الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَمِنَ الْبِدَعِ الإِضافية الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الْحَقِيقِيَّةِ (1): أَن يَكُونَ أَصل الْعِبَادَةِ مَشْرُوعًا، إِلا أَنها تُخْرَج عَنْ أَصل شَرْعِيَّتِهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، توهُّماً أَنها بَاقِيَةٌ عَلَى أَصلها تَحْتَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بأَن يُقَيَّد إِطلاقها بالرأْي، أَو يُطْلَق تقييدُها، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّها الَّذِي حُدَّ لَهَا.
وَمِثَالُ ذَلِكَ أَن يُقَالَ: إِن الصَّوْمَ فِي الْجُمْلَةِ مَنْدُوبٌ إِليه لَمْ يخصَّه الشَّارِعُ (2) بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا حَدَّ فِيهِ زَمَانًا (3) دُونَ زَمَانٍ، مَا عَدَّا مَا نُهي عن صيامه على الخصوص كالعيدين (4)، أو نُدِب (5) إِليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء (6). يقول (7): فأنا أخصّ (8) مِنْهُ يَوْمًا مِنَ الْجُمْعَةِ (9) بِعَيْنِهِ، أَو أَياماً مِنَ الشَّهْرِ بأَعيانها، لَا مِنْ جِهَةِ مَا عيَّنه الشارع، فإِن ذلك ظاهر، بل (10) مِنْ جِهَةِ اخْتِيَارِ المُكَلّف؛ كَيَوْمِ الأَربعاء مَثَلًا فِي الْجُمْعَةِ، وَالسَّابِعِ وَالثَّامِنِ فِي الشَّهْرِ، وَمَا أَشبه ذَلِكَ، بِحَيْثُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ وَجْهًا بعينه مما يقصده العاقل؛ كفراغه في ذلك الوقت من الأشغال المانعة من الصوم، أَو تَحَرِّي أَيام النشاط والقوة، بل يُصَمِّم على تلك
(1) في (خ): "الحقيقة".
(2)
في (ر) و (غ): "الشرع".
(3)
في (خ) و (م): "زمان".
(4)
ورد النهي في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه البخاري (1993)، ومسلم (1138)، كلاهما مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر.
(5)
في (خ) و (م) و (ت): "وندب".
(6)
تقدم ما ورد في فضل عرفة وعاشوراء (ص27).
(7)
قوله: "يقول" سقط من (ت)
(8)
في (خ) و (ت): "فإذا خص".
(9)
الجمعة هنا بمعنى الأسبوع.
(10)
في (خ) و (ت): "بأنه" بدل "بل".
الأَيام تصميماً (1) لَا يَنْثَنِي عَنْهُ. فإِذا قِيلَ لَهُ: لِمَ خَصَّصَتْ تِلْكَ الأَيام دُونَ غَيْرِهَا؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةٌ غَيْرَ التَّصْمِيمِ، أَو يَقُولُ: إِن الشَّيْخَ الْفُلَانِيَّ مَاتَ فِيهِ، أَو مَا أَشبه ذَلِكَ. فَلَا شَكَّ أَنه رَأْيٌ مَحْضٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، ضَاهَى بِهِ تَخْصِيصَ الشَّارِعِ أَياماً بأَعيانها (2) دون غيرها، فصار ذلك (3) التَّخْصِيصُ مِنَ المُكَلَّف بِدْعَةً؛ إِذ هِيَ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الأَيام الْفَاضِلَةِ بأَنواع مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ لَهَا تَخْصِيصًا؛ كَتَخْصِيصِ الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الرَّكَعَاتِ، أَو بِصَدَقَةِ كَذَا وَكَذَا، أَو اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ بِقِيَامِ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةٍ، أَو بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَو مَا أَشبه ذَلِكَ (4)، فإِن ذَلِكَ التَّخْصِيصَ وَالْعَمَلَ بِهِ إِذا لَمْ يَكُنْ بِحُكْمِ الْوِفَاقِ، أَو بقصدٍ يَقْصِدُ مِثْلَهُ أَهلُ العقل؛ كالفراغ (5) وَالنَّشَاطِ، كَانَ تَشْرِيعًا زَائِدًا.
وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي أَن يَقُولَ: إِن هَذَا الزَّمَانَ (6) ثَبَتَ فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَحْسُنُ فِيهِ إِيقاع الْعِبَادَاتِ؛ لأَنا نَقُولُ: هَذَا الحُسن هَلْ ثَبَتَ لَهُ أَصل أَم لا؟ فإِن ثبت فليست مسأَلتنا (7)؛ كَمَا ثَبَتَ الْفَضْلُ فِي قِيَامِ لَيَالِي رَمَضَانَ (8)، وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيام مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (9)، وَصِيَامِ الإثنين (10)
(1) من قوله: "يقصده العاقل" إلى هنا سقط من (خ) و (م) و (ت).
(2)
في (ت): "بعينها".
(3)
قوله: "ذلك" من (غ) و (ر) فقط.
(4)
قوله: "ذلك" سقط من (ر). وعلق رشيد رضا رحمه الله على هذا الموضع بقوله: "ومنه: صلاة الرغائب، وصلاة ليلة النصف من شعبان. ومنه: تخصيص أيام معينة لزيارة القبور والصدقة عندها؛ كأول جمعة من رجب، كل ذلك من البدع والتشريع الذي لم يأذن به الله. وقد يتصل بالبدعة الواحدة بدع ومعاصٍ أخرى توجب تركها ـ ولو لم تكن بدعة ـ؛ لسدّ ذريعة هذه المفاسد". اهـ.
(5)
في (خ) و (ت): "والفراغ".
(6)
في (ر) و (غ): "القرآن" بدل "الزمان".
(7)
في (خ) و (م) و (ت): "فإن ثبت فمسئلتنا"، وعلق رشيد رضا بقوله:"أي: فهو مسألتنا".اهـ.
(8)
أخرج البخاري (2008)، ومسلم (759) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
(9)
أخرج البخاري (1981)، ومسلم (721) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.
(10)
أخرج مسلم (1162) من حديث أبي قتادة: أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، قال:"ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت ـ أو أنزل عليَّ ـ فيه"، وانظر التعليق الآتي.
