الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ، وأَنه يقتضي انتفاءَه عند انتفاءِ العلَّة، وَمَا ذَكَرُوهُ فِيهِ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِيهِ فِي التَّفْصِيلِ نَظَرٌ. وَذَلِكَ أَن العِلّة رَاجِعَةٌ إِلى أَمرين: أَحدهما: الْخَوْفُ مِنْ الِانْقِطَاعِ والتَّرْك إِذا التزم الدوام (1) فِيمَا يَشُقُّ فِيهِ الدَّوَامُ، وَالْآخَرُ: الْخَوْفُ (2) مِنَ التقصير فيما هو آكَدُ (3) مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْخَلْقِ.
أَما الأَول: فإِن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَصَّل فِيهِ أَصلاً رَاجِعًا إِلى قَاعِدَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا مَظْنُونَةٍ، وَهِيَ (4): بَيَانُ أَن الْعَمَلَ الْمُوَرِّثَ لِلْحَرَجِ عِنْدَ الدَّوَامِ مَنْفِيٌّ عَنِ الشَّرِيعَةِ، كَمَا أَن أَصل الْحَرَجِ مَنْفِيٌّ عَنْهَا؛ لأَنه صلى الله عليه وسلم بُعِثَ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ (5)، وَلَا سَمَاحَ مَعَ دُخُولِ الحرج. فكل من أَلزم نفسه ما يلقاه (6) فيه الحرج فقد خرج (7) عَنْ الِاعْتِدَالِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَصَارَ إِدْخَالُهُ لِلْحَرَجِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تلقاءِ نَفْسِهِ، لَا مِنَ الشَّارِعِ؛ فإِن دَخَلَ فِي الْعَمَلِ عَلَى شَرْطِ الوفاءِ؛ فإِن وفَّى (8) فَحَسَنٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ، إِذْ قَدْ ظَهَرَ أَن ذَلِكَ الْعَمَلَ إِما غَيْرُ شَاقٍّ؛ لأَنه قَدْ أَتى بِهِ بِشَرْطِهِ، وإِما شاقٌّ صَبَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَفّ النَّفْسَ حَقَّها مِنَ الرِّفْقِ، وَسَيَأْتِي.
وإِن لَمْ يُوَفّ، فكأَنه نَقَضَ عَهْدَ اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدٌ، فَلَوْ بَقِيَ عَلَى أَصل بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الِالْتِزَامِ لم يدخل عليه ما يُتّقى منه.
(1) قوله: "الدوام" ليس في (خ) و (م).
(2)
قوله: "الخوف" ليس (غ).
(3)
في (خ): "الآاكد".
(4)
في (غ) و (ر): "وهو".
(5)
تقدم تخريجه (ص154).
(6)
في (خ): "ما يلقى".
(7)
في (خ) و (م): "يخرج".
(8)
في (غ) و (ر): "فأوفى" بدل "فإن وفى".
لَكِنْ لِقَائِلٍ أَن يَقُولَ: إِن النَّهْيَ هَاهُنَا مُعَلَّل (1) بِالرِّفْقِ الرَّاجِعِ إِلى الْعَامِلِ؛ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بهم"(2)، فكأَنه قَدِ اعْتَبَرَ حَظّ النَّفْسِ فِي التعبُّد، فَقِيلَ لَهُ: افْعَلْ وَاتْرُكْ؛ أَي: لَا تَتَكَلَّفْ ما يشق عليك، كما لم تُكلّف (3) فِي الْفَرَائِضِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ؛ لأَن اللَّهَ إِنما وَضَعَ الْفَرَائِضَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى وجهٍ مِنَ التَّيْسِيرِ مُشْتَرَك لِلْقَوِيِّ (4) وَالضَّعِيفِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالرَّجُلِ والمرأَة، حَتَّى إِذَا كَانَ بعض الفرائض يُدْخِل الحرج على المُكَلّف أُسقط (5) عَنْهُ جُمْلَةً أَو عُوِّض (6) عَنْهُ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ، كَذَلِكَ النَّوَافِلُ المتكلَّم فِيهَا.
