المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌14 - باب البر والصلة - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌14 - باب البر والصلة

"وليس منا من مات على عصبية"؛ أي: على الباطل.

* * *

3815 -

عَنْ أَبيْ الدَّرداءَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "حُبُّكَ الشَّيءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ".

"عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: حبك الشيء يُعمي"؛ أي: يجعلك أعمى عن رؤية معايبه بحيث لا تبصر فيه عيباً.

"ويصم"؛ أي: يجعلك أصمَّ عن سماع قبائحه بحيث لا تسمع منه كلاماً قبيحاً لاستيلاء سلطان المحبة على فؤادك، وعينُ المحبّ عمياءُ وأذنُه صمّاءُ.

* * *

‌14 - باب البر والصِّلَةِ

(باب البر والصلة)

يريد بالصلة: صلة الرحم وغيرها، والبر أعم منها.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3817 -

عَنْ أَبي هُريْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُل: يا رَسُولَ الله! مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحابَتي؟ قال: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّك"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أبوك".

ويُروَى: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَباكَ، ثُمَّ أَدْناكَ أدناك".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحقُّ بحسن

ص: 274

صحابتي؟ "؛ أي: مَن الأَوْلى بأن أُحسنَ إليه وأَحفظَ حقوقه.

"قال: أمك، قال: ثمَّ مَن؟ قال: أمك، قال: ثمَّ مَن؟ قال: أمك، قال: ثمَّ مَن؟ قال أبوك".

ويروى: من أبرُّ؟ قال: أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أباك، ثمَّ أدناك فأدناك"؛ أي: أقرباءك.

* * *

3819 -

وقالَ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ"، قِيْلَ: مَنْ يا رسولَ الله! قَالَ: "مَنْ أَدرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أَحَدَهُما أَوْ كِلَيْهِما، ثمَّ لَمْ يَدخُلِ الجَنَّةَ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم أنفه" معناه: لصق بالرَّغام وهو ترابٌ مختلطٌ بالرمل، والمراد منه الذل، إخبارٌ أو دعاءٌ عليه.

"رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدُهما" بالرفع فاعلٌ للظرف وهو: (عند)، "أو كلاهما" عطف عليه، وفي بعض النسخ بالنصب، فيكون بدلًا عن (والديه)، خص حال الكبر لأنه أحوجُ الأوقات إلى الخدمة والإحسان إليهما.

"ثمَّ لم يدخل الجنة"؛ يعني: بسبب عقوقهما والتقصيرِ في حقوقهما.

* * *

3820 -

وعَنْ أَسماءَ بنتِ أَبي بَكْرٍ أَنَّها قالَت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهيَ مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله! إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وهيَ راغِبةٌ، أفأَصِلُها؟ قَالَ:"نعمْ، صِليْهَا".

ص: 275

"عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: قدمتْ عليَّ أمي وهي مشركة في عهد قريش، فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغبة"؛ أي: في صلتي وطامعةٌ لعطائي، وقيل: راغبة في الإسلام، ويروى:(راغمة) بالميم، قيل: هو الصواب؛ أي: ذليلة محتاجة إلى عطائي، أو غاضبة لإسلامي وهجرتي.

"أفأَصِلُها؟ "؛ أي: أعطيها شيئًا.

"قال: نعم صليها"؛ أي: أعطيها، وفيه دليل بوجوب نفقة الأب والأم الكافرين على الولد المسلم، وأن الإحسان إلى الكفار جائز.

* * *

3820 / -م - وعَنْ عَمْرِو بن العاص قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ آلَ أَبي فُلانٍ لَيْسوا لي بأَوْلِياءَ، إِنَّما وَلييَ الله وصالح المُؤْمِنينَ، ولكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّها ببَلالِها".

"عن عمرو بن العاص أنَّه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن آل أبي فلان" قيل: هذه الكناية من بعض الرواة خوفاً من الفتنة، والمكنيُّ عنه هو أبو سفيان، وقيل: هو الحكم بن العاص.

"ليسوا لي بأولياء"؛ أي: لا أوالي أحدًا بالقرابة ولا أحبه.

"إنما ولييَ الله وصالح المؤمنين" قيل: المراد بهم الأنبياء، وقيل: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: علي كرم الله وجهه.

