المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - باب العلامات بين يدي الساعة، وذكر الدجال - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌4 - باب العلامات بين يدي الساعة، وذكر الدجال

‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

" باب العلامات بين يدي الساعة"؛ أي: قدامها "وذكر الدجال".

مِنَ الصِّحَاحِ:

4218 -

عن حُذَيْفَةَ بن أَسِيدٍ الغِفارِيِّ رضي الله عنه قالَ: اطَّلَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم علَيْنا ونحنُ نتَذَاكرُ فقال: "ما تَذْكرون؟ " قالوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قال:"إنَّها لنْ تَقُومَ حتَّى تَرَوْا قَبْلَها عَشْرَ آياتٍ". فَذَكَرَ الدُّخانَ، والدَّجَّالَ، والدَّابَّةَ، وطُلوعَ الشَّمْسِ منْ مَغرِبها، ونُزولَ عيسىَ بن مَرْيَمَ، ويأْجُوجَ ومَأجُوجَ، وثلاثةَ خُسوفٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ، وخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وخَسْفٌ بجَزيرَةِ العَرَبِ، وآخِرُ ذلكَ نارٌ تَخْرُجُ منَ اليَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهِمْ".

ويُروَى: "نارٌ تَخْرُجُ منْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إلى المَحْشَرِ".

وفي رِوايةٍ في العاشِرةِ: "ورِيحٌ تُلقي النَّاسَ في البَحْرِ".

"من الصحاح":

" عن حذيفة بن أَسِيد رضي الله عنه " بفتح الهمزة: على وزن (رشيد) = الغفاري.

"قال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكره"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام.

ص: 554

"الدخان": قال ابن مسعود: وهو عبارة عما أصاب قريشًا من القحط حتى يرى الهواء لهم كالدخان.

وقال حذيفة: هو على حقيقته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سُئِل عنه، فقال:"يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يومًا وليلة، والمؤمن من يصير كالزكام، والكافر كالسكران".

"والدجال": مأخوذ من الدَّجَل، وهو السحر، أو السير؛ فإنه سيَّاح يقطع أكثر نواحي الأرض في زمان قليل.

"والدابة": روي: أن طولها ستون ذراعاً، وفيها من كل لون، وما بين قرنيها فرسخ للراكب، معها عصى موسى وخاتم سليمان، لا يدركها طالب، ولا يفوت عنها هارب، قيل: لها ثلاث خرجات:

أولها: في أيام المهدي، تفزع الناس.

وثانيها: في أيام عيسى عليه السلام، تطهر الأرض من المنافقين.

وثالثها: بعد طلوع الشمس من مغربها؛ لتميز بين الكافرين والمسلمين، فتشير بالعصا، فتبيض بها وجوه المؤمنين، وتشير بالخاتم، فتسود به وجوه الكافرين.

"وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج": هما قبيلتان من أولاد يافث بن نوح، وهم تسع أعشار بني آدم؛ لأنه لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صُلْبه يحملون السلاح.

"وثلاثة خسوف؛ خسفاً بالمشرق، وخسفاً بالمغرب، وخسفاً بجزيرة العرب، وآخرُ ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس"؛ أي: تسوقهم.

ص: 555

"إلى محشرهم": قيل: هو بيت المقدس.

"ويروى: نار تخرج من قعر عدن": وهي مدينة باليمن، وقعرها: أقصى أرضها.

"تسوق الناس إلى المحشر، وفي رواية: في العاشرة وريح تلقي الناس في البحر".

* * *

4219 -

وقال: "بادِرُوا بالأَعْمالِ سِتًّا: الدخانَ، والدَّجَّالَ، ودابَّةَ الأَرْضِ، وطُلوعَ الشَّمسِ منْ مَغرِبهَا، وأَمْرَ العامَّةِ، وخُويصَّةَ أحَدِكُم".

"وعن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال ستاً"؛ أي: ست آيات؛ أي: أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل ظهور الآيات الست؛ لأن ظهورها يوجب عدم قبول التوبة؛ لكونها ملجئة إلى الإيمان.

"الدخان، والدجَّال، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة": يريد به: القيامة الكبرى بين العامة، وقيل: الفتنة التي تعم الناس.

"وخويصة أحدكم": تصغير خاصة، وهي: ما يختص به الإنسان من الشواغل المقلقة في نفسه وأهله وماله وما يهتم به، وقيل: هي الموت الذي يخص الإنسان، ويمنعه من العمل، وصُغِّرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك.

* * *

4220 -

عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ أَوَّلَ الآياتِ خُرُوجاً طُلوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبها، وخُروجُ الدَّابَّةَ علَى النَّاسِ ضُحًى، وأيتهُما ما كانتْ قبلَ صاحِبَتِها فالأُخرَى علَى أثَرِها قَرِيباً".

ص: 556

"عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الآيات خروجاً": نصب على التمييز.

"طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضُحى"؛ أي: وقت ضحى.

"وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على أثَرِها قريبًا".

* * *

4221 -

عن أبي هُريرَةَ قالَ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث إذا خَرَجْنَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}: طُلوعُ الشَّمْسِ من مَغرِبها، والدَّجَّالُ ودابَّةُ الأَرْضِ".

"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث"؛ أي: ثلاث آيات.

"إذا خرجن {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}: طلوع الشمس من مغربها، والدجَّال، ودابة الأرض".

* * *

4222 -

وقال: "لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ منْ مغرِبها، فإذا طَلَعَتْ ورآها النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وذلكَ حينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} " ثمّ قرأَ الآيةَ.

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناسُ، آمنوا أجمعون": تأكيد للضمير في (آمنوا).

"وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها": إذ طلوع الشمس من مغربها من

ص: 557

أحكام الساعة، وظهور الساعة علامة انقضاء التكليف، فلا ينفعُ ما كان بعد الإلجاء.

"ثم قرأ الآية": وهو قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 158] الآية.

* * *

4223 -

وعن أبي ذَرٍّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ غَرَبَت الشَّمْسُ: "أتدْرِي أينَ تَذْهَبُ هذه؟ " قلتُ: الله ورسولُهُ أعلَمُ، قال:"فإنَّهَا تَذهَبُ حتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرشِ، فتستأْذِنُ فيُؤذَنُ لها، ويُوشِكُ أنْ تَسْجُدَ فلا يُقبَلُ مِنها، وتَسْتَأْذِنَ فلا يُؤذنَ لها، ويقالُ لها: ارجِعي منْ حَيْثُ جِئْتِ، فتَطْلُعُ منْ مَغرِبها، فذلكَ قولُهُ تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}. قال: مُسْتَقَرُّها تَحْتَ العَرْشِ".

"عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش": قيل: سجدة الشمس تحت العرش؛ ليجدد لها نورٌ.

"فتستأذن، فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، وذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]: قال الخطابي في "شرح السنة": قال أهل التفسير من أهل المعاني: فيه قولان:

أحدهما: أن معنى (لها)؛ أي؛ لأجل قُدِّر لها؛ أي: إلى انقطاع مدة بقاء العالم.

وثانيهما: مستقرها غاية منتهاها صعودًا وارتفاعًا لأطول يوم من الصيف، ثم تأخذ نزولاً إلى أقصى مشارق الشتاء لأقصر يوم في السنة.

ص: 558

"قال صلى الله عليه وسلم: مستقرها تحت العرش": أخبر به الصادق عليه الصلاة والسلام، فلا ينكر أن يكون لها استقرارٌ تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده؛ لأن علمنا لا يحيط به.

* * *

4224 -

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما بينَ خَلْقِ آدَم إلى قِيامِ السَّاعةِ أمْرٌ أَكبَرُ منَ الدَّجَّالِ".

"وعن هشام بن حكم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبرُ من الدجَّال": (ما) هذه نافية؛ أي: ليس فتنة أعظم منها.

* * *

4225 -

عن ابن عُمَرَ قالَ: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في النَّاسِ فأَثْنَى علَى الله بما هو أَهْلُهُ، ثمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فقال:"إنِّي لأُنذِرُكُموهُ، وما منْ نبَيٍّ إلَّا أنذرَ قومَهُ، لقدْ أَنْذَرَ نوحٌ قَوْمَهُ، ولكنْ أقولُ لكُمْ فيهِ قَوْلاً لمْ يقُلْهُ نبيٌّ لقومِهِ، تَعْلَمونَ أنَّهُ أَعْوَرُ وأنَّ الله ليسَ بأَعْوَرَ".

"عن ابن عمر رضي الله عنهما: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس"؛ أي: خطب فيهم.

"فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأُنذرُكُموه"؛ أي: أحذركم من الدجَّال، وإنما أنذر أمته صلى الله عليه وسلم؛ لأن خروجه في شدة من الزمان، وعسر من الحال، وأنه يستولي على أموالهم ومواشيهم، فحذر مثله عليه الصلاة والسلام؛ لئلا يختلج في قلب أحدٍ الترخُّصُ في اتباعه بالظاهر دون الباطن على تأويل قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]؛ فإن متابعته مصروف عنها؛ إذ لم يأتِ في شيء من الأخبار رخصة في اتباعه.

