الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 -
كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى
1 - باب
"باب الطّبِّ والرُّقَى
" بضم الراء وفتح القاف: جمع رقية.
مِنَ الصِّحَاحِ:
3486 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزلَ الله داءً إلَّا أنزلَ لهُ شفاءً".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما أنزلَ الله داءً"؛ أي: عِلَّةَ.
"إلا أنزلَ له شِفاءً"؛ أي: دواء، وفيه إشارةٌ إلى جوازِ التَّدَاوي واستعمالِ الطِّبِّ.
* * *
3487 -
وقال: "لكلِّ داءٍ دواءٌ فإذا أُصيبَ دواءُ الدَّاءَ بَرَأَ بِإذنِ الله".
"وعن جابرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلَّم: لكلِّ داء دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الداءِ بَرَأ" بفتحتين، يقال: بَرَأْتُ من المرض أَبَرأُ بَرْءًا بالفتح، فأنا بارِئ، وأبرأَني الله منه، وعن أهل الحجاز: بَرِئْتُ بالكسر، بُراءً بالضم.
"بإذن الله"؛ أي بتقديرِه مع الشِّفَاء.
* * *
3488 -
وقال: "الشِّفاءُ في ثلاثةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أو شَرْبةِ عَسَلٍ، أو كَيَّةٍ بنارٍ، وأنا أَنْهَى أُمَّتي عن الكيِّ".
"وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الشِّفاءُ في ثلاثٍ: في شَرْطَة مِحْجَم"، الشرْطَة - بفتح الشين -: الضربُ بالمِشْرَاط على مَوْضع الحِجَامة ليخرجَ منه الدَّمُ.
والمِحْجَمُ - بالكسر -: الآلةُ المجتمعُ فيها الدَّمُ عند المَصِّ، وبالفتح: موضعُ الحِجَامَة، وهو المراد في الحديث.
"أو شربةِ عَسَل، أو كَيَّةٍ بنارِ"، والكَيُّ من جملة العلاجِ المأذونِ فيه، وقيل: ذلك عند عدمِ القُدْرَة على المداواة بدواءٍ آخر.
"أنا أنهى أمتي عن الكَيِّ"، والنَّهيُ قبلَ وقوعِ ضرورةٍ داعيةٍ إليه، أو في موضع يعظُمُ خطرُه، أو الكَيُّ الفاحِش، وإليه وقعتِ الإشارةُ بقوله: أو كَيَّةٍ؛ أي: كَيَّةٍ واحدةٍ غيرِ فاحِشَة، أو لأنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يعتقِدُون أن الشّفَاءَ يحصلُ منه البتةَ فنهاهم عنه؛ لأن الشافيَ هو الله تعالى، وقيل: النهيُ عنه نهيُ تَنْزِيه.
* * *
3489 -
عن جابرٍ قال: رُميَ أُبَيُّ يومَ الأحزابِ على أَكْحَلِه فكَواهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
"وعن جابر رضي الله عنه قال: رُمي أُبَيٌّ": وهو أبي بن كعب.
"يومَ الأحزابِ على أَكْحَلِه": عِرْقٌ معروفٌ في وسَطِ الذراع، ومنه يُفْصَد.
"فَكَواه رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم" بيده.
* * *
3490 -
وقال: رُميَ سعدُ بن معاذٍ في أَكْحَلِه فحَسَمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيدهُ بمِشْقَصٍ، ثم وَرِمَتْ فحسمَهُ الثانيةَ.
"وقال: رُمي سَعدُ بن معاذ في أَكْحَلِه فحسَمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم "؛ أي: كَواه.
"بمِشْقَصٍ" بكسر الميم وفتح القاف: نَصْل السهمِ إذا كان طويلًا.
"ثم وَرِمَتْ فحَسَمه الثانيةَ".
* * *
3491 -
وقال: بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أُبَيِّ بن كعبٍ طبيبًا، فقطعَ منهُ عِرْقا ثم كَواهُ عليهِ.
"وقال: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أُبَيَّ بن كعبٍ طبيبًا فقطعَ منه عِرْقًا، ثم كَواه عليه".
* * *
3492 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "في الحَبَّةِ السَّوداءِ شفاءٌ مِن كلِّ داءٍ إلا السَّامُ"، قال ابن شِهابٍ: السَّامُ: المَوْتُ، والحَبَّةُ السوداءُ: الشُّونيزُ.
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في الحَبَّةِ السوداءِ: شفاءٌ مِن كلِّ داء"، قال جالينوس: إنها تخلَّلُ النَّفْخَ، وتقتُلُ ديدانَ البطنِ إذا أُكِلَ أو وُضعَ على البطن، وتنفَعُ الزكام إذا قُلِيَ وصُيرَ في خِرْقَةٍ وشُمَّ، وتنفَعُ
الصّدَاع إذا طُلِيَ به الجَبين، ويقلَعُ البُثُور والجَرَب، وتنفَعُ الأورامَ البَلْغَمِيَّة إذا يضمَّد به مع الخل، ويتمضْمَضُ به من وجعِ الأسنان ويُدُّر البولَ واللَّبن وغيرَ ذلك.
"إلا السَّام. قال ابن شهاب: السَّام الموت، والحبة السوداء الشُّونيزُ".
* * *
3493 -
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أخي استَطْلَقَ بطنُهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اسقِهِ عسلًا" فسقاهُ، ثم جاءَهُ فقال: سقَيْتُه عَسَلًا فلم يزِدْهُ إلا استِطْلاقًا!؟ فقال له ثلاثَ مرَّات، ثم جاءَ الرَّابعةَ فقال:"اسقِهِ عَسَلًا" فقال: لقد سقيْتُه فلم يزدْهُ إلا استِطْلاقًا!؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صدقَ الله وكذبَ بطنُ أخيكَ"، فسقاهُ فبَرَأَ.