"ولكن لهم رحم أبلُّها ببلالها"، (البلال) بكسر الباء: كل ما يُبل به الحلق من الماء واللبن، والمراد به هنا: ما يوصَل به الرَّحِمُ من الإحسان؛ أي: أصِلُ تلك الرحم بصلتها والإحسان إليهم.

ص: 276

3821 -

وقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُم عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، وَوَأْدَ البناتِ، ومَنْعًا وَهاتِ، وكَرِهَ لَكُم قِيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وَإِضاعَةَ المالِ".

"عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات"؛ أي: عصيانها، خصَّ الأم لأنَّ لعقوقها مزيةً في القبح.

"ووأد البنات"؛ أي: دفنهن أحياء.

"ومنع" يروى علي بناء الماضي وعلى المصدر، "وهات" اسم فعل بمعنى أعطني؛ عبَّر بهما عن البخل والمسألة، وقيل: منع الواجب من الحقوق وأخذ ما لا يحلُّ من أموال الناس.

"وكره لكم قيل وقال"؛ أي: نهى عن فضول ما يتحدث به المجالسون من قولهم قيل كذا وقال كذا، وقيل: المراد بهما النهي عن القول بما لا يصح ولا تُعلم حقيقته، وقيل: أراد النهي عن كثرة الكلام مبتدئًا ومجيبًا؛ لأنَّ كثرته تورث قساوة القلب.

"وكثرة السؤال"؛ أي: من العلماء فيما لا حاجة فيه للمعاندة والمعارضة، أو هي مسألة الناس أموالَهم، أو السؤالُ عن أمورهم وكثرةُ البحث عنها.

"وإضاعة المال"؛ أي: إنفاقه في غير طاعة الله، وإيتاؤه صاحبَه وهو سفيه حقيقٌ بالحجر، وقيل: التبذير والإسراف وإن كان في حلالٍ مباحٍ، كمجاوزة الحد في النفقة والملبس والمفرش وتمويه الأواني والسقوف.

* * *

3822 -

وقالَ: "مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ"، قالوا: يا رسولَ الله! وهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قال: "نعمْ، يَسُبُّ أَبا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَباهُ، وَيسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ".

"وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الكبائر شتم

ص: 277

الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسبّ أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" فإن عقوق الوالدين من الكبائر، وارتكابُ ما يفضي إلى سب أحدهما مما يقرُب إلى العقوق، قيل: إنما يكون هذا من العقوق إذا كان المسابة بالزنا والكفر أو البهتان.

* * *

3823 -

وقالَ: "إن مِنْ أَبَرِّ البرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أهْلَ وُدِّ أَبيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّي الأَبُ".

"وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه" بضم الواو بمعنى المودة.

"بعد أن توفي"، في بعض:(بعد أن يولي)؛ أي: غاب، أعم من أن يكون بموتِ أو سفر، وفيه إشارةٌ إلى تأكيد حق الأب.

* * *

3824 -

وقالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

"وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له"؛ أي: يؤخَّر.

"في أثره" وهو ما بقي من رسم الشيء، والمراد هنا: ما بقي من العمر والأجل.

"فليصل رحمه" ويجوز أن يكون المعنى: إن الله يبقي أثر واصل الرحم مدة طويلة في الدنيا، وأنه لا يضمحل سريعاً.

ص: 278

3825 -

وقالَ: "خَلَقَ الله الخَلْقَ، فَلمَّا فَرَغَ مِنْهُ قامَتْ الرَّحِمُ فأَخَذَتْ بِحِقْوَي الرَّحمَنِ، فقالَ: مَهْ؟ قالَتْ: هَذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطيعَةِ، قَالَ: أَلا تَرضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى، يا رَبّ! قَالَ: فَذاكَ لَكِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق"؛ أي: قدَّر المخلوقات في علمه السابق على ما هم عليه وقت وجودهم.

"فلما فرغ منه"؛ أي: قضاه وأتمه؛ لأنَّ الفراغ الحقيقي بعد الشغل، وهو على الله ممتنع.

"قامت الرحم فأخذت بحقوِي الرحمن" والأصل في الحقو - بالفتح -: معقد الإزار، ثمَّ سمي به الإزار للمجاورة، قيل: المراد به كبرياء الله وعظمته، وهذا تمثيل واستعارة؛ يعني: التجأت الرحم وعاذت بعزة الله وعظمته من أن يقطع أحد الرحم.

