المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ وأَضعف هؤلاءِ احْتِجَاجًا: قَوْمٌ اسْتَنَدُوا فِي أَخذ الأَعمال إِلى الْمَنَامَاتِ، - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ٢

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ وأَضعف هؤلاءِ احْتِجَاجًا: قَوْمٌ اسْتَنَدُوا فِي أَخذ الأَعمال إِلى الْمَنَامَاتِ،

‌فَصْلٌ

وأَضعف هؤلاءِ احْتِجَاجًا: قَوْمٌ اسْتَنَدُوا فِي أَخذ الأَعمال إِلى الْمَنَامَاتِ، وأَقبلوا وأَعرضوا بِسَبَبِهَا، فيقولون: رأَينا فلاناً الرجل الصالح في النوم (1)، فَقَالَ لَنَا: اتْرُكُوا كَذَا، وَاعْمَلُوا كَذَا. وَيَتَّفِقُ مثل هذا كثيراً للمُتَرَسِّمين (2) برَسْم التَّصَوُّفِ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: رأَيت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي كَذَا، وأَمرني بِكَذَا؛ فَيَعْمَلُ بِهَا، وَيَتْرُكُ بِهَا (3)، مُعْرِضًا عَنِ الْحُدُودِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ لأَن الرُّؤْيَا مِنْ غَيْرِ الأَنبياءِ لَا يُحْكَمُ بِهَا شَرْعًا عَلَى حَالٍ، إِلا أَن نعرضها عَلَى مَا فِي أَيدينا مِنَ الأَحكام الشَّرْعِيَّةِ، فإِن سَوَّغَتْهَا عُمل بِمُقْتَضَاهَا، وإِلا وَجَبَ تَرْكُهَا والإعراض عنها، وإِنما فائدتها البشارة والنذارة (4) خَاصَّةً، وأَما اسْتِفَادَةُ الأَحكام فَلَا، كَمَا يُحْكَى عَنِ الكِتَّاني رحمه الله قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم من الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَن لَا يُمِيتَ قَلْبِي، فَقَالَ: قُلْ كُلَّ يَوْمٍ أَربعين مَرَّةً: "ياحي يَا قَيُّومُ! لَا إِله إِلا أَنت"(5)، فَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ لَا إِشكال فِي صِحَّتِهِ، وَكَوْنُ الذِّكْرِ يُحْيِي الْقَلْبَ صَحِيحٌ شَرْعًا، وَفَائِدَةُ الرُّؤْيَا التنبيه على الخير، وهي (6) من

(1) قوله: "في النوم" ليس في (خ) و (م).

(2)

في (خ): "للمتمرسين"، وفي (م):"للمرتسمين". وعلق عليها رشيد رضا بقوله: تمرَّس بالشيء: احتكّ به، وتمرّس بدينه: تلعب به وعبث كما يعبث البعير. والمراد بهم هنا: المقلّدون للصوفية في رسومهم الظاهرة، دون أخلاقهم وأعمالهم. اهـ.

(3)

قوله: "بها" ليس في (غ) و (ر).

(4)

في (خ): "أو النذارة".

(5)

ذكر قول الكتاني هذا القشيري في "رسالته"(ص177).

(6)

في (خ) و (م):"وهو".

ص: 93

نَاحِيَةِ الْبِشَارَةِ، وإِنما يَبْقَى الْكَلَامُ فِي التَّحْدِيدِ بالأَربعين، وإِذا لم يؤخذ (1) عَلَى اللُّزُومِ اسْتَقَامَ.

وَعَنْ أَبي يَزِيدَ البِسْطَامي رحمه الله؛ قَالَ: رأَيت رَبِّي فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ الطريق إِليك؟ فقال: اترك نفسك وتعال (2).

وشاهد (3) هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الشَّرْعِ مَوْجُودٌ، فَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ صَحِيحٌ؛ لأَنه كَالتَّنْبِيهِ لِمَوْضِعِ (4) الدَّلِيلِ؛ لأَن تَرْكَ النَّفْسِ مَعْنَاهُ تَرْكُ هَوَاهَا بإِطلاق، وَالْوُقُوفُ عَلَى قَدَمِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالْآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى *فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى *} (5)، وَمَا أَشبه ذَلِكَ. فَلَوْ رأَى فِي النَّوْمِ قائلاً يقول له (6): إِن فُلَانًا سَرَقَ فَاقْطَعْهُ، أَو عَالِمٌ فاسأَله، أَو اعْمَلْ بِمَا يَقُولُ لَكَ، أَو فُلَانٌ زنى فحُدَّه، أَوْ ما (7) أَشبه ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْعَمَلُ حَتَّى يَقُومَ لَهُ الشَّاهِدُ فِي الْيَقَظَةِ، وإِلا كَانَ عَامِلًا بِغَيْرِ شَرِيعَةٍ؛ إِذ لَيْسَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحْيٌ.