"عن أبي سعيدٍ الخُدْري - رضي الله تعالى عنه - أنَّه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّ أخي استَطْلَقَ بطنُه، فقال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اسقهِ عَسَلًا فسقاه، ثم جاء فقال: سقيته فلم يَزِدْه إلا استطلاقًا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة، فقال: اسقِه عسلًا، أَمْرُه صلى الله عليه وسلم بسَقْي العسل كأنَّه لعلمه أن السببَ اجتماعُ فضلات بَلْغَمِيةٍ لَزِجَةٍ دفعتْها الطبيعةُ بذلك مرةً بعد أخرى ليَسْهُلَ باقيه.
"فقال: لقد سقيتُه فلم يزْدِه إلا استطلاقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله" في كلامه؛ يريدُ به قوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَاسِ} [النحل: 69].
"وكذَبَ بطنُ أَخِيك" في أنَّه لم يُصِبْه الدواءُ بعد حظِّه، "اسقِه عسلًا".
"فسقَاه فَبرَأ".
* * *
3494 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَمْثَلَ ما تَداويتُم بهِ الحِجامَةُ، والقُسْطُ البَحريُّ".
"عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ أمثلَ ما تداويتمُ به"؛ أي: أفضلُه وأنفعُه.
"الحِجَامةُ والقُسْطُ البحريُّ"، القُسط - بضم القاف - يكون بحريًا وهنديًا فالبحريّ، وهو الأبيضُ أَجْوَدُ من الهنديّ الأسودِ، وهو من عقاقيرِ البحرِ تتبخَّر به النساء.
* * *
3495 -
وقال: " لا تُعذِّبُوا صِبيانكَم بالغَمْزِ مِن العُذْرةِ، وعليكم بالقُسْطِ".
"وقال: لا تُعذِّبُوا صِبيانَكم بالغَمْزِ"، وهو إدخالُ الإصبَعِ في حَلْق المعذورِ فيَعْصِرُ بها.
"من العُذْرَة"؛ أي: مِن أجلها، وهي - بالضم -: وَجَعٌ في الحلق يَهيجُ من الدم، ومن عادةِ النساءِ أن يعصِرْنَه بالإصْبَع فيخرجُ منه دمٌ أسودُ، فنهى عنه وأمرَ بمداواته بالقُسْط بقوله:"وعليكم بالقُسْط".
* * *
3496 -
وقال: "عَلَامَ تَدْغَرْنَ أولادكُنَّ بهذا العِلاقِ؟ عليكُنَّ بهذا العودِ الهِنديِّ، فإن فيهِ سبعةَ أَشفِيَةٍ، منها ذاتُ الجَنْبِ، يُسعَطُ مِن العُذْرَةِ، ويُلَدُّ مِن ذاتِ الجَنْبِ".
"وقال: علامَ تَدْغْرَن"، بالدال والراء المهملتين بينهما غين معجمة: استفهامُ إنكار، وأصل الدَّغْر - بالفتح ثم السكون -: الدفعُ، ويراد به هنا دفعُ
لَهِاءِ المَعْذُور بالإصبَع.
"أولادكُنَّ بهذا العِلاق؟ " وهو - بالكسر -: الداهيةُ، وبالضم: ما يعصرُ به العُذْرَة من إصبع وغيرها؛ أي: لا تعصرن عُذْرَة أولادِكنَّ بالإصْبَع وغيرها.
بل "عليكنَّ بهذا العودِ الهِنْدِي": وهو القُسْط؛ أي: الْزَمْنَ باستعمالهِ في عُذْرَة أولادِكُنَّ، والإشارةُ إلى الجنس المستحضَر في الذهن.
"فإن فيه سبعةَ أشفيةٍ؛ منها ذاتُ الجَنْب"؛ أي: مِن تلك الأشفيةِ شفاءُ ذاتِ الجَنْب، أو التقديرُ فيه سبعةُ أَشْفِيَة من سبعةِ أدواء: منها ذاتُ الجَنْب وهي دُبيلة كبيرةٌ ظاهرةٌ في باطن الجَنْب منفجِرَةٌ إلى داخل.
"يُسْعَطُ من العُذْرة": بيانٌ لكيفية التَّداوِي به؛ يعني: يُدَقُّ العودُ ناعمًا ويُدْخَلُ في الأنف.
"ويُلَدُّ من ذاتِ الجَنْب"، على صيغة المجهول، يقال: لَدَّ الرجلُ إذا صَبَّ من الدواء في أحد شِقَّي الفَم، سكتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الخمسةِ منها لعدمِ الاحتياجِ إلى تفصيلهِا في ذلك الوقت.
* * *
3497 -
وقال: "الحُمَّى مِن فيح جَهنَّمَ فأبرِدُوها بالماءِ".
"عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الحُمَّى من فَيْح جَهنَّم"؛ أي: من شِدَّةِ حَرِّها؛ يعني: حرارةُ الطبيعة تُشْبهُ نارَ جهنَّمَ في العذاب وإذابةِ الجَسَد.
"فأبرِدُوها بالماء"، فإنَّ الماءَ الباردَ ينفَعُ المحمومَ في الحُمَّيات الحارَّةِ شُرْبًا ووَضْعا للأطراف؛ لأن الماءَ للطافتهِ يصلُ إلى أماكنِ العِلَّة فيدفَعُ حرارتَها.
* * *
3498 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: رخَّصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقيَةِ مِن العَيْنِ، والحُمَةِ والنَّملةِ.
"وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّه قال: رَخَّصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقْيَة" إذا لم يكن فيها مِن ألفاظ الجاهلية، وهذه الرُّخْصَة بعد النهي.
"من العَينِ والحُمَة" بالضم وتخفيف الميم: سمُّ ذواتِ السُّموم، قيل: يريدُ بها لدْغَ العقربِ وأشباهِها، وأصلُها: حَمُوَ أو حَمِيَ، والهاء عوض.