ص: 559

"وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه: تعلمون": خبر بمعنى الأمر؛ أي: اعلموا.

"أنه أعور، وأن الله ليس بأعور": فإن قيل: ما الحكمة في أنه خُلِق أعور؟

قلنا: لأنه لو كان بآفة أخرى غير العور، لم يكن ظاهرًا بين الناس، ويدل أيضًا على كذبه وسحره.

فإن قيل: لو كان أعمى لكان أظهر من العور، فلم لم يُخلَق أعمى؟

قيل: لأنه قدَّر الله سبحانه وتعالى إضلالَ قوم به، ولو كان أعمى، لم يكن له منه إغواء وإضلال.

* * *

4226 -

وقالَ: "إنَّ الله لا يَخْفَى عَلَيكُمْ، إنَّ الله ليسَ بأعْوَرَ، وإنَّ المَسيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيةٌ".

"وقال: إن الله تعالى لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور، وإن المسيح الدجَّال": سمي مسيحًا؛ لأنه ممسوح عن جميع الخير، أو لأن إحدى عينيه ممسوحة، وعلى التقديرين فهو فعيل بمعنى: مفعول، أو لأنه يتردد في جميع الأرض إلا مكة والمدينة، فهو فعيل بمعنى: فاعل ووصف المسيح بالدجال؛ لأن المسيح وصف غلب على عيسى بن مريم عليه السلام، فوصف به ليتميز المِحقُّ عن المبطِلِ.

"أعور عين اليمنى، كأن عينَهُ عنبةٌ طافية": وهي الناتئة المرتفعة عن أخواتها، يريد: أن حدقته قائمة كذلك.

* * *

ص: 560

4227 -

وعن أَنسٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ نبَيٍّ إلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، ألا إنَّه أَعْوَرُ، وإنَّ ربَّكُمْ ليسَ بأَعْوَرَ، ومَكْتُوبٌ بينَ عَيْنَيهِ: ك ف ر".

"عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا أنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور": المراد منه: نفي النقص والعيب، لا إثبات الجارحة.

" [و] مكتوب بين عينه: ك ف ر": إشارة إلى أنه داعٍ إلى الكفر، لا إلى الرشد، فاجتنبوه، وهذه نعمة عظيمة من الله تعالى في حق الأمة حيث أظهر رقم الكفر بين عينيه.

* * *

4228 -

وعن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُحدِّثُكُمْ حديثاً عنِ الدَّجَّالِ ما حَدَّثَ بهِ نبيٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّه أَعْوَرُ، وإنَّهُ يَجيءُ مَعَهُ بمِثْلِ الجَنَّةِ والنَّارِ، فالتي يقولُ: إنَّها الجَنَّةُ هيَ النَّارُ، وإنِّي أُنذِرُكُمْ كما أَنْذَرَ بهِ نُوْحٌ قَوْمَهُ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثكم حديثاً عن الدجَّالِ ما حدَّثَ به نبي قومه: إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول لها: إنها الجنة هي النار": لأن من دخل جنته تصديقًا له استحقَّ النار.

"وإني أنذركم، كما أنذر به نوح قومه".

* * *

4229 -

عن حُذَيْفةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ وإنَّ معَهُ ماءً وناراً، فأمَّا الذي يَراهُ النَّاسُ ماءً فنارٌ تُحْرِقُ، وأمَّا الذي يَراهُ النَّاسُ ناراً فماءٌ بارِدٌ

ص: 561

عَذْبٌ، فمنْ أدركَ ذلكَ مِنْكُمْ فَلْيقَعْ في الذي يراهُ نارًا، فإنَّهُ ماءٌ عَذْبٌ طَيبٌ، وإن الدَّجَّالَ مَمْسوحُ العَيْنِ، عليها ظَفَرَةٌ غَليظَةٌ، مَكْتوبٌ بينَ عَيْنيهِ: كافِر، يَقْرَؤُهُ كلُّ مُؤْمِنٍ كاتِبٍ وغيرِ كاتِب".

"عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدجال يخرجُ وإنَّ معه ماءً وناراً": فمن صدَّقه رضي عنه وأعطاه من مائه، ومن كذبه غضب عليه ورماه في ناره.

"فأما الذي يراه الناس ماء؛ فنارٌ تحرق"؛ يعني: جعل الله له الماء البارد النار المحرقة المخلدة.

"وأما الذي يراه الناس ناراً؛ فماء بارد عذب"؛ يعني: جعل الله ناره ماء بارداً، كالنار النمرودية التي جعلها الله لخليله عليه السلام بردًا وسلامًا.

"فمن أدرك ذلك منكم، فليقع في الذي يراه ناراً؛ فإنه ماء عذب طيب، وإن الدجَّال ممسوح العين"؛ أي: له عين واحدة، وموضع عين أخرى ممسوح مثل جبهته ليس ثمة أثر عين.

"عليها"؛ أي: على تلك العين.

"ظفرة غليظة": و (الظفرة) بفتحتين: جليدة تغشى العين نابتة من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها.

قال الأصمعي: هي لحيمة تنبت عند المآق في كثرة البكاء أو الماء.

"مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤ [هـ] كل مؤمن كاتب وغير كاتب".

* * *

4230 -

وعن حُذَيْفة قالَ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الدَّجَّالُ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، معَهُ جَنَّتُهُ ونارُهُ، فنارُهُ جنَّةٌ، وجَنتهُ نارٌ".

ص: 562

"عن حذيفة رضي الله عنه قال: [قال] النبي صلى الله عليه وسلم: الدجالُ أعور العين اليسرى": وجه التوفيق بينه وبين الرواية المتقدمة: أنه أعور عين اليمنى: أن الراوي سمع اليسرى أو اليمنى على التعيين، فنسيها، فذكر اليسرى مكان اليمنى، أو عكسه، أو يكون بالنسبة إلى أشخاص متفرقة، فقوم يرونه أعور اليسرى، وقوم يرونه أعور اليمنى؛ ليدل ذلك على بطلان أمره؛ لأنه إذا لم تُرَ خلقته كما هي، عُلِمَ أنه ساحر كذاب لا يكون له حقيقة.

ووجه الجمع بين كونه أعور، وممسوح العين، أو كأنها عنبة طافية: هو بالحمل على أنه ممسوح إحدى العينين، وأعور بالعين الأخرى، والعين الممسوحة يصدق عليها أنها عوراء؛ لأن عورَ العين أن لا تكون سليمة الفص، وأن كلا منهما عوراء من جهة العيب؛ إحداهما عوراء حقيقة، والأخرى معيبه بالظفرة ونحوها، أو أن الأعور يطلق على من بقيت له عين، وذهبت عنه أخرى، فأطلق عليه العور تارة بالذاهبة وأخرى بالباقية.

"جُفال الشعر": بضم الجيم؛ أي: كثير الشعر.

"معه جنته وناره، فناره جنة، وجنته نار".

* * *

4231 -

عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ قال: ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فقال: "إنْ يَخْرُجْ وأنا فيكُمْ فأنا حَجيْجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ ولَسْتُ فيكُمْ فامْرُؤٌ حَجيْجُ نَفْسِهِ، والله خليفَتي على كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّهُ شابٌّ قَطَطٌ عينُهُ طافِئةٌ، كأنِّي أُشَبهُهُ بِعَبْدِ العُزَّى بن قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْركَهُ منكُمْ فلْيَقْرأْ علَيهِ فواتِحَ سُورةِ الكَهْفِ".

وفي رِوايةٍ: "فلْيَقْرَأْ علَيهِ بفواتِح سُورَةِ الكَهْفِ فإنَّها جَوازُكم منْ فِتْنَتِهِ - إنَّهُ خارِجٌ مِنْ خَلَّةٍ بينَ الشَّامِ والعِراقِ، فعاثَ يَمينًا وعاثَ شِمالاً، يا عِبادَ الله

