الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ
وَذَلِكَ أَنه وقعت نازلة بإمام (1) مسجدٍ تَرَك مَا عَلَيْهِ النَّاسُ بالأَندلس؛ مِنَ الدعاءِ لِلنَّاسِ بِآثَارِ الصَّلَوَاتِ بِالْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ عَلَى الدَّوَامِ ـ وَهُوَ أَيضاً مَعْهُودٌ فِي أَكثر الْبِلَادِ، فإِن الإِمام إِذا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ يَدْعُو لِلنَّاسِ ويؤمِّن الْحَاضِرُونَ ـ، وَزَعَمَ التَّارِك أَن تَرْكَهُ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنه لَمْ يَكُنْ مِنْ (2) فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولا فعل الأَئمة بعده؛ حَسْبَمَا نَقَلَهُ العلماءُ فِي دَوَاوِينِهِمْ عَنِ السَّلَفِ والفقهاءِ.
أَما أَنه لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَظَاهِرٌ؛ لأَن حَالَهُ عليه السلام فِي أَدبار الصَّلَوَاتِ ـ مكتوبات أَو نوافل ـ كان بَيْنَ أَمرين: إِما أَن يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرًا هُوَ فِي العُرف غَيْرُ دُعَاءٍ، فَلَيْسَ لِلْجَمَاعَةِ مِنْهُ حَظٌّ، إِلا أَن يَقُولُوا مِثْلَ قَوْلِهِ، أَو نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ؛ كَمَا فِي غَيْرِ أَدبار الصَّلَوَاتِ؛ كَمَا جاءَ أَنه كَانَ (3) يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ:"لَا إِله إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعطيت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَتْ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"(4).
وَقَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ أَنت السَّلَامُ، وَمِنْكَ السلام تباركت ذا (5) الجلال
(1) في (خ) و (م): "إمام".
(2)
قوله: "من" ليس في (خ) و (م).
(3)
قوله: "كان" ليس في (غ) و (ر).
(4)
أخرجه البخاري (844)، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة.
(5)
في (خ) و (م): "تباركت وتعاليت يا ذا".
والإِكرام" (1).
وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * (2) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ *} {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3)، ونحو ذلك، فإِنما كان يقوله فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ كَسَائِرِ الأَذكار، فَمَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ فَحَسَنٌ، وَلَا يُمْكِنُ فِي هَذَا كله هيئة اجتماع.
وإِن كان دعاءً فَعَامَّةُ مَا جاءَ مِنْ دَعَائِهِ عليه السلام بَعْدَ الصَّلَاةِ ـ مِمَّا سُمِعَ مِنْهُ ـ إِنما كَانَ يَخُصُّ بِهِ نَفْسَهُ دُونَ الْحَاضِرِينَ، كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ (4) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ
…
، الْحَدِيثَ، إِلى قَوْلِهِ: وَيَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أَسررت وَمَا أَعلنت، أَنت إِلهي (5) لَا إِله إِلا أَنت". حسن صحيح (6).
(1) أخرجه مسلم (591) من حديث ثوبان، و (592) من حديث عائشة، وهو موافق لسياق نسختي (ر) و (غ)، وأما ما جاء في (خ) و (م) من زيادة:"وتعاليت"، فلم أجده في شيء من طرق هذا الحديث، فأظنه خطأ من الناسخين بسبب ما اعتاده العامة من ذكر هذه الزيادة غير الصحيحة في هذا الذكر.
(2)
إلى هنا انتهى ذكر الآية في (خ) و (م)، وبعده قال:"الآية".
(3)
الآيات: (180 و181 و182) من سورة الصافات.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 303)، والطيالسي (2312)، وعبد بن حميد (952) و (954)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(190/بغية الباحث)، وأبو يعلى (1118)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان"(2/ 31)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(119)، والطبراني في "الدعاء"(651)، والخطيب في "التاريخ"(13/ 138) وفي "الموضح"(2/ 485)، والحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار"(2/ 288)، من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم من الصلاة قال ـ ثلاث مرات ـ:
…
، فذكر الآيات.
وأبو هارون العبدي: متروك، ومنهم من كذبه كما في "التقريب"(4874).
(4)
برقم (3423)، وهو في مسلم (201) و (202) فكان عزوه له أولى.
(5)
قوله: "أنت إلهي" سقط من (غ) و (ر).
(6)
هذا كلام الترمذي، والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" كما تقدم.
وَفِي رِوَايَةِ أَبي دَاوُدَ (1): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: "اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِي مَا قدَّمت، وَمَا أَخَّرت، وَمَا أَسررت، وَمَا أَعلنت، وَمَا أَسرفت، وَمَا أَنت أَعلم بِهِ مِنِّي، أَنت الْمُقَدِّم، وأَنت المُؤَخِّر، لَا إِله إِلا أَنت".
وخرَّج أَبو دَاوُدَ (2): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول دُبُرَ صلاته (3): "اللَّهُمَّ ربَّنا وربَّ كُلِّ شيءٍ، أَنا شَهِيدٌ [أَنك أَنت الرب وحدَكَ لا شريكَ لك، اللَّهُمَّ ربَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنا شَهِيدٌ] (4) أَن مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، اللَّهُمَّ ربَّنا وَرَبَّ كُلِّ شيءٍ، أَنا شَهِيدٌ أَن الْعِبَادَ كلَّهم إِخوة، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ (5) شيءٍ اجْعَلْنِي مُخْلَصًا لَكَ وأَهلي فِي كُلِّ سَاعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يَا ذَا الْجَلَالِ والإِكرام، اسْمَعْ واستجب، الله أَكبر الأكبر (6)، الله نور السموات والأَرض، الله أَكبر الأَكبر (7)، حسبي الله ونعم الوكيل".
ولأَبي داود في الباب (8): "رَبِّ أَعنِّي وَلَا تُعِنْ عليَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عليَّ (9)، وامْكُرْ لي ولا تَمْكُر (10) عليَّ، واهدني ويَسِّر هدايَ إِليَّ،
(1) في "سننه" برقم (756).
(2)
في "سننه" برقم (1503). وأخرجه أحمد (4/ 369)، والنسائي في "الكبرى"(9929)، وأبو يعلى (7216) والطبراني في "الكبير"(5122) وابن السني (114)، والبيهقي في "الشعب"(1/ 433) من طريق داود الطُّفاوي، عن أبي مسلم البجلي، عن زيد بن أرقم
…
، فذكره.
وإسناده ضعيف؛ داود هو: ابن راشد الطفاوي، قال ابن معين: ليس بشيء.
وقال الحافظ في "التقريب": (1793)"لين الحديث".
وأبو مسلم البجلي لا يعرف كما قال الذهبي في "الميزان"(10604).
(3)
في (غ) و (م): "كل صلاته"، وفي (خ):"كل صلاة".
(4)
ما بين المعقوفين سقط من جميع النسخ، فاستدركته من "سنن أبي داود".
(5)
قوله: "كل" سقط من (م).
(6)
في (خ) و (م): "الله أكبر، الله أكبر".
(7)
في (خ) و (م): "الله أكبر، الله أكبر".
(8)
قوله: "الباب" سقط من (خ) و (م)، واجتهد رشيد رضا فوضع بدلاً منه:"رواية"، وعلق عليها بقوله: حذف لفظ "رواية" من نسختنا. اهـ.
(9)
قوله: "علي" سقط من (ر).
(10)
في (خ) و (م): "وأمكن لي ولا تمكن عليّ" والمثبت من (ر) و (غ)، وهو الموافق لما في "سنن أبي داود".
وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عليَّ
…
" إِلى آخَرَ الْحَدِيثِ (1).