"والنُّملة" - بضم النون -: بَثْرَة، أو بثورٌ صِغَارٌ يحدثَ عن صفراء حريقة شَبهتْ بالنَّمْل؛ لانتشارها في البَدَن ودبيبها فيه، ويقال لها بالفارسية: إتش بارسي فَيُرقَى فيذهَبُ بإذن الله تعالى.
* * *
3499 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُستَرقَى مِن العينِ.
"عن عائشَة رضي الله عنها أنها قالتْ: أمرَ النبيُّ أن يُسْتَرْقَى"؛ أي: نطلبَ الرُّقَية.
"من العين"، وهذا تصريحٌ بأنَّ مَنْ أصابْته عينٌ من الإنس والجِنِّ يُستَحبٌّ أن يُرْقَى عليه.
* * *
3500 -
وعن أمِّ سلَمَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى في بيتِها جاريةً في وجهِها سَفْعَةٌ، تعني صُفرةً، فقالَ:"استرقُوا لها، فإنَّ بها النَّظْرَةَ مِن الجنِّ".
"وعن أمّ سَلَمَة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً في وجهها سَفْعَة"،
بفتح السين المهملة.
"تعني صُفْرَة، فقال: اسَتْرقُوا لها"؛ أي: اطُلُبوا لها الْرُّقَية.
"فإنَّ بها النظرةَ"، أراد بها العين أصابَتْها "من" نَظَرِ "الجَنِّ"، قيل: عيونهم أنفَذُ من أسِنَّةِ الرماح.
* * *
3501 -
عن جَابرٍ قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقَى، فجاءَ آلُ عمرِو ابن حَزْمٍ فقالوا: يا رسولَ الله! إنَّه كانَتْ عِندَنا رُقْيَّةٌ نَرقي بها مِن العقرب، وأنتَ نَهَيْتَ عن الرُّقَى؟ قال:"اعرِضُوها" فعَرَضُوها عليهِ فقالَ: "ما أَرَى بأسًا، مَن استطاعَ منكم أنْ ينفعَ أخاهُ فلْيَنْفَعْه".
"عن جابرٍ - رضي الله تعالى عنه - أنَّه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقَى، فجاءَ آلُ عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله! إنه كانتْ عندنا رُقْيَةٌ: نَرْقَى بها من العَقَرَب، وأنتَ نهيتَ عن الرُّقَى؟ قال: اعرِضُوها، فعَرَضُوها عليه، فقال: ما أرى بها بأسًا، مَن استطاع منكم أن ينفَعَ أخاه فلينفَعْه".
* * *
3502 -
عن عوفِ بن مالكٍ الأشجَعيِّ قال: كنا نرَقي في الجاهليةِ فقلنا: يا رَسولَ الله! كيفَ تَرَى في ذلكَ؟ فقال: "اِعرِضُوا عليَّ رُقاكم، لا بأسَ بالرُّقَى ما لم يكنْ فيهِ شِرْكٌ".
"عن عوفِ بن مالكٍ الأشجعيِّ أنَّه قال: كنا نرقِي في الجاهلية، فقُلْنا: يا رسولَ الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرِضُوا عليَّ رُقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكنْ فيه شِرْكٌ".
* * *
3503 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"العينُ حقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابقَ القَدَرَ سبقَتْهُ العينُ، فإذا استُغْسِلتُم فاغْسِلُوا".
"وعن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنهما -، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: العينُ حَقٌّ"؛ أي: أثرُها حَقٌّ، وتحقيقُه: أن الشيءَ لا يُعانُ إلا بعد كَماله، وكلُّ كاملٍ فإنه يُعْقِبُه النقصُ بقضاء، ولمَّا كان ظهورُ القضاءِ بعد العينِ أُضيفَ ذلك إليها.
"فلو كان شيءٌ سابقَ القدرَ سبقَتْه العينُ"؛ أي: لو كان شيءٌ مهلِكًا، أو مُضرًا بغير قضاءِ الله وقَدَرهِ لكانَ العينَ؛ أي: أصابَتْها لشِدَّةِ ضررِها.
"فإذا استغسلْتُم فاغسِلُوا"؛ أي: إذا طلبَ المصابُ بالعين أن يغتَسِلَ مَن أصابه بعينهِ فليُجِبْه، وكان من عادتهم أن يجيءَ المصابُ إلى العائن بقَدَح فيه ماء فيُدْخِلُ كفَّه فيه فيتمَضْمَض، ثم يمجُّه في القَدَح، ثم يغسِلُ وجهَه فيه، ثم يأخذُ غَرْفَةً بكفِّه اليُسْرَى، فيصبُّها على اليمنى وباليمنى فيصبُّها على اليسرى، ثم يُدْخِلُ اليسرى فيصبُّ على مِرفقهِ اليمنى، ثم يُدْخِلُ اليمنى فيصُبُّ على مِرفقهِ اليسرى، ثم يدخِلُ يده اليُسْرَى فيصُبُّ على قدمهِ اليمنى، ثم يدخِلُ يدَه اليمنى فيصُبُّ على قدمه اليُسْرَى، ثم يُدْخِلُ يدَه اليُسْرَى فيصُبُّ على ركبته اليمنى، ثم يُدخِلُ يدَه اليُمْنَى فيصُبُّ على ركبته اليسرى، ثم يغسِلُ داخلَ إزارهِ بلا وضع القَدَحِ بالأرض، ثم يصبُّ ذلك الماءَ المستعمَلَ على رأس المصابِ بالعين مِن خلفهِ صبةً واحدةً فيبَرأُ بإذن الله تعالى، كذا نقل عن الزهري في صفةِ غسلِ العائِن.