ص: 563

فاثبُتُوا". قُلنا: يا رسولَ الله! وما لَبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قال: "أَرْبعونَ يَوْماً، يومٌ كسَنةٍ، ويَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيوْمٌ كجُمُعَةٍ، وسائِرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُمْ"، قُلنا: يا رسولَ الله! فذلكَ اليَوْمُ الذي كسَنةٍ أيَكفِينا فيهِ صَلاةُ يومٍ؟ قال: "لا، اقْدُروا لهُ قَدرَه". قُلنا: يا رسولَ الله! وما إسْراعُهُ في الأَرْضِ؟ قال: "كالغَيْثِ استَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فيأتي على القَوْمِ فيَدعوهُمْ فيؤمِنونَ بهِ، فيأْمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ، والأَرْضَ فتُنبتُ، فتَروحُ عليهمْ سارحَتُهُمْ أطولَ ما كانتْ ذُرًى، وأَسْبَغَهُ ضُرُوعاً، وأَمَدَّهُ خَواصِرَ، ثم يأتي القَوْمَ فيَدعوهُمْ فيَردُّونَ عليهِ قولَهُ، فيَنصرِفُ عنهُمْ، فيُصبحونَ مُمْحِلينَ ليسَ بأَيْديهِمْ شَيْء مِنْ أَمْوالِهِمْ، ويمرُّ بالخَرِبَةِ فيقولُ لها: أَخْرِجي كُنوزَكِ فتتبَعُهُ كنوزُها كيَعاسِيبِ النَّحْلِ، ثمَّ يَدعُو رَجُلاً مُمْتلِئًا شباباً، فيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فيقطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثمَّ يَدعُوه فيُقبلُ ويَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَما هوَ كذلكَ إذْ بَعَثَ الله المَسيحَ ابن مَرْيمَ، فيَنزِلُ عِندَ المنارَةِ البَيْضاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ بينَ مَهْرودَتَيْنِ واضعاً كفَّيْهِ على أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَأْطَأَ رأسَهُ قَطَرَ، وإذا رفعَهُ تَحَدَّرَ منهُ مِثْلُ جُمانٍ كاللّؤْلؤِ، فلا يَحِلُّ لكافِرٍ يَجدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلا ماتَ، ونَفَسُهُ يَنْتَهي حَيْثُ يَنْتَهي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدرِكَهُ ببابِ لُدٍّ فَيقْتُلُه، ثمَّ يأتي عيسَى قَوْم قدْ عَصَمَهُمُ الله مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عنْ وُجوهِهِمْ ويُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فبينَما هوَ كذلكَ إذْ أَوْحَى الله إلى عيسى: إنِّي قدْ أَخْرَجتُ عِبادًا لي لا يَدانِ لأَحَدٍ بقتالِهمْ فَحَرِّزْ عِبادِي إلى الطورِ، وَيبْعَثُ الله يأجُوجَ ومَأجُوجَ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} فيمُرُّ أوائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرةِ طَبَرِيَّةَ، فيَشرَبونَ ما فيها، ويمُرُّ آخِرُهُمْ فيقولُ: لقدْ كانَ بهذِهِ مَرَّةً ماءٌ، ثمَّ يَسيرونَ حتَّى يَنتهُوا إلى جَبَلِ الخَمْرِ، وهو جَبلُ بيتِ المَقْدِسِ، فيقولونَ: لقدْ قتلنا مَنْ في الأرضِ، هَلُمَّ فلْنَقْتُلْ مَنْ في السماءِ، فيَرمُونَ بنشَّابهِمْ إلى السَّماءِ، فيرُدُّ الله عليهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا. ويُحْصَرُ نبَيُّ الله وأَصْحابُهُ حتَّى يكونَ رأسُ الثَّوْرِ

ص: 564

لأَحدِهِمْ خَيراً مِنْ مِئَةِ دِينارٍ لأحدِكُمُ اليَوْمَ، فيَرْغَبُ نبيُّ الله عِيسَى وأَصْحابُهُ إلى الله، فيُرسلُ الله عَلَيهِمُ النَّغَفَ في رِقابهِمْ، فيُصْبحونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ واحِدَةٍ، ثمّ يَهبطُ نبيُّ الله عيسَى وأصحابُهُ إلى الأَرْضِ، فلا يَجدونَ في الأَرْضِ موضعَ شِبرٍ إلَّا مَلأَهُ زهَمُهُمْ ونَتنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نبيُّ الله عيسَى وأصحابُهُ إلى الله، فيُرسلُ الله طيراً كأعْنَاقِ البُخْتِ فتحْمِلُهُمْ فتطرَحُهُمْ حَيْثُ شاءَ الله - ويُروى: فتطرَحُهُمْ بالمَهْبلِ، ويَسْتَوقدُ المُسْلِمونَ مِنْ قِسِيهِمْ ونُشَّابهِمْ وجِعابهِمْ سَبْعَ سِنينَ - ثمَّ يُرْسلُ الله مَطَراً لا يَكُنُّ منهُ بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، فيَغْسِلُ الأَرْضَ حتَّى يترُكَها كالزُّلَفَةِ، ثم يُقالُ للأَرضِ: أنْبتي ثَمَرتكِ ورُدِّي بَرَكتكِ، فيَوْمَئِذٍ تأكُلُ العِصابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ ويَسْتَظِلُّونَ بِقَحْفِها، ويُبارَكُ في الرِّسلِ حتَّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبلِ لَتكْفي الفِئامَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقْحَةَ مِنَ البقَرِ لَتكْفي القَبيلةَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَم لَتكْفي الفَخِذَ منَ النَّاسِ، فَبَيْنَما هُمْ كذلكَ إذْ بعثَ الله رِيحاً طَيبةً فتأخُذُهُمْ تحتَ آباطِهمْ، فتَقبضُ رُوْحَ كلِّ مُؤْمِنٍ وكُلِّ مُسْلِمٍ، ويبقى شِرارُ النَّاسِ يَتهارَجونَ فيها تَهارُجَ الحُمُرِ، فَعليْهِمْ تقومُ السَّاعَةُ".

"عن النوَّاس": بفتح النون وتشديد الواو.

"ابن سمعان": بكسر السين المهملة، ومنع الصرف.

"أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجَّال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجُهُ": فعيل بمعنى: الفاعل من أفعل المبالغة من الحجة؛ أي: غالَبٌ عليه بالحجة.

"دونكم"؛ أي: قدامكم؛ يعني: إن كنت فيكم كفيتكم شرَّه.

"وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤٌ حجيجُ نفسه"؛ أي: ليدفع شره عن نفسه بما عنده من الحجج القاطعة الشرعية والعقلية، وإنما قال:(إن يخرج وأنا فيكم) مع علمه عليه الصلاة والسلام أنه لا يخرج في زمانه؛ لاحتمال أنه أراد

ص: 565

به: ديني قائم فيكم، أو يريد تحقيق خروجه؛ يعني: لا تشكوا فيه، فإنه سيخرج لا محالة.

والأوجه: أن يراد به عدم علمه بوقت خروجه؛ لعدم علمه بالساعة.

"والله خليفتي على كل مسلم"؛ يعني: أنه تعالى وليُّ كل مسلم وحافظ [ـه] ، فيعينه عليه، ويدفع شره عنه.

وهذا دليل على أن المؤمن الموقن لا يزال منصورًا وإن لم يكن معه نبي ولا إمام.

"إنه شاب قطط": بفتحتين؛ أي: شديد الجعودة مثل شعور الحبش.

"عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العُزَّى" بضم العين المهملة والزاي المعجمة المشددة المفتوحة: يهودي من خزاعة، مات في الجاهلية.

"ابن قطن": بفتح القاف والطاء المهملة المفتوحة، وتشبيهه إشارة إلى أنه كذَّاب.

"فمن أدركه منكم، فليقرأْ عليه فواتحَ سورة الكهف"؛ أي: أوائلها، جمع فاتحة، وهي أول كل شيء، والتخصيصُ به دون سائر السور تعبديٌّ لا يُعقَل معناه، أو لأن فواتحها مشتملة على قصة أصحاب الكهف، وعصمتهم من دقيانوس وجنده، فكذا من قرأها حفظ من الدجال.

"وفي رواية: فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف؛ فإنها جوازكم": وهو بكسر الجيم (1) والزاي المعجمة، وهو الصكُّ الذي يأخذه المسافر من السلطان أو نوابه؛ لئلا يتعرض له المترصدةُ في الطريق.

وفي بعض النسخ بالراء المهملة، فمعناه: حافظكم.

(1) المشهور أنه بالفتح، انظر:"القاموس المحيط"، (مادة: جوز).

ص: 566

"من فتنته إنه خارج من خَلَّة": وهو - بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام -: الطريق في الرمل، يذكر ويؤنث؛ يعني: يخرج الدجال من طريق واقع "بين الشام والعراق، فعاث يميناً": بصيغة الماضي؛ أي: أفسد جانب يمينه.

"وعاث شمالاً"؛ أي: جانب شماله.

وفي بعض بصيغة اسم الفاعل؛ أي: مفسد، وهذا أظهر من حيث العطف.

وفيه إشارة إلى أنه لا يكتفي بالإفساد فيما يطأه من البلاد، بل يبعث سراياه يمينًا وشمالًا، فلا يأمن ولا يخلو من فتنته موطن.

"يا عباد الله فاثبتوا"؛ أي: يومئذ على ما أنتم عليه الآن من الإيمان، ولا تتبعوا اللعين، ولو فعل بكم من العقوبات، والخطاب مع الصحابة والمراد: من يدركه.

"قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يومًا؛ يوم كسنة": قيل: يمكن إجراؤه على ظاهره؛ لأن الله تعالى قادر على أن يزيد في اليوم من الأجزاء مقدار السنة، فيكون بقدر السنة.