"فقال: مه" بطريق الزجر للرحم؛ أي: اكْفُفي وامتنعي عن هذا الالتجاء، ويجوز أن يكون استفهاماً فقلبت الألف هاءً؛ يعني: ما لك؟ بأيِّ سبب عذت بي؟ فالمراد منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام.

"قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة"(هذا) صفةُ محذوفٍ؛ أي: مقامي هذا مقامُ المستعيذ بك من قطيعتي.

"قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك"؛ أي: أفعل ما قلتُ مِن وصلي مَن وصلك وقطعي مَن قطعك.

ص: 279

3827 -

وقالَ: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَقوْلُ: مَنْ وَصَلَني وَصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعَني قَطَعَه الله".

"وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرحم معلقة بالعرش"؛ أي: متمسكةٌ به تتعوَّذ بالله مِن قَطْع الرحم، وهذا من باب التمثيل أيضًا، وفيه تنبيهٌ على منزلتها عند الله حيث جعل الرحم متشبثةَّ بالعرش الذي هو أعظم خلق الله تعالى.

"تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله تعالى"؛ أي: قطع عنه كمال عنايته، وهذا إخبارٌ أو دعاء.

* * *

3826 -

وقالَ: "الرحمُ شجْنَة مِنَ الرّحمَنِ، قَالَ الله تَعالَى: مَنْ وَصَلكِ وَصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الرحم شجنة" بضم الشين المعجمة وكسرها: عروقُ شجرٍ متداخلةٌ.

"من الرحمن"؛ يعني حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن ومتداخلةٌ فيه كتداخل العروق؛ لكونهما من أصل واحد وهو الرحمة.

"فقال الله تعالى: من وصلك وصلْته"؛ أي: بالرحمة.

"ومن قطعك قطعته"؛ يعني: أعرضت عنه.

* * *

3828 -

وقالَ: "لا يدخلُ الجَنَّةَ قاطِعُ رَحِمٍ".

"وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع"؛

ص: 280

أي: قاطع الرحم، وهذا محمولٌ على من اعتقد حِلَّ القطيعة.

* * *

3829 -

وقالَ: "لَيْسَ الواصِلُ بالمُكافِئ، ولَكِنَّ الوَاصِلَ الَّذي إِذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصلَها".

"وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل" اللام فيه لتعريف الجنس؛ يعني: ليس حقيقةُ الواصل ومَن يعتدُّ به وصله.

"بالمكافئ"؛ أي: الذي إذا أنعم عليه صاحبه يجازيه بمثل ما فعله.

"ولكن الواصل"؛ أي: الذي يعتدُّ وصله.

"هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها"؛ يعني: يصل قريبه الذي يقطع عنه.

* * *

3830 -

وعَنْ أَبي هُريرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا قَالَ: يا رَسُولَ الله! إِنَّ لي قَرابَة أصلُهُمْ وَيقْطَعُوني، وأُحسِنُ إلَيْهِمْ ويُسيؤونَ إلَيَّ، وأَحلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فقالَ:"لَئِنْ كنْتَ كَما قُلْتُ فَكأَنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يَزالُ مَعَكَ مِنَ الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ ما دُمْتَ عَلَى ذَلِك".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة"؛ أي: ذوي قرابة.

"أصلهم ويقطعوني، وأُحسن إليهم ويسيئون إلي، وأَحلُم عنهم" بضم اللام من الحلم وهو الأناة.

"فيجهلون علي"؛ أن يسبون.

"فقال: لئن كنت كما قلت"؛ أي: إن كان مقولك ذلك كما قلت.

ص: 281

"فكأنما تُسفُّهم الملَّ"(تُسِف) من باب الإفعال من السفوف، و (المَل) بفتح الميم، وهو الرماد الحار، معناه: كأنما تطعمهم الملَّ، شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم ما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد من الألم.

وقيل: معناه: إنك بالإحسان إليهم تُخزيهم وتحقرهم في أنفسهم، فصاروا كمن سفَّ المل.

وقيل: معناه: إحسانك إليهم كالمل تحرق أحشاءهم.

"ولا يزال معك من الله ظهير عليهم"؛ أي: معينٌ دافع عنك أذاهم.