وَفِي النَّسَائِيِّ (2) أَنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في دبر الفجر إِذا
(1) أخرجه أبو داود (1510)، وابن أبي شيبة (10/ 280 ـ 281)، وعبد بن حميد (717)، وأحمد (1/ 227)، والبخاري في "الأدب المفرد"(664) و (665)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3830)، والنسائي في "الكبرى"(10443)، وابن أبي عاصم في "السنة"(384)، وابن حبان (947) و (948)، والطبراني في "الدعاء"(1411)، والحاكم (1/ 519 ـ 520)، جميعهم من طريق طليق بن قيس، عن ابن عباس، به.
وسنده صحيح، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(2)
في "الكبرى"(9930)، وكذا أخرجه الطيالسي (1710)، وابن أبي شيبة (10/ 234)، وأحمد (6/ 305، 318، 322) وابن ماجه (915)، وغيرهم من طريق موسى بن أبي عائشة، عن مولى لأم سلمة، عن أم سلمة به.
وإسناده ضعيف لجهالة مولى أم سلمة.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 114): "هذا إسناد رجاله ثقات، خلا مولى أم سلمة فإنه لم يُسَمّ، ولم أر أحداً ممن صنف في المبهمات ذكره، ولا أدري ما حاله". اهـ.
وأخرجه الدارقطني في "الأفراد" كما في "النكت الظراف" للحافظ ابن حجر (13/ 46)، ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 39)، عن المحاملي، عن أحمد بن إدريس المخرمي، حدثنا شاذان، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أم سلمة.
قال الدارقطني: لم يقل فيه: "عن عبد الله بن شداد" عدا المخرمي عن شاذان. اهـ.
قال الخطيب: غيره يرويه عن سفيان، عن موسى، عن مولى لأم سلمة.
قلت: وأحمد بن إدريس الذي في سنده ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ثم هو مخالف لرواية أصحاب سفيان الثقات أمثال وكيع وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق حيث رووه على الوجه المتقدم، خلا عبد الرحمن بن مهدي حيث قال: عن سفيان، عن موسى، عمَّن سمع أم سلمة؛ كما عند أحمد في "المسند"(6/ 318).
ولم أقف في مصادر ترجمة عبد الله بن شداد على وصفه بأنه مولى لأم سلمة.
وأخرجه الطبراني في "الصغير"(735) من طريق عامر بن إبراهيم، عن النعمان بن عبد السلام، عن سفيان، عن الشعبي، عن أم سلمة به.
قال الطبراني: "لم يروه عن سفيان إلا النعمان، تفرد به عامر".
قلت: الصواب من حديث سفيان: ما رواه أصحابه الثقات كما مضى، ثم الشعبي لا يُعرف له سماع من أم سلمة، والله أعلم.
صَلَّى: "اللَّهُمَّ إِني (1) أَسأَلك عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقًا طَيِّبًا".
وَعَنْ بَعْضِ الأَنصار قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِي، وتُبْ عليَّ إِنك أَنت التَّوَّابُ الْغَفُورُ (2)
…
"، حَتَّى بلغ (3) مِائَةَ مَرَّةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَن هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الضُّحَى (4).
فتأَملوا سِيَاقَ هَذِهِ الأَدعية كلِّها مَسَاقَ تَخْصِيصِ نَفْسِهِ بِهَا دُونَ النَّاسِ، أفيكون (5) مِثْلَ هَذَا حُجَّةً لِفِعْلِ النَّاسِ الْيَوْمَ؟! إِلا أَن يُقَالَ: قَدْ جاءَ الدعاءُ لِلنَّاسِ فِي مَوَاطِنَ، كَمَا فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي اسْتَسْقَى فِيهَا للناس (6)، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: نَعَمْ! فأَين الْتِزَامُ ذَلِكَ جهراً للحاضرين في دبر كل صلاة؟
(1) في (غ): "إنك".
(2)
في (غ): "الرحيم" بدل "الغفور"، وكذا كانت في (ر)، ثم صوبت في الهامش.
(3)
في (خ) و (م): "يبلغ".
(4)
هذا الحديث يرويه حصين بن عبد الرحمن السلمي، واختلف عليه فيه: فرواه شعبة، وابن فضيل، وعباد بن العوام، وعبد العزيز بن مسلم، عن هلال بن يِسَاف، عن زاذان، عن رجل من الأنصار به.
أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 34)، وأحمد (5/ 371)، والنسائي في الكبرى (6/ 31) رقم (9931) و (9932) و (9933) و (9934).
وصرح زاذان بالتحديث عند ابن أبي شيبة والنسائي.
وإسناده صحيح، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 143):"رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح".
وخالفهم خالد بن عبد الله، فرواه عن حصين، عن هلال، عن زاذان، عن عائشة.
أخرجه النسائي في "الكبرى"(9935).
قال النسائي عقبه: حديث شعبة، وعبد العزيز بن مسلم، وعباد بن العوام أولى عندنا بالصواب من حديث خالد وبالله التوفيق. وقد كان حصين بن عبد الرحمن اختلط في آخر عمره. اهـ.
قلت: اختلاط حصين بن عبد الرحمن لا يضر هنا، فشعبة ممن روى عنه قبل الاختلاط، وكذا خالد بن عبد الله، فعاد الأمر إلى ترجيح رواية شعبة ومن معه على رواية خالد لكثرة عددهم أولاً، ولأن شعبة أحفظ من خالد ثانياً، والله أعلم.
(5)
في (خ) و (م): "فيكون".
(6)
قوله: "للناس" ليس في (خ) و (م).
وخطبته صلى الله عليه وسلم التي استسقى فيها للناس أخرج حديثها البخاري في "صحيحه"(932)، ومسلم (897).
ثُمَّ نَقُولُ: إِن العلماءَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ الدعاءِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ عَلَى إِثْرِ الصَّلَاةِ: إِنه مُسْتَحَبٌّ، لَا سُنَّةٌ وَلَا وَاجِبٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَمرين:
أَحَدُهُمَا: أَن هَذِهِ الأَدعية لَمْ تكن منه عليه السلام عَلَى الدَّوَامِ.
وَالثَّانِي: أَنه لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا، وَلَا يُظْهِرُهَا لِلنَّاسِ فِي غَيْرِ مُوَاطِنِ التَّعْلِيمِ، إِذ لَوْ كَانَتْ عَلَى الدَّوَامِ وَعَلَى الإِظهار لَكَانَتْ سُنَّةً، وَلَمْ يسعِ العلماءَ أَن يقولوا فيها بغير السنة، إِذ خاصية السنة (1) ـ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ ـ: الدَّوَامُ والإِظهار فِي مَجَامِعِ النَّاسِ. وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ عليه السلام سِرًّا لَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ، لأَنا نَقُولُ: مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الإِسرار فَلَا بُدَّ أَن يَظْهَرَ منه، أَو يظهر منه وَلَوْ مَرَّةً، إِما بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وإِما (2) بِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى التَّشْرِيعِ.
فإِن قِيلَ: ظَوَاهِرُ الأَحاديث (3) تدل على الدوام (4)؛ بِقَوْلِ الرُّوَاةِ: "كَانَ يَفْعَلُ"، فإِنه يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ؛ كَقَوْلِهِمْ:"كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضِّيفَانِ". قُلْنَا: ليس كذلك، بل تطلق (5) على الدوام، وعلى الكثرة (6) وَالتَّكْرَارِ عَلَى الْجُمْلَةِ، كَمَا جاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ (7).
وَرَوَتْ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عليه الصلاة والسلام يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ من غير أَن يَمَسَّ ماء (8).
(1) في (خ) و (م): " إذ خاصيته".