والخميس (1)، وإِن (2) لَمْ يَثْبُتْ فَمَا مُسْتَنَدُكَ فِيهِ وَالْعَقْلُ لَا يُحَسِّنُ وَلَا يُقَبِّحُ، وَلَا شَرْعَ يُسْتَنَدُ إِليه؟ فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنه ابْتِدَاعٌ فِي التَّخْصِيصِ؛ كإِحداث الْخُطَبِ، وتحرِّي خَتْمِ الْقُرْآنِ فِي بَعْضِ لَيَالِي رَمَضَانَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: التحدُّث مَعَ الْعَوَامِّ بِمَا لَا تَفْهَمُهُ وَلَا تَعْقِلُ مَغْزاه (3)، فإِنه مِنْ بَابِ وَضْعِ الْحِكْمَةِ غَيْرَ مَوْضِعِهَا، فَسَامِعُهَا إِما أَن يَفْهَمَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا ـ وَهُوَ الغالب ـ، وذلك (4) فتنة تؤدي إِلى التكذيب بالحق، أَو إِلى (5) العمل بالباطل. وإِما أَن لَا يَفْهَمُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ أَسلم، وَلَكِنَّ المُحَدِّث لَمْ يُعْطِ الْحِكْمَةَ حَقَّها مِنَ الصَّوْن، بل صار في التحدُّث بها كالعابث بنعمة الله.
(1) وردت عدة أحاديث في فضل صيام الإثنين والخميس، ذكرها الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل"(948 و949)، وصحح الحديث بمجموعها، ومنها:
حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد (5/ 201)، والنسائي (2358)، وفيه: قلت: يا رسول الله! إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم، إلا يومين، إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما! قال:"أي يومين"؟ قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس، قال:"ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
وقد روياه من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أسامة، به.
وثابت بن قيس هذا هو الغفاري، أبو الغصن المدني، وهو صدوق يهم كما في "التقريب"(836)، وقد حسن حديثه هذا الشيخ الألباني في الموضع السابق، كما حسنه قبله المنذري في "مختصر السنن"(3/ 320).
وقد توبع ثابت؛ فأخرجه أبو داود (2428) من طريق مولى قدامة بن مظعون، عن مولى أسامة، عن أسامة. ومولى قدامة ومولى أسامة كلاهما مجهول. انظر "تهذيب الكمال"(35/ 97).
وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(2119) من طريق أبي بكر بن عياش، عن عمر بن محمد، عن شرحبيل بن سعد، عن أسامة، به.
وشرحبيل بن سعد المدني صدوق اختلط بآخره كما في "التقريب"(2779)،
فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق، ويتقوى بالطرق الأخرى على ما فيها من ضعف.
(2)
في (خ) و (م) و (ت): "فإن".
(3)
في (خ) و (ت): "معناه".
(4)
في (خ) و (م): "وهو".
(5)
في (خ): "وإلى".
ثُمَّ إِنْ أَلقاها (1) لِمَنْ لَا يَعْقِلُهَا (2) فِي معرض الانتفاع بها (3) بَعْدَ تعقُّلها؛ كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَقَدْ جاءَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ.
فَخَرَّجَ أَبو دَاوُدَ (4) حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنه نهى عن الغَلُوطات (5). قَالُوا: وَهِيَ صِعَابُ (6) الْمَسَائِلِ، أَو شِرَارُ الْمَسَائِلِ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ ـ أَو غَيْرِهِ (7) ـ: أَن رَجُلًا أَتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا
(1) في (غ) و (ر): "إلقاءها".
(2)
في (ر) و (غ): "لمن يعقلها".
(3)
قوله: "بها" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(4)
في "سننه"(3648) من طريق عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصُّنَابِجي، عن معاوية؛ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الغلوطات.
وأخرجه الإمام أحمد (5/ 435)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 106)، والفسوي في "المعرفة"(1/ 305)، والطبراني في "الكبير"(19/ 380 رقم 892)، وفي "الأوسط"(8/ 137 رقم 8204)، جميعهم من طريق عيسى بن يونس، به.
زاد بعضهم عن الأوزاعي قوله: "الغلوطات: صعاب المسائل وشدادها". وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" بتحقيق الأعظمي (1179) عن عيسى بن يونس، به، إلا أنه لم يسمّ معاوية رضي الله عنه، وإنما قال:"عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
ثم قال سعيد: "هذا عن معاوية، ولكنه لم يسمِّه".
وكذا رواه الإمام أحمد في الموضع السابق من "مسنده"، والحارث في "مسنده"(62/ بغية الباحث)، كلاهما من طريق روح، عن الأوزاعي.
ومدار الحديث على عبد الله بن سعد بن فروة البجلي وهو مجهول كما قال أبو حاتم. وقال دُحَيم: لا أعرفه. وقال الساجي: ضعفه أهل الشام في الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ. اهـ من "تهذيب الكمال"(5/ 20)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 344). ومع ذلك ففي الحديث اختلاف على الأوزاعي أشار إليه الدارقطني في "العلل"(7/ 67)، ورجح رواية عيسى بن يونس.
ومنه يتبيّن أن الحديث ضعيف، وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "ضعيف الجامع"(6035).
(5)
في (ت): "الأغلوطات".
(6)
في (خ): "صفات". وعلق عليه رشيد رضا رحمه الله بقوله: في نسختنا: "صفات"، وهو غلط، والغلوطات جمع غلوطة ـ بالفتح ـ؛ قيل: هي غلوط؛ من الغلط؛ كحلوب، أو ركوب، جعلت أسماء، فألحقت بها التاء؛ كحلوبة، وركوبة. وقيل: أصلها: أغلوطة، حذفت همزاتها المضمومة للتخفيف. والأغلوطة: ما يغلط فيه، وما يغلط به من المسائل الصعاب. اهـ.
(7)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 24)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"=
رَسُولَ اللَّهِ! أَتيتك لتعلِّمني مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم:"مَا صَنَعْتَ فِي رأْس الْعِلْمِ؟ " قَالَ: وَمَا رأْس الْعِلْمِ؟ قَالَ: "هَلْ عَرَفْتَ الرَّبَّ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَمَا صَنَعْتَ فِي حَقِّهِ؟ " قَالَ: مَا شاءَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبْ فأَحكم مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ تَعَالَ أُعَلِّمْكَ مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ".
وَهَذَا المعنى هو مقتضى الحكمة: أَلاّ تعلَّم (2) الْغَرَائِبُ إِلا بَعْدَ إِحكام الأُصول، وإِلا دَخَلَتِ الْفِتْنَةُ. وَقَدْ قَالُوا فِي الْعَالِمِ الرَّبَّانِيِّ: إِنه الَّذِي يُرَبِّي بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ (3).
