الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ
" باب الرِّياء والسُّمعة" يقال: فعلَ ذلك سُمعةً؛ أي: ليراه الناسُ من غير أن يكونَ قصدَ به التحقيقَ.
مِنَ الصِّحَاحِ:
4097 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأموالِكُمْ، ولكنْ يَنْظُرُ إلى قُلوبكُمْ وأعمالِكُمْ".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الله لا ينظر"؛ أي: نظرَ العطف والرحمة والاختيار.
"إلى صوركم" المجردة عن السِّيَر المرضية.
"وأموالكم" العارية عن الخيرات.
"ولكن ينظر إلى قلوبكم" التي هي موضع التقوى.
"وأعمالكم" التي يُتقرَّب بها إلى الله، جعل نظرَه إلى ما هو سِرٌّ ولُبٌّ، وهو القلب وخالص العمل؛ لأنه تعالى منزَّه عن شبه المخلوقين، فإن نظرَهم وميلَهم إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة.
* * *
4098 -
وقال: "قالَ الله تعالَى: أنا أغنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أشركَ فيهِ معي غَيْري تركتُهُ وشِرْكهُ".
وفي رِوايةٍ: "فأنا منهُ بَريءٌ، هوَ للذي عملَهُ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك، مَن عملَ عملًا أَشركَ فيه معي غيري تركتُه وشِركَه": وقد مر هذا في (كتاب الإيمان).
"وفي رواية: فأنا منه"؛ أي: من ذلك العمل "بريء، وهو للذي عملَه"؛ أي: ذلك العملُ لفاعله؛ يعني: تركتُ ذلك العملَ وفاعلَه، لا أَقبلُه ولا أُجازي عليه؛ لأنه لم يَعملْه لي.
* * *
4099 -
وعن جُنْدَبٍ قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بهِ، ومَنْ يُرائِي يُرائي الله بهِ".
"وعن جُندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن سَمَّعَ سَمَّعَ الله به"، يقال: سَمَّعتُ به تسميعًا وسُمعة: إذا شهرتُه، يريد: مَن عمل عملًا مِن الطاعات لا على وجه الإخلاص، بل ليشتهرَ بين الناس بالصلاح جازاه الله بمثل فعله، بأن يُشهِرَ عيوبَه يومَ القيامة، ويفضحَه على رؤوس الأشهاد.
"ومَن يُرائي يُرائي الله به"؛ يعني: مَن فعل فعلًا من الأفعال الصالحة ليراه الناس ويعطوه شيئًا، أو يمدحوه على فعله، يجزيه الله جزاءَ المُرَائين، بأن يقول له: اطلبْ جزاءَ فعلِك ممن فعلتَه لأجله.
* * *
4100 -
وعن أبي ذَرٍّ قال: قِيلَ لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أرأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخيرِ ويَحْمَدُهُ النَّاسُ عليهِ؟ قال: "تلكَ عاجِلُ بُشْرَى المُؤْمنِ".
وفي رِوايةٍ: "ويُحِبُّهُ النَّاسُ عليهِ".
"وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ الرجلَ"؛ أي: أخبرْني بحال الرجل.
"يعمل العملَ من الخير" خالصًا لله.
"ويحمدُه الناسُ عليه": هل يبطل ثوابُه بمدح الناس إياه أم لا؟ "قال: تلك عاجلُ بشرى المؤمن"؛ يعني: ثوابُهم العاجلُ في الدنيا بأن يُوقِعَ المحبةَ في قلوب الناس، والذِّكر بالخير على ألسنتهم، وأما ثوابُهم في الآخرة فالجنةُ واللقاءُ.
"وفي رواية: ويحبُّه الناس عليه"؛ أي على الخير.
* * *
مِنَ الحِسَان:
4101 -
عن أبي سعيدِ بن أبي فَضالَةَ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جَمَعَ الله النَّاسَ يومَ القِيامَةِ ليومٍ لا ريبَ فيهِ نادَى مُنادٍ: مَنْ كانَ أَشْرَكَ في عَمَلٍ عَمِلَهُ لله أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوابَهُ مِنْ عندِ غيرِ الله، فإنَّ الله أَغْنَى الشُّرَكاءَ عَنِ الشِّرْكِ".
"من الحسان":
" عن أبي سعيد بن أبي فَضَالة": بفتح الفاء والضاد المعجمة.
"عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جمعَ الله الناسَ يومَ القيامة ليومٍ لا ريبَ فيه نادى منادٍ: مَن كان أَشركَ في عمل عملَه لله أحدًا فليطلبْ ثوابَه من عند غير الله؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشِّرك".
* * *
4102 -
عن عبدِ الله بن عَمْرٍو: أنَّه سَمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بعَمَلِهِ سَمَّعَ الله بهِ أَسامعَ خلقِهِ وحَقَّرَهُ وصَغَّرَهُ".
"عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن سَمَّعَ الناسَ بعمله سَمَّعَ الله به أسامعَ خلقِه": بالنصب على المفعولية، جمع: أَسْمُع؛ أي: يفضحه يومَ القيامة، ويروى بالرفع: صفة لله؛ أي: الذي هو أسامعُ خلقِه.
"وحقَّره وصغَّره".
* * *
4103 -
عن أنسٍ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الآخِرَةِ جَعَلَ الله غِناهُ في قلبهِ، وجَمَعَ لهُ شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدُّنْيا وهي راغِمَة، ومَنْ كانتْ نيَّتُهُ طَلَبَ الدُّنْيا جَعَلَ الله الفَقْرَ بينَ عَيْنَيْهِ، وشَتَّتَ عليهِ أَمْرَهُ، ولا يأتيهِ منها إلا ما كُتِبَ لهُ".
"عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن كانت نيتُه طلبَ الآخرة جعلَ الله غناه في قلبه": بأن جعله قانعًا بالكفاف، ولا يُتعب نفسَه في طلب الزيادة، فهذا هو الغنى الحقيقي.
"وجمعَ له شملَه"؛ أي: متفرقاتِه؛ يعني: جعله الله مجموعَ الخاطر بتهيئة أسبابه من حيث لا يدري.
"وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ: الواو للحال؛ أي: ذليلةٌ حقيرةٌ، لا يحتاج في طلبها إلى سعي كثير.
"ومَن كانت نيتُه طلبَ الدنيا جعل الله الفقرَ بين عينَيه، وشتَّت"؛ أي فرَّق.
"عليه أمرَه، ولا يأتيه منها إلا ما كُتِبَ له".
* * *
4104 -
عن أبي هُريرةَ قال: قلتُ يا رسولَ الله! بَيْنا أنا في بيتي في مُصَلَّايَ، إذْ دَخَلَ عليَّ رَجُلٌ، فأَعْجَبني الحالُ التي رآني عليها، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"رَحِمَكَ الله يا أبا هُريرةَ! لكَ أجرانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وأَجْرُ العلانِيَّةِ"، غريب.
"عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسولَ الله! بينا أنا في بيتي في مُصلَّاي إذ دخل عليَّ رجل، فأعجبتْني الحال التي رآني عليها"؛ أي: أنه أعجبه ثناءُ الناس، لا أنه أعجبه ليعلمَ منه ذلك ويعظمَ عليه؛ لأنه حينَئذٍ رياءٌ، وقيل: إنما أعجبه رجاءَ أن يعملَ مَن رآه بمثل عمله، فيكون له مثلُ أجره؛ لأن "مَن سَنَّ سُنةً حسنة كان له أجرُها وأجرُ مَن عملَ بها".
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله يا أبا هريرة! لك أجرانِ: أجرُ السِّرِّ" من جهة إخلاصك.
"وأجرُ العلانية" من جهة اقتداء الناس بك.
"غريب".
* * *
4105 -
عن أبي هُريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَخرُجُ في آخرِ الزَّمانِ رِجالٌ يَختِلونَ الدُّنْيا بالدِّينِ، يَلْبَسونَ للنَّاسِ جُلودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلسِنتهُم أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وقُلوبُهُمْ قُلوبُ الذِّئابِ، يقولُ الله تعالى: أَبي يَغترُّونَ؟ أمْ عليَّ يَجْترِئُونَ؟ فبي حَلَفْتُ، لأَبْعَثَنَّ على أُولئِكَ منهُمْ فِتنةً تَدَعُ الحَليمَ فيهِمْ حَيْرانَ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج في آخر الزمان رجالٌ يَختِلون الدنيا"؛ أي: يُرادون أهلَها بالخداع.
"بالدين"؛ أي بعمل أهل الدِّين.
"يَلبَسون للناس جلودَ الضأن"؛ أي: يَلبَسون الصوفَ؛ ليظنَّهم الناسُ زهَّادًا عبَّادًا تاركين للدنيا.
"من اللِّين" أراد به: التخلُّق والتواضع في وجوه الناس ليصيروا مُريدين لهم.
"ألسنتُهم أحلى من السكَّر، وقلوبُهم قلوبُ الذئاب"؛ أي: مسودَّة من شدة حب الدنيا والجاه وكثرة العداوة والبغض والصفات الذميمة الراسخة في قلوبهم.
"يقول الله تعالى: أبي" الهمزة: للاستفهام؛ أي: أبإهمالي إياهم "يغترُّون؟ " المراد بالاغترار هنا: عدم الخوف من الله، وترك التوبة من فعلهم القبيح؛ أي: أفلا يخافون من سخطي وعقابي؟
"أم عليَّ يجترِئون" بمكرهم الناسَ في إظهار الأعمال الصالحة والاجتراء الانبساط والتشجع؟ "في" الباء: للقَسَم؛ أي: بحقِّ عظمتي.
"حَلفتُ لأَبعثَنَّ على أولئك"؛ أي: على أولئك الرجال و (مِن) في "مِنهم": للتبيين.