(2)
قوله: "وإما" ليس في (خ) و (م)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: يظهر أن في العبارة تحريفاً وحذفاً، ولعل الأصل:"فلا بدّ أن يظهر منه إِمَّا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَإِمَّا بِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى التشريع".اهـ.
(3)
في (ر) و (غ): "الحديث".
(4)
في (خ) و (م): "على أن الدوام".
(5)
كذا في (غ) و (ر)، وفي (خ) و (م):"يطلق"، والمثبت أصوب؛ لأن الضمير يعود على ظواهر الأحاديث التي يتكلم عنها المؤلف.
(6)
في (خ): "الكثير" وفي (م): "الكثر".
(7)
أخرجه البخاري (286) ومسلم (305).
(8)
أخرجه أبو داود (228)، والترمذي (118)، وابن ماجه (581 ـ 583)، والنسائي في "الكبرى"(9052 ـ 9054) وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عائشة، به.
وأعله يزيد بن هارون، وأحمد وغيرهما، يرون أنه غلط من أبي إسحاق. انظر تفصيل ذلك في "الإمام" لابن دقيق العيد (3/ 87).
بل قد تأتي (1) فِي بَعْضِ الأَحاديث: "كَانَ يَفْعَلُ" فِيمَا لَمْ يَفْعَلْهُ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، نَصَّ عَلَيْهِ أَهل الْحَدِيثِ (2).
وَلَوْ كَانَ يُدَاوِمُ (3) الْمُدَاوَمَةَ التَّامَّةَ لَلَحِقَ بِالسُّنَنِ؛ كَالْوَتْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ سُلِّم، فأَين هَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِ؟
فَقَدْ حَصَلَ أَن الدُّعَاءَ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ دَائِمًا لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا لَمْ يَكُنْ من (4) قوله، ولا من (3) إِقراره.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ (5) مِنْ حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ: أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُث إِذا سَلَّم يَسِيرًا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَتَّى ينصرف النساء (6) فِيمَا نَرَى.
وَفِي مُسْلِمٍ (7) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (8) كَانَ إِذا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنت (9) السَّلَامُ وَمِنْكَ السلام تباركت ذَا (10) الْجَلَالِ والإِكرام".
وأَما فِعْلُ الأَئمة بَعْدَهُ: فَقَدْ نَقَلَ الفقهاءُ مِنْ حَدِيثِ أَنس ـ فِي غير كتب الصحيح ـ: صلّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ إِذا سَلَّمَ (11) يَقُومُ، وَصَلَّيْتُ خَلَفَ أَبي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَكَانَ إِذا سَلَّمَ وَثَبَ كأَنه عَلَى رَضْفَةٍ (12)؛ يَعْنِي: الحَجَر المُحْمَى.
(1) في (خ) و (م): "يأتي"، والمثبت من (غ) و (ر)، وهو أصوب؛ لأن الضمير يعود إلى ظواهر الأحاديث أيضاً.
(2)
انظر "فتح الباري"(2/ 247)، و"توضيح الأفكار"(1/ 279).
(3)
علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: أي: على ما ذكر من الأدعية والأذكار، ويوشك أن يكون قد سقط من الناسخ ما يدل على ذلك. اهـ.
(4)
قوله: "من" ليس في (خ) و (م).
(5)
برقم (849) و (875).
(6)
في (خ) و (م): "الناس".
(7)
برقم (592)، وتقدم (ص244).
(8)
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم" ليس في (خ).
(9)
في (ر) و (غ): "إنك أنت".
(10)
في (خ) و (م): "يا ذا".
(11)
في (ر) و (غ): "فكان يسلم".
(12)
أخرجه عبد الرزاق (3231) عن ابن جريج؛ حُدِّثت عن أنس، به.
وإسناده ضعيف لإبهام شيخ ابن جريج. وسمّاه عبدُ الله بن فرّوخ عطاءً؛ ولا يثبت:
أخرجه ابن خزيمة (1717)، وابن عدي (4/ 199 ـ 200)، والطبراني في "الكبير"(1/ 252 رقم 727)، والحاكم (1/ 216)، وعنه البيهقي (2/ 182)، وأخرجه الضياء في "المختارة"(2334)(2335) جميعهم من طريق عبد الله بن فرّوخ، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أنس.=
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ الصِّقِلِّي عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ خَارِجَةَ: أَنه كَانَ يَعِيب عَلَى الأَئمة قعودَهم بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَالَ: إِنما كَانَتِ الأَئمة سَاعَةَ تسلِّم (1) تَقُومُ (2).
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جُلُوسُهُ بدعة (3).
=قال الحاكم: "هذا حديث صحيح رواته [ثقات] غير عبد الله بن فرّوخ؛ فإنهما لم يخرجاه، لا لجرح فيه، وهذه سنة مستعملة لا أحفظ لها غير هذا الإسناد".
فتعقبه الذهبي بقوله: "قال البخاري يعرف وينكر. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة".
وقال البيهقي: "تفرد به عبد الله بن فرّوخ المصري، وله أفراد، والله أعلم، والمشهور: عن أبي الضحى، عن مسروق: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا سلم قام كأنه جالس على الرضف، وروينا أنه سلم ثم قام" اهـ.
وقال الهيثمي في "المجمع"(2/ 146): "وفيه عبد الله بن فروخ، قال إبراهيم الجوزجاني: أحاديثه مناكير".
وأخرجه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" رقم (227) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح، عن سعيد بن أبي مريم، وعمرو بن الربيع بن طارق، كلاهما عن ابن فرّوخ، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به.
وسنده ضعيف لمخالفة يحيى بن عثمان لباقي الرواة الذين جعلوه عن أنس، ويحيى هذا صدوق، لكن ليّنه بعضهم لكونه حدّث من غير أصله؛ كما في "التقريب"(7655).
ورواية مسروق التي أشار إليها البيهقي أخرجها عبد الرزاق (3214)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 270).
ورواية مسروق عن أبي بكر مرسلة. انظر "جامع التحصيل" صفحة (277).
(1)
في (خ) و (م): "يسلم".
(2)
الأثر في "المدونة"(1/ 135) من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد؛ أن أبا الزناد أخبره؛ قال: سمعت خارجة بن زيد بن ثابت يعيب على الأئمة قعودهم بعد التسليم، وقال: إنما كانت الأئمة ساعة تسلم تنقلع مكانها.
وهذا سند صحيح.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2/ 182) من طريق ابن جريج؛ أخبرني زياد، عن أبي الزناد؛ قال: سمعت خارجة
…
، فذكره.
(3)
كذا ذكره الشاطبي هنا عن ابن عمر!! وهو مذكور في "المدونة"(1/ 135) عن ابن وهب؛ قال: بلغني عن أبي بكر الصديق أنه كان إذا سلم لكأنه على الرضف حتى يقوم، وأن عمر بن الخطاب قال: جلوسه بعد السلام بدعة.
ولما ذكر البيهقي في الموضع السابق أثر خارجة بن زيد المتقدم؛ قال: "وروينا عن=
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (1) رضي الله عنه قَالَ: لأَن يَجْلِسَ عَلَى الرَّضْف (2) خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُدَوَّنَةِ"(3): إِذا سَلَّمَ فَلْيَقُمْ وَلَا يَقْعُدْ، إِلا أَن يَكُونَ فِي سفرٍ أَو فِي فِنَائِه.
وعدَّ الفقهاءُ إِسراع الْقِيَامِ سَاعَةَ يُسَلِّمُ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ، وَوَجَّهُوا ذَلِكَ بأَن جُلُوسَهُ هُنَالِكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ كبر وترفُّعٌ على الجماعة، وانفراده بموضع عَنْهُمْ يَرى بِهِ الداخلُ أَنه إِمامهم، وأَما انفراده به حال (4) الصلاة فضرورة (5).
قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الَّذِينَ اسْتَفَدْنَا بِهِمْ (6): وإِذا كَانَ هَذَا فِي انْفِرَادِهِ فِي الْمَوْضِعِ، فَكَيْفَ بِمَا انْضَافَ إِليه مِنْ تقدُّمه أَمامهم فِي التوسُّل بِهِ بالدعاءِ وَالرَّغْبَةِ، وتأْمينهم عَلَى دُعَائِهِ جَهْرًا؟ قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا حَسَنًا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم، وَلَمْ يَنقل ذَلِكَ (7) أَحد مِنَ العلماءِ، مَعَ تَوَاطُئِهِمْ (8) عَلَى نَقْلِ جَمِيعِ أُموره، حَتَّى: هَلْ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ عَنِ الْيَمِينِ؟ أَو عَنِ (9) الشِّمَالِ؟
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّال (10) عَنْ علماءِ السَّلَفِ إِنكارَ ذَلِكَ، وَالتَّشْدِيدَ فِيهِ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
=الشعبي وإبراهيم النخعي أنهما كرهاه، ويُذكر عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، والله تعالى أعلم" اهـ. وقد ذكر ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 462) أن ابن عمر قال:"الإمام إذا سلم قام"، ثم نقل عن عمر قوله:"جلوس الإمام بعد السلام بدعة".
(1)
أخرجه في "المدونة"(1/ 135) عن ابن وهب؛ قال: قال ابن مسعود: يَجْلِسَ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وسنده معضل بين ابن وهب وابن مسعود.
(2)
الرَّضْفُ: الحجارة المُحْماة كما في "النهاية"(2/ 231)، وتقدم (ص266) بيان المصنف لمعناها.
(3)
(1/ 135).
(4)
في (غ) و (ر): "حالة".
(5)
في (خ) و (م): "فضروري".
(6)
في (خ): "منهم" وكتب فوقها "صح".
(7)
قوله: "ذلك" ليس في (خ)، ولذا علق رشيد رضا على موضعه بقوله: الظاهر أنه قد سقط من الكلام مفعول قوله: "ولم يقل"، ولعل الأصل:"ولم ينقل ذلك أحد من العلماء".اهـ.
(8)
في (ر) و (غ): "تواظبهم".
(9)
في (ر) و (غ): "على اليمين أو على".
(10)
في "شرح صحيح البخاري"(2/ 461 ـ 462).
هَذَا مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ بَعْدَ أَن جَعَلَ الدعاءَ بإِثر الصَّلَاةِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ دَائِمًا بِدْعَةً قَبِيحَةً، وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ الأَول بسرعة القيام للانصراف (1)؛ لأَنه مُنَافٍ للدعاءِ لَهُمْ وتأْمينهم عَلَى دُعَائِهِ، بِخِلَافِ الذِّكْر، وَدُعَاءِ الإِنسان لِنَفْسِهِ، فإِن الِانْصِرَافَ وَذَهَابَ الإِنسان لِحَاجَتِهِ غَيْرُ منافٍ لَهُمَا.
فَبَلَغَتِ الْكَائِنَةُ (2) بَعْضَ شُيُوخِ الْعَصْرِ فَرَدَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمام رَدًّا أَقْذَعَ (3) فِيهِ، عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ (4) الرَّاسِخُونَ، وَبَلَغَ مِنَ الرَّدِّ ـ بِزَعْمِهِ (5) ـ إِلى أَقصى غَايَةِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ بأُمور إِذا تأَمّلها الفَطِن عَرَفَ مَا فِيهَا، كالأَمر بالدعاءِ إِثر الصَّلَاةِ قُرْآنًا وَسُنَّةً، وَهُوَ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ لَا دَلِيلَ فِيهِ، ثُمَّ ضَمَّ إِلى ذَلِكَ جَوَازَ الدعاءِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ، لا فِي (6) أَدبار الصَّلَوَاتِ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَيضاً ـ كما تقدم ـ؛ لاختلاف المَنَاطَيْن (7).
وأَما فِي التَّفْصِيلِ: فَزَعَمَ أَنه مَا زَالَ (8) مَعْمُولًا بِهِ فِي جَمِيعِ أَقطار الأَرض ـ أَو فِي جُلِّها (9) ـ مِنَ الأَئمة فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، إِلا نَكِيرَ أَبي عَبْدِ الله البارُوني (10)، ثم أَخذ في ذَمِّه.
(1) في (خ): "والانصراف"، وفي (م):"الانصراف".
(2)
أي: الواقعة التي ذكرها في أول الفصل (ص260). وعلق رشيد رضا هنا بقوله: المراد بالكائنة: الواقعة التي ذكرها في أول الفصل من ترك بعض أئمة الصلاة ما جرى عليه الناس من دعاء الإمام وتأمين الناس. اهـ.
(3)
في (م): "أمرع"، ويشبه أن تكون كذلك في (خ).
(4)
في (غ) و (ر): "على خلاف ما فعله".
(5)
في (خ): "على زعمه".
(6)
في (خ) و (م): "إلا في".
(7)
في (خ) و (م): "المتأصلين".
(8)
في (ر) و (غ): "مازل".
(9)
قوله: "أو في جلها" ليس في (غ).
(10)
قوله: "الباروني" ليس في (خ).
والباروني هو: محمد بن الحسن بن محمد اليحصبي، نزيل تلمسان. قال ابن الخطيب: كان من صدور الفقهاء، حسن التعليم، أخذ عن القاضي أبي الحسن الصغير وأبي زيد الجزولي وغيرهما، ودرس في غرناطة وسبتة وغيرهما. وكانت فيه خدمة وجرت عليه بسببها محنة. مات بتلمسان سنة (734).
انظر: "الدرر الكامنة" للحافظ ابن حجر (5/ 165).
وهذا النقل تَجَوُّزٌ (1) بِلَا شَكٍّ؛ لأَنه نَقْلُ إِجماعٍ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ والمُحْتَجّ بِهِ (2) ـ قَبْلَ الْتِزَامِ عُهْدَتِهِ ـ أَن يبحث عنه بحث أَهل العلم (3) عَنِ الإِجماع؛ لأَنه لَا بُدَّ مِنَ النَّقْلِ عَنْ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الأُمة، مِنْ أَول زَمَانِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلى الْآنِ، هَذَا أَمر مَقْطُوعٌ بِهِ. وَلَا خِلَافَ أَنه لَا اعْتِبَارَ بإِجماع الْعَوَامِّ وإِن ادَّعَوُا الإِمامة.
وَقَوْلُهُ: "مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ": تَجَوُّزٌ، بَلْ مَا زَالَ الإِنكار عَلَيْهِمْ مِنَ الأَئمة. فَقَدْ نَقَلَ الطَّرْطُوشِي (4) عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَشياء تخدم المسأَلة، فحصل إِنكار مالك لما فِي زَمَانِهِ، وإِنكار الإِمام الطَّرْطُوشِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَاتَّبَعَ هَذَا أَصحابه، وَهَذَا أَصحابه. ثُمَّ القَرَافي (5) قَدْ عَدَّ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مذهب مالك، وسلّمه وَلَمْ يُنْكِرْهُ (6) عَلَيْهِ أَهلُ زَمَانِهِ ـ فِيمَا نَعْلَمُهُ ـ، مَعَ زَعْمِهِ أَن مِنَ الْبِدَعِ مَا هُوَ حَسَنٌ.