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ شَاهِدُهَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَشْهُورٌ. وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ (4)، فَقَالَ:"بَابُ مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ (5) أَن لَا يَفْهَمُوا"، ثُمَّ أَسند (6) عَنْ عليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنه قَالَ:"حَدِّثوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحبّون أَن يُكَذَّب اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ "(7)، ثُمَّ ذَكَرَ (8) حَدِيثَ مُعَاذٍ الَّذِي أَخبر بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ تأَثُّماً، وإِنما لَمْ يَذْكُرْهُ إِلا عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لأَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يأْذن لَهُ فِي ذَلِكَ لِمَا خَشِيَ مِنْ تَنْزِيلِهِ غَيْرَ منزلته، وعلّمه معاذاً لأنه من أَهله.
= (1/ 691)، كلاهما من طريق خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
…
، فذكره هكذا معضلاً؛ فإن عبد الله بن المسور بن عون الهاشمي إنما يروي عن التابعين، ومع ذلك فقد رماه جمع من أهل العلم بالكذب ووضع الحديث كما في "لسان الميزان"(4/ 358 ـ 359).
(1)
قوله: "رسول الله" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(2)
في (خ) و (م): "لا تعلم"، وفي (ت):"فلا تعلم".
(3)
علق هذا القول البخاري في "صحيحه"(1/ 160) في كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل.
(4)
في كتاب العلم من "صحيحه"(1/ 225).
(5)
في (غ) و (ر): "كراهة".
(6)
برقم (127).
(7)
علق رشيد رضا هنا بقوله: حديث علي هذا أورده البخاري موقوفاً عليه. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس" عنه مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. و"يعرفون" في الحديث: ضدّ ينكرون، لا ضد يجهلون؛ أي: حدثوهم بما تصل عقولهم إلى فهمه دون ما يعزّ عليها فتعدّه منكراً ومحالاً، فهو بمعنى حديث ابن مسعود الذي يذكر بعده عن مسلم. اهـ.
(8)
برقم (128).
وفي مسلم (1) موقوفاً (2) على (3) ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "مَا أَنت بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً".
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ (4): وَذَلِكَ أَن يتأَوَّلوه غَيْرَ تأْويله، وَيَحْمِلُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ.
وَخَرَّجَ شُعْبَة (5) عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ أَنه قَالَ: إِن عَلَيْكَ فِي عِلْمِكَ حَقًّا، كَمَا أَن عَلَيْكَ فِي مَالِكِ حَقًّا، لَا تحدِّث بِالْعِلْمِ غَيْرَ أَهله فَتَجْهَلُ، وَلَا تَمْنَعِ الْعِلْمَ أَهله فتأْثم، وَلَا تحدِّث بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ السفهاءِ فيكذِّبوك (6)، وَلَا تحدِّث بِالْبَاطِلِ عِنْدَ الحكماءِ فَيَمْقَتُوكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ العلماءُ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُتُبِهِمْ وَبَسَطُوهُ بَسْطًا شَافِيًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وإِنما نبَّهنا عَلَيْهِ لأَن كَثِيرًا مِمَّنْ لَا يَقْدُر قدرَ هَذَا الْمَوْضِعِ يَزِلّ فِيهِ، فيحدِّث النَّاسَ بِمَا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الأُمة.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيضاً: جَمِيعُ مَا تقدم في فصل: السُّنَّةِ الَّتِي يَكُونُ الْعَمَلُ بِهَا ذَرِيعَةً إِلى البدعة (7)؛ من حيث إِنها أَنواع (8) عُمِلَ بها لم (9) يعمل
(1) في مقدمة "صحيحه"(1/ 11).
(2)
في (خ): "مرفوعاً".
(3)
في (خ) و (ت) و (م): "عن" بدل "على".
(4)
لم أجده.
(5)
كذا في (ت)، ويشبه أن تكون هكذا في (خ)"أيضاً"، وفي (م):"سقية"، وفي (غ) و (ر):"شقبة"، وفي ظَني أنها متصحفة إما عن "سعيد" وهو ابن منصور الذي يخرج المصنف عنه كثيراً، أو عن "سنيد"، ـ وهو لقب لحسين بن داود ـ، وهذا أخرج الحديث من طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(708)، عن عيسى بن يونس، عن حريز بن عثمان، عن سليمان بن سمير، عن كثير بن مرة، به. وأخرجه الإمام أحمد في "الزهد"(ص462)، والدارمي في "مقدمة السنن"(1/ 105)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل"(ص575)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1630/ ط السلفية)، وفي "المدخل"(618)، والخطيب في "الجامع"(754 و782)، جميعهم من طريق حريز بن عثمان، عن سلمان ـ أو سليمان ـ بن سمير، عن كثير، به.
وسلمان ـ أو سليمان ـ بن سُمَير الألهاني، الشامي مقبول كما في "التقريب"(2488).
(6)
في (ت) و (م): "فيكذبونك".
(7)
انظر (ص229).
(8)
قوله: "أنواع" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(9)
في (ت) و (خ): "ولم".
بِهَا (1) سَلَفُ هَذِهِ (2) الأُمة.
وَمِنْهُ: تَكْرَارُ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ فِي التِّلَاوَةِ أَو فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فإِن التِّلَاوَةَ لَمْ تُشْرَعْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَلَا أَن يُخَصَّ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ (3) دُونَ شيءٍ، لَا فِي صَلَاةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، فَصَارَ المخصِّص لَهَا عَامِلًا برأْيه فِي التعُّبد لِلَّهِ.
وَخَرَّجَ ابْنُ وَضَّاحٍ (4) عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ: سُئِل سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ يُكْثِرُ قراءَة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} ، لَا يقرأُ غَيْرَهَا كَمَا يَقْرَؤُهَا، فَكَرِهَهُ وَقَالَ: إِنما أَنتم مُتَّبِعُونَ، فَاتَّبِعُوا الأَوّلين، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْهُمْ نَحْوُ هَذَا، وإِنما أُنزل الْقُرْآنُ ليُقرأ وَلَا يُخَصّ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ.
وَخَرَّجَ أَيضاً (5) ـ وَهُوَ فِي "العتبيَّة"(6) مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ـ عن مالك رحمه الله: أَنه سُئِل عن قراءَة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} مراراً في ركعة واحدة (7)، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ مُحْدَثَاتِ الأُمور الَّتِي أَحدثوا.
وَمَحْمَلُ هَذَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ (8) مِنْ بَابِ الذَّرِيعة، ولأَجل ذَلِكَ لَمْ يأْت مِثْلُهُ عَنِ السَّلَفِ (9)، وإِن كَانَتْ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن؛ كما في "الصحيح"(10)، وهو صحيح من التأويل (11)، فتأَمله في الشرح (12).
