المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌17 - باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع واتباع العورات - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٥

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتابُ اللِّبَاسِ

- ‌2 - باب الخاتَمِ

- ‌3 - باب النعَال

- ‌4 - باب التَّرجيل

- ‌5 - باب التَّصاويرِ

- ‌21 - كِتَابُ الطِّبُ وَالرُّقَى

- ‌1 - باب"باب الطّبِّ والرُّقَى

- ‌2 - باب الفَأْلِ والطِّيرَةِ

- ‌3 - باب الكهانَةِ

- ‌22 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌23 - كِتَابُ الأَدَبِ

- ‌1 - باب السَّلامِ

- ‌2 - باب الاسْتِئْذَانِ

- ‌3 - باب المُصافَحَةِ والمُعانَقَةِ

- ‌4 - باب القِيَام

- ‌5 - باب الجُلوُسِ والنَّومِ والمَشْيِ

- ‌6 - باب العُطَاسِ والتَّثَاؤُبِ

- ‌7 - باب الضَّحِكِ

- ‌8 - باب الأَسَامِي

- ‌9 - باب البَيانِ والشِّعرِ

- ‌10 - بابحِفْظِ اللِّسانِ والغِيْبةِ والشَّتمِ

- ‌11 - باب الوعد

- ‌12 - باب المُزَاحِ

- ‌13 - باب المُفاخَرَةِ والعَصَبيَّةِ

- ‌14 - باب البر والصِّلَةِ

- ‌15 - باب الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ على الخَلْقِ

- ‌16 - باب الحُبِّ في الله والبُغْضِ في الله

- ‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

- ‌18 - باب الحذَرِ والتَّأَنِّي في الأُمورِ

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌21 - باب الظُّلمِ

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌24 - كِتابُ الرِّقَاقِ

- ‌2 - باب فضلِ الفُقَراءِ وما كانَ من عَيْشِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب الأَمَلِ والحِرْصِ

- ‌4 - باب استِحبابِ المالِ والعُمُرِ للطَّاعةِ

- ‌5 - باب التَّوَكلِ والصَّبرِ

- ‌6 - باب الرِّياءِ والسُّمْعَةِ

- ‌7 - باب البكاء والخوف

- ‌8 - باب تغيُّر الناس

- ‌9 - باب

- ‌25 - كِتابُ الفِتَنِ

- ‌2 - باب المَلاحِمِ

- ‌3 - باب أَشْراطِ السَّاعَةِ

- ‌4 - باب العلاماتِ بين يَدَي السَّاعةِ، وذِكْرُ الدَّجَّالِ

- ‌5 - باب قِصَّةِ ابن الصَّيَّادِ

الفصل: ‌17 - باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع واتباع العورات

3903 -

عن أبي هُرَيرةَ قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المرءُ على دينِ خليلِه، فلْيَنظرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ" غريب.

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله"؛ أي: صديقه، والخلة: الصداقة والمحبة.

"فلينظر أحدكم مَن يخالل" وضمير المفعول محذوف؛ أي: يخالله؛ يعني: إن اتخذ صالحاً خليلاً يكون هو صالحاً، وإن اتخذ فاسقاً يكون هو فاسقاً.

"غريب".

* * *

3904 -

عن يزيدَ بن نعامَةَ أنَّه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فلْيَسألهُ عن اسمِه واسم أبيهِ وممَن هوَ، فإنَّه أَوْصَلُ للمَوَدَّةِ".

"عن يزيد بن نعامةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا آخى الرجل الرجل"؛ أي: اتخذه أخاً.

"فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو"؛ يعني: من أيَّ قبيلة؛ أي: من أيِّ قريةٍ وبلد هو.

"فإنه"؛ أي: السؤال عن ذلك، "أوصلُ"؛ أي: أكثر وصلة، "للمودة" بينهما.