وَلَا يُقَالُ: إِن الرُّؤْيَا مِنْ أَجزاءِ النُّبُوَّةِ (8)، فَلَا ينبغي أَن تهمل، وأَيضاً فإِن (9) الْمُخْبِرَ فِي الْمَنَامِ قَدْ يَكُونُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَدْ قَالَ:"مَنْ رآني في النوم فقد رآني (10)، فإِن الشَّيْطَانَ لَا يتمثَّل بِي"(11). وإِذا كَانَ كذلك (12)؛ فإخباره له (13) في النوم كإِخباره في اليقظة.

(1) في (خ) و (م): "يوجد".

(2)

ذكر قول أبي يزيد هذا القشيري في "رسالته"(ص177).

(3)

في (خ) و (م): "وشأن".

(4)

في (غ) و (ر): "لوضع".

(5)

سورة النازعات: الآيتان (40، 41).

(6)

قوله: "له" ليس في (غ) و (خ).

(7)

في (خ): "وما".

(8)

أخرج البخاري في "صحيحه"(6994)، ومسلم (2264) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رؤيا المؤمن جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".

(9)

في (خ): "إن".

(10)

في (خ) و (م): "رآني حقاً".

(11)

أخرجه البخاري (110)، ومسلم (2266) من حديث أبي هريرة.

(12)

قوله: "كذلك" ليس في (خ) و (م).

(13)

قوله: "له" ليس في (خ).

ص: 94

لأَنا نَقُولُ: إِن كَانَتِ الرُّؤْيَا مِنْ أَجزاء النبوة، فليست بالنسبة (1) إِلينا من كمال الوحي، بل جزءاً مِنْ أَجزائه، والجزءُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الكُلّ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، بَلْ إِنما يَقُومُ مَقَامَهُ من (2) بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ صُرِفَتْ إِلى جِهَةِ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ، وَفِيهَا كَافٌ (3).

وأَيضاً فإِن الرُّؤْيَا الَّتِي هي جزء من النبوة (4) من شرطها أَن تكون صالحة، ومن (5) الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَحُصُولُ الشُّرُوطِ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، فَقَدْ تَتَوَفَّرُ، وَقَدْ لَا تَتَوَفَّرُ.

وأَيضاً فَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إِلى الْحُلْمِ، وَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وإِلى حديث النفس، وقد تكون بسبب هَيَجَان بعض الأَخْلَاط (6)، فمتى تتعيَّن الصالحة حتى يحكم بها، وتترك غَيْرَ الصَّالِحَةِ؟.

وَيَلْزَمُ أَيضاً عَلَى ذَلِكَ أَن يَكُونَ تَجْدِيدَ وَحْيٍ بِحُكْمٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو منفي (7) بالإِجماع.

يُحْكَى أَن شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ القاضي دخل يوماً (8) عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: علَيَّ بِالسَّيْفِ والنّطْع! قَالَ: ولِمَ يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رأَيت فِي مَنَامِي كأَنك تطأُ بِسَاطِي وأَنت مُعْرِضٌ عَنِّي، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى مَنْ عَبَرَهَا. فَقَالَ لِي: يُظْهِرُ لَكَ طَاعَةً وَيُضْمِرُ مَعْصِيَةً. فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: وَاللَّهِ! مَا رُؤْيَاكَ بِرُؤْيَا إِبراهيم الخليل عليه السلام، ولا مُعَبِّرُكَ (9) بيوسف (10) الصديق عليه السلام، أَفبالأَحلام (11) الكاذبة تضرب أَعناق المؤمنين؟ فاسْتَحْيَى المهدي، وقال له (12): اخرج عني، ثم صرفه وأَبعده.

(1) قوله: "بالنسبة" ليس في (خ) و (م).

(2)

في (خ) و (م): "في".