(1) قوله: "بها" سقط من (م)، وفي موضعه علامة لحق، ولم يظهر في التصوير.
(2)
قوله: "هذه" ليس في (غ) و (ر).
(3)
في (خ) و (ت) و (م): "شيئاً".
(4)
في "البدع والنهي عنها"(108) من طريق شيخه محمد بن عمرو الغزي، عن مصعب، به. وأعله المحقق بالانقطاع بين محمد بن عمرو الغزي ومصعب ـ وهو إما ابن ماهان، أو ابن المقدام ـ؛ فإنه لم يدرك أيًّا منهما.
(5)
أي ابن وضاح برقم (109) بسند صحيح عن مالك.
(6)
كما في شرحها: "البيان والتحصيل" لابن رشد (1/ 371).
(7)
في (خ) و (ت) و (م): "الركعة الواحدة".
(8)
في الموضع السابق من "البيان والتحصيل".
(9)
في (غ): "السبب" بدل "السلف".
(10)
أي: "صحيح البخاري"(5013) من حديث أبي سعيد، ومسلم (811 و812) من حديث أبي الدرداء وأبي هريرة.
(11)
قوله: "من التأويل" ليس في (خ) و (ت) و (م).
(12)
أي: "البيان والتحصيل" شرح "العتبيّة".
وَفِي الْحَدِيثِ أَيضاً مَا يُشْعِرُ بأَن التَّكْرَارَ كَذَلِكَ عَمَلٌ مُحْدث فِي مَشْرُوعِ الأَصل بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ.
وَمِنْ ذلك قراءَة القرآن بهيئة الاجتماع، وكذلك الِاجْتِمَاعِ (1) عشيَّة عَرَفَةَ فِي الْمَسْجِدِ للدعاءِ؛ تشبُّهاً بأَهل عَرَفة (2)، ونقل الأَذان يوم الجمة مِنَ الْمَنَارِ وَجَعْلُهُ قُدَّامَ الإِمام.
فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (3): وَسُئِلَ (4) عَنِ القُرى الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا إِمام إِذا صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمُ الْجُمْعَةَ: أَيخطب بِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ! لَا تَكُونُ الْجُمْعَةُ إِلا بِخِطْبَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: أَفيؤذِّن قُدَّامه؟ قَالَ: لَا، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ أَهل الْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (5): الأَذان بَيْنَ يَدَيِ الإِمام فِي الْجُمْعَةِ مَكْرُوهٌ؛ لأَنه مُحْدَثٌ. قَالَ: وأَول مَنْ أَحدثه هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وإِنما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا زَالَتِ (6) الشَّمْسُ وَخَرَجَ؛ رَقَى الْمِنْبَرَ، فإِذا رَآهُ الْمُؤَذِّنُونُ ـ وَكَانُوا ثَلَاثَةً ـ قَامُوا فأَذّنوا في المَشْرُبَة (7) واحداً بعد واحد كما يؤذِّنون (8) فِي غَيْرِ الْجُمْعَةِ، فإِذا فَرَغُوا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ (9).
(1) قوله: "وكذلك الاجتماع" سقط من (ت) و (خ) و (م).
(2)
انظر ما تقدم (ص275 و278)، وما سيأتي (ص355)، وعلق رشيد رضا هنا بقوله: ومثله بالأَوْلى: ما استُحدث بعدُ من الاجتماع لقراءة الختمات والتهاليل والموالد ونحو ذلك في أيام مخصوصة، أو عند حدوث حوادث مخصوصة، وقد صار بعض ذلك من شعائر الدين؛ تُرِكَ كثير من الفرائض والسنن، وحلّت هذه البدع محلّها. اهـ.
(3)
أي: في "العتبية" كما في "البيان والتحصيل"(1/ 243).
(4)
أي: الإمام مالك.
(5)
في الموضع السابق من "البيان والتحصيل".
(6)
قوله: "إذا زالت" مكرر في (غ).
(7)
في (خ): "المشرفة" وكانت في (ت): "المشربة"، ثم صوبت في الهامش:"المشرفة"، وربما كان ذلك إشارة إلى أنه في نسخة. والمشرُبَة ـ بضمّ الراء، ويجوز فتحها ـ: هي الغرفة المرتفعة كما في "فتح الباري"(1/ 488).
(8)
في (خ): "يؤذن".
(9)
أخرج البخاري (913) من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه: أن الذي زاد التأذين=
ثم تلاه على ذلك (1) أَبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فزاد عُثْمَانُ رضي الله عنه لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ـ أَذاناً بالزَّوْرَاءِ (2) عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، يُؤْذِنُ النَّاسُ فِيهِ بِذَلِكَ أَن الصَّلَاةَ قَدْ حَضَرَتْ، وتَرَكَ الأَذان في المَشْرُبَة (3) بَعْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَاسْتَمَرَّ الأَمر عَلَى ذَلِكَ إِلى زَمَانِ هشام بن عبد الملك (4)، فنقل الأَذان الذي كان بالزَّوْراءِ إِلى المَشْرُبَة (3)، ونقل الأَذان الذي كان بالمَشْرُبَة (3) بَيْنَ يَدَيْهِ، وأَمرهم أَن يؤذِّنوا صَفًّا (5). وَتَلَاهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ بَعْدِهِ مِنَ الخلفاءِ إِلى زَمَانِنَا هَذَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ بِدْعَةٌ. قَالَ: وَالَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ هُوَ السُّنَّةُ.
وذكر ابن حبيب ما كان من (6) فعله عليه السلام وفعل (7) الخلفاء
=الثالث يوم الجمعة: عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كثر أهل المدينة، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذِّن غير واحد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام؛ يعني على المنبر.
وعن قوله: "مؤذن واحد" قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 396): وعُرِفَ بهذا الرد على ما ذكر ابن حبيب: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رقى المنبر وجلس أذّن المؤذنون ـ وكانوا ثلاثة ـ واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام فخطب، فإنه دعوى تحتاج لدليل، ولم يرد ذلك صريحاً من طريق متصلة يثبت مثلها، ثم وجدته في "مختصر البويطي" عن الشافعي. اهـ.
كذا جاء في أصل "الفتح"، وعلق عليها بأن في مخطوطة الرياض:"المزني" بدل "البويطي"، وهو الصواب ـ فيما يظهر ـ؛ ففي "مختصر المزني" (ص27): أن الشافعي قال: "وحُكي في أداء الخطبة استواء النبي صلى الله عليه وسلم على الدرجة التي تلي المستراح قائماً، ثم سلّم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذنون
…
" إلخ.