* * *

‌17 - باب ما يُنهَى من التَّهاجُرِ والتَّقاطُعِ واتباعِ العَوْراتِ

" باب ما ينهى من التهاجُر والتقاطع"، الهجر: ضد الوصل، والتهاجُرُ

ص: 319

أخصُّ من التقاطع، (واتباع العورات): جمع عورة، وهي ما في الرجل من عيب وخلل.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3905 -

قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيْرُهما الذي يبدَأُ بالسَّلامِ".

* * *

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة وأبي أيوب رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، جملة استئنافية بيانٌ لكيفية الهجران.

"فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" هذه الجملة عطف على الاستئنافية من حيث المعنى؛ لما يفهم منها أن ذلك الفعل ليس بخير، ويجوز أن تكون الأولى حالًا من فاعل (يهجر) ومفعولِه معًا، فالثانية معطوفة على قوله:(لا يحل).

أما إباحة الهجرة في الثلاث فمفهومٌ من الحديث عند مَن يقول بمفهوم المخالفة، وإنما عُفي عنها في الثلاث؛ لأنَّ الآدمي مجبولٌ على سوء الخلق والغضب.

قيل: هذا إذا كان الهجر لأمر دنيوي، وأما إذا كان لتقبيح المعصية فالزيادةُ على الثلاث مشروعةٌ، كما هجر صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، وأمر الناس بهجرانهم خمسين يوماً.

ص: 320

3906 -

وقالَ: "إيَّاكم والظَّنَّ! فإنَّ الظَّن أَكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَحَاسدُوا، ولا تَباغضوا، ولا تَدابروا، وكونوا عبادَ الله إِخْوانًا".

ويُروَى: "ولا تَنافَسُوا".

"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظنَّ"؛ أي: احذروا من أن تظنوا بأحدٍ ظنَّ سوء، قيل: المراد به ما يستقر عليه صاحبه دون ما يخطر في قلبه.

"فإن الظن أكذب الحديث"؛ أي: حديث النفس؛ لأنه يكون بإلقاء الشياطين، قال الله تعالى:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] قيل: الظن الذي هو إثم أن يظن فيتكلم به.

"ولا تحسسوا" بالحاء المهملة؛ أي: لا تطلبوا التطلُّع على خير أحد، "ولا تجسسوا" بالجيم؛ أي: لا تطلبوا التطلُّع على شر أحد، وكلاهما منهيٌّ؛ لأنه لو اطَّلعت على خير أحد ربما يحصل لك حسدٌ بأن لا يكون فيك ذلك الخير، وإن اطَّلعت على شره تَعيبُه وتفضحه.

قيل: "التجسُّس" بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور بتلطُّفٍ.

وقيل: بالجيم تطلُّب البحث عن العورات، وبالحاء الاستماع؛ يعني استراق السمع.

وقيل: بالحاء: التعرُّف بالحواس، وبالجيم: تعرُّف الأمر، من الجَسِّ وهو اللمس.

"وعن أنس (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تناجشوا" قيل: المراد به

(1) كذا ورد في بعض الروايات من حديث أنس، وورد في الصحيحين ضمن حديث أبي هريرة السابق.

ص: 321

تطلُّب الترفُّع والعلوِّ على الناس، وقيل: أن يُغرِيَ بعضٌ بعضًا على الشر، وقيل: هو الزيادة في الثمن بغير رغبة في السلعة ليخدع المشتري بالترغيب.

"ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا" وقيل: أي: لا تولُّوا ظهركم على أخيكم ولا تُعرضوا عنه.

"وكونوا عباد الله إخوانًا" خبر ثان لـ (كان).

"ويروى: ولا تنافسوا"؛ أي: لا تحاسدوا ولا تنازعوا.

* * *

3907 -

وقالَ: "تُفتَحُ أبوابُ الجَنَّةِ يومَ الاثنينِ ويومَ الخَميسِ، فيُغفَرُ لكلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بالله شيئًا، إلا رَجُلًا كانَتْ بينَهُ وبينَ أخيهِ شَحْناءُ فيقالُ: أَنْظِروا هذَينِ حتَّى يَصْطَلِحا".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء"؛ أي: العداوة والبغض.