وإِذا رُوعِيَ حَظُّ النَّفْسِ: فَقَدْ صَارَ الأَمر فِي الإِيغال إِلى الْعَامِلِ، فَلَهُ أَن لَا يمكِّنها مِنْ حظِّها، وأَن (7) يَسْتَعْمِلَهَا (8) فِيمَا قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهَا بِالدَّوَامِ، بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُؤَصَّلَةِ فِي أُصول "الْمُوَافَقَاتِ"(9) فِي إِسقاط الْحُظُوظِ، فَلَا يَكُونُ إِذاً مَنْهِيًّا ـ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ـ. فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الإِنسان حَقٌّ لِغَيْرِهِ مَا دَامَ طَالِبًا لَهُ، وَلَهُ الخِيرة فِي تَرْكِ الطَّلَبِ بِهِ فَيَرْتَفِعُ الْوُجُوبُ، كَذَلِكَ جاءَ النَّهْيُ حِفْظًا عَلَى حظوظ النفوس (10)، فَإِذَا أَسقطها صَاحِبُهَا زَالَ النَّهْيُ، وَرَجَعَ الْعَمَلُ إِلى أَصل النَّدْبِ.
وَالْجَوَابُ: أَن حُظُوظَ النُّفُوسِ بِالنِّسْبَةِ إِلى الطَّلَبِ بِهَا قَدْ يُقَالُ: إِنه مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنه من حقوق العباد. فإِن قلنا: إِنه
(1) في (خ): "معلق".
(2)
في (خ) و (م): "رحمة لهم".
وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري (1964)، ومسلم (1105).
(3)
في (خ): "كما تتكلف".
(4)
في (خ): "يشترك فيه القوي".
(5)
في (خ): "يسقط".
(6)
في (خ): "يعوض".
(7)
قوله: "وأن" ليس في (غ) و (ر).
(8)
في (غ) و (ر): "ويستعملها".
(9)
انظر: "الموافقات"(1/ 233 وما بعدها)، و (1/ 357 وما بعدها)، و (2/ 251 وما بعدها).
(10)
في (خ): "النفس".
من حقوق الله (1) فَلَا يَنْهَضُ مَا قُلْتُمْ؛ إِذ لَيْسَ للمكلَّف خِيَرَةٌ فِيهِ. فَكَمَا أَنه مُتعبَّد بِالرِّفْقِ بِغَيْرِهِ، كَذَلِكَ هُوَ مكلَّفٌ بِالرِّفْقِ بِنَفْسِهِ، وَدَلَّ عَلَى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (2): "إِن لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا
…
" (3)، إِلى آخَرِ الْحَدِيثِ. فَقَرَنَ حَقَّ النَّفْسِ بِحَقِّ الْغَيْرِ فِي الطَّلَبِ فِي (4) قَوْلِهِ: "فأَعط كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"، ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ حَقًّا مِنَ الْحُقُوقِ.
وَلَا يُطلق هَذَا اللَّفْظُ إِلا عَلَى مَا كَانَ لَازِمًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: أَنه لَا يَحِلُّ للإِنسان أَن يُبِيحَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ دَمَهُ، وَلَا قَطْعَ طرفٍ مِنْ أَطرافه، وَلَا إِيلامه بشيءٍ مِنَ الْآلَامِ. وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ وَاسْتَحَقَّ الْعِقَابَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وإِن قُلْنَا: إِنه مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَرَاجِعٌ إِلى خِيَرَتِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الإِطلاق؛ إِذ قَدْ تَبَيَّنَ فِي الأُصول أَن حُقُوقَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَةً مِنْ حَقِّ اللَّهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ـ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ـ: أَنه لَوْ كَانَ إِلى خِيَرَتِنَا بإِطلاق لَمْ يَقَعِ النَّهْيُ فِيهِ عَلَيْنَا، بَلْ كُنَّا نُخَيَّر فيه ابتداءً، وإلى ذلك؛ فإِنه لو كان لخِيرَةِ (5) المُكَلَّفِ مَحْضاً؛ لجاز للناذر لِعِبَادةٍ (6) أَن يَتْرُكَهَا مَتَى شاءَ وَيَفْعَلَهَا مَتَى شاءَ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الأَئمة عَلَى وُجُوبِ الوفاءِ بِالنَّذْرِ، فيجري ما أَشبهه (7) مَجْرَاهُ. وأَيضاً فَقَدْ فَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ أَنه حبَّب إِلينا الإِيمان وزيَّنه فِي قُلُوبِنَا، وَمِنْ جُمْلَةِ التَّزْيِينِ: تَشْرِيعُهُ عَلَى وجهٍ يُستحسن الدُّخُولُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مَعَ شَرْعِيَّةِ الْمَشَقَّاتِ. وإِذا كَانَ الإِيغال فِي الأَعمال مِنْ شأْنه فِي الْعَادَةِ أَن يُورثَ الكَلَلَ (8) وَالْكَرَاهِيَةَ وَالِانْقِطَاعَ ـ الذي هو كالضِّدّ لتحبيب الإِيمان
(1) قوله: "فإن قلنا: إنه من حقوق الله" سقط من (خ) و (م).