"ما دمت على ذلك"؛ أي: على الإحسان إليهم.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3831 -

عَنْ ثَوبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَّا الدّعاءُ، ولا يَزيدُ في العُمُرِ إِلَّا البرّ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيُحرَمُ الرِّزْقَ بالذَّنْبِ يُصِيبُهُ".

"من الحسان":

" عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يردُّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر" قيل: المراد من (القَدَر): الأمر الذي لولا الدعاءُ لكان مقدَّراً، ومن (العمر): العمر الذي لولا البر لكان قصيرًا، وهذا من القضاء المعلَّق، فيكون الدعاء والبر سببين من أسباب ذلك وهما مقدَّران كتقدير حسن الأعمال وسيئها اللذين هما من أسباب السعادة والشقاوة مع أنهما مقدَّران أيضًا.

"وإن الرجل ليحرم الرزق"؛ أي: يصير محروماً من الرزق.

"بالذنب يصيبه"؛ أي: بشؤم اكتسابه ذنباً، وقيل: معناه: الذنب إذا فكَّر في عاقبته كدَّر في صفاء الرزق فكأنه حُرِمَه بسبب ذنبه، وإلا فالكفار أكثر رزقاً،

ص: 282

والفسّاقُ تراهم أكثر أموالاً وصحةً من الصُّلحاء.

وقيل: هذا الحديث خاص ببعض الناس، فإن الله تعالى إذا أراد أن يدخل مسلماً مذنباً الجنة بلا عذاب يَلْحقُه بذنبه في الآخرة عاقبه بذنبه في الدنيا بأن يصيبه عقيب ذنبٍ ارتكبه مثلًا من فقر، أو مرض، أو ضيق قلب، أو غير ذلك، ثمَّ يلهمه أن هذا بشؤم ذلك الذنب ليُتيبه ويتوبَ عليه.

* * *

3832 -

وقالَتْ عائِشَةَ رضي الله عنها: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فيها قِراءَةَ، فَقُلتُ: مَنْ هذا؟ قالُوا: حارِثَةُ بن النُّعمانِ، كذلِكُمُ البرُّ، كَذلِكُمُ البرُّ -، وكانَ أَبَرَّ النَّاسِ بأُمِّهِ - ".

"وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان كذلكم البر كذلكم البر" المشار إليه ما سبق، والمخاطبون الصحابة؛ يعني: مثلُ تلك الدرجةِ تُنال يسبب البر.

"وكان"؛ أي: حارثة "أبرَّ الناس بأمه" وهذا من كلام الراوي.

* * *

3833 -

وقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رِضا الرَّبِّ في رِضا الوالِدِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوَالِدِ".

"وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد"؛ يعني إذا رضي الوالد من الولد رضي الرب عنه، وكذلك السخط، وهكذا رضا الوالدة.

ص: 283

3834 -

عَنْ أَبيْ الدّرداءَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الوالِدُ أَوْسَطُ أَبْوابِ الجَنَّةِ، فَإنْ شِئْتَ فَحافِظْ عَلَى البابِ أَوْ ضَيعْ".

"عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة"؛ أي: خير أبوابها وأفضلُها؛ يعني أن للجنة أبواباً وأحسنُها دخولًا أوسطُها، وأن سبب دخول ذلك الباب الأوسط هو محافظة حقوق الوالدين ورضاهم عنه.

"فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيعْ".

* * *

3835 -

وعَنْ بَهْزِ بن حَكِيْمٍ، عنْ أَبيْه، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ الله! مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّكَ"، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ"، قُلتُ: ثمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَباكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ".

"عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله! مَن أَبَرُّ؟ " على صيغة المتكلم.

"قال: أمك، قلت: ثمَّ من؟ قال: أمك، قلت؛ ثمَّ من؟ قال: أمك، قلت: ثمَّ من؟ قال: أباك، ثمَّ الأقرب فالأقرب".

* * *

3836 -

عن عبدِ الرَّحمنِ بن عَوْفٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَالَ الله تبارك وتعالى: أنا الله، وأنا الرّحمنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لها من اسمي، وَمَنْ وَصَلَها وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعها بَتَتُّهُ".

"عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: أنا الله وأنا الرحمن خلقتُ الرحم وشققتُ لها من اسمي"؛ يعني:

ص: 284

الرحم مشتقةٌ من الرحمن.

"فمن وصلها وصلْتُه، ومن قطعها بَتتُّه"؛ أي: قطعته من رحمتي.