* * *
مِنَ الحِسَان:
3504 -
عن أسامةَ بن شَريكٍ قال: قالوا: يا رسولَ الله! أَفَنَتَداوَى؟ قال:
"نعم يا عبادَ الله تَداوَوْا، فإنَّ الله لم يَضعْ داءً إلا وضعَ لهُ شفاءً، غير داءً واحدٍ الهَرَمُ".
"من الحسان":
"عن أسامة بن شريك أنَّه قال: قالوا: يا رسولَ الله! أفنتداوى؟ قال: نعمْ يا عبادَ الله! تداوَوا، فإنَّ الله لم يضَعْ داءً إلا وضعَ له شفاءً غيرَ داءٍ واحدٍ: الهَرَمُ"، بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهو الهرم، وبالجر بدلًا من داءٍ، شَبَّهَ الهَرَمَ وهو الكِبَرُ؛ السنِّ بالداء؛ لأن الموتَ يتعقَّبه كالأدواء.
* * *
3505 -
عن عُقْبةَ بن عامرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهُوا مَرْضاكُم على الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ الله يُطعِمُهم ويَسقيهم"، غريب.
"عن عقبةَ بن عامر قال: قالَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تُكْرِهُوا مرضاكم على الطَّعَام والشَّرَاب"؛ يعني لا تُطْعِمُوهم كرهًا.
"فإنَّ الله يُطْعِمُهم ويسقيهم"؛ أي: يُمِدّهم بما يقعُ موقَع الطعامِ والشرابِ منهم، ويقوِّيهم على الصَّبْرِ عنهما واحتمالِ المكروه، فإنَّ الحياةَ والصبرَ والقوةَ مِن الله، لا من الطعام والشراب.
"غريب".
* * *
3506 -
عن أنسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى أسعدَ بن زُرارةَ مِن الشَّوكةِ. غريب.
"عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه -: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم كَوى أسعدَ بن زُرارة": بضم الزاي.
"من الشَّوْكَة"، قيل: هي حُمْرةٌ تعلُو الوجهَ والجَسَد.
"غريب".
* * *
3507 -
عن زيدِ بن أرقمَ قال: أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَتَداوَى مِن ذاتِ الجَنْبِ بالقُسْطِ البحريِّ والزيتِ".
"عن زيد بن أرقمَ أنَّه قال: أمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نَتَدَاوَى من ذات الجَنْب بالقُسْط البحريِّ والزيت".
* * *
3508 -
وعنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينعتُ الزِّيتَ والوَرْسَ مِن ذاتِ الجَنْبِ.
"وعنه أنَّه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينعَتُ الزيتَ والوَرْس"؛ أي: يصِفُ حُسْنَهما.
"مِن ذاتِ الجَنْب"؛ أي: في مداواة داء الجَنْب.
* * *
3509 -
عن أسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سألَها: "بِمَ تَستمشِينَ؟ " قالت: بالشُّبْرُمِ، قال:"إنَّه حارٌّ حارٌّ"، قالت: ثُمَّ استمشَيْتُ بالسَّنا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لو أنَّ شيئًا كانَ فيهِ الشِّفاءُ مِن الموتِ لكانَ في السَّنا".
"عن أسماءَ بنتِ عُمَيس": - بالضم ثم الفتح -.
"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سألهَا بما تَسْتَمْشِين"؛ أي: تَسْتَسْهِلين بطَنكِ، ويجوزُ إرادةُ المشيِ العارِضِ عند شُرْبِ الدواء إلى بيت الخلاء.
"قالت بالشُّبْرُمَة" بضم الشين المعجمة والراء المهملة: نبتٌ يسهِّلُ البطنَ، وقيل: حَبٌّ يُشْبهُ الحِمِّصَ يُطبَخُ ويُشْرَبُ ماؤُه للتداوي.
"قال: حارٌّ حارٌّ": بحائين مهملتين، كرَّرَ للتأكيد؛ يعني: هذا الدواءُ حارٌّ لا يَليقُ بإسهالِ البَطْن، فإنَّ إسهالَه ينبغي أن يكونَ بشيءٍ بارد، وفي بعضٍ: بالجيم في الثاني، وفي بعضٍ:(حارٌّ بارٌّ)، وهو أكثرُ استعمالًا يقال: حارٌّ بارٌّ، وحارَّان بارَّان.
"قالت: ثم استَمْشَيْتُ بالسَّنَا" مقصورًا، معروفٌ، وقد يروى بالمد، يقال: سنامَكِّي.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنَّ شيئًا كان فيه الشفاءُ من الموت لكانَ في السَّنَا".
"غريب".
* * *
3510 -
عن أبي الدَّرداء قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله أَنْزَلَ الداءَ والدواءَ، وجعلَ لكلِّ داءٍ دواءً فتَداوَوْا، ولا تَتَداوَوْا بحرامٍ".
"عن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ الله أنزلَ الداءَ والدواءَ"؛ يعني: الإنزالُ هنا: الإحداث.
"وجعلَ لكلِّ داءٍ دواءً، فتَدَاوَوْا، ولا تتدَاوَوا بحرامٍ".
* * *
3511 -
ورُوِيَ عن أبي هُريرةَ قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الدَّواءَ الخبيثِ.
"وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّه قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الدَّواءَ الخَبيثِ"، وهو إمَّا
النَّجِسُ إلا ما خصَّتْه السُّنَّة من بولِ الإبل، أو خبيثُ المَطْعَم والمذاقِ، كَرِهَه صلى الله عليه وسلم لمشقَّتهِ طبعًا.
* * *
3512 -
عن سَلْمى خادمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: ما كانَ أحدٌ يشتكي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رأسِهِ إلا قال: "احتجِمْ"، ولا وَجَعًا في رجلَيْه إلا قال:"اِخْضبْهما".
"عن سَلْمى خادمةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها قالتْ: ما كان أحدٌ يَشْتكِي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وجَعًا في رأسِه إلا قال: احْتَجمْ، ولا وَجعًا في رِجْلَيه إلا قال: اخْتَضبْهما".