ولم يذكر الشافعي رحمه الله دليلاً على هذا، وحديث البخاري يردّ هذا القول، والله أعلم.
(1)
قوله: "على ذلك" ليس في (خ) و (ت).
(2)
أخرجه البخاري (912) عن السائب بن يزيد رضي الله عنه، وتقدم ذكر إحدى طرقه في التعليق قبل السابق.
والزَّوْراء: قيل: إنه حجر كبير عند باب المسجد، وقيل: هي دار في السوق يقال لها: الزوراء، انظر:"فتح الباري"(2/ 394).
(3)
في (خ): "المشرفة".
(4)
قوله: "بن عبد الملك" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(5)
كذا في جميع النسخ، والذي في "البيان والتحصيل":"أن يؤذنوا معاً"، ولعله أصوب.
(6)
قوله: "من" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(7)
في (ت): "وفعله".
بعده كما ذكره (1) ابْنُ رُشْدٍ ـ وكأَنه (2) نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِهِ ـ، وَذَكَرَ قصة هشام، ثم قال: والذي كان مِنْ (3) فِعْلِ (4) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هو (5) السَّنَّةُ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي أَسد بْنُ مُوسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْم، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (6): أَن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "أَفضل الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمور مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"(7).
وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ـ مِنْ أَن (8) الْأَذَانَ عِنْدَ صُعُودِ الإِمام على المنبر كان باقياً في زمان عُثْمَانَ رضي الله عنه مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ أَرْبَابُ النَّقْلِ الصَّحِيحِ، وأَن عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ إِلَّا الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَصَارَ إِذاً نَقْلُ هِشَامٍ الأَذانَ المشروعَ فِي المَنَار إِلى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِدْعَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَشْرُوعِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَذَلِكَ أَذان الزَّوْراء مُحْدَث أَيضاً، بَلْ هُوَ مُحْدَثٌ مِنْ أَصله، غَيْرُ مَنْقُولٍ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَالَّذِي يُقَالُ هُنَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَذان هِشَامٍ، بَلْ هو أَخفّ منه.
(1) في (خ) و (ت) و (م): "ذكر".
(2)
أي: ابن رشد.
(3)
قوله: "من" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(4)
في (ت): "فعله".
(5)
في (خ) و (م) و (ت): "هي".
(6)
في (خ) و (م) و (ت): "جعفر بن محمد بن جابر بن عبيد الله".
(7)
كذا جاءت رواية الحديث في جميع النسخ! وقد سقط من إسناده الواسطة بين جعفر بن محمد وجابر؛ وهو محمد بن علي بن الحسين والد جعفر.
فالحديث أخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها"(56) من طريق أسد بن موسى؛ قال: نا يحيى بن سليم الطائفي؛ قال: سمعت جعفر بن محمد يحدِّث عن أبيه، عن جابر بن عبد الله
…
، فذكره.
وأخرجه الدارمي في "سننه"(1/ 69)، من طريق محمد بن أحمد بن أبي خلف، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمد، عن أبيه، عن جابر.
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 310) من طريق مصعب بن سلام عن جعفر، عن أبيه، عن جابر.
وكذا رواه مسلم في "صحيحه"(867) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وسليمان بن بلال وسفيان الثوري، ثلاثتهم عن جعفر، ولفظه:"خير الهدي" بدل "أفضل الهدي".
(8)
قوله: "أن" ليس في (غ) و (ر).
فَالْجَوَابُ: أَن أَذان الزَّوْراء وُضِعَ هُنَالِكَ عَلَى أَصله؛ مِنَ الإِعلام بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، وَجَعَلَهُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لأَنه لَمْ يَكُنْ ليُسْمَعَ إِذا وُضِع بِالْمَسْجِدِ كَمَا كَانَ فِي زمانِ مَنْ قَبْله، فَصَارَتْ كَائِنَةً أُخرى لَمْ تَكُنْ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَاجْتَهَدَ لَهَا كَسَائِرِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ. وَحِينَ كَانَ مَقْصُودَ الأَذان الإِعلام فَهُوَ باقٍ كَمَا كَانَ، فَلَيْسَ وَضْعُهُ هُنَالِكَ بمنافٍ؛ إِذ لَمْ تُخْتَرع فِيهِ أَقاويل مُحْدَثَةٌ، وَلَا ثَبْتَ أَن الأَذان بِالْمَنَارِ أَو فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ تَعَبُّد (1) غَيْرُ معقول المعنى، فهو من (2) المُلائم مِنْ أَقسام الْمُنَاسِبِ، بِخِلَافِ نَقْلِهِ (3) مِنَ (4) الْمَنَارِ إِلى مَا بَيْنَ يَدَيِ الإِمام، فإِنه قَدْ أُخرج بِذَلِكَ أَولاً عَنْ أَصله مِنَ الإِعلام؛ إِذ لَمْ يُشرع لأَهل الْمَسْجِدِ إِعلام بِالصَّلَاةِ إِلا بالإِقامة، وأَذان جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى محلِّه، ثُمَّ أَذانهم عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ زِيَادَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَاضِحٌ، وَلَا اعْتِرَاضَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الأَذان والإِقامة فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (5) اتِّفَاقَ الفقهاءِ عَلَى أَن لَا أَذان وَلَا إِقامة فِيهِمَا (6)، وَلَا فِي شيءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَاتِ وَالنَّوَافِلِ، وإِنما الأَذان لِلْمَكْتُوبَاتِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ الخلفاءِ: أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَعُلَمَاءِ التَّابِعِينَ، وَفُقَهَاءِ الأَمصار. وأَول مَنْ أَحدث الأَذان والإِقامة فِي الْعِيدَيْنِ ـ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ ـ: هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ؛ أَراد أَن يُؤْذِنَ النَّاسَ بالأَذان بِمَجِيءِ (7) الإِمام، ثُمَّ بدأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَمَا بدأَ بِهَا مروان (8)،
(1) قوله: "تعبد" ليس في (غ) و (ر).
(2)
قوله: "من" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(3)
قوله: "بخلاف نقله" مكرر في (ت).
(4)
في (غ) و (ر): "عن" بدل "من"، وفي (خ):"إلى"، وعلق عليها رشيد رضا بقوله:"لعل الأصل: من المنار". اهـ.
(5)
في "الاستذكار"(7/ 12).
(6)
ويدل عليه ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(887) من حديث جابر رضي الله عنه قال: صليت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة.
(7)
في (غ) و (ر): "لمجيء".
(8)
كما في "صحيح البخاري"(956) و"صحيح مسلم"(889).
