.

* * *

3576 -

عن أبي بَكْرةَ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال ذاتَ يَوْمٍ: "مَن رَأَى مِنْكُم رُؤيا؟ " فقال رَجُل: أنا رَأَيْتُ كأنَّ ميْزَاناً نزلَ مِن السَّماءَ، فوُزنْتَ أَنْتَ وأبو بَكْرٍ فرجَحْتَ أَنْتَ بأبي بَكرٍ، ووُزِنَ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ فرجَحَ أبو بَكْرٍ، ووُزِنَ عُمرُ وعُثْمَانُ فرجَحَ عُمرُ، ثم رُفع الميزانُ، فرأيتُ الكَراهيةَ في وَجْهِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.

ورُويَ: أنَّ خُزيمةَ بن ثابتٍ رَأَى فيما يَرَى النَّائمُ أنَّه سَجدَ على جَبْهةِ

ص: 148

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبرَهُ، فاضطَجَعَ له وقَال:"صَدِّقْ رؤُياكَ"، فسَجدَ على جبهتِهِ.

"عن أبي بَكْرَة - رضي الله تعالى عنه -: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ذاتَ يومٍ: مَن رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيتُ كأنَّ ميزاناً نزلَ من السماءَ فوُزنتَ أنتَ وأبو بكر فرجحتَ أنت بأبي بكر، ووزِنَ أبو بكر وعمُر فرجَح أبو بكر، ووزن عُمَرُ وعثمانُ فرجَح عمر، ثم رُفعَ الميزانُ، فرأيتُ الكراهيةَ في وجهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "، وإنَّما ظهرتِ الكراهةُ في وجهه صلى الله عليه وسلم لِمَّا عرَفَ من تأويلِ رَفْعِ الميزانِ انحطاطَ رتبةِ الأمرِ، وظهورَ الفِتَنِ بعد خلافة عمر رضي الله عنه؛ لأنَّ استقرارَ الإسلام في حياته وبعد وفاته إلى زمان عثمانَ رضي الله عنه لم تظهرْ الفِتَنُ والاختلافُ بين الصّحابة، ومعنى ترجيح كلِّ واحدٍ من الآخر في الميزان أنَّ الراجِحَ أفضلُ من المَرْجُوح، وإنَّما لم يُوزَنْ عثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهما؛ لأنَّ خِلافَة عليّ - كرم الله وجهه - تكونُ على اختلاف الصّحابة فِرقَتين: فرقةً معه وفِرقةً مع معاوية، فلا تكونُ خلافتهُ مستقِرَّةً مُتَّفَقاً عليها.

"ورويَ أن خُزَيمة بن ثابتٍ رأى فيما يَرى النائمُ أنه سَجدَ على جبهةٍ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرَه فاضطجعَ له وقال: صَدِّقْ رؤياك، فسجدَ على جبهته"، وإنَّما أمرَه بالسجود على جبهتهِ لأنَّ فيها تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم كالسجودِ نحوَ الكعبةِ لتعظيمِها، وتعظيُمه صلى الله عليه وسلم أفضلُ القُرَب، وفيه تشريفٌ لذلك الساجدِ بوصولِ جبهتهِ إلى جبهةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

* * *

ص: 149