ثُمَّ الشُّيُوخُ الَّذِينَ كَانُوا بالأَندلس حِينَ دَخَلَتْها هَذِهِ الْبِدْعَةُ ـ حَسْبَمَا يُذْكَرُ بِحَوْلِ اللَّهِ ـ قد أَنكروها، وكان من معتقدهم في تركها (7): أَنه مذهب مالك. وكان الزاهد أَبو عبد الله ابن مُجَاهِدٍ (8) وَتِلْمِيذُهُ أَبو عَمْرَانَ المِيْرَتُلِّي (9) ـ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ـ مُلْتَزِمَيْنِ لِتَرْكِهَا، حَتَّى اتَّفَقَ لِلشَّيْخِ أَبي عَبْدِ الله في ذلك ما سيذكر (10) إِن شاءَ الله (11).
(1) في (خ): "تهور".
(2)
قوله: "به" ليس في (غ) و (ر).
(3)
قوله: "العلم" سقط من (خ) و (م). وقوله: "أهل" يشبه أن تكون "أصل" في (خ).
(4)
في "الحوادث والبدع" صفحة (65 ـ 66).
(5)
في "الفروق"(4/ 491) في الفرق الرابع والسبعين بعد المئتين، وهو آخر الفروق.
(6)
في (ر) و (غ): "ينكر".
(7)
في (خ) و (م): "في ذلك".
(8)
هو: الزاهد القدوة: محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري، أبو عبد الله ابن المجاهد الأشبيلي، الأندلسي، قرأ العربية، ولازم أبا بكر ابن العربي مدة، وتوفي سنة أربع وسبعين وخمس مئة، عن بضع وثمانين سنة. ترجمته في "العبر"(3/ 66)، و"السير"(20/ 543).
(9)
هو: الإمام العارف، زاهد الأندلس، أبو عمران موسى بن حسين بن موسى بن عمران القيسي، الميْرَتُلّي، صاحب الشيخ أبي عبد الله ابن المجاهد، توفي سنة أربع وست مئة، عن اثنتين وثمانين سنة. ترجمته في "السير"(21/ 478 رقم 242)، و"تاريخ الإسلام"(ص164 رقم 217/وفيات 601 ـ 610).
(10)
في (م): "ما سيذكره"، وفي (خ) يشبه أن تكون:"ما سنذكره".
(11)
انظر المجلد الثالث (ص231).
قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ـ رَادًّا عَلَى بَعْضِ مَنْ نصر هذا العمل: بأَنا (1) قَدْ شَاهَدْنَا الأَئمة (2) الْفُقَهَاءَ الصُّلَحَاءَ، الْمُتَّبِعِينَ لِلسُّنَّةِ، المُتَحَفِّظين بأُمور دِينِهِمْ يَفْعَلُونَ (3) ذَلِكَ أَئمة ومأَمومين، وَلَمْ نَرَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ إِلا مَنْ شَذّ فِي أَحواله ـ، فَقَالَ (4): وأَما احْتِجَاجُ (5) مُنْكِرِ ذَلِكَ بأَن هَذَا لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ، فَلَمْ يأْت بشيءٍ؛ لأَن النَّاسَ الَّذِينَ يُقْتَدى بِهِمْ ثَبَتَ أَنهم لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ. قَالَ: ولما كثرت (6) البدع والمخالفات، وتواطَأَ النَّاسِ عَلَيْهَا؛ صَارَ الْجَاهِلُ (7) يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا مُنْكَرًا لَمَا فَعَلَهُ النَّاسُ. ثُمَّ حَكَى أَثر "الْمُوَطَّأِ"(8): "مَا أَعرف شَيْئًا مِمَّا أَدركت عَلَيْهِ النَّاسَ إِلا النداءَ بِالصَّلَاةِ". قَالَ: فإِذا كَانَ هَذَا فِي عَهْدِ التَّابِعِينَ يَقُولُ: كَثُرَتِ الإِحداثات، فَكَيْفَ بِزَمَانِنَا؟! ثُمَّ هَذَا الإِجماع لَوْ ثَبَتَ لَزِمَ مِنْهُ مَحْظُورٌ؛ لأَنه مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنِ الأَوّلين مِنْ تَرْكِهِ، فَصَارَ نَسْخُ إِجماع بإِجماع، وَهَذَا مُحَالٌ فِي الأُصول.
وأَيضاً فلا يكون (9) مُخَالَفَةُ المتأَخرين لإِجماع الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى سُنَّةٍ حُجَّةً عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ أَبداً، فَمَا أَشبه هَذِهِ المسأَلة بما حُكي عن أَبي علي بن شَاذَان (10)
(1) في (خ) و (م): "فإنا". والمعنى: أن من نصر هذا العمل يقول: إنا قد شاهدنا الأئمة
…
إلخ، وسيأتي الرد عليه.
(2)
في (خ): "العمل الأئمة"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: لعله: "من الأئمة".اهـ.
(3)
في (غ): "يفعل"، وفي (م):"يعفلون".
(4)
أي: الشيخ في ردّه.
(5)
في (خ): "اجتماع".
(6)
في (خ) و (م): "كانت" بدل "كثرت".
(7)
في (م): "الجهال".
(8)
ساقه الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ"(1/ 72) عن عمِّه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه؛ أنه قال
…
، فذكره.
(9)
في (غ) و (ر): "يجوز" بدل "يكون".
(10)
في (خ) و (م): "أبي علي بشاذان"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله:"شاذان لقب رجلين من رواة الحديث، أحدهما: الأسود بن عامر أبو عبد الرحمن الشامي، نزيل بغداد، مات سنة 208، وثانيهما عبد العزيز بن عثمان بن جبلة، مات سنة 221، وظاهر أن في عبارة نسختنا تحريفاً" اهـ. وليس ابن شاذان هذا واحداً ممن ذكر، بل هو: الإمام الفاضل، مسند العراق، أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، البغدادي، البزّاز. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(17/ 415 ـ 418).
وقد أخرج هذه الحكاية من طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(27/ 372).
بسند يرفعه إِلى عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ إِسحاق الجَعْفَري؛ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ـ يَعْنِي ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم يُكْثِرُ الْجُلُوسَ إِلى رَبِيعَةَ (2)، فَتَذَاكَرُوا (3) يَوْمًا [السنن](4)، فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى (5) هَذَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرأَيت إِن كَثُرَ الْجُهَّالُ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الحُكّام، أَفهم الْحُجَّةُ عَلَى السُّنَّة؟ فَقَالَ رَبِيعَةُ: أَشهد أَن هَذَا كَلَامُ أَبناء الأَنبياءِ. انْتَهَى.
إِلا أَني لا أَقول الجهال، بل (6) أَقول: أَرأَيت إِن كَثُرَ المُقَلِّدون، ثُمَّ أَحدثوا بِآرَائِهِمْ فَحَكَمُوا بِهَا، أَفهم الْحُجَّةُ عَلَى السُّنّة؟ لا (7) وَلَا كَرَامَةَ!
ثُمَّ عَضَّدَ مَا ادَّعَاهُ بأَشياء مِنْ جُملتها: قَوْلُهُ: وَمِنْ أَمثال النَّاسِ: "أَخطئ مَعَ النَّاسِ وَلَا تُصِبْ وَحْدَكَ"؛ أَي: إِن خطأَهم هُوَ الصَّوَابُ، وَصَوَابَكَ هُوَ الخطأُ.
قَالَ: وهو معنى (8) ما جاءَ في الحديث (9): "عليك بالجماعة، فإِنما يأْكل الذِّئبُ (10) القَاصِيَةَ"(11). فَجَعَلَ تاركَ الدُّعَاءِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ
(1) في (خ) و (م): "أبي عبد الله".
(2)
يعني ابن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي.
(3)
في (ر) و (غ): "فتذاكرا".
(4)
ما بين معقوفتين زيادة من "تاريخ دمشق".