ثُمَّ أَمر بالإِقامة بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ ليُؤْذِنَ الناسَ (1) بِفَرَاغِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ (2) وَدُخُولِهِ فِي الصلاة لبعدهم عنه. قال: وذلك حين كثُر الناس فكان يخفى عليهم مجيء إمامهم وفراغه مِنَ الْخُطْبَةِ وَدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ لِبُعْدِهِمْ عَنْهُ (3). قَالَ: وَلَمْ يَرِدْ مَرْوَانُ وَهِشَامٌ إِلَّا الِاجْتِهَادَ (4) فِيمَا رأَيا (5)، إِلا أَنه لَا يَجُوزُ اجْتِهَادٌ فِي خِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي ابْنُ الماجِشُون: أَنه سَمِعَ مَالِكًا يَقُولُ: مِنْ أَحدث فِي هَذِهِ الأُمة شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا، فَقَدْ زَعَمَ أَن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَانَ الرِّسَالَةَ؛ لأَن اللَّهَ يَقُولُ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً} (6)، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا (7).
وَقَدْ رُوِيَ أَن الَّذِي أَحدث الأَذان معاوية (8) رضي الله عنه، وَقِيلَ: زِيَادٌ، وأَن ابْنَ الزُّبَيْرِ فَعَلَهُ آخِرَ إِمارته (9)، وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِ هَذَا النَّقْلِ.
وَلِقَائِلٍ أَن يَقُولَ: إِن الأَذان هَنَا نَظِيرُ أَذان الزَّوْراء لعثمان
(1) في (غ)"ليؤذن الناس فيه".
(2)
من قوله: "ليؤذن الناس" إلى هنا سقط من أصل (ر)، واستدرك في الهامش، ولم يتضح بأكمله في المصورة.
(3)
من قوله: "قال وذلك حين كثر الناس" إلى هنا سقط من (خ) و (م) و (ت).
(4)
المثبت من (غ) و (ر) و (ت)، وفي (خ) و (م):"ولم يرد مروان وهشام الاجتهاد"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله:"لعل الأصل: إلا الاجتهاد".اهـ.
(5)
في (ر) و (غ): "رأياه".
(6)
سورة المائدة: الآية (3).
(7)
أخرجه ابن حزم في "إحكام الأحكام"(6/ 225) من طريق عبد الملك بن حبيب، به.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5664)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 453).
(9)
أخرج البخاري في "صحيحه"(959) من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج؛ قال: أخبرني عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له: إنه لم يكن يؤذّن بالصلاة يوم الفطر، وإنما الخطبة بعد الصلاة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5662) من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، عن عطاء: أن ابن الزبير سأل ابن عباس، ـ قال: وكان الذي بينهما حسن ـ فقال: لا تؤذن ولا تقم، فلما ساء الذي بينهما أذّن وأقام.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَا (1) تَقَدَّمَ فِيهِ مِنَ التَّوْجِيهِ الِاجْتِهَادِيِّ جارٍ هُنَا. وَلَا يَكُونُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُخَالِفًا للسُّنّة؛ لأَن قِصَّةَ هِشَامٍ نَازِلَةٌ لَا عَهْدَ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ إِعلام بِمَجِيءِ الإِمام لِخَفَاءِ مَجِيئِهِ عَنِ النَّاسِ لِبُعْدِهِمْ عَنْهُ، ثُمَّ الإِقامة للإِعلام (2) بِالصَّلَاةِ، إِذ لَوْلَا هِيَ لَمْ يَعْرِفُوا دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَمراً لَا بُدّ مِنْهُ كأَذان الزَّوْراء.
والجواب: أَن مجيء الإِمام لَمَّا (3) لم يشرع فيه أذان (4) ـ وإِن خَفِيَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ لِبُعْدِهِ بِكَثْرَةِ النَّاسِ ـ، فَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ فِيمَا بَعْدُ؛ لأَن العلة كانت موجودة ثم لم يشرع (5)، إِذ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ العِلَّة غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ ثُمَّ تَصِيرُ مُؤَثِّرَةً.
وأَيضاً: فإِحداث الأَذان والإِقامة انْبَنَى عَلَى إِحداث تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمَا انْبَنَى عَلَى المُحْدَث مُحْدَث.
ولأَنه لَمَّا لَمْ يُشْرَعْ فِي النَّوَافِلِ أَذان وَلَا إِقامة عَلَى حَالٍ؛ فَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ لِئَلَّا تَكُونَ (6) النَّوَافِلُ كَالْفَرَائِضِ فِي الدعاءِ إِليها، فَكَانَ إِحداث الدُّعَاءِ إِلَى النَّوَافِلِ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا.
وَبِهَذِهِ الأَوجه الثَّلَاثَةِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَذان الزَّوْراء وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ أَن يُقَاسَ أَحدهما عَلَى الْآخَرِ، والأَمثلة فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ.
وَمِنْ نَوَادِرِهَا الَّتِي لَا يَنْبَغِي (7) أَن تُغفل: مَا جَرَى بِهِ عَمَلُ جُمْلَةٍ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى طَرِيقَةِ (8) الصُّوفِيَّةِ؛ مِنْ تربُّصهم (9) ببعض العبادات أَوقاتاً معلومة (10) غَيْرَ مَا وقَّته الشَّرْعُ فِيهَا، فَيَضَعُونَ نَوْعًا من العبادات المشروعة
(1) في (خ) و (ت) و (م): "فيما".
(2)
قوله: "للإعلام" سقط من (غ) و (ر).
(3)
قوله: "لما" سقط من (خ) و (ت).
(4)
في (خ): "الأذان".
(5)
في (خ) و (م) و (ت): "تشرع".
(6)
في (خ) و (ت) و (م): "يكون".
(7)
في (غ): "لا تنبغي".
(8)
في (غ): "طريق".
(9)
في (ر) و (غ): "بتربصهم" بدل "من تربصهم".
(10)
في (خ) و (م): "معطوفة"، واجتهد رشيد رضا رحمه الله، فأثبتها:"مخصوصة"، والمثبت من (غ) و (ر) و (ت).
فِي زَمَنِ (1) الرَّبِيعِ، وَنَوْعًا آخَرَ فِي زَمَنِ (1) الصَّيْفِ، وَنَوْعًا آخَرَ فِي زَمَنِ (1) الْخَرِيفِ، وَنَوْعًا آخَرَ فِي زَمَنِ (1) الشتاءِ.