(2)
تقدم تخريجه (ص157).
(3)
قوله: "حقاً" ليس في (م).
(4)
في (غ) و (ر): "الذي هو" بدل "في".
(5)
في (خ): "بخيرة".
(6)
في (خ): "العبادة".
(7)
في (خ): "ما أشبه".
(8)
في (غ) و (ر): "الكلال".
وَتَزْيِينِهِ فِي الْقُلُوبِ (1) ـ، كَانَ مَكْرُوهًا؛ لأَنه عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ يَنْبَغِ أَن يَدْخُلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ.
وأَما (2) الثَّانِي: فإِن الْحُقُوقَ المتعلِّقة بالمكلَّف عَلَى أَصناف كَثِيرَةٍ، وأَحكامها تَخْتَلِفُ حَسْبَمَا تُعْطِيهِ أُصول الأَدلة، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنه إِذَا تَعَارَضَ عَلَى المكلَّف حَقَّان وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَا هُوَ آكَدُ فِي مُقْتَضَى الدَّلِيلِ. فَلَوْ تَعَارَضَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ لقُدِّم الْوَاجِبَ عَلَى الْمَنْدُوبِ، وَصَارَ الْمَنْدُوبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَنْدُوبٍ، بَلْ صَارَ واجبَ التَّرْكِ عَقْلًا أَو شَرْعًا؛ مِنْ بَابِ "مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ".
وإِذا صَارَ وَاجِبَ التَّرْكِ، فَكَيْفَ يَصِيرُ الْعَامِلُ بِهِ إِذ ذَاكَ متعبِّداً لله (3) به، بل هو متعبد بمطلوب الترك في الجملة، فأَشبه التعبد بالبدعة من هذا الوجه، ولكنه مع ذلك مُتَعَبِّدٌ (4) بِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ فِي أُصول الأَدلة؛ لأَن دليل الندب عتيد، ولكنه عرض فيه (5) بالنسبة إِلى هذا المتعبّد (6) مَانِعٌ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ حُضُورُ الْوَاجِبِ، فإِن عَمِلَ بِالْوَاجِبِ فَلَا حَرَجَ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْجُمْلَةِ، إِلا أَنه غَيْرُ مُخْلِصٍ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الِالْتِزَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ. وإِن عَمِلَ بِالْمَنْدُوبِ عَصَى بِتَرْكِ الواجب.
ويبقى (7) النظر في المندوب: هل وقع موقعه من النَّدْبِ أَم لَا؟ فإِن قُلْنَا (8): إِن تَرْكَ الْمَنْدُوبِ هُنَا وَاجِبٌ عَقْلًا، فَقَدْ يَنْهَضُ الْمَنْدُوبُ سَبَبًا لِلثَّوَابِ مَعَ مَا فِيهِ؛ مِنْ كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ أَداءِ الْوَاجِبِ. وإِن قُلْنَا (9): إِنه وَاجِبٌ شَرْعًا، بَعُدَ مِنَ انْتِهَاضِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ إِلا عَلَى وَجْهٍ مَا، وَفِيهِ أَيضاً مَا فِيهِ.
فأَنت تَرَى مَا فِي الْتِزَامِ النَّوَافِلِ على كل تقدير فُرِضَ (10) إِذا كان
(1) علق عليه رشيد رضا بقوله: جواب "وإذا كان الإيغال" إلخ. اهـ.
(2)
قوله: "وأما" في مكانه بياض في (غ).
(3)
في (غ) و (ر): "إليه" بدل "لله".
(4)
من قوله: "بمطلوب الترك" إلى هنا سقط من (خ) و (م).
(5)
في (خ) و (م): "مع ذلك" بدل "عرض فيه".
(6)
في (خ) و (م): "التعبد".
(7)
في (خ) و (م): "وبقي".
(8)
في (خ): "قلت".
(9)
علق رشيد رضا هنا بقوله: المناسب للشق الأول من الترديد: "وإن قلت".اهـ.
(10)
في (خ): "فرضاً".
مؤدِّياً لِلْحَرَجِ (1)، وَهَذَا كُلُّهُ إِذا كَانَ الِالْتِزَامُ صَادًّا عَنِ الوفاءِ بِالْوَاجِبَاتِ مُبَاشَرَةً، قَصْدًا أَو غَيْرَ قَصْدٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ مَعَ أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنهما (2)، إِذ كَانَ الْتِزَامُ قِيَامِ اللَّيْلِ مَانِعًا له من أَداءِ حَقِّ (3) الزَّوْجَةِ؛ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ الْتِزَامُ صِيَامِ النَّهَارِ.
وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ الْتِزَامُ صَلَاةِ الضُّحَى أَو غَيْرِهَا مِنَ النَّوَافِلِ مُخِلاًّ بقيامه على مريضه المُشْرِف، أَو القيام (4) على إِعانة أَهله بِالْقُوتِ، أَو مَا أَشبه (5) ذَلِكَ. وَيَجْرِي مَجْرَاهُ ـ وإِن لَمْ يَكُنْ فِي رُتْبَتِهِ ـ: أَن لَوْ كَانَ ذَلِكَ الِالْتِزَامُ يُفْضِي بِهِ إِلى ضَعْفِ بَدَنِهِ، أَو نَهْكِ (6) قُوَاهُ، حَتَّى لَا يقدر على الاكتساب على أَهله (7)، أَو أَداءِ فَرَائِضِهِ عَلَى وَجْهِهَا، أَو الْجِهَادِ، أَو طَلَبِ الْعِلْمِ، كَمَا نَبَّه عَلَيْهِ حَدِيثُ داود عليه السلام (8): أَنه كان يصوم يوما وَيُفْطِرُ يَوْمًا (9)، وَلَا يَفِرُّ إِذا لَاقَى.
وَقَدْ جاءَ فِي مَفْرُوضِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ مِنَ التَّخْيِيرِ مَا جاءَ، ثُمَّ إِن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامَ الْفَتْحِ:"إِنكم قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عدوِّكم، وَالْفِطْرُ أَقوى لَكُمْ". قَالَ أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: فأَصبحنا مِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ. قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزَلًا، فَقَالَ:"إِنكم تصبِّحون عدوَّكم وَالْفِطْرُ أَقوى لَكُمْ، فأَفطروا". قَالَ: فَكَانَتْ عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (10).
وَهَذِهِ إِشارة إِلى أَن الصِّيَامَ رُبَّمَا أَضعف عَنْ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَعَمَلِ الْجِهَادِ، فَصِيَامُ النفل أَولى بهذا الحكم.
(1) في (ر) و (غ): "إلى الحرج".
(2)
تقدم تخريجه (ص166).
(3)
في (خ) و (م): "حقوق".
(4)
في (خ): "والقيام".
(5)
في (غ) و (ر): "وما أشبه".
(6)
في (غ) و (ر): "ونهك".
(7)
في (خ): "لأهله".
(8)
تقدم تخريجه (ص157).
(9)
قوله: "يوماً" الثاني سقط من (خ).
(10)
أخرجه مسلم (1120) من حديث أبي سعيد.
وعن (1) جَابِرٍ رضي الله عنه: أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رأَى رَجُلًا يُظَلَّل عَلَيْهِ، وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"(2)؛ يَعْنِي: أَن الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ وإِن كان واجباً، ليس بِرّاً (3)، إِذا بلغ به الإِنسان إلى (4) ذَلِكَ الْحَدَّ، مَعَ وُجُودِ الرُّخْصَةِ. فَالرُّخْصَةُ إِذاً مَطْلُوبَةٌ فِي مِثْلِهِ، بِحَيْثُ تَصِيرُ بِهِ (5) آكَدَ مِنْ أَداءِ الْوَاجِبِ، فَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي أَصله أَولى.
فَالْحَاصِلُ (6) أَن كُلَّ (7) مَنْ أَلزم نَفْسَهُ شَيْئًا يَشُقُّ عَلَيْهِ (8)، فَلَمْ يأْت طَرِيقَ البِرِّ على حَدِّه.
(1) قوله: "وعن" في موضعه بياض في (غ).
(2)
أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115).
(3)
في (خ) و (م): "ليس برّاً في السفر".
(4)
قوله: "إلى" ليس في (خ) و (م).
(5)
قوله: "به" ليس في (غ) و (ر).
(6)
في (غ) و (ر): "فحصل".
(7)
قوله: "كل" ليس في (غ) و (ر)، وقوله:"أن كل" ملحق في (م).
(8)
علق رشيد رضا هنا بقوله: جملة "يشق عليه" خبر إن، بمعنى: أن الإلزام يستتبع المشقة دائماً، ولكن تقدم ما ينافي الكلية. وقوله:"فلم يأت" إلخ: عطف للماضي على المستقبل، ولعل في العبارة تحريفاً. اهـ.