(5)
قوله: "على" ليس في (خ) و (م)، ولذا علق رشيد رضا عليه بقوله: لعل الأصل: "ليس العمل على هذا"؛ أي: الذي تقولونه. اهـ.
(6)
قوله: "لا أقول الجهال بل" ليس في (خ) و (م).
(7)
قوله: "لا" ليس في (خ) و (م).
(8)
في (خ) و (م): "قال: ومعنى".
(9)
في (خ) و (م): "حديث".
(10)
قوله: "الذئب" سقط من (خ) و (م)، ولذا علق عليه رشيد رضا بقوله: لفظ الحديث: "فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".
(11)
أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(1034)، وأحمد (5/ 196) و (6/ 446)، وأبو داود (547)، والنسائي (2/ 106 ـ 107 رقم 847)، وابن خزيمة (1476)، وابن حبان (2101/الإحسان)، والبغوي (793)، والحاكم (1/ 211) و (2/ 482)، والبيهقي في "السنن"(3/ 54)، وفي "الشعب"(3/ 57)، جميعهم من طريق زائدة بن قدامة، عن السائب بن حُبيش، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة، إلا قد=
مُخَالِفًا للإِجماع ـ كَمَا تَرَى ـ، وَحَضَّ عَلَى اتِّبَاعِ النَّاسِ وَتَرْكِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:"لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ"(1)، وكُلُّ ذَلِكَ مَبْنيٌّ عَلَى الإِجماع الَّذِي ذَكَرُوا (2): أَن الْجَمَاعَةَ هُمْ جماعة الناس كيف كانوا، وسيأْتي (3) بيان (4) مَعْنَى الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الفِرَق، وأَنها المُتَّبِعَةُ للسُّنَّة وإِن كَانَتْ رَجُلًا وَاحِدًا فِي الْعَالَمِ.
قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (5): "لَا تعبأَ بِمَا يُفْرَضُ (6) مِنَ الْمَسَائِلِ، ويُدَّعى فِيهَا الصِّحَّة بمُجَرَّد التَّهْويل، أَو بِدَعْوَى أَن لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَقَائِلُ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُ أَحداً قَالَ فِيهَا بِالصِّحَّةِ فَضْلًا عَنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِيهَا، وَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا مِنَ الجَلِيَّات الَّتِي لَا يُعْذَرُ (7) المخالف فيها (8).
قَالَ: وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَالَ الإِمام أَحمد بن حنبل (9): "من
=استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية".
قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة.
قال الحاكم: هذا حديث صدوق رواته، شاهد لما تقدَّمه، متفق على الاحتجاج برواته، إلا السائب بن حبيش، وقد عُرِفَ من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات اهـ.
وإسناده حسن، فالسائب قال فيه الدارقطني: صالح الحديث، ووثقه ابن حبان والعجلي، وقال الذهبي في "الكاشف" (1788): صدوق، وصححه النووي في "الخلاصة" كما في "نصب الراية"(2/ 24).
(1)
أخرجه مسلم (432) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
علق رشيد رضا هنا بقوله: كذا في نسختنا، والظاهر أن الناسخ قد أسقط كلاماً من هذا الموضع، وأقل ما يفهم به الكلام أن يقال:"وأن الجماعة" إلخ. اهـ.
(3)
في الجزء الثالث (ص210) وانظر (206).
(4)
قوله: "بيان" ليس في (خ) و (م).
(5)
هو شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وكلامه هذا في "إقامة الدليل على بطلان التحليل" المطبوع ضمن "الفتاوى الكبرى" (3/ 370) أفاده الشيخ بكر أبو زيد في مقدمته لكتاب "الموافقات" للشاطبي (1/و). قال: وربما أن الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ لم يسمّه، ولم يسترسل بذكره والنقل عنه؛ اتقاءً لما وقع في الخُلوف من عداوته، والنفرة منه. اهـ.
(6)
في (خ) و (م): "يعرض".
(7)
في (خ): يشبه أن تكون: "لا يقدر".
(8)
قوله: "فيها" سقط من (خ) و (م)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله:"كذا في نسختنا".
(9)
أخرجه ابن حزم في "إحكام الأحكام"(4/ 573)، و"المحلى"(9/ 365)، و (10/ 422) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه.
ادَّعى الإِجماع فَهُوَ كَاذِبٌ، وإِنما هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ (1)، وَابْنِ عُلَيَّة (2)، يُرِيدُونَ أَن يُبْطِلُوا السُّنَنَ بِذَلِكَ". يَعْنِي أَحمد: أَن المتكلِّمين فِي الْفِقْهِ من (3) أَهل الْبِدَعِ إِذا نَاظَرْتَهُمْ بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالُوا: هَذَا خِلَافُ الإِجماع (4)، وَذَلِكَ الْقَوْلُ الَّذِي يُخَالِفُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَا يَحْفَظُونَهُ إِلا عَنْ بَعْضِ فقهاءِ أَهل (5) الْمَدِينَةِ أَوْ فقهاءِ (6) الْكُوفَةِ ـ مَثَلًا ـ، فيدَّعون الإِجماع مِنْ قلَّة مَعْرِفَتِهِمْ بأَقاويل العلماءِ، واجْتِرَائهم عَلَى رَدِّ السُّنن بالآراءِ، حتى كان بعضهم تُسْرَدُ عَلَيْهِ الأَحاديث الصَّحِيحَةُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَنَحْوِهِ من الأَحكام فلا يجد له (7) مُعْتَصَماً إِلا أَن يَقُولَ: هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحد مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ إِلا أَبا حنيفة أَو مالكاً (8)[وأصحابهما](9)، لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ لرأَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ مِمَّنْ (10) قَالَ بِذَلِكَ خَلْقًا كَثِيرًا" (11).
فَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِرشاد لِمَعْنَى مَا نَحْنُ فِيهِ، وأَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُنقل حُكْمٌ شَرْعِيٌّ عَنْ أَحد مِنْ أَهل الْعِلْمِ إِلا بَعْدَ تحقُّقه والتثبُّت؛ لأَنه مُخْبِرٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ، فإِياكم وَالتَّسَاهُلَ! فإِنه مَظِنَّة (12) الخروج عن الطريق الواضح إِلى البُنَيَّات (13).
(1) في (خ): "كفر" بدل "بشر".
وبشر هذا هو: ابن غياث المرِّيسي، الجهمي.
(2)
هو: إبراهيم بن إسماعيل بن علية، جهمي هالك، قال الشافعي: هو ضال. انظر ترجمته في "اللسان"(1/ 120).
(3)
في (خ) و (م): "على".
(4)
قوله: "الإجماع" سقط من (خ) و (م).
(5)
قوله: "أهل، ليس في (خ).
(6)
في (غ) و (ر): "وفقهاء".
(7)
في (خ) و (م): "لها".
(8)
في في (خ) و (م): "أو مالك".
(9)
ما بين المعقوفين زيادة من "الفتاوى الكبرى".
(10)
في (خ): "فمن".
(11)
إلى هنا انتهى النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية.
(12)
في (غ) و (ر): "فهو مظنة".
(13)
لم تنقط الباء والنون في (خ) و (م)، فأشبهت:"السيئات".
ثُمَّ عَدَّ مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي (1) مُخَالَفَةِ الْجُمْهُورِ: أَنه يرميهم بالتجهيل أو التضليل (2)، وهذه (3) دعوى على (4) مَنْ خَالَفَهُ فِيمَا قَالَ، وَعَلَى تَسْلِيمِهَا، فَلَيْسَتْ بمَفْسَدة عَلَى فَرْضِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَقَدْ جاءَ عَنِ السَّلَفِ الْحَضُّ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَقِّ، وَعَدَمِ (5) الاسْتِيحَاشِ مِنْ قِلَّةِ أَهله (6).