"فيقال: أنظروا" أمرٌ من الإنظار والإمهال؛ أي: أمهِلوا في مغفرة "هذين حتى يصطلحا".

* * *

3908 -

وقالَ: "تُعرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ في كلِّ جُمُعَةٍ مرَّتينِ، يومَ الاثنينِ ويومَ الخَميسِ، فيُغفَرُ لكُلِّ عبدٍ مؤمنٍ، إلا عَبْدًا بينَه وبينَ أخيهِ شَحْناءُ، فيقال: اُترُكُوا هذَينِ حتَّى يَفيئَا".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تُعرض أعمال الناس في

ص: 322

كل جمعة"؛ أي: في كل أسبوع.

"مرتين" بيَّن ذلك بقوله: "يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدًا" - بالنصب - استثناء من كلام موجب، كذا في "كتاب مسلم" وهو الظاهر، وفي بعض النسخ بالرفع على أنه صفة لـ (كل عبد مؤمن)؛ لأن محله الرفع.

"بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا"؛ أي: يرجعا عما [هما] عليه من العداوة والغضب إلى الصلح.

* * *

3909 -

وقالَ: "إنَّ الشَّيطانَ قد أَيسَ أنْ يَعبُدَه المُصَلُّونَ في جَزيرةِ العَرَبِ، ولكنْ في التَّحريشِ بينَهم".

"وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش"؛ أي: في الإغراء "بينهم": تقدم بيانه في (باب الكبائر).

* * *

3910 -

وعن أُمِّ كلثومَ بنتِ عُقبةَ بن أبي مُعَيطٍ قالت: سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ليسَ الكذَّابُ الذي يُصلِحُ بينَ الناسِ ويقولُ خيرًا ويَنْمِي خيرًا"، قالت: ولَمْ أَسمَعْهُ - تَعني النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ في شَيءٍ مِمَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبًا، إلا في ثلاثٍ:"الحَرْبُ، والإصلاحُ بينَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امرأتَه وحَديثُ المَرْأةِ زَوْجَها".

"عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 323

يقول: ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا وَينمي خيرًا" تقدم بيانه في (باب حفظ اللسان).

"قالت: ولم أسمعه - تعني النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذبًا إلا في ثلاث: الحرب" والكذب في الحرب مثل أن يقول: في جيش المسلمين كثرةٌ، وقد أتاهم مدد (1) كثير، أو يقول: انظر إلى خلفك فإن فلانًا قد أتاك من خلفك ليضربك.

"والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته" مثل أن يقول: لا أجد أحبَّ إليَّ منك.

"وحديث المرأة زوجها" مثل ذلك.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3911 -

عن أسماءَ بنتِ يزيدَ قالت: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ الكَذِبُ إلا في ثلاثٍ: كَذِبُ الرَّجُلِ امرأتَه ليُرضيَها، والكذِبُ في الحَرْبِ، والكذِبُ ليُصلِحَ بينَ النَّاسِ".

"من الحسان":

" عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس".

* * *

3912 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يكونُ

(1) في "غ": "ملأ".

ص: 324

لِمُسْلِمٍ أنْ يهجُرَ مُسْلِمًا فوقَ ثلاثةٍ، فإذا لقِيَهُ سَلَّمَ عليهِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، كلُّ ذلكَ لا يَرُدُّ عليهِ فقد باءَ بإثمِهِ".

"عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يكون لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلَّم عليه" بدلٌ من (لقيه)، أو حال من فاعله.

"ثلاثَ مرار كلَّ ذلك" ظرف لقوله: "لا يرد عليه" أو صفة لـ (مرار) والعائد محذوف (1)؛ أي: لا يردُّ فيها؛ أي: في المرار.

"فقد باء"؛ أي: رجع "بإثمه" جواب (إذا)؛ يعني: خرج المسلِّم عن إثم الهجران، ورجع الإثم إلى الهاجر الذي لم يردَّ السلام.

* * *

3913 -

وعن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ، فمَن هَجَرَ فوقَ ثلاثٍ فماتَ دَخَلَ النَّارَ".