(3)

كذا في جميع النسخ. وعلق عليها رشيد رضا بقوله: "كذا! ولعل في الكلام حذفاً".

(4)

في (خ): "جزء من أجزاء النبوة".

(5)

في (خ): "من".

(6)

في (خ): "أخلاط".

(7)

في (م) و (خ): "منهي عنه" بدل "منفي".

(8)

قوله: "يوماً" ليس في (خ).

(9)

في (خ): "ولا أن معبرك".

(10)

في (ر) و (غ) و (م): "يوسف".

(11)

في (خ): "فبالأحلام".

(12)

قوله: "له" ليس في (خ).

ص: 95

وَحَكَى الْغَزَالِيُّ عَنْ بَعْضِ الأَئمة أَنه أَفتى بِوُجُوبِ قَتْلِ رَجُلٍ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَرُوجِعَ فِيهِ، فَاسْتَدَلَّ بأَن رَجُلًا رأَى فِي مَنَامِهِ إِبليس قد اجتاز بباب هذه (1) المدينة ولم يدخلها؟ فقيل له (2): هَلاّ (3) دَخَلْتَهَا؟ فَقَالَ: أَغناني عَنْ دُخُولِهَا رَجُلٌ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ: لَوْ أَفتى إِبليس بِوُجُوبِ قَتْلِي فِي الْيَقَظَةِ هَلْ تقلِّدونه في فتواه؟ فقالوا: لا! قال (4): فقوله فِي الْمَنَامِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَقَظَةِ.

وأَما الرُّؤْيَا الَّتِي يُخْبِرُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّائِي بِالْحُكْمِ، فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا أَيضاً؛ لأَنه إِذا أَخبر بحكم موافق لشريعته، فالعمل (5) بما استقرّ من شريعته (6)، وإِن أَخبر بمخالف، فمحال؛ لأَنه صلى الله عليه وسلم لَا يَنْسَخُ بَعْدَ مَوْتِهِ شَرِيعَتَهُ الْمُسْتَقِرَّةَ فِي حَيَاتِهِ؛ لأَن الدِّينَ لَا يَتَوَقَّفُ اسْتِقْرَارُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى حُصُولِ الْمَرَائِي النَّوْمِيَّةِ؛ لأَن ذَلِكَ بَاطِلٌ بالإِجماع. فَمَنْ رأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ نَقُولُ: إِن رُؤْيَاهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ إِذ لَوْ رَآهُ حَقًّا لَمْ يُخْبِرْهُ بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ.

لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدَ رَآنِي"، وَفِيهِ تأْويلان:

أَحدهما: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ (7) إِذ سُئِلَ عَنْ حَاكِمٍ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ فِي قَضِيَّةٍ، فَلَمَّا نَامَ (8) الْحَاكِمُ ذَكَرَ أَنه رأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وقال (9) له: لا تَحْكُمُ (10) بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فإِنَّها بَاطِلَةٌ (11). فأَجاب بأَنه لا

(1) قوله: "هذه" ليس في (خ) و (م).

(2)

قوله: "له" ليس في (خ) و (م).

(3)

في (ر) و (غ): "فهلا"، وفي (خ):"هل" بدل "هلا".

(4)

في (خ): "فقال".

(5)

في (خ): "فالحكم" بدل "فالعمل".

(6)

قوله: "من شريعته" ليس في (خ) و (م).

(7)

في "فتاويه"(1/ 612).

(8)

في (غ) و (ر): "قام".

(9)

في (خ): "فقال".

(10)

في (م): "تحكم"، وفي (خ):"ما تحكم".

(11)

في (غ) و (ر): "باطل".

ص: 96

يَحِلُّ لَهُ أَن يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ؛ لأَن ذَلِكَ إِبطال لأَحكام الشَّرِيعَةِ بِالرُّؤْيَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ أَن يُعْتَقَد، إِذ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ مِنْ نَاحِيَتِهَا إِلا الأَنبياء الَّذِينَ رُؤْيَاهُمْ وَحْيٌ، وَمَنْ سِوَاهُمْ إِنما رُؤْيَاهُمْ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأَربعين جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ (1).

ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا (2) ": أَن كُلَّ مَنْ رأَى فِي مَنَامِهِ أَنه رَآهُ فَقَدْ رَآهُ حَقِيقَةً؛ بِدَلِيلٍ أَن