"ويوم كشهر، ويوم كجمعة": وقيل: يمكن أن يحمل معناه: أن فتنة الدجال وشدة بلائه على المؤمنين تكون في أول الأمر أشد وأصعب، وكلما مرَّ زمان، ضَعُفَ أمره، ويهون كيده؛ لأن الحقَّ يزيد كل وقت نورًا وعزاً، والباطل ينقص، وأيضًا فإن الناس إذا اعتادوا بالبلاء والمحنة، فإنه يهون عليهم إلى أن يضمحل أمره.

"وسائر أيامه كأيامكم": وفيه إشارة إلى أن الامتداد في الأيام الثلاثة على القدر المذكور.

"قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره"؛ أي: قدروا لوقت الصلاة قدر وقتها في سائر الأيام،

ص: 567

فصلوا كلَّ صلاة إذا ذهب القدر الذي كان يذهب في سائر الأيام، ويدخل وقتها.

"قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ "؛ أي: كيف إسراعه؟

قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم"؛ أي: ماشيتهم.

"أطول ما كانت ذُرى": بضم الذال المعجمة وفتح الراء المهملة؛ أي: أسنمة جمع ذروة، وهي: أعلى سنام البعير، وذروة كل شيء: أعلاه.

"وأسبغه": أفعل تفضيل من السبوغ؛ أي: أتمه.

"ضروعاً": جمع الضرع؛ وهو الثدي؛ أي: تعود إليهم ماشيتهم سماناً كثيرة الدر [أكثر] مما كانت قبل، والضمير فيه للفظة (ما)، وكذا في:

"وأمده خواصر": جمع خاصرة، وهي ما تحت الجنب، وكونها أمدها كناية عن كثرة الأكل والامتلاء؛ أي: أوسعها وأتمها.

"ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين"؛ أي: يصيرون أصحاب مَحْل، وهو القحط، من (أمحل): إذا دخل في القحط، وأصله انقطاع المطر، ويبس الأرض والكلأ.

"ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة"؛ أي: بالأرض الخربة.

"فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل": جمع يعسوب، وهو أمير النحل، ومنه قيل للسيد: يعسوب قومه، والمعنى: تتبعه كنوز الأرض، كما يتبع النحل اليعسوب الذي هو ملكها.

"ثم يدعو رجلًا ممتلئاً شبابًا"؛ أي: يكون في عنفوان شبابه، نصب

ص: 568

(شبابًا) على التمييز.

"فيضربه بالسيف، فيقطعه جِزْلتين"؛ أي: قطعتين.

و (الجزلة) بكسر الجيم وسكون الزاي: القطعة، وبفتح الجيم: المصدر.

"رمية الغرض"؛ أي: الهدف؛ يعني: بعدُ ما بين القطعتين بقدر رمية السهم؛ أي: الهدف.

قيل: هذا على تقدير كسر الجيم، وأما إن فتح؛ فهو إشارة إلى سرعة نفوذ السيف فيه، أو إلى إصابة المحن.

"ثم يدعوه، فيُقبل"؛ أي: ذلك الشاب على الدجَّال.

"ويتهلل وجهه"؛ أي: يتلألأ ويضيءُ.

"يضحك": حال من الضمير؛ أي: يقبل ضاحكا بشاشًا، فيقول: يصلح هذا إلهًا.

"فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهروذتين": يروى بالدال المهملة والمعجمة؛ أي: حلتين أو شقتين من الهرد، وهو الشق، وقيل: الثوب المهروذ المصبوغ بالورس ثم بالزعفران، وقيل: ثياب فيها صفرة خفيفة.

"واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسَه"؛ أي: خفضه.

"قطر"؛ أي: عرقه.

"وإذا رفعه تحدر منه"؛ أي: نزل من رأسه.

"مثل جمان" وهو بضم الجيم وتشديد الميم: اللؤلؤ الصغار، وبتخفيفها: حب يتخذ من الفضة كالذرة.

قيل: المراد من الجمان في صفة عيسى عليه الصلاة والسلام هو

ص: 569

الحب المتخذ من الفضة.

"كاللؤلؤ": فإنه صلى الله عليه وسلم شبَّه الجمان باللؤلؤ، فلا بد من المغايرة بينهما، فيكون صفة لجمان، وجاز كون الكاف اسماً في محل الرفع بدلًا من (مثل) الأول، وهو صفة لموصوف محذوف، وتقديره: عرق مثل جمان، أو قطرات نورانية مثله.

"فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه"؛ أي: نفس عيسى عليه السلام.

"لا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه"، أي: عيسى عليه السلام الدجالَ.

"حتى يدركه بباب لُدٍّ"، بضم اللام وتشديد الدال المهملة: اسم جبل بالشام.

"فيقتله، ثم يأتي عيسى عليه السلام قومٌ قد عصمهم الله منه"؛ أي: من الدجال.

"فيمسح عن وجوههم": قيل: أثر المشقة، وقيل: معناه: أنه يسرهم بأن يخبرهم بأن الله تعالى قد قتل الدجَّال.

"ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدانِ"؛ أي: لا قدرة ولا طاقة.

"لأحد بقتالهم": وإنما كنى باليد عن القدرة؛ لأن المباشرة والدفاع يكون باليد، وثنَّى اليد، ليكون أبلغ في المعنى.

"فحرِّزْ عبادي"؛ أي: ضمهم "إلى الطور" وحصِّنهم.

"ويبعث الله يأجوج ومأجوج، {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ} ": وهو ما ارتفع من الأرض.

ص: 570

{يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]؛ أي: يسرعون.

"فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية": تصغير بحرة، وطبرية: قصبة بالشام، وطول تلك البحيرة عشرة أميال.

"فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقول: لقد كان بهذه"؛ أي: بهذه البحيرة.

"مرة ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر" بفتح الخاء المعجمة والميم: هو الشيء الملتف، وفي بعض بسكون الميم.

"وهو جبلُ بيتِ المقدس": وإنما فسر به؛ لكثرة شجره.

"فيقولون: لقد قتلنا مَنْ في الأرض هَلمَّ"؛ أي: تعال، ويطلقه أهل الحجاز على المذكر والمفرد وفروعهما بلفظ واحد، وبنو تميم تطابق به.

"فلنقتل مَنْ في السماء، فيرمون نشابهم" بضم النون وتشديد الشين: جمع النشابة، وهي السهم.

"إلى السماء، فيرد الله تعالى عليهم نشابهم مخضوبةً دمًا، ويحضر نبي الله"؛ يعني:

"عيسى" عليه الصلاة والسلام "وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مئة دينار لأحدكم اليوم"؛ يعني: يبلغ الفقر بهم هذا الحد.

"فيرغب نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه"؛ أي: يدعوا الله تعالى بهلاكهم واستئصالهم.

"فيرسل الله عليهم النَّغَفَ" بفتح النون والغين المعجمة: دود يكون في أنف الإبل والبقر والغنم، واحدها: نغفة.

"في رقابهم، فيصبحون فَرْسى"؛ أي: يصيرون قتلى، جمع: فريس،

ص: 571

وهو القتيل، مِنْ فَرَسَ الذئبُ الشاة؛ أي: كسرها وقتلها.

"كموت نفس واحدة"؛ أي: فيموتون في وقت واحد، وفيه تنبيهٌ على أنه تعالى يهلكهم في أدنى ساعة بأهون شيء.

"ثم يهبط"؛ أي: ينزل.

"نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلى الأرض": من الطور.

"فلا يجدون في الأرض موضعَ شبر إلا ملأه زَهَمهم ونتنهم"، والزهم بفتح الزاي المعجمة والهاء: مصدر زَهِمت يده - بالكسر - تزهم؛ أي: دسمت من رائحة اللحم.

ويروى بضم الزاي مع فتح الهاء؛ جمع (زُهْمة) بالضم ثم السكون، وهي المنتنة؛ يعني: تنتن الأرض من جيفهم.

"فيرغب نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلى الله تعالى، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت": وهي جمال طوال الأعناق؛ أي: ملائكة على صورتها.

"فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله تعالى، ويروى: تطرحهم بالنهبل": وقيل: حيث تطلع الشمس.

"ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجِعابهم" بكسر الجيم: جمع الجَعْبة بالفتح، وهو غلاف النشاب.

"سبع سنين، ثم يرسل الله مطرًا لا يكِنُّ منه": من الإكنان، والكنُّ: ما يردُّ الحرَّ والبرد من الأبنية والمساكن، كننته أكنُّه كنًّا: سترته وصنته، وأكننته أيضًا بمعنى، وهو صفة (مطر)، ومفعوله محذوف؛ أي: لا يستر ولا يصون من ذلك المطر.

ص: 572

"بيت مدر، ولا وبر"، أي: أهل الحضر والبدو، بل يعمُّ جميع الأماكن.

"فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلفة" بفتح الزاي المعجمة واللام: واحدة الزلف، وهي مصانع الماء، أراد: أن المطر يغزر فتصير الأرض كلها كمصنعة من مصانع الماء، وقيل: الزلفة: المرأة، شبَّه الأرض بها؛ لاستوائها ولطافتها، وقيل: الروضة.

"ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، ورُدِّي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة"؛ أي: الجماعة من الناس.