* * *

3837 -

وعن عبدِ الله بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تَنزِلُ الرّحمَةُ على قَوْمٍ فيهِمْ قاطِعُ رَحِمٍ".

"عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع الرحم" والمراد بهم هم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرون عليه ذلك، أو المراد بالرحمة المطر؛ أي: يحبس المطر عنهم بشؤم قاطع الرحم.

* * *

3838 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ ذَنْبٍ أَحرَى أَنْ يُعَجِّلَ الله لِصاحِبهِ العُقوبَةَ في الدُّنْيا مَعَ ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخِرَةِ مِنَ البَغْي وقَطيعَةِ الرَّحِم".

"وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذنب أحرى"؛ أي: أجدر وأقرب.

"أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة"؛ أي: من العقوبة.

"من البغي" متعلق بـ (أحرى)؛ أي: من الظلم والتكبر "وقطيعة الرحم".

* * *

3839 -

وقال: "لا يدخلُ الجَنَّةَ مَنّانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مُدمِنُ خَمْرٍ".

"عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة منَّان": قيل:

ص: 285

هو قاطع الرحم، من المن: القطع؛ يعني: لا يدخلها مع الفائزين، أو لا يدخلها حتى يعاقب بما اجترحه من الإثم، وقيل: هو الذي يمن على الناس بما يعطيهم.

"ولا عاق"؛ أي: الذي يعصي والديه.

"ولا مدمن خمر"؛ أي: الذي يداوم على شرب الخمر.

* * *

3840 -

وقال: "تَعَلَّمُوا من أَنْسابكَمْ ما تَصِلُونَ بِهِ أَرحامَكُمْ، فإنَّ صِلَةَ الرَّحِم مَحَبَّةٌ في الأَهْلِ، مَثْراةٌ في المالِ، مَنْسأةٌ في الأثرِ"، غريب.

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"؛ يعني: تعلَّموا من أسماء آبائكم وأجدادكم وأعمامكم وأخوالكم وجميع أقاربكم لتعرفوا أقاربكم؛ ليمكنكم صلة الرحم، فإن معنى الصلة التقرُّبُ إليهم والشفقةُ عليهم.

"فإن صلة الرحم محبة في الأهل"؛ أي: سببٌ لها.

"ومثراة في المال"؛ أي: سببٌ لكثرة المال.

"ومنسأة في الأثر"؛ أي: سبب لتأخير الأجل وطول العمر.

"غريب".

* * *

3841 -

عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ رَجُلًا أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله! إنِّي أَصَبتُ ذَنبًا عَظيماً، فهل لي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ:"هل لكَ مِنْ أُم"؟ قَالَ: لا، قَالَ:"وهَلْ لكَ مِنْ خالَةٍ"؟ قَالَ: نعَمْ، قَالَ:"فَبرَّها".

ص: 286

"عن ابن عمر رضي الله عنه: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟ قال: لا، قال: وهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبَرَّها" بفتح الباء بصيغة الأمر، من (بَرِرتُه) بالكسر: إذا أحسنت إليه.

لعل ذلك الذنب من الصغائر عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم تكون كفارةً له، فوصفُه بكونه عظيمًا على ظنه، فلا ينبغي للمؤمن أن يحتقر الذنب لأنه عصيان الباري تعالى، وإن كان من الكبائر كان مخصوصاً بذلك الرجل.

* * *

3842 -

عن أبي أُسَيْدٍ السّاعدِيِّ قال: بينا نحنُ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءَه رَجُل مِن بني سَلَمَةَ فقالَ: يا رسولَ الله! هل بقيَ مِن برِّ أَبَوَيَّ شيءٌ أَبَرُّهُما بهِ بعدَ مَوْتِهِما؟ قال: "نعم، الصَّلاةُ عليهما، والاستِغْفارُ لهما، وإنفاذُ عَهْدِهِما مِن بَعدِهِما، وصِلَةُ الرَّحِم التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صَديقِهِما".

"عن أبي أسيد الساعدي أنَّه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله! هل بقي من أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما"؛ أي: الدعاء لهما.

"والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما"؛ يعني صلة الأقارب التي تتعلّق بالأب والأم؛ يعني: الإحسان إلى أقاربهما.

"وإكرام صديقهما".

ص: 287