* * *
3513 -
وقالت: ما كانَ يكونُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَرْحَةٌ ولا نكْبَةٌ إلا أمرني أنْ أَضَعَ عليها الحِنَّاءَ.
"وقالت: ما كان يكونُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُرحةٌ"، بضم القاف؛ أي: جراحةٌ من السيفِ وغيرِه من الأَسْلِحَة.
"ولا نَكبةٌ": - بفتح النون -؛ أي: جِراحةٌ من حَجَرٍ، أو شَوْكٍ، أو غيرهما.
"إلا أَمَرَني أن أضعَ عليهما الحِنَّاء".
"غريب".
* * *
3514 -
وعن أبي كَبْشَةَ الأَنْمَاريِّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يحتجمُ على هامَتِه وبينَ كَتِفَيْهِ وهو يقولُ: "مَن أَهْراقَ مِن هذهِ الدَّماءِ فلا يَضُرُّهُ أنْ لا يَتَداوى بشيءٍ".
"عن أبي كَبْشَة الأنماريِّ: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يَحْتَجِمُ على هَامتهِ"؛ أي: على وسَطِ رأسِه.
"وبين كَتِفَيه وهو يقولُ: مَنْ أَهْرَاقَ مِن هذه الدِّماءَ فلا يَضُرّه أن لا يتدَاوى بشيءٍ".
* * *
3515 -
وعن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم احتجمَ على وِرْكِهِ مِن وَثْءٍ كانَ بهِ.
"وعن جابرٍ - رضي الله تعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجمَ على وَرِكِه"، وهو جانِبُ الفَخِذ من طَرَفِ الأَلية.
"من وَثْءٍ كان به"، الوَثْءُ - بفتح الواو وسكون الثاء وبالهمزة وتركها -: وجعٌ يصيب العَظْمَ من غير كسر.
* * *
3516 -
عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: حدَّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ليلةِ أُسْرِيَ بهِ أنَّه لم يَمُرَّ على مَلأٍ مِن الملائكةِ إلا أَمَرُوه: "مُرْ أُمَّتَكَ بالحِجامةِ". غريب.
"عن ابن مسعودٍ أنَّه قال: حدَّثَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن ليلةِ أُسْرِيَ به أنَّه لم يمرَّ على ملأٍ من الملائكة إلا أَمَرُوه: مُرْ أمَّتَك بالحِجَامة"، غريب.
* * *
3517 -
عن عبدِ الرَّحمن بن عُثمانَ: أنَّ طبيبًا سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ضفْدَعٍ يجعلُها في دواءٍ، فنهاهُ النبيُّ عن قتلِها.
"عن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنهما: أن طَبيبًا سألَ النبيَّ عن ضَفْدَع": على وزن خِنْصَر، وفتح الدال ضعيف.
"يجعُلها في دواءٍ، فنهاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قَتْلِها"، ونهيُه عن قَتْلِها لا لشَرَفِها، بل لم ير التداويَ بها لنجاسَتِها، أو لتَنَفُّرِ الطبعِ عنها، أو لمعرفتهِ المُضرَّة منها فوقَ معرفةِ الطبيبِ المنفعَة فيها.
* * *
3518 -
عن أنسٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحتَجمُ في الأَخْدَعَينِ والكاهِلِ، وكانَ يحتجمُ لسبعَ عشرةَ، وتسعَ عشرةَ، وإحدَى وعشرينَ.
"عن أنس أنَّه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحتَجمُ في الأَخْدَعَين"، وهما عْرِقَان في موضعِ الحِجَامة من جانِبَي العُنُق بين الكتفين.
"والكاهل": وهو ما بين الكتفين.
"وكان يحتجمُ لسبعَ عشرةَ، وتسعَ عشرةَ، واحدى وعشرين".
* * *
3519 -
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يستحِبُّ الحِجامةَ لسبعَ عشرةَ، وتسعَ عشرةَ، وإحدَى وعشرينَ".
"عن ابن عباسٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يستحِبُّ الحِجَامَة لسبعَ عشرةَ، وتسعَ عشرةَ، وإحدى وعشرين".
* * *
3520 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَن احتجمَ لسبعَ عشرةَ وتسعَ عشرةَ وإحدَى وعشرينَ، كانَ شفاءً مِن كلِّ داءٍ".
"وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: مَن احتجمَ لسبعَ عشرةَ وتسعَ عشرَة وإحدى وعشرين، كان شفاءً مِن كلِّ داء".
* * *
3521 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن احتجمَ يومَ الثُّلاثاءِ لسبعَ عشرةَ خَلَتْ مِن الشَّهرِ أخرجَ الله منهُ داءَ سنةٍ".
"وقال صلى الله عليه وسلم: من احتجَم يومَ الثلاثاءِ لسبعَ عشرةَ خلتْ من الشهرِ أخرجَ الله تعالى منه داءَ سَنة".
* * *
3522 -
وعن كبْشَةَ بنتِ أبي بكرةَ: أنَّ أباها كانَ يَنْهَى أهلَه عن الحِجامةِ يومَ الثلاثاءَ، ويزعُمُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ يومَ الثلاثاءَ يومُ الدَّمِ، وفيهِ ساعةٌ لا يرقَأُ.
"عن كَبْشَة بنتِ أبي بَكْرَة: أن أباها كان يَنْهَى أهلَه عن الحِجَامة يومَ الثلاثاء ويزعُمُ عن رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، والزعم - بالفتح والضم -: قريبٌ مِن الظنِّ، عدَّاه بـ (عن) لتضمين معنى الرواية.
"أن يومَ الثلاثاءَ يومُ الدَّمِ"؛ أي: يومٌ كان الدَّمُ فيه، والمرادُ قتلُ ابن آدمَ أخاه، وقيل: يومُ غَلَبة الدَّم.