"من الرمانة، ويستظلون بقحفها": بالكسر ثم السكون؛ أي: بقشرها، أصل القحف: العظم المستدير فوق الدماغ، ثم استعير لقشر الرمان تشبيها به.

"ويبارك": بصيغة المجهول من البركة، وهي الكثرة والاتساع.

"في الرِّسْل": وهو - بكسر الراء -: اللبن والحليب.

"حتى إن اللقحة من الإبل"، وهي - بكسر اللام -: الناقة التي نتجت حديثًا.

"لتكفي الفِئام من الناس" بكسر الفاء: الجماعة الكثيرة، لا واحدَ لها من لفظها، وأراد بها هنا: أكثر من القبيلة التي هي أكثر من الفخذ؛ فإن الناقة أكثر رسلًا من البقر، وهي من الغنم.

"واللقحة من البقر، لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم، لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك": (هم) مبتدأ، و (كذلك) خبره؛ يعني: تنعمون في طيب عيش وسعة ورفاهية.

"إذ بعث الله"؛ أي: أرسل عليهم فجاءة.

"ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روحَ كلِّ مؤمن وكل مسلم": فيموت من في ذلك الزمان من أهل الطاعة.

ص: 573

"ويبقى شرارُ الناس، يتهارجون فيها"؛ أي: يختلطون ويتفاسدون في الأرض، وهو حال من (شرار الناس)؛ أي: متهارجين.

"تهارجَ الحمر"؛ أي: كاختلاطها؛ يعني: يجامعون النساء بحضرة الناس.

"فعليهم تقوم الساعة".

* * *

4232 -

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيتوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمنينَ، فَتَلْقاهُ المَسالحُ، مَسالحُ الدَّجَّالِ، فيقولونَ لهُ: أينَ تَعْمِدُ؟ فيقولُ: أَعْمِدُ إلى هذا الذي خَرَجَ، قال فيقولونَ لهُ: أَوَ ما تُؤمِنُ بِرَبنا؟ فيقولُ: ما بِرَبنا خَفاءٌ، فيقولونَ: اقتُلُوه، فيقولُ بعضُهُمْ لبعضٍ: أليسَ قدْ نهَاكُمْ ربُّكُمْ أن تقتُلُوا أَحَدًا دُونهُ، فينطلِقُونَ بهِ إلى الدَّجَّالِ، فإذا رآهُ المُؤْمِنُ قال: يا أيُّها النَّاسُ هذا الدَّجَّالُ الذي ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ النَّاسَ بهِ فيُشَبَّحُ، فيقولُ: خُذوهُ وشُجُّوهُ، فيُوسَعُ ظَهْرُهُ وبَطْنُهُ ضَرْبًا، قال فيقولُ: أما تُؤمِنُ بي؟ قالَ فيقولُ: أنتَ المَسِيحُ الدَّجَّالُ الكَذَّابُ، قالَ: فيُؤْمَرُ بهِ فيُؤْشَرُ بْالمِئْشارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، قال: ثمَّ يَمْشي الدَّجَّالُ بينَ القِطْعَتَيْنِ، ثمَّ يقولُ لهُ: قُمْ، فيَستوِي قائِمًا، ثُمَّ يقولُ لهُ: أتُؤْمِنُ بي؟ فيقولُ: ما ازْدَدْتُ فيكَ إلا بَصيرَةً، قالَ: ثُمَّ يقُولُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّهُ لا يَفْعَلُ هذا بَعْدِي بأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قال: فيأخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ فيُجعَلُ ما بينَ رقَبَتِهِ إلى تَرْقُوَيهِ نُحاسًا، فلا يَسْتطيعُ إليهِ سَبيلًا، قال: فَيَأْخُذُ بيدَيْهِ ورِجلَيْهِ فيقْذِفُ بهِ، فيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّما قذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنَّمَا أُلقيَ في الجنَّةِ". فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهادَةً عندَ رَبِّ العالمينَ".

ص: 574

"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخرج الدجال فيتوجه قِبَله": بكسر القاف وفتح الباء الموحدة؛ أي: نحوه وجانبه.

"رجل من المؤمنين فتلقاه"؛ أي: الرجلَ.

"المسالحُ": جمع مَسْلَحَة، وهي قوم ذوو سلاح.

"مسالح الدجال": بدل من المسالح.

"فيقولون له: أين تعمِد؟؛ أي: تقصد.

"فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم.

"فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس! هذا الدجَّال الذي ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: فيأمر الدجال به، فيُشبَّح": الشَّبْحُ في الرأس: هو أن يُضرَب بشيء، فيجرحه ويشقه.

"فيقول: خذوه، وشجوه": قيل: معناه: شدوا أربعة أطرافه بالأوتاد؛ ليجلد.

"فيوسع ظهره وبطنه ضربًا"؛ أي: فيكثر الضرب فيهما.

"قال: فيقول"؛ أي: الدجال.

"أما تؤمن بي؟ قال: فيقول"؛ أي: الرجل المؤمن.

"أنت المسيح الكذاب، قال: فيؤمر به فيؤشَرَ بالمئشار"؛ أي: يشق به.

"من مفرقه حتى يفرَّق بين رجليه، قال: ثم يمشي الدجَّال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائمًا، ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت":

ص: 575

علي بناء المجهول.

"فيك إلا بصيرةٍ"؛ أي: علمًا بك وبفعلك بأنك كاذب مُمَوِّهٌ.

"قال: ثم يقول"؛ أي: المؤمن.

"يا أيها الناس! إنه لا يفعل [هذا] بعدي بأحد من الناس"؛ أي: ما فعل بي من القتل والإحياء في الظاهر.

"قال: فيأخذه الدجال؛ ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا"؛ أي: فيجعل الله ما بينهما كالنحاس لا يعمل فيه السيف.

"فلا يستطيع إليه سبيلًا، قال: فيأخذه بيديه ورجليه، فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظمُ الناسِ شهادة عند رب العالمين".

4233 -

عن أُمِّ شَرِيكٍ أنَّها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ حتَّى يَلْحَقُوا بالجبالِ". قالت أُمُّ شَرِيكٍ: قلتُ يا رسولَ الله! فأيْنَ العَرَبُ يومئذٍ؟ قالَ: "هُمْ قَليلٌ".

"عن أم شَرِيك رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ليفرنَّ الناسُ من الدجال حتى يلحقوا بالجبال. قالت أم شَرِيك: قلت: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ ": الفاء فيه جواب شرط محذوف؛ أي: إذا كان حال الناس هذا؛ فأين المجاهدون من العرب في سبيل الله؟

"قال: هم قليل".

4234 -

عن أنس، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"يَتْبعُ الدَّجَّالَ منْ يَهودِ أَصْبَهانَ سَبْعونَ ألفًا عليهِمُ الطَّيَالِسَةُ".

"عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: يتَّبعُ الدجالَ": بتشديد التاء.

ص: 576

"من يهود أصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة": جمع الطيلسان.

قال سليمان بن جرير: ليس هذا أصفهان العراق، إنما هو أصفهان بخراسان.

* * *

4235 -

وقالَ: "يأتي الدَّجَّالُ، وهوَ مُحَرَّمٌ عليهِ أنْ يَدخُلَ نِقابَ المَدينةِ، فينزِلُ بَعْضَ السِّباخِ التي تَلي المَدينَةَ، فيخرُجُ إليهِ رَجُل، وهو خَيْرُ النَّاسِ، أو منْ خِيارِ النَّاسِ، فيقولُ: أَشْهَدُ أنَّكَ الدَّجَّالُ الذي حَدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَديثَهُ، فيقولُ الدَّجَّالُ: أرأَيْتُمْ إنْ قَتلتُ هذا ثمَّ أَحْيَيْتُهُ هلْ تَشُكُّونَ في الأَمْرِ؟ فيقولونَ: لا، فيقتُلُهُ ثمَّ يُحْييهِ، فيقولُ: والله ما كنْتُ فيكَ أَشَدَّ بَصيرةً منِّي اليَوْمَ، فيُريدُ الدَّجَّالُ أنْ يقتُلَهُ فلا يُسلَّطُ عليهِ".

"وقال: يأتي الدجال، وهو محرَّم عليه أن يدخل نِقابَ المدينة": وهو بكسر النون: جمع نقب، وهو الطريق بين الجبلين؛ أي: لا يستطيع أن يدخل طرفها.

"فينزل بعض السِّباخ": بكسر السين: جمع سبخة.

"التي تلي المدينة، فيخرج إليه رجل": قيل: هو الخضر عليه الصلاة والسلام.

"وهو خير الناس، أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا، ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا"؛ أي: لا نشك، وإنما قالوا ذلك خوفًا منه، لا تصديقًا، ويحتمل: أنهم قصدوا لا نشك في كذبك وكفرك، وخادعوه بهذه التورية خوفًا منه.

ص: 577

ويحتمل: أنهم هم الذين يصدقونه من اليهود وغيرهم ممن قدر الله شقاوته.