وأَيضاً فَمَنْ شَنَّع عَلَى الْمُبْتَدَعِ بِلَفْظِ الِابْتِدَاعِ، فأَطلق الْعِبَارَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلى الْمُجْتَمَعِينَ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ للدعاءِ (7) فِي غَيْرِ عَرَفَةَ
…
، إِلى نَظَائِرِهَا، فتَشْنِيعُهُ حَقّ كما نقوله (8) بِالنِّسْبَةِ إِلى بِشْرٍ المِرِّيسي ومَعْبدٍ الجُهَني وَفُلَانٍ وفلان، ولا نَدْخُلُ (9) بِذَلِكَ ـ إِن شاءَ اللَّهُ ـ فِي حَدِيثِ:"مَنْ قَالَ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُم"(10)؛ لأَن الْمُرَادَ أَن يَقُولَ ذَلِكَ ترفُّعاً عَلَى النَّاسِ وَاسْتِحْقَارًا، وأَما إِن قاله تَحَزُّناً وتحسُّراً عليهم (11) فلا بأْس.
قال بعضهم: ونحن نرجو أَن نُؤْجَرَ (12) عَلَى ذَلِكَ إِن شاءَ اللَّهُ.
فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ليس على وجهه (13).
(1) قوله: "في" سقط من (غ) و (ر).
(2)
في (خ) و (م): "والتضليل".
(3)
في (خ) و (م): "وهذا".
(4)
قوله: "على" ليس في (خ) و (م).
(5)
في (ر) و (غ): "وعن".
(6)
أخرج البيهقي في "الزهد"(238) من طريق أبي حاتم الرازي؛ ثنا أبو عبد الله النَّجَّار ـ ثقة ـ؛ قال: قال سفيان بن عينية: الْزَم الحق، ولا تستوحش لقلة أهله.
وأخرج أيضاً برقم (239) من طريق الحسن بن عمرو؛ قال: سمعت بشراً يقول: قال سفيان: اسلك طريق الحق، ولا تستوحش منه وإن كان أهله قليلاً.
وأخرجه أيضاً برقم (240) عن الحسين بن زياد قال: إنما رضيت بكلمة سمعتها من الفضيل بن عياض؛ قال الفضيل: لا تستوحش طريق الهدى لقلّة أهله، ولا تغترّ بكثرة الناس.
وأخرج الخطيب البغدادي في "تاريخه"(9/ 377) من طريق أحمد بن بشر بن سليمان الشيباني قال: كتب رجل إلى رجل: أما بعد: فليكن أوّل عملك الهداية بالطريق، ولا تستوحش لقلّة أهله، فإن إبراهيم كان أمة قانتاً لله، لا للملوك، فلا تستوحش مع الله، ولا تستأنس بغير الله.
(7)
انظر التفصيل فيه فيما يأتي (ص278)، وانظر (ص316 و355).
(8)
في (خ) و (م): "يقوله".
(9)
في (خ) و (م): "ولا يدخل".
(10)
أخرجه مسلم (2623).
(11)
قوله: "عليهم" ليس في (خ) و (م).
(12)
في (خ): "نعرج".
(13)
في (غ) و (ر): "وجه".
وعَدَّ مِنَ الْمَفَاسِدِ: الخوفَ مِنْ فَسَادِ نيَّته بِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ العُجْب والشُّهرة الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، فكأَنه يَقُولُ: اتْرُكْ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ فِي زَمَانِ الْغُرْبَةِ خَوْفَ الشُّهرة وَدُخُولِ العُجْب. وَهَذَا شَدِيدٌ مِنَ الْقَوْلِ، وَهُوَ مُعَارَض (1) بِمِثْلِهِ، فإِن انْتِصَابه لأَن يَكُونُ دَاعِيًا لِلنَّاسِ بإِثر (2) صَلَوَاتِهِمْ دَائِمًا مَظِنَّةٌ لِفَسَادِ نيَّته بِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ العُجْب والشُّهرة، وَهُوَ تَعْلِيلُ القَرَافي (3)، وَهُوَ أَوْلَى؛ لأَنه (4) فِي طَرِيقِ الِاتِّبَاعِ، فَصَارَ تَرْكُهُ لِلدُّعَاءِ لَهُمْ مَقْرُونًا بالاقتداءِ (5)، بِخِلَافِ الدَّاعِي، فإِنه فِي غَيْرِ طَرِيقِ مَنْ تَقَدَّمَ؛ فَهُوَ أَقرب إِلى فَسَادِ النِّيَّةِ.
وعَدَّ مِنْهَا مَا يُظَنّ بِهِ مِنَ (6) الْقَوْلِ برأْي أَهل الْبِدَعِ الْقَائِلِينَ بأَن الدعاءَ غَيْرُ نَافِعٍ، وَهَذَا كَالَّذِي قَبْلَهُ؛ لأَنه يَقُولُ لِلنَّاسِ: اتْرُكُوا اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَرْكِ الدُّعَاءِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ بَعْدَ الصلوات لئلا يُظَنَّ بك (7) الِابْتِدَاعُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (8): وَلَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا أَبو بَكْرٍ الفِهْري (9) يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرأْس مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَتَفْعَلُهُ الشِّيعَةُ. قَالَ: فحضر عندي يوماً في مَحْرَس ابن الشَّوَّاء (10) بالثَّغْر ـ مَوْضِعِ تَدْرِيسِي ـ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنَ المَحْرس الْمَذْكُورِ، فَتَقَدَّمَ إِلى الصَّفِّ الأَول وأَنا فِي مُؤَخَّرِهِ قاعدٌ عَلَى طَاقَاتِ البحر، أَتَنَسَّم الريح
(1) في (غ): "من القول ومعارض".
(2)
في (ر) و (غ): "بآثار".
(3)
في "الفروق"(4/ 491) آخر الفروق.
(4)
قوله: "لأنه" سقط من (خ).
(5)
في (غ): "بالابتداء".
(6)
قوله: "من" سقط من (غ) و (ر).
(7)
كذا في جميع النسخ، وعلق الشيخ رشيد رضا رحمه الله عليه بقوله: المناسب لقوله: "اتركوا": أن يقول هنا: "بكم"، ويعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى، فيقال: ابتدعوا بالفعل لئلا يظن ـ باطلاً ـ أنكم ابتدعتم، أو اتركوا السُّنَّة بالفعل لئلا تتهموا ـ بتركها ـ بسوء الظن. اهـ.
(8)
في "أحكام القرآن"(4/ 1912) ونقله عنه القرطبي في "تفسيره"(19/ 281).
(9)
هو الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي صاحب كتاب "الحوادث والبدع" انظر ترجمته في "السير"(19/ 490 ـ 496).
(10)
في (خ): "أبي الشعراء"، وفي (م):"أبي الشواء".