وَرُبَّمَا وَضَعُوا لأَنواعٍ (2) مِنَ الْعِبَادَاتِ لِبَاسًا مَخْصُوصًا، وَطِيبًا مَخْصُوصًا (3)، وَأَشْبَاهُ ذلك من الأَوضاع الفلسفية، يضعونها شرعيَّة؛ أَي مُتَقرَّباً بِهَا إِلى الْحَضْرَةِ الإِلهية فِي زَعْمِهِمْ، وَرُبَّمَا وَضَعُوهَا عَلَى مَقَاصِدَ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ؛ كأَهل التَّصْرِيفِ بالأَذكار (4) وَالدَّعَوَاتِ لِيَسْتَجْلِبُوا بِهَا الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ والجَاهِ والحُظْوَة ورِفْعة الْمَنْزِلَةِ، بَلْ لِيَقْتُلُوا بِهَا إِن شَاؤُوا أَو يُمْرِضوا، أَو يَتَصَرَّفُوا وَفْقَ أَغراضهم، فَهَذِهِ كُلُّهَا بِدَعٌ مُحْدَثَاتٌ بَعْضُهَا أَشد مِنْ بَعْضٍ؛ لِبُعْدِ هَذِهِ الأغراض عن (5) مقاصد الشريعة الأُمِّيَّة (6) الْمَوْضُوعَةِ (7)، مُبَرَّأَة (8) عَنْ مَقَاصِدِ المتخرِّصين (9)، مُطَهَّرة لِمَنْ تمسَّك بِهَا عَنْ أَوْضَارِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، إِذ كُلُّ مُتَدَيِّن (10) بِهَا، عَارِفٌ بِمَقَاصِدِهَا؛ ينزِّهها عَنْ أَمثال هَذِهِ الْمَقَاصِدِ الْوَاهِيَةِ. فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى بُطْلَانِ دَعَاوِيهِمْ فِيهَا مِنْ بَابِ شُغْلِ الزَّمَانِ بِغَيْرِ مَا هُوَ أَولى. وَقَدْ تَقَرَّرَ ـ بِحَوْلِ اللَّهِ ـ فِي أَصْلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ كِتَابِ "الْمُوَافَقَاتِ"(11) مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ هَذَا النَّمَط وَالْبُرْهَانِ عَلَى بُطْلَانِهِ، لَكِنْ (12) عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ مُفِيدٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَهَذَا كُلُّهُ إِن فَرَضْنَا أَصل الْعِبَادَةِ مَشْرُوعًا، فإِن كَانَ أَصلها غَيْرَ مَشْرُوعٍ؛ فَهِيَ بِدْعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ؛ كالأَذكار وَالْأَدْعِيَةِ الَّتِي يَزْعُمُ (13)
(1) في (غ): "زمان".
(2)
في (خ) و (غ): "الأنواع".
(3)
قوله: "وطيباً مخصوصاً" سقط من (خ).
(4)
في (م): "بأذكار".
(5)
في (ر) و (غ): "من".
(6)
أثبتها رشيد رضا رحمه الله اجتهاداً ـ: "الشريعة الإسلامية"، والنسخ كلها متفقه على ما هو مثبت.
(7)
قوله: "الموضوعة" سقط من (ت).
(8)
في (ت): "المبرأة".
(9)
في (م) يشبه أن تكون: "المتحرضين".
(10)
في (غ): "متزين".
(11)
أطال المصنف رحمه الله في "الموافقات" في الكلام على المقاصد بقسميها: ما يتعلق بمراد الشارع، وما يتعلق بمراد المكلف، فانظره إن شئت (2/ 7) فما بعد.
(12)
في (م): "لاكل".
(13)
في (ت) و (خ) و (م): "والأدعية بزعم".
أهلها أَنها مبنيَّة عَلَى عِلْمِ الْحُرُوفِ (1)، وَهُوَ الَّذِي اعْتَنَى بِهِ الْبَوْنِيُّ (2) وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَذَا حَذْوَه أَو قَارَبَهُ، فإِن ذَلِكَ الْعِلْمَ فَلْسَفَةٌ أَلطف من فلسفة معلِّمهم الأَوّل؛ وهو أَرُسْطَاطَالِيس (3)، فردّوها إِلى أَوضاع الحروف المعجمة (4)، وَجَعَلُوهَا هِيَ الْحَاكِمَةَ فِي الْعَالَمِ، وَرُبَّمَا أَشاروا عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الأَذكار وَمَا قُصِدَ بِهَا إِلى تحرِّي الأَوقات والأَحوال الْمُلَائِمَةِ لِطَبَائِعِ الْكَوَاكِبِ؛ لِيَحْصُلَ التأْثير عِنْدَهُمْ وَحْيًا، فَحَكَّمُوا الْعُقُولَ والطبائع ـ كما ترى ـ، وتوجّهوا شطرها، وأَعرضوا
(1) وهو المسمى: "علم السيمياء" الذي يزعمون فيه أن لحروف الهجاء أسراراً وخواص مركّبة ومفردة، والحق أنه من التنجيم، وداخل في ضروب السحر وإن قيل فيه ما قيل، وهو الذي يُعنى به المتصوِّفة الذين يجنحون إلى كشف حجاب الحسّ، ويرغبون في حصول الخوارق على أيديهم، فانظر ـ إن شئت ـ تعريفه بتوسع في "كشف الظنون"(1/ 413 و650)، وانظر كلام المصنف الآتي، والتعليق المتقدم برقم (4)(ص305).
(2)
هو أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف القرشي، البوني، المتوفى سنة (622هـ)، وقيل: سنة (630هـ)، صاحب كتاب "شمس المعارف ولطائف العوارف"، وكتاب "لطائف الإشارات في أسرار الحروف العلويات" و"أسرار الأدوار وتشكيل الأنوار في الطلسمات"، و"أسرار الحروف والكلمات"، و"إظهار الرموز وإبداء الكنوز"، و"تنزيل الأرواح في قوالب الأشباح"، و"رسالة الشهود في الحقائق على طريقة علم الحروف"، و"شرف التشكيليات الشكليات وأسرار الحروف العدديات"، وغيرها من الكتب كما في "كشف الظنون"(1/ 82 و83 و118 و494 و875)، و (2/ 1045 و1062 و1161 و1270 و1411 و1551 و1553 و1891).