"فيقتله، ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشدَّ بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلط عليه"؛ أي: لا يقدر على قتله.

قال الكلاباذي: في الحديث دليل على أنَّ الدجال لا يقدر على ما يريده، وإنما يفعل الله ما يشاء عند حركته في نفسه، ومحل قدرته ما شاء الله أن يفعله؛ اختبارًا للخلق وابتلاء لهم؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء.

* * *

4236 -

عن أبي هريرةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي المَسيحُ منْ قبَلِ المَشْرِقِ هِمَّتُهُ المَدينةُ، حتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحدٍ، ثمَّ تَصْرِفُ الملائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وهُنالِكَ يَهلِكُ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي المسيح"؛ أي: الدجال.

"من قِبل المشرق وهمتُه"؛ أي: قصده.

"المدينةُ، حتى ينزل دبر أحد"؛ أي: خلف جبل أحد.

"ثم تصرف الملائكة وجهه قِبل الشام وهنالك يُهلك".

* * *

4237 -

وعن أبي بَكرَةَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَدْخُلُ المَدينَةَ رُعْبَ المَسيح الدَّجَّالِ، لها يَوْمَئِذٍ سَبعةُ أبواب عَلَى كلِّ بابٍ مَلَكانِ".

ص: 578

"عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: لا يدخل المدينة رُعْبَ المسيح الدجال": بضم الراء وسكون العين المهملة؛ أي: خوفه.

"لها"؛ أي: للمدينة.

"يومئذ سبعةُ أبواب على كل باب ملكان".

* * *

4238 -

عن فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ قالت: سَمِعْتُ مُنادِيَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يُنادِي: الصَّلاةَ جامِعَةً، فخَرَجْتُ إلى المَسْجدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ جَلَسَ عَلَى المِنبرِ وهوَ يَضْحَكُ فقال:"لِيَلزَمْ كلُّ إِنْسانٍ مُصَلاهُ"، ثُمَّ قال:"هلْ تَدرونَ لِمَ جَمعتُكُمْ؟ " قالوا: الله ورسولُهُ أعلمُ، قال: "إِنِّي والله ما جَمَعْتُكُمْ لرَغْبةٍ ولا لرَهْبةٍ، ولكنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَميمًا الدَّارِيَّ كانَ رَجُلًا نَصْرانِيًّا، فجاءَ وأَسْلَمَ، وحَدَّثَني حَديثًا وافَقَ الذي كنْتُ أُحَدِّثُكُمْ بهِ عنِ المَسيح الدَّجَّالِ، حدَّثَني أنَّهُ ركِبَ في سَفينةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثلاثينَ رَجُلًا منْ لَخْمٍ وجُذامَ، فلَعِبَ بهِمْ المَوْجُ شَهْرًا في البَحْرِ، فَأَرْفَؤُوا إلى جَزيرةٍ حينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، فجَلَسُوا في أَقْرُبِ السَّفينةِ فدخَلُوا الجزيرةَ، فلقِيتهُمْ دابّةٌ أَهْلَبُ كثيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرونَ ما قُبُلُهُ منْ دُبُرِهِ منْ كثرةِ الشَّعَرِ، قالوا: ويلَكِ ما أنتِ؟ قالت: أنا الجَسَّاسَةُ، انطلِقُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ فإنَّهُ إلى خَبَرِكُمْ بالأشْواقِ، قال: لمَّا سَمَّتْ لنا رجلًا فَرِقْنا منها أنْ تكونَ شَيْطانةً، قال: فانطلَقْنا سِراعًا حتَّى دخَلْنا الدَّيْرَ، فإذا فيهِ أَعْظَمُ إِنْسانٍ ما رأيناهُ قطُّ خَلْقًا، وأشدُّهُ وِثاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَداهُ إلى عُنُقِهِ ما بينَ رُكبَتِهِ إلى كَعْبهِ بالحَديدِ، قُلنا: ويلَكَ ما أنتَ؟ قال: قدْ قَدَرْتُمْ علَى خَبرِي فأخبروني ما أنتُمْ؟ قالوا: نَحْنُ أُناسٌ مِنَ العَرَبِ ركِبنا في سَفينَةٍ بَحْريَّةٍ فلَعِبَ بنا البَحْرُ شَهْرًا فدَخَلْنا الجزيرةَ، فلَقِيَتْنا دابَّةٌ أهْلَبُ فقالت: أنا الجَسَّاسَةُ، اعْمِدُوا إلى هذا الرَّجلِ في الدَّيْرِ، فأقبَلْنا إليكَ سِرَاعًا، فقال:

ص: 579

أَخْبروني عنْ نَخْلِ بَيْسانَ هلْ تُثمِرُ؟ قُلْنا: نعَم، ثُمَّ قال: أَما إنَّها يُوشِكُ أنْ لا تُثْمِرَ، قال: أَخْبروني عنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ هلْ فيها ماءٌ؟ قلنا: هيَ كثيرةُ الماءِ قال: أَما إنَّ ماءَها يُوشِكُ أنْ يذهَبَ، قال: أَخْبروني عنْ عَيْنِ زُغَرَ هلْ في العينِ ماءٌ؟ وهلْ يَزْرعُ أهلُها بماءَ العَيْنِ؟ قلنا: نعمْ، هيَ كثيرةُ الماءِ، وأهلُها يزرَعونَ مِنْ مائِها، قال: أَخْبروني عنْ نبَيِّ الأُمِّيينَ ما فعلَ؟ قالوا: قد خرجَ من مكةَ ونزلَ يثربَ، قال: أقاتَله العربُ؟ قلنا نعم، قال: كيفَ صَنَعَ بهمْ؟ فأخبرناهُ أنَّهُ قدْ ظَهَرَ علَى مَنْ يَليهِ مِنَ العَرَبِ وأطاعوهُ، قال: أَمَا إنَّ ذلكَ خَيْرٌ لهمْ أنْ يُطيعوهُ، وإنِّي مُخبرُكُمْ عنِّي، إنِّي أنا المَسِيحُ، وإدي أُوشِكُ أنْ يُؤْذَنَ لي في الخُروجِ فأَخْرُجَ فأَسيرَ في الأَرْضِ فلا أَدعُ قريةً إلَّا هَبَطْتُها في أربعينَ ليلةً غيرَ مكَّةَ وطَيْبَةَ، هُما مُحَرَّمَتانِ عليَّ كلتاهُما، كُلَّما أرَدْتُ أنْ أَدْخُلَ واحِدَةً مِنهُما استقبَلَني مَلَكٌ بيدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عنها، وإنَّ على كلِّ نَقْبٍ منها ملائِكَةً يَحرُسونَها"، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وطَعَنَ بمِخْصَرَتِهِ في المِنْبَرِ: "هذِه طَيْبَةُ، هذِه طَيْبَةُ، هذه طيبةُ"، يَعني: المَدينَةَ، "ألا هلْ كنتُ حَدَّثْتُكُمْ؟ " فقالَ النَّاسُ: نعمْ، قال: "ألا إِنَّهُ في بَحْرِ الشَّامِ أوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا بَلْ منْ قِبَلِ المَشرِقِ ما هُوَ"، وأَوْمَأ بيدِه إلى المَشرِقِ.

"عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: أنها قالت: سمعت مناديَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعةً": برفعهما مبتدأ وخبر، أو بنصبهما على تقدير: احضروا الصلاة في حال كونها جامعة، وبرفع الأول على تقدير: هذه الصلاة، ونصب الثاني على الحالية، وبالعكس على تقدير: احضروا الصلاة وهي جامعة، وهو ضعيف؛ لإضمار حرف العطف، وعلى جميع التقادير فمحل الجملة نصب؛ لأنه مفعول (ينادي) حكاية لكونه في معنى القول.

"فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزمْ كلُّ إنسان مُصلَّاه"، أي: ليقعدْ

ص: 580

فيه حتى يسمع ما أقول.

"ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة"؛ أي: فيكم.

"ولا لرهبة"؛ أي: منكم.

"ولكن جمعتكم لأن تميم الداريَّ كان رجلًا نصرانيًا، فجاء وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال، حدثني: أنه ركب في سفينة بحرية"؛ أي: كبيرة.

قيل: قيد بالبحرية لتتميَّز عن الإبل؛ إذ يقال لها: سفن البر، وهذا ليس بشيء؛ لأن القرائن الصارفة عن ذلك كثيرة في سياق الحديث.

"مع ثلاثين رجلًا من لخم وجُذامَ": قبيلتان من العرب.

"فلعب بهم الموج شهرًا في البحر": سمي اضطراب أمواج البحر لعبًا؛ لما لم تَسِرْ بهم على الوجه المراد، ويقال: لكل من عمل عملًا لا يجري عليه نفعًا: إنما أنت لاعب.

"فأرفَأُوا"؛ أي: قرَّبوا السفينة.

"إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرُبِ السفينة": بضم الراء: جمع قارب - بالفتح - على غير القياس، وقد يكسر، وهو سفينة صغيرة تكون مع السفن البحرية كالجنائب لها، تتخذ لحوائجهم.

"فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلبُ": بفتح الهمزة وسكون الهاء وفتح اللام؛ أي: كثير شعر الأطراف غليظه.

"كثير الشعر": تفسير له، والهُلْب: ما غلظ من الشعر، كشعر الذَّنَب.

"لا يدرون ما قُبُلُه من دُبُرِه من كثرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ ":

ص: 581

خاطبوها مخاطبة المتعجب.

"قالت: أنا الجساسة": سميت جساسة؛ لأنها تجسس الأخبار للدجَّال، والحيوان ينطق بقدرة الله تعالى.

"انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير"؛ أي: في دير النصارى.

"فإنه إلى خبركم بالأشواق": وفيه مبالغة؛ أي: كأن الأشواق إلى خبركم ملتصقة به وهو بها.

"قال: لما سمت لنا رجلًا فَرِقنا": بكسر الراء؛ أي: فزعنا وخفنا.

"منها أن تكون شيطانة، قال: انطلقنا سراعًا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان"؛ أي: في الجثة.

"ما رأيناها"؛ أي: الأعظم.

"قط خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعة يده إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري"؛ أي: على أن تخبروني عن حالكم، أو على خبري إياكم.

"فأخبروني": أنتم عن حالكم.

"ما أنتم"؛ أي: من أنتم؟ أو ما حالكم؟

"قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهرًا، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابةٌ أهلَبُ، فقالت: أنا الجساسةُ، اعمدوا"؛ أي: اقصدوا.

"إلى هذا الرجل في الدير، فأقبلنا إليك سراعًا"؛ أي: مسرعين.

"فقال: أخبروني عن نخل بيسان": بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت: قرية بالشام.

ص: 582

"هل تثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما إنها يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، هل فيها ماء؛ قلنا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زُغَر": بضم الزاي وفتح الغين المعجمتين والراء المهملة: اسم عين بالشام.

"هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب"؛ أي: غلب عليهم.

"وأطاعوه، قال: أما إن ذلك"؛ أي: الإطاعة.

"خير لهم أن يطيعوه": فإن قيل هذا القول إنما يصدر من المحق الناطق بالصواب، وهو بمعزل عن ذلك.

أجيب بأنه يحتمل أن الله تعالى صرفه عن الطعن والتكبر عليه، فلم يستطع أن يتكلم بغيره؛ تأييدًا لنبيه صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل: أنه أراد الخير في الدنيا؛ أي: طاعتهم له خير؛ فإنهم إن خالفوه استأصلهم.

"وإني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يُؤذَن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدعُ قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، وهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما، استقبلني ملكٌ بيده السيف صلتًا": نصب على الحال: أي: مجردًا عن الغمد.

"يصدني عنها"؛ أي: يردني، ويطردني عن دخولها.

"وإن على كل نقب"؛ أي: باب.

"منها ملائكة يحرسونها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وطعن بمخصرته": وهي

ص: 583

- بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة والصاد والراء المهملتين - قضيب يشير به الملك، أو الخطيب إذا خطب.

"في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة؛ يعني: المدينة": سماها النبي صلى الله عليه وسلم بها؛ لأنها طاهرة، آمنها الله تعالى من كل خبث ونفاق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المدينة كالكير تنفي خبثها".

"ألا هل كنتُ حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، ألا إنه"؛ أي: المسيح الدجال.

"في بحر الشام، أو في بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق": تردده صلى الله عليه وسلم في موضعه للشك، وظن أنه لا يخلو عن هذه المواضع الثلاثة؛ فلما ذكر البحرين تيقن من جهة الوحي، أو غلب على ظنه: أنه من قبل المشرق؛ فنفى الأولين، وأضرب عنهما، وأثبت الثالث، أو علم موضعه، وردَّد لمصلحة.

ولم تكن العرب تسافر يومئذ إلا في هذه البحرين، أو أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشامي، وببحر اليمن ما يلي الجانب اليماني، والبحر بحر واحد ممتدّ على أحد جوانب جزيرة العرب.

"ما هو": (ما) زائدة، و (هو) مبتدأ خبره الظرف المتقدم، أو موصولة مبتدأ خبره (هو)؛ أي: الجانب الذي هو فيه قبل المشرق.

"وأومأ بيده"؛ أي: أشار بها "إلى المشرق".

* * *

4239 -

عن عبدِ الله بن عُمَرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيتُني الليلَةَ عِنْدَ الكعبةِ، فرأيتُ رَجُلًا آدمَ كأحْسَنِ ما أنتَ راءٍ منْ أُدْمِ الرِّجالِ، لهُ لِمَّةٌ كأحْسَنِ ما أنتَ راءٍ مِنَ اللِّمَم، قد رجَّلَها فهيَ تقطُرُ ماءً، مُتَّكِئًا على عَواتِقِ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ

ص: 584

بالبيتِ، فسألتُ مَنْ هذا؟ فقالوا: هذا المَسيحُ ابن مريمَ"، قال: ثمَّ إذا أنا برجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أعوَرِ العَيْنِ اليُمنَى، كانَّ عَيْنَهُ عِنَتة طافِية، كأشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بابن قَطَنٍ، واضعا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطوفُ بالبيتِ، فسألتُ: مَنْ هذا؟ فقالوا: هذا المَسِيحُ الدَّجَّالُ".

وفي رِوايةٍ: قالَ في الدَّجَّال: "رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسيمٌ، جَعدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيِنهِ اليُمنَى، أقرَبُ النَّاسِ بهِ شَبَهًا ابن قَطَنٍ".

"عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيتُني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلًا آدم"؛ أي: أسمر.

"كأحسن ما أنت راءً من أُدْمِ الرجال له لمة": وهو بكسر اللام وفتح الميم المشددة: الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن.

"كأحسن ما أنت راءٍ من اللِّمم": جمع لمة.

"قد رجَّلها"؛ أي: سرَّحها وامتشطها.

"فهي تقطر ماء، متكئًا على عواتق رجلين": جمع عاتق، وهو موضع الرداء من الكتف.

"يطوف بالبيت، فسألت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح ابن مريم": كوشف في رؤياه صلى الله عليه وسلم نزول عيسى عليه السلام على صفة الحسن والبهاء وإقامة الدين، ينزل بأحسن ما يكون عليه الإنسان؛ ظاهرًا وباطنًا، متكئًا على العصمة والتأييد، فيطوف حول الدين، ويصلح فاسده.

"قال: ثم إذا أنا برجل جَعْدٍ"؛ أي: كثير الشعر.

"قَطَط"؛ أي: شديد الجعودة.

"أعور العين اليمنى، كان عينه عنبة طافية، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن، واضعًا يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت، فسألت من هذا؟

ص: 585

فقالوا: هذا المسيح الدجال": خروجه على صفة نقص الخلقة، واعوجاج البنية، على صورة كريهة المنظر خبيث الباطن؛ متكئًا على التلبيس، فيدور حول الدين ليحدث فيه ثلمة.

"وفي رواية: قال في الدجال: "رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعورُ عينه اليمنى، أقربُ الناس به شبها ابن قطن".

* * *

مِنَ الحِسَان:

4240 -

عن فاطِمَةَ بنتِ قَيْسٍ في حديثِ تَميمٍ الدَّارِيِّ قال: فإذا أنا بامرأةٍ تجُرُّ شَعْرَها، قال: ما أَنْتِ؟ قالت: أنا الجَسَّاسَةُ، اذهَبْ إلى ذلكَ القَصْرِ، فأتيتُهُ، فإذا رَجُلٌ يجُرُّ شَعْرَهُ، مُسَلْسَلٌ في الأَغْلالِ، يَنْزُو فيما بينَ السَّماءِ والأَرْضِ، فقُلت: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا الدَّجَّالُ.

"من الحسان":

" عن فاطمة بنت قيس في حديث تميم الداري قال: فإذا أنا بامرأة تجرُّ شعرها قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة": جساسة هذه امرأة، وفي الحديث المتقدم: أنها دابة؛ فيحمل على أن للدجال جاسوسين دابة وامرأة، وكلاهما شيطان واحد، إلا أنه رآه تارة على صورة دابة، وأخرى على صورة امرأة، والشيطان يتصور بأي صورة شاء.

"اذهب إلى ذلك القصر، فأتيته، فإذا رجل يجر شعره مسلسل" أي: معلق.

"في الأغلال يَنْزُو"؛ أي: يتحرك مع القيد مضطربًا بلا قرارٍ.

"فيما بين السماء والأرض": متعلق بقوله: (مسلسل)، ويجوز تعليقه

ص: 586

بـ (ينزو)، وهو الأظهر.

"فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال".

* * *

4241 -

عن عُبادَة بن الصَّامِت، عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنِّي حَدَّثتُكُمْ عنِ الدَّجَّالِ حتَّى خَشِيْتُ أنْ لا تَعْقِلوا، إنَّ المَسيحَ الدَّجَّالَ رَجُلٌ قَصيرٌ، أَفْحَجُ، جَعْدٌ، أعوَرُ، مَطْموسُ العينِ، ليستْ بناتِئَةٍ ولا حَجْراءَ فإنْ أُلْبسَ عليكُمْ فاعلَمُوا أنَّ ربكُّمْ ليسَ بأعوَرَ".

"عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت"؛ أي: خفت.

"أن لا تعقلوا"؛ أي: لا تفهموا ما حدثتكم في شأن الدجال، أو تنسوه من كثرة ما قلت في وصفه، أو خشيت أن يضلكم بخوارقه، فأحدثكم عنه بما تأمنون معه عن الضلال.

"إن المسيح الدجال": بكسر الهمزة.

"رجل قصير أفحَجُ": بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الحاء قبل الجيم هو الذي تباعد بين رجليه إذا مشى.

"جعد أعور مطموسُ العين"؛ أي: ممسوحها، والطمس: استئصالُ أثر الشيء.

"ليس بناتئة"؛ أي: مرتفعة.

"ولا حجراء": بفتح الجيم وسكون الحاء؛ أي: ليست بمنخفضة.

"فإن ألبس عليكم": الإلباس: الخلط والاشتباه، يعني: إن اشتبه عليكم أمر ما يدعيه في الإلهية.

ص: 587

"فاعلموا أن ربكم ليس بأعور"؛ لأنه منزه عن النقصان، وليس بموصوف بما لا يليق به.

* * *

4242 -

عن أبي عُبَيْدةَ بن الجَرَّاحِ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّهُ لمْ يكُنْ نبيٌّ بعدَ نوُحٍ إلَّا قدْ أنذَرَ الدَّجَّالَ قومَهُ، وإنِّي أُنْذِرُكُموهُ"، فَوَصَفَهُ لنا فقالَ:"لعلَّهُ سيُدْرِكُهُ بعضُ مَنْ رآني أو سمعَ كلامي"، قالوا: يا رسولَ الله! فكيفَ قُلوبنا يَوْمَئِذٍ؟ قال: "مِثْلُها - يعني: اليومَ - أو خَيْرٌ".

"عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: إنه لم يكن نبي بعد نوح، إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أُنذِرُكُموه. فوصفه لنا، فقال: لعله سيدركه"؛ أي: الدجال.

"بعض من رآني، أو سمع كلامي": المراد بمن سمع كلامه صلى الله عليه وسلم: من وصل إليه أحاديثه صلى الله عليه وسلم وإن كان بعد طول زمان.

"قالوا: يا رسول الله! فكيف قلوبنا يومئذ؟ قال: مثلها؛ يعني: اليوم، أو خير": عطف على مثلها.

* * *

4243 -

عن عمرِو بن حُرَيْثٍ، عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال: قال حَدَّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بالمَشْرِقِ يُقَالُ لها: خُراسانُ، يتْبَعُهُ أَقْوامٌ كأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ".

"عن عمرو بن حُريث، عن أبي بكر الصديق قال: حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال

ص: 588

لها: خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة": تقدَّم بيانه.

* * *

4244 -

عن عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمعَ بالدَّجَّالِ فَلْيَنْأ عنهُ، فوالله إنَّ الرَّجُلَ لَيأْتِيهِ وهو يَحسِبُ أنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيتَّبعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بهِ مِنَ الشُّبُهاتِ".

"عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: [قال] رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع بالدجال"، أي: بخروجه.

"فلْينأَ"؛ أي: فليبعد.

"منه، فوالله إن الرجل ليأتيه"؛ أي: الدجَّال.

"وهو"؛ أي: الرجل.

"يحسب أنه"؛ أي: الدجال.

"مؤمن، فيتبعه"؛ أي: الرجلُ الدجالَ.

"مما"؛ أي: من أجل ما "يبعث به من الشبهات": كالسحر، وإحياء الأموات، وغير ذلك من الإنبات والأمطار.

أكَّد صلى الله عليه وسلم اتباع بعض أمته للدجال باليمين، فينبغي لمن سمع خروجه أن لا يأمنَ من فتنته، ويبعد منه بُعدَ المشرقين، حتى لا يقع فيها، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

* * *

4245 -

عن أسماءَ بنتِ يَزيدَ قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَمْكُثُ الدَّجَّالُ في الأَرْضِ أَرْبعينَ سَنَةً، السَّنَةُ كالشَّهْرِ، والشَّهْرُ كالجُمُعةِ، والجُمُعةُ كاليَوْمِ، واليَوْمُ كاضْطِرامِ السَّعَفَةِ في النَّارِ".

ص: 589

"عن أسماء بنت يزيد": بن السكن بفتحتين.

"قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يمكث الدجال في الأرض أربعينَ سنة، السنة كالشهر، والشهرُ كالجمعة، والجمعةُ كاليوم، واليومُ كاضطرام السعفة": وهو بفتحتين: غُصَينُ النخل، وقيل: الغصن الرقيق من النخل، وقيل: ورق النخل؛ أي: كالتهابها "في النار".

* * *

4246 -

عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يتبَعُ الدَّجَّالَ منْ أُمَّتي سَبعونَ ألفًا عليهِمُ السِّيجانُ".

"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفَّا عَليهم السِّيجان، بكسر السين المهملة وبالجيم: جمع ساج، وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: المنقوش ينسج كذلك.

نبه صلى الله عليه وسلم بهذا القول عن كثرة سوادهم؛ يعني: إذا كان أصحاب الثروة سبعون ألفًا، فما ظنك بالفقراء؟! * * *

4247 -

عن أَسْماءَ بنتِ يَزيدَ قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيتي، فذكرَ الدَّجَّالَ فقال:"إنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثلاثَ سِنينَ: سنة تُمْسِكُ السَّماءُ فيها ثُلُثَ قَطْرِها والأرْضُ ثُلُثَ نبَاتِها، والثَّانِيةُ تُمْسِكُ السَّماءُ ثلُثَيْ قَطْرِها والأرْضُ ثلُثَيْ نَبَاتِها، والثَّالِثَةُ تُمْسِكُ السَّماءُ قَطْرَها كُلَّهُ والأَرْضُ نبَاتَها كُلَّهُ، فلا يبقَى ذاتُ ظِلْفٍ ولا ذَاتُ ضرْسٍ مِنَ البَهائِم ألَّا هلكَ، وإنَّ أَشَدَّ فِتنَتِهِ أنَّهُ يأتي الأَعْرابيَّ فيقولُ: أرأَيْتَ أنْ أحيَيْتُ لكَ أبلَكَ ألسْتَ تَعْلَمُ أنِّي رَبُّكَ؟ فيقولُ: بلَى، فيُمثَّلُ لهُ نحوَ إبلِهِ كأَحْسَنِ ما يكونُ ضُرُوعًا وأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً" قال: "ويأتي الرَّجُلَ قدْ

ص: 590

ماتَ أَخُوهُ، وماتَ أبوهُ، فيقولُ: أرأيتَ إنْ أَحْيَيْتُ لكَ أباكَ وأخاكَ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أنِّي ربُّكَ؟ فيقولُ: بَلَى، فيُمَثَّلَ لهُ الشَّياطِينُ نحوَ أبيهِ ونَحْوَ أخيهِ"، قالت: ثُمَّ خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وسلم لحاجَتِهِ، ثمَّ رَجَعَ والقَومُ في اهتِمامٍ وغَمٍّ ممَّا حدَّثهُمْ، قالت: فأخذَ بِلُجْمتَي البابِ فقالَ: "مَهْيَمْ أسماءُ؟ " قلتُ: يا رسولَ الله! لقدْ خَلَعْتَ أفئِدَتَنَا بذِكرِ الدَّجَّالِ، قال: "إنْ يَخْرُجْ وأنا حَيٌّ فأنا حَجيجُهُ، وإلَاّ فإنَّ ربي خَليفَتي على كلِّ مُؤمنٍ"، فقُلتُ: يا رسولَ الله! والله إنَّا لَنَعْجنُ عَجينَنا، فما نَخْبزُهُ حتَّى نَجُوعَ، فكيفَ بالمُؤْمنينَ يَوْمَئِذٍ؟ قال: "يَجْزِيهِمْ ما يُجْزِي أهلَ السَّماء مِنَ التَّسبيح والتَّقْديسِ".

"وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: كان النبي في بيتي، فذكر الدجال، فقال: إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء فيها ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ظِلْفٍ": أراد به: البقر والغنم والظبي.

"ولا ذاتُ ضرس": أراد به: السباع.

"من البهائم إلا هلكت، وإن من أشدِّ فتنته: أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت"؛ أي: أخبرني.

"إن أحييت لك إبلَك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له نحو إبله"؛ أي: يتصور مثل إبله.

"كأحسن ما يكون ضروعًا وأعظمِه أسنمَة. قال: ويأتي الرجلَ قد مات أخوه، ومات أبوه، فيقول: أرأيتَ إن أحييت لك أباك وأخاك، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه. قالت"؛ أي: أسماء.

ص: 591