"وعن أبي هريرة - رضي لله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاثٍ فمات دخل النار"؛ أي: استوجب دخولها بالإثم، فالواقع فيه كالواقع فيها.

* * *

3914 -

عن أبي خِراشٍ السُّلَمِيِّ: سَمعَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ هَجَرَ أخاهُ سَنَةً فهوَ كسَفْكِ دمِهِ".

(1) أي: (كلُّ) بالرفع مبتدأ خبره (لا يرد)، والجملة صفة (ثلاث مرات)، والعائد محذوف. انظر "مرقاة المفاتيح"(9/ 238).

ص: 325

"عن أبي خراش السُّلَمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه"؛ أي: الهاجر سنةً كالقاتل، وقيل: هو كالقاتل حرمةً إلا أن يكونا سواءً في قَدْر الإثم.

* * *

3915 -

عن أبي هُرَيرة قال: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لمؤمنٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ، فإنْ مَرَّتْ بهِ ثلاثةٌ فَلْيَلْقَهُ فليُسَلِّمْ عليهِ، فإنْ رَدَّ عليه السلام فقد اشتركَا في الأَجْرِ، وإنْ لم يَرُدَّ عليهِ فقد باءَ بالإِثمِ، وخَرَجَ المُسَلِّمُ مِن الهِجْرَةِ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاثٍ، فإن مرت به ثلاث فليَلْقه فليسلِّم عليه، فإن ردَّ عليه فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردَّ عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلِّم من الهجر".

3916 -

عن أبي الدَّرْداءِ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخبرُكم بأفضلَ مِن دَرَجةِ الصِّيامِ والصَّدَقةِ والصَّلاةِ؟ " قال: قُلنا: بلى، قال:"إِصلاحُ ذاتِ البَيْنِ، وإِفْسادُ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ"، صحيح.

"عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة" قيل: المراد بهذه المذكورات نوافلُها دون فرائضها.

"قلنا: بلى، قال إصلاح ذات البين" أراد بذات البين: الخصال المفضية إلى البين من المهاجرة والمخاصمة بين اثنين بحيث يحصل بينهما الفُرقة.

"وإفساد ذات البين" - ويروى: (وفساد) - مبتدأ خبره "هي الحالقة"؛ أي: المهلكة للدين المستأصِلةُ للثواب استئصالَ الموسى.

"صحيح".

* * *

ص: 326

3917 -

وقالَ: "دَبَّ إليكُم داءُ الأممِ قبلَكم: الحَسَدُ والبغضاءُ، هي الحالِقَةُ، لا أقولُ: تحلِقُ الشَّعرَ، ولكنْ تحلِقُ الدِّينَ".

"وعن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دبَّ"؛ أي: سرى "إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء" بيان للداء وبدلٌ منه، سمِّيا داءٌ لأنهما داء القلب.

"هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" لأنها تمنع الإنسان من فعل الخيرات والحضور في الصلاة والمحبة الكاملة في الله؛ لأن الممتلئ صدرُه حسدًا أو بغضا لا تكمل محبته ولا يجد حلاوة الطاعة في قلبه ولا يرضى بقضاء الله تعالى.

* * *

3918 -

عن أبي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُم والحَسَدَ! فإنَّ الحَسَدَ يأكلُ الحَسَناتِ كما تأكلُ النَّارُ الحَطَبَ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات"؛ أي: يمحوها.

"كما تأكل النار الحطب" يؤوَّل هذا بأن الحسد يفضي بصاحبه إلى وقوعه في عِرض المحسود وغيبته وسبه وثلبه، وربما أدى ذلك إلى تلف ماله، وكلُّ هذه مظالمُ يذهب في عوضها الحسنات كما جاء في حديث:"المفلس الذي يأتي يوم القيامة وقد ضَرب هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته" إلى آخر الحديث.

أو المراد: الحسنات التي يشغلُه الحسد عن الاشتغال بها، أو بأن الحاسد غيرُ راضٍ بحكم الله فربما غلب عليه الحسدُ والحقد والعداوة إلى أن تفوَّه

ص: 327

بكفرٍ مُبْطلٍ للحسنات.