"فتنة"؛ أي: عذابًا، أو متعلقة بـ (فتنة)؛ أي: فتنةً ناشئةً منهم.
"تَلأَعُ"؛ أي: تترك تلك الفتنةُ.
"الحليمَ"؛ أي: العالِمَ العاقلَ.
"فيهم حيرانَ"؛ أي: متحيرًا لا يَقدِر على دفع ذلك العذاب عن نفسه؛ لشدته وصعوبته، وفي بعض النسخ:"الحكيم" بالكاف، معناه واحد.
* * *
4106 -
عن ابن عُمَرَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله تبارك وتعالى قال: لقدْ خَلقْتُ خَلْقًا ألسِنتُهُمْ أحلَى مِنَ السُّكَّرِ، وقُلوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، فبي حَلَفْتُ لأُتِيحَنَّهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الحَليمَ فيهِمْ حَيْرانَ، فبي يغترُّونَ" أمْ عليَّ يَجْتَرِئُونَ؟ "، غريب.
"عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى قال: لقد خلقتُ خلقًا ألسنتُهم أحلى من السكَّر، وقلوبُهم أمرُّ من الصَّبر، بكسر الباء: الدواء المُرُّ.
"فبي حلفت لأُتيحنَّهم"؛ أي: لأَقدرَنَّ لهم "فتنة تَدَعُ الحليمَ فيهم حيرانَ، فبي يغترُّون أم عليَّ يجترئون؟! غريب".
* * *
4107 -
عن أبي هُريرةَ قال: قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكُلِّ شَيءٍ شِرَّة، ولِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فإنْ كانَ صاحبُها سَدَّدَ وقارَبَ فارْجُوهُ، وإنْ أُشِيرَ إليهِ بالأَصابعِ فلا تعُدُّوهُ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيءٍ شِرَّةً": وهي - بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء المهملة المفتوحة - النشاط والرغبة والجِدَّة في العبادة.
"ولكل شِرَّةٍ فترة"؛ يعني: أن العابدَ يُبالغ فيها في أول أمره، وكلُّ مُبالِغٍ يَفتُر وتسكُن جدته ومبالغته بعدَ حين.
"فإنْ صاحبُها"؛ أي: صاحبُ الشِّرَّة.
"سدَّد"؛ أي قصدَ السدادَ؛ يعني: استقام في العمل من غير غلوٍّ ولا تقصيرٍ.
"وقارَبَ"؛ أي: دَنَا من المتوسط.
"فارجُوه"؛ أي: فكونوا على رجاء منه على الخير؛ فإن مَن سلك الطريقَ المتوسطَ يَقدِر على المداومة والمواظبة، وأفضلُ الأعمال عند الله أدومُها وإن قلَّ، وإنْ بالَغَ في العمل وأَتعبَ نفسَه عجزَ عن المداومة على ذلك وانقطعَ عنه، بل ربما إذا بالَغَ وأقبلَ الناسُ عليه بوجوههم اغترَّ بنفسه، وتداخلَه أنه خيرٌ من غيره، فيصير أحمقَ مُعجَبًا بنفسه متكبرًا بعمله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"وإنْ أُشير إليه بالأصابع"؛ أي: وإن صار مشهورًا معروفًا بالعبادة "فلا تَعدُّوه"؛ أي: لا تعدوه شيئًا؛ يعني: فلا تعتقدوا فيه صلاحًا، ولا تتوقعوا فيه فلاحًا، ولا تعدُّوه من أهل الخير، وهذا في حقِّ مَن بالَغَ في العبادة للشهرة، وأما مَن خلصتْ نيتُه وصدقتْ طويتُه فبمعزلٍ عن هذا، ومِن هذا مَنِ اجتهدوا في العبادة كلَّ الاجتهاد، فرُّوا مِن الناس وسكنوا المواضع الخالية؛ حذرًا من الرياء واجتماع الناس إليهم، فلما تمَّ لهم الأمرُ سَكنوا البلادَ ودَعَوُا العبادَ إلى الله، واقتصدوا في العبادة والرياضة، ولم يغترُّوا بإقبال الناس عليهم؛ لأن قلوبَهم صارتْ مطمئنةً بالحق، مزيَّنةً بنور التجلِّي، فصارت كالبحر لا تكدِّره القاذورات؛ لصفاء خواطرهم.
* * *
4108 -
وعن أنسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"بِحسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يُشارَ إليهِ بالأَصابعِ في دينٍ أو دُنْيا، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ الله".
"وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بحسْبِ امرئ": الباء زائدة؛ أي: يكفيه.
"من الشرِّ أن يُشارَ إليه بالأصابع في دِينٍ أو دنيا"؛ لأن مَن اشتُهر في خصلةٍ من الخصال الدينية أو الدنيوية قلَّما يَسلَم من الآفات الخفية، كالعُجب والكِبْر والرِّياء والسُّمعة وغير ذلك؛ "إلا مَن عصمَه الله".