"وفيه ساعةٌ لا يرقَأُ"؛ أي: لا يسْكُنُ فيها الدَّمُ ولا ينقطِعُ، لو احتجَمَ أو فُصِدَ فيها، وربَّما يهلَكُ الإنسانُ بعدمِ انقطاعه.
* * *
3523 -
ورُوِيَ عن الزُّهرِيِّ مُرْسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن احتجمَ يومَ
الأَربعاءِ ويومَ السَّبتِ فأصابَهُ وَضَحٌ فلا يلومَنَّ إلا نفسَه"، وقد أُسنِدَ، ولا يصحُّ.
"وروي عن الزهري مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: من احتجم يوم الأربعاء، أو يوم السبت فأصابَه وَضَحٌ" - بفتح الواو والضاد المعجمة -؛ أي: بَرَصٌ، والأصل فيه البياضُ.
"فلا يلومَنَّ إلا نفسَه. وقد أسند، ولا يَصِحُّ".
* * *
3524 -
ويُروَى: "مَن احتَجَمَ أو اطَّلَى يومَ السَّبتِ أو الأربعاءِ فلا يلومنَّ إلا نفسَه في الوَضَح".
"ويُرْوَى: مَن احتجَمَ أو اطلَّىَ"؛ أي: لطَّخَ عضوًا بدواءٍ، وأصلُه اطتلى.
"يومَ السبتِ أو الأربعاءِ فلا يلومَنَّ إلا نفسَه في الوَضَح".
* * *
3525 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما رفعه: "خيرُ ما تَدَاوَيتُم بهِ اللَّدُودُ والسَّعُوطُ والحِجَامةُ والمَشِيُّ"، غريب.
"وعن ابن عباس - رضي الله عنهماما - رفعَه قال: خيرُ ما تداوْيتُم به اللَّدُود والسَّعُوط والحِجَامة والمَشِيُّ".
"غريب".
* * *
3526 -
عن زينبَ امرأةِ عبدِ الله بن مسعودٍ: أنَّ عبدَ الله رأَى في عُنُقي خيطًا فقال: ما هذا؟ فقلتُ: خيطٌ رُقِيَ لي فيهِ، قالت: فأخذه فقَطَعَه ثم قال:
أنتم آلَ عبدِ الله لأغنياءُ عن الشِّرْكِ! سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ الرُّقَى والتَّمائمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ"، فقلتُ: لِمَ تقولُ هكذا؟ لقد كانَت عيني تُقْذَفُ، فكنتُ أَختلِفُ إلى فلانٍ اليهوديِّ فإذا رَقاها سكنَت! فقالَ عبدُ الله: إنَّما ذلكَ عملُ الشيطانِ، كانَ ينخَسُها بيدِه، فإذا رُقي كَفَّ عنها، إنَّما كانَ يَكفيكِ أنْ تقولي كما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أَذهِبِ البأسَ ربَّ الناسِ، واشفِ أنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤُكَ، شفاءً لا يغادِرُ سَقَمًا".
"عن زينبَ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود: أن عبدَ الله رأى في عُنُقي خَيْطًا فقال: ما هذا؟ فقلت: خيطٌ رُقِيَ لي فيه، قالت: فأخذَه فقطعَه، ثم قال: أنتم آلَ عبدِ الله"، أنتم مبتدأ وخبُره، "لأغنياءُ عن الشِّرْك"، فـ (آل) منصوبٌ بتقدير: أعني، وقيل: على الاختصاص، وقيل: منادى مضاف، أو خبره (آل عبد الله) و (لأغنياء) جواب قسمٍ محذوف، والمرادُ بالشِّرْك اعتقادُ أنَّ ذلك سببٌ قويٌّ وله تأثير.
"سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الرُّقَى"، يريدُ بها رقيةَ فيها اسمُ صَنمٍ، أو شيطانٍ، أو غيرِهما مَّما لا يجوزُ في الشرع.
"والتمائِم": جمعُ تَميمة وهي خَرَزَاتٌ تُعلِّقُها النساءُ على عُنُقِ أولادِهِنَّ يزعُمْنَ أنها تَدْفَعُ العَيْن.
"والتِّوَلَة" بالكسر ثم الفتح: نوعٌ من السِّحْر، وقيل: خيطٌ يُقرَأ فيه من السِّحر والنيرنجات، أو قِرْطاسٌ يُكْتَبُ فيه شيءٌ بلا منهما للمحبة.
"شِرْكٌ": لاعتقادِهم خلافَ المُقَدَّر.
"فقلت: لمَ تقولُ هكذا؟ لقد كانت عيني تُقذَف"، علي بناء المجهول؛ أي: يُرْمَى بما يَهيجُ الوجعُ، وعلي بناء المعلوم؛ أي: ترمي بالرَّمَض والماءِ من الوَجع.
"وكنتُ أختلِفُ"؛ أي: أتردَّد بالرَّواح والمجيء.
"إلى فلانٍ اليهوديِّ، فإذا رقَاها سكنَتْ، فقال عبد الله: إنما ذلك عملُ الشيطان"، إشارة إلى الوجَع الَّذي كانتْ العينُ تجِدُه؛ أي: إنه لم يكنْ وجَعًا في الحقيقةِ، بل نَخْرَةً من نَخَراتِ الشَّيْطان.
"كان يَنْخَسُها"؛ أي: يطعُنُها بيده.
"فإذا رُقِيَ"؛ أي: إذا رَقى اليهوديُّ عينَك.
"كفَّ عنها"؛ أي: تركَ الشيطانُ ضَرْبَ عينكِ بيده؛ لتعتقدَ أن تلك الرقيةَ من اليهودي حَقٌّ.
"إنما كان يكفيكِ أن تقولِي كما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: أَذْهِبِ الباسَ ربَّ الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤُك شِفاءً لا يغادِرُ سَقَمًا"، تقدم البيانُ فيه في (باب عيادة المريض).