* * *

3919 -

وعن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إيَّاكُم وسوءَ ذاتَ البَيْنِ! فإنَّها الحالِقَةُ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة".

* * *

3920 -

عن أبي صِرْمَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن ضَارَّ ضارَّ الله بهِ، ومَن شاقَّ شَقَّ الله عليهِ".

"وعن أبي صرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ضارَّ"؛ أي: أوصل ضررًا إلى أحد.

"ضارَّ الله به"؛ أي: أوصل الضرر إليه.

"ومن شاقَّ شاقَّ الله عليه" والضرر والمشقة متقاربان، لكن الضرر يستعمل في إتلاف المال، والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن بتكليف عمل شاق.

"غريب".

* * *

3921 -

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَلْعونٌ مَن ضَارَّ مُؤْمنًا أو مَكَرَ بهِ".

"عن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 328

ملعون من ضارَّ مؤمنًا أو مكر به"، "غريب".

* * *

3922 -

عن ابن عُمَرَ قال: صَعِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المِنْبرَ فنادَى بصَوتٍ رفيعٍ فقال: "يا مَعْشرَ مَن أَسْلَمَ بلِسانِه ولم يُفْضِ الإِيمانُ إلى قلبهِ! لا تُؤْذُوا المُسلمينَ ولا تُعَيروهم، ولا تَتَّبعُوا عَوْراتِهم، فإنَّه مَن يَتَّبعْ عَوْرَة أخيهِ المُسلمِ يتَّبعِ الله عَوْرتَه، ومَن يتبع الله عورتَهُ يفضَحْهُ ولو في جَوْفِ رَحْلِهِ".

"وعن ابن عمر وأبي برزة رضي الله عنهم أنهما قالا: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان"؛ أي: لم يصل.

"إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم"؛ أي: لا تعيبوهم.

"ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يَتَّبعْ عورة أخيه المسلم" تقدم معنى العورة في أول الباب.

"يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"؛ أي: ولو كان مخفيًا في وسط منزله عن الناس.

فإن قلت: ما النكتة في ذكر أخيه، فإن الكلام مع المنافقين وهم ليسوا بإخوة المسلمين؟.

قلت: معناه: ومن يتبع من المسلمين عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته فكيف بالمنافق؟.

* * *

3923 -

عن سعيدِ بن زَيدٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ مِن أربَى الرِّبَا الاستِطالةَ في عِرْضِ المُسلِم بغيرِ حَقٍّ".

ص: 329

"عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أربى الربا"؛ أي: من أكثرها وبالًا "الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"؛ أي: إطالة اللسان في غيبته أو قذفه أو شتمه؛ يعني: غيبةُ الناس وقذفُهم أشدُّ من أكل الربا؛ لأن نفس المسلم أشرف من ماله.

وفي قوله: (بغير حق) تنبيه على استباحة العرض في بعض الأحوال بحقٍّ، كقوله: صاحب الحق الذي لا يعطي حقه إنه ظالم وإنه متعدٍّ، وكقوله الجارحِ في عِرْضِ الشاهد، وكذا ذكر مساوئ الخاطب.

* * *

3924 -

وعن أنسٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا عَرَجَ بي ربي مرَرْتُ بقومٍ لهم أَظْفارٌ مِن نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وجُوهَهم وصُدورَهم، فقلتُ: مَن هؤلاءِ يا جِبْريلُ؟ قال: هؤلاءَ الذينَ يأكلونَ لحومَ النَّاسِ ويَقَعُونَ في أَعْراضهم".

"عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون"؛ أي: يجرحون.

"وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس"؛ أي: يغتابونهم "ويقعون في أعراضهم".

* * *

3925 -

وعن أنسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَن حَمَى مُؤْمِنًا مِن مُنافِقٍ يعيبُه، بعثَ الله مَلَكًا يَحْمي لَحْمَهُ يومَ القيامةِ مِن نارِ جَهَنَّمَ، ومَن قَفا مُسْلِمًا بشيءٍ يريدُ شَيْنَهُ بهِ حَبَسَهُ الله على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتى يَخْرُجَ ممَّا قالَ".

"وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حمى مؤمنًا من منافق بغيبة بعث الله ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن قفا مسلمًا بشيء"؛ أي:

ص: 330

قذفه بما ليس فيه، أو من قَفَوْتُه: إذا تبعتَ أثره؛ يعني: من تجسَّس عن حال مسلم ليقف على عيبه.

"يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" تقدم بيانه في (حِسان باب الشفقة).

* * *

3927 -

عن المُستَوْرِدِ بن شدَّادٍ: أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَكَلَ برجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فإنَّ الله يُطعِمُه مِثلَها مِن جَهَنَّمَ، ومَن كُسِيَ ثَوْبًا برجُلٍ مُسلِمٍ فإنَّ الله يكسوهُ مثلَه مِن جَهَنَّمَ، ومَن قامَ برجُلٍ مَقامَ سُمعةٍ ورِياءٍ فإنَّ الله يُقيمُهُ مَقامَ سُمْعَةٍ ورِياءٍ يومَ القيامةِ".

"عن المستورد بن شداد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل برجلٍ مسلم"؛ أي: بسبب غيبته.

"أُكلة" وهي بالضم (1): اللقمة، وبالفتحة: المرة من الأكل؛ يعني: أنه يقع في عرض مسلم أو يتعرض له بالأذية عند مَن يبغضه حتى ينال بذلك ممن يعاديه ويريدُ هوانَه طُعمةً.

"فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومَن كُسي ثوبًا برجلٍ مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل" الباء للتعدية؛ أي: من أقام رجلًا "مقام سمعة ورياء"؛ أي: نسبه إلى الصلاح والتقوى وشهره بالزهد في الدنيا، وجعله وسيلة إلى تحصيل غرضٍ نفسي وحطامٍ دنيوي، وعلم الذي شهره به أنه على خلاف ذلك.

"فإن الله تعالى يقوم به"؛ أي: يُقِيمُه "يوم القيامة مقام سمعة ورياء"

(1) في "غ": "بالضمة".

ص: 331

فينادى عليه بين الملأ: إنه كان كذابًا قد شهر رجلًا بالصلاح والزهد في الدنيا وهو يعلم أنه كان على خلاف ذلك، ثم يعذبه عذاب الكذابين.

وقيل: الباء للسببية، وهذا أقوى وأنسب، فالمعنى: من قام بسبب رجلٍ - من أمير ونحوه - مقامًا يتظاهر فيه بصلاحٍ وزهد ليسمع به الناس فيعتقدوا فيه، ويجعل ذلك ذريعة إلى مطلب دنيوي من جاه ومال، أقامه الله يوم القيامة مثل مقامه ذلك، ويفضحه بأن ينادَى عليه على رؤوس الأشهاد ويقال: إنه كان مرائيًا، ثم يعذب عذاب المرائين.

* * *

3928 -

وقال: "حُسْنُ الظَّنِّ مِن حُسْنِ العِبادةِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن الظن من حسن العبادة"؛ يعني: اعتقاد الخير والصلاح في حق المسلمين عبادةٌ.

* * *

3926 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: اعتَلَّ بعيرٌ لِصَفِيَّةَ وعندَ زينبَ فَضْلُ ظَهرٍ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزينبَ:"أَعْطيها بَعيرًا"، فقالت: أنا أُعطي تلكَ اليهوديةَ! فغضبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فهَجَرَها ذا الحِجَّةِ والمُحَرَّمَ وبعضَ صَفَرَ.

"وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اعتلَّ"؛ أي: مرض "بعيرٌ لصفية وعند زينب فضلُ ظهر"؛ أي: دابةٌ زائدةٌ على قَدْرِ حاجتها.

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب: أعطيها بعيرًا، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر" وهذا يدل على جواز الهجران فوق الثلاث لفعلٍ قبيح.

* * *

ص: 332