وهذه الكتب تنبئك عن حاله الذي لا يُعرف إلا على سبيل الذم كما عند المصنف هنا، أو عند من غرق في التصوف فَعَدّ السحرة والدجالين شيوخاً عارفين كما في نقل المناوي عنه في مواطن متعددة من "فيض القدير"، وكما في المواضع المتقدمة من "كشف الظنون"، وإلا فالواجب على أهل الإسلام التحذير من كتب هذا الرجل، والتوجيه بإحراقها وإتلافها، فإنك أول ما تجد عند السحرة والدجالين في هذا الزمن كتاب "شمس المعارف" مع غيره من الكتب التي يأكل بها السحرة أموال الناس بالباطل، وكلها تحوم حول الحروف وأسرارها المكتومة زعموا، والتجربة؛ كما في "كشف الظنون" (2/ 1720) عند ذكره لكتاب "مطلع العزائم" للبوني هذا؛ قال: "استخرجه من السرّ المكتوم، وذكر فيه خواصّ غريبة، وتأثيرات مجرَّبة جرّبها بنفسه
…
" إلخ.
(3)
كذا في (خ) و (م)، وفي (ت):"أرسطاليس"، وفي (غ) و (ر):"أرطسوطاليس".
(4)
قوله: "المعجمة" ليس في (خ) و (م) و (ت).
عَنْ رَبِّ الْعَقْلِ وَالطَّبَائِعِ، وإِن ظَنُّوا أَنهم يَقْصِدُونَهُ اعْتِقَادًا (1) فِي اسْتِدْلَالِهِمْ لِصِحَّةِ مَا انْتَحَلُوا عَلَى وُقُوعِ الْأَمْرِ وَفْقَ مَا يَقْصِدُونَ. فإِذا تَوَجَّهُوا بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ (2) الْمَفْرُوضِ عَلَى الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ حصل، سواء عليهم أَنفعاً كان (3) أَم ضُرًّا، وَخَيْرًا كَانَ أَم شَرًّا، وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ بُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، أَو حصول (4) نَوْعٌ مِنْ كَرَامَاتِ الأَولياء، كَلَّا! لَيْسَ طَرِيقُ الحق (5) مِنْ مُرَادِهِمْ، وَلَا كَرَامَاتِ الأَولياء أَو إِجابة الدُّعَاءِ مِنْ نَتَائِجِ أَورادهم، فَلَا تَلَاقِي بَيْنَ الأَرض والسماءِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ النَّارِ والماءِ.
فإِن قُلْتَ: فَلِمَ يَحْصُلُ التأْثير حَسْبَمَا قَصَدُوا؟ فَالْجَوَابُ: أَن ذَلِكَ فِي الأَصل مِنْ قَبِيلِ الْفِتْنَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا فِي الْخَلْقِ: {ذَلِكَ} (6){تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (7) فَالنَّظَرُ (8) إِلى وَضْعِ الأَسباب والمسبَّبات أَحكامٌ وَضَعَهَا الْبَارِي تَعَالَى فِي النُّفُوسِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا مَا شاءَ اللَّهُ مِنَ التأْثيرات (9)، عَلَى نَحْوِ مَا
(1) في (غ) و (ر): "اعتماداً".
(2)
في (ت): "بالدعاء والذكر".
(3)
قوله: "كان" سقط من (ت) و (خ) و (م).
(4)
في (خ) و (م): "أو حصل"، وفي (ت):"ولو حصل".
(5)
قوله: "الحق" سقط من (ت) و (خ) و (م) و (ت).
(6)
قوله: "ذلك" ليس في (غ) و (ر).
(7)
سورة فصلت: الآية (12).
(8)
في (غ) و (ر): "وبالنظر".
(9)
هذا من الأخطاء التي وقع فيها المصنف رحمه الله بسبب تأثره بمعتقد الأشاعرة في مسألة السبب والمسبَّب. وقد نبّه على هذا الأخ الفاضل الشيخ ناصر الفهد في كتابه "الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام"(ص112 ـ 116)، ومن جملة ما قال: "وهذا الكلام كلام الأشاعرة ـ الذين اقتفوا آثار الجهمية في إنكار الأسباب ـ، فإنهم أنكروا أن يكون للأسباب أي تأثير على المسبَّبات، وقالوا: إنه ليس في النار قوة الإحراق، ولا في الماء قوة الإغراق، ولا في السِّكِّين قوة القطع. قالوا: ولكن الله يخلق المسببات عند وجود هذه الأسباب، لا بها. فعند وجود النار يخلق الله الإحراق، بلا تأثير من النار، وعند وجود السكِّين يخلق الله القطع بلا تأثير من السكّين، وهكذا. ويقولون: إن الله قد أجرى العادة بخلق المسببات عند وجود هذه الأسباب، وكل هذا طرداً لعقيدتهم في الجبر، وأنه لا فاعل إلا الله
…
"، ثم أخذ في بيان الحق في هذه المسألة، فانظره إن شئت.
يظهر على المعين (1) عند الإِصابة بالعين (2)، وَعَلَى الْمَسْحُورِ عِنْدَ عَمَلِ السِّحْرِ، بَلْ هُوَ بِالسِّحْرِ أَشبه؛ لِاسْتِمْدَادِهِمَا مِنْ أَصل وَاحِدٍ. وَشَاهِدُهُ: مَا جاءَ فِي الصَّحِيحِ ـ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ (3) ـ مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن اللَّهَ يَقُولُ: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وأَنا مَعَهُ إِذا دَعَانِي". وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (4): "أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ"، وَشَرْحُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لَا يَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَالْحَاصِلُ: أَن وَضْعَ الأَذكار وَالدَّعَوَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ: مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ، لَكِنْ تَارَةً تَكُونُ الْبِدْعَةُ فِيهَا إِضافية؛ بِاعْتِبَارِ أَصل الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَتَارَةً تَكُونُ حَقِيقِيَّةً (5).
(1) في (ت) و (خ): "المعيون".
(2)
قوله: "بالعين" من (غ) و (ر) فقط.
(3)
في "صحيحه"(2675) وأخرجه البخاري أيضاً (7405 و7505)، وفي لفظه:"وأنا معه إذا ذكرني".
(4)
أخرج هذه الرواية: الإمام أحمد في "المسند"(4/ 106)، وابن حبان في "صحيحه"(633 و634 / الإحسان)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 240)، جميعهم من طريق هشام بن الغاز، عن حيّان أبي النضر، عن واثلة بن الأسقع، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وسنده صحيح.
حيان أبو النضر الأسدي وثقه ابن معين، وقال: أبو حاتم: صالح كما في "الجرح والتعديل"(3/ 244 ـ 245 رقم 1088).
وهشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي، الدمشقي، نزيل بغداد: ثقة كما في "التقريب"(7355).
وأخرجه الإمام أحمد أيضاً (3/ 491) من طريق الوليد بن سليمان وسعيد بن عبد العزيز، كلاهما عن حيان أبي النضر، به.
(5)
قوله: "وتارة تكون حقيقية" سقط من (خ) و (ت).