* * *
3527 -
عن جابرٍ قال: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرَةِ، فقال:"هو مِن عملِ الشَّيطانِ".
"عن جابرٍ رضي الله عنه أنَّه قال: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرة" بضم النون وسكون الشين المعجمة: نوعٌ من الرّقْية كان يُعالَجُ في الجاهلية بها مَن يُظَنُّ أن به مَسَّ الجِنِّ.
"فقال: هو مِن عملِ الشيطان".
* * *
3528 -
عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أُبالي
ما أَتيتُ إنْ أنا شربتُ تِرْياقًا، أو تعلَّقتُ تَميمةً، أو قلتُ الشِّعرَ مِن قِبَلِ نفسي".
"عن عبدِ الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقولُ: ما أُبالِي": (ما) هذه نافية.
"ما أتيتُ": (ما) مفعولُه مقدَّمٌ عليه.
"إنْ أنا شربتُ تِرْياقًا" بكسر التاء: ما ينفَعُ في السمِّ من الأدويةِ والمعاجِينِ، حُذِفَ جوابُ (إنْ) لدلالة ما تقدَّم عليه والمعنى: إن أنا فعلتُ هذا فما أُبالي كلَّ شيء أتيتُ به، لكنِّي أُبالي مِن إتيان بعضِ الأشياءِ، وإنما كَرِهَ صلى الله عليه وسلم شُرْبَ التِّرْياق لمَا فيه من لحوم الأفاعي والخَمْر مع ما فيه من الانتزاع عن التوكُّل.
"أو تعلَّقْتُ، لي "تميمةً"؛ أي: أخذتُها لي عُلَاقةً.
"أو قلتُ الشِّعْرَ مِن قِبَلِ نفسي"؛ يعني كما أنَّ إنشاءَ الشِّعْر حرامٌ عليَّ فكذلك شربُ التِّرْياق وتعليقُ التمائم حرامان عليَّ، وأمَّا في حقِّ الأمة التمائمُ وإنشاءُ الشِّعْر غيرُ حَرَامٍ إذا لم يكُنْ فيه كَذِبٌ، أو هَجْوُ مُسْلِمٍ، أو من المعاصي، وكذا التِّرْياق الَّذي ليس فيه محرَّمٌ شَرْعًا.
* * *
3529 -
عن المغيرةِ بن شُعبةَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَن اكتوَى أو استرقَى فقد بَرِئَ مِن التَّوَكُّلِ".
ويُروَى: "مَن تَعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه".
"عن المغيرة بن شُعْبَةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَن اكتَوى": بمعنى كَوى، من الكَيِّ.
"أو اسْتَرْقى فقد بَرِئَ من التوكُّل"؛ أي: سقطَ مِنْ مرتَبَتهِ، وهذا محمولٌ
على أنْ يَرَى المُكْتَوِي الشفاءَ من الكَيَّةِ والمُسْتَرْقِي مِن الرُّقْيَة.
"ويروى: مَن تَعلَّق شيئًا"؛ أي: تمسَّكَ بشيءٍ من المداواة والرُّقية واعتقد الشفاءَ منه.
"وُكِلَ إليه"؛ أي: شفاؤُه إلى ذلك الشيءِ، فلا يحصُلُ شفاؤه.
* * *
3535 -
عن عِمْرانَ بن حُصَينٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا رُقيةَ إلا من عينٍ أو حُمَةٍ".
"عن عمرانَ بن حُصَين: أنَّ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لا رُقْيَة إلا من عَيْنٍ أو حُمَةٍ"؛ أي: لا رقيةَ أَوْلَى وأنفَعُ مِن رقيتِهما.
* * *
3531 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا رُقيةَ إلا مِن عينٍ أو حُمَةٍ أو دمٍ".
"عن أنسٍ - رضيَ الله تعالى عنه - قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا رقيةَ إلا من عينٍ أو حُمةٍ أو دَمٍ"؛ أي: دمِ الرُّعَاف، وإنما خصُّها بهذه الثلاثة؛ لأن رقيتَها أَشْفَى وأفشى بين الناسِ، ولم يَرِدْ به نفيَ الرقيةِ عما سواها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يَرْقِي أصحابَ الأمراضِ والأوجاعِ بكلماتِ الله التاماتِ والآياتِ المنَزلاتِ المبارَكات.
* * *
3532 -
عن أسماءَ بنتِ عُمَيسٍ قالت: يا رسولَ الله! إنَّ وَلَدَ جعفرٍ تسرعُ إليهم العينُ، أَفأسترقي لهم" قال:"نعم، فإنَّه لو كانَ شيءٌ سائقَ القَدَرَ لسبَقَتْهُ العينُ".
ورُوِيَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للشِّفاءِ بنتِ عبدِ الله، وهي عندَ حَفْصَةَ:"أَلا تُعَلِّمينَ هذهِ رُقيةَ النَّمْلَةِ كما علَّمتِيها الكتابةَ".
"عن أسماءَ بنت عُميس أنها قالت: يا رسولَ الله! إنَّ وُلْدَ جعفرٍ": - بضم الواو وسكون اللام - جمع وَلَد.
"تُسْرعُ إليهم العينُ"؛ أي: تؤثِّرُ فيهم العينُ.
"أفأَسْتَرْقِي لهم؟ قال: نعم، فإنه لو كان شيءٌ سابقَ القَدَرَ لسبقتْه العينُ، ويروى: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للشِّفَاء بنتِ عبدِ الله وهي عند حَفْصَة" زوجةِ النَّبيِّ: صلى الله عليه وسلم: "ألا تُعلِّمينَ هذه" - أي: حفصةَ - "رُقْيةَ النَّمْلَة"، ذهب أكثرُ العُلَماءِ أن المرادَ بها ما مرَّ ذِكرُه سالفًا من المَرَض، وقيل: هي شيءٌ كانت تستعمِلُه نساءُ العَرَب يعلمُ كلُّ مَن سَمِعَه أنَّه كلامٌ لا يَضُرُّ ولا يَنْفَع.
"كما عَلَّمْتِيها الكتابةَ"، والياء نشأتْ من إشباع الكَسْرَة، وهذا يدلُّ على أن تعليمَ النِّساءِ الكتابةَ غيرُ مكروهِ، أو خُصَّتْ به حفصة؛ لأنَّ نساءَه صلى الله عليه وسلم خُصِصْنَ بأشياءَ، قال الله تعالى:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32].
وما رُوي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُعَلِّموهنَّ الكتابة" يُحمَل على نساء العامَّة؛ لخوف الافتتان عليهنَّ.
* * *
3533 -
عن أبي أُمامةَ بن سَهْلٍ بن حُنيفٍ قال: رأَى عامرُ بن ربيعة سهلَ ابن حُنيفٍ يغتسلُ فقالَ: والله ما رأيتُ كاليومِ، ولا جِلْدَ مخبَّأةٍ! قال: فلُبطَ سَهْلٌ، فأُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقيلَ له: يا رسولَ الله! هل لكَ في سَهْلِ بن حُنَيفٍ، والله ما يرفَعُ رأسَه! فقالَ:"هل تتَّهمونَ لهُ أحدًا؟ " قالوا: نتَّهمُ عامرَ بن ربيعةَ، قال فدَعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامرًا فتَغَلَّظَ عليهِ وقال: "عَلامَ يقتلُ أحدكم أخاهُ، أَلا
بَرَّكْتَ؟ اغتسِلْ لهُ"، فغَسلَ عامرٌ وجهَهُ وبدَيهِ ومِرفَقيهِ ورُكْبَتيه وأطرافَ رِجلَيهِ وداخِلةَ إزارِه في قدَح ثم صُبَّ عليه، فراحَ مع النَّاس ليسَ بهِ بأسٌ.
"عن أبي أمامةَ بن سهلِ بن حُنَيف": بصيغة التصغير.
"أنَّه قال: رأى عامرُ بن ربيعة سهلَ بن حُنَيف يغتسِلُ فعانَه"؛ أي: أصابَتْه عينٌ.
"فقال: والله ما رأيتُ كاليومِ ولا جِلْدَ مُخبَّأَةٍ": عطف على مفعول (رأيت) مقدَّرًا، والكافُ مفعول مطَلقٌ، والتقديرُ: ما رأيتُ في وقتٍ ما جِلْدَ غيرِ مُخبَّأَةٍ ولا جِلْدَ مُخبَّأَةٍ، أو ما رأيتُ جِلْدَ رجُل في اللَّطافَةِ ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ في البياضِ والنعومةِ مثل رؤيتي اليومَ؛ أي: مثلَ الجِلْد الَّذي رأيتُه اليومَ، وهو جِلْدُ سَهْلِ بن حُنَيف؛ لأنَّ جِلْدَه كان لطيفًا، والمخَبَّأةَ: الجاريةُ التي في خِدْرها لم تتزَّوجْ بعدُ؛ لأن صيانتَها أبلَغُ من المتزوِّجة وجلدُها أَنْعَم.
"قال"؛ أي: الراوي.
"فلُبطَ"، بضم اللام وكسر الباء الموحدة؛ أي: صُرِعَ "بسَهْلٍ" وسقطَ إلى الأرضِ من تأثير إصابةِ عَيْنِ عامر.
"فاُتِيَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقيل: يا رسولَ الله! هل لك"؛ أي: من خير، أو مداواة "في سهل بن حُنيف؟ "؛ أي: شأنهِ.
"والله ما يَرْفَعُ رأسَه، فقال"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تَتَّهِمُون له أحدًا"؛ أي: تظنُّون أحدًا أصابَه بالعين.
"فقالوا: نتَّهِمُ عامرَ بن ربَيعة، قال: فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامرًا فتغلَّظَ عليه"؛ أي: قال معه كلامًا غليظًا.
"فقال: علامَ"، أصلُه: علا ما، حَذِفت الألف مِن (ما) الاستفهامية، معناه:
لمَ "يقُتلُ أحدكم أخاه؟ ألَا بَرَّكْتَ"؛ أي: هلَّا قلتَ: باركَ الله عليك، حتَّى لا تؤثِّرَ العينُ فيه.
"اغْسِل له، فغسَلَ له عامرٌ وجهَه ويديه ومِرفَقيه وركبتيه وأطرافَ رِجْلَيه وداخِلةَ إزارهِ"، قيل: المرادُ به الذَّكَر، وقيل: الأفاخذ والوَرِك، وقيل: طرفُ الإِزارِ الَّذي يَلِي الجسد مما يَلِي الجانبَ الأيمن.
"في قَدَحٍ، ثم صُبَّ عليه" ذلك الماء.
"فراحَ مع النَّاسِ"؛ أي: ذهبَ بهم.
"وليس به بأس".
* * *
3534 -
عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذُ من الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزلَتْ المُعَوِّذتانِ، فلمَّا نزلَتا أخذَ بهما وتركَ ما سِواهما. غريب.
"عن أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه: أنَّه قال: كان رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتعوَّذُ من الجَانِّ" بأن يقولَ: أعوذ بالله من الجانِّ
"وعينِ الإنسانِ، حتَّى نزَلَتِ المعوِّذَتان، فلمَّا نزلتْ أخذَ بهما وتركَ ما سواهما" غريب.
* * *
3535 -
قالت عائشةُ رضي الله عنها: قالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هل رُئيَ فيكم المُغَرِّبُونَ؟ قلت: وما المُغرِّبونَ؟ قال: "الذينَ يشتركُ فيهم الجِنُّ"، غريب.