مِنْ شِدَّةِ الحَرّ، وَمَعِي فِي صَفٍّ وَاحِدٍ أَبو ثمنة رايس (1) البحر وقائده مع نفرٍ (2) مِنْ أَصحابه يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، ويتطلَّع عَلَى مَرَاكِبَ الْمَنَارِ (3)، فَلَمَّا رَفَعَ الشَّيْخُ الفِهْري يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَفِي رَفْعِ الرأْس مِنْهُ؛ قَالَ أَبو ثَمَنَةَ وأَصحابه: أَلا تَرَوْنَ إِلى هَذَا المَشْرِقي كَيْفَ دَخَلَ مَسْجِدَنَا؟ قُومُوا إِليه فَاقْتُلُوهُ، وَارْمُوا بِهِ فِي الْبَحْرِ؛ فَلَا يَرَاكُمْ أَحد. فَطَارَ قَلْبِي مِنْ بَيْنِ جَوَانِحِي، وَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا الطَّرْطُوشي فَقِيهُ الْوَقْتِ! فَقَالُوا لِي (4): ولِمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ فَقُلْتُ: كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ (5)، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك (6) في رواية أَهل المدينة عنه، وجعلت أُسَكِّنُهم وأُسَكِّتُهم (7) حَتَّى فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ، وَقُمْتُ مَعَهُ إِلى المَسْكَن من المَحْرس، ورأَى تَغَيُّر (8) وجهي فأَنكره، وسأَلني فأَعلمته، فضحك، وقال: ومن (9) أَين لِي أَن أُقتل عَلَى سُنَّة؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَيَحِلُّ لَكَ هَذَا؟! فإِنك بَيْنَ قَوْمٍ إِن قُمْتُ بِهَا قَامُوا عَلَيْكَ، وَرُبَّمَا ذَهَبَ دَمُكَ، فَقَالَ: دَعْ هَذَا الْكَلَامَ وَخُذْ فِي غيره.
فتأَملوا هَذِهِ (10) القصَّة فَفِيهَا الشفاءُ؛ إِذ لَا مَفْسَدَةَ في الدنيا توازي
(1) كذا في جميع النسخ! وفي "أحكام القرآن" و"تفسير القرطبي": "رئيس"، وهو الذي أثبته رشيد رضا رحمه الله.
(2)
في (خ) و (م): "في نفر".
(3)
في "أحكام القرآن" و"تفسير القرطبي": "على مراكب تحت الميناء".
(4)
قوله: "فقالوا لي" مكرر في (غ).
(5)
ورد في ذلك عدّة أحاديث، منها: حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حَذْوَ منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبِّر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع.
أخرجه البخاري (736)، ومسلم (390)، وأخرجا (737) و (391) عن مالك بن الحويرث نحوه.
وللبخاري في ذلك "جزء رفع اليدين في الصلاة"، فانظره إن شئت.
(6)
نقل ابن أبي زيد في "النوادر"(1/ 170) عن ابن وهب أنه قيل لمالك: أيرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع؟ قال: نعم. وانظر "البيان والتحصيل"(1/ 374 ـ 376).
(7)
في (خ): "أسكتهم وأسكنهم".
(8)
في (خ) و (م): "تغيير".
(9)
في (خ) و (م): "من"
(10)
في (خ): "في هذه".
مفسدة إِماتة النفس (1)، وَقَدْ حَصَلَتِ النِّسْبَةُ إِلى الْبِدْعَةِ، وَلَكِنَّ الطَّرْطُوشي رحمه الله لم (2) ير ذَلِكَ شَيْئًا، فَكَلَامُهُ لِلِاتِّبَاعِ أَولى مِنْ كَلَامِ هَذَا الرَّادّ، إِذ بَيْنَهُمَا فِي الْعِلْمِ مَا بَيْنَهُمَا.
وأَيضاً فَلَوِ اعتُبر مَا قَالَ لَزِمَ اعتبار مثله (3) فِي كُلِّ مَنْ أَنكر الدعاءَ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ، وَمِنْهُمْ: نَافِعٌ مولى ابن عمر (4)، ومالك (5)،
(1) الظاهر أنه يعني المفاسد الدنيوية، ولعل هذا مراده بقوله:"في الدنيا"، وأما إن أراد: في هذه الحياة، فمفسدة الدين أعظم من مفسدة إماتة النفس، كما قال تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191].
والسياق واضح ـ فيما أرى ـ، فهو يتحدث عن رغبة ذاك الجاهل في قتل الطرطوشي رحمه الله، وقد استشكله رشيد رضا رحمه الله، فعلّق عليه بقوله:"قوله: النفس، الصواب أن يقال: السنّة، كما يقتضيه سياق الكلام".
(2)
قوله: "لم" سقط من (خ) و (م)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا في نسختنا! والسياق يقتضي النفي؛ أي: كان لا يرى ذلك شيئاً. والأظهر أن تكون العبارة: لم ير ذلك شيئاً. اهـ.
(3)
في (خ) و (م): "اعتباره بمثله".
(4)
أخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها"(114) بسند صحيح إلى أبي حفص المدني؛ قال: اجتمع الناس يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعون بعد العصر، فخرج نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر، فقال: أيها الناس! إن الذي أنتم عليه بدعة، وليست بسنّة، إنا أدركنا الناس ولا يصنعون مثل هذا، ثم رجع فلم يجلس، ثم خرج الثانية ففعل مثلها، ثم رجع. وأبو حفص المدني هذا هو عمر بن عبد الله مولى غُفْرة، وهو ضعيف كما في "التقريب"(4968)، لكن أرى أن مثل هذا يحتمل منه، فإن الراوي المضعف من قبل حفظه يحتمل الأئمة روايته إذا كان فيها قصة حدثت له.
(5)
قال في "العتبية"(1/ 274 /البيان والتحصيل): "وسئل مالك عن الجلوس يوم عرفة في المساجد في البلدان بعد العصر للدعاء، فكره ذلك، فقيل له: فإن الرجل يكون في مجلسه، فيجتمع إليه الناس ويكبِّرون؟ قال: ينصرف، ولو أقام في منزله كان أحبّ إليّ".
وقال الطرطوشي في "الحوادث والبدع"(ص127): "قال مالك بن أنس: ولقد رأيت رجالاً ممن أقتدي بهم يتخلّفون عشيَّة عرفة في بيوتهم. قال: وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع، ولا أحب للرجل الذي قد عَلِمَ أن يقعد في المسجد في تلك العشيَّة مخافة أن يُقتدى به، وليقعد في بيته". وذكر نقولا أخرى عن مالك. وانظر ما تقدم (ص275)، وما يأتي (ص316 و355)، و"الموافقات" للمصنف (3/ 497 ـ 498).
والليث (1)، وعطاء (2)، وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ (3)، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فمسأَلتنا كَذَلِكَ.
ثُمَّ خَتَمَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ الإِجماعي بِقَوْلِهِ: وَقَدِ اجْتَمَعَ أَئمة الإِسلام فِي مساجد الجماعات في هذه الأَعصار في (4) جميع الأَقطار على الدعاءِ أَدبار الصلوات (5)، فَيُشْبِهُ أَن يَدْخُلَ ذَلِكَ مَدْخَلَ حُجَّة إِجماعيَّة عصريَّة.
فإِن أَراد الدعاءَ عَلَى هَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ دَائِمًا لَا يُتْرَكُ كَمَا يُفْعَلُ بِالسُّنَنِ ـ وَهِيَ مسأَلتنا المفروضة ـ، فقد تقدم ما فيه.
(1) قال الطرطوشي في الموضع السابق: "قال الحارث بن مسكين: كنت أرى الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة، فلا يرجع إلى قرب المغرب".
(2)
أي الخراساني، نقله عنه الطرطوشي في الموضع السابق فقال:"وقال عطاء الخراساني: إِن استطعت أَن تخلو عشية عرفة بنفسك فافعل".
(3)
من الواضح أن المصنف أخذ هذه النقول عن الطرطوشي رحمه الله، فإنه حكى جميع الأقوال السابقة وزاد عليها النقل عن إبراهيم النخعي أنه قال:"الاجتماع يوم عرفة أمرٌ مُحْدَث"، ونقل عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنه كان لا يأتي المسجد عشيّة عرفة.
وهذان النقلان أسندهما ابن وضّاح في "البدع والنهي عنها"(115، 116) بسندين صحيحين عنهما.
(4)
في (خ): "في".
(5)
في (خ) و (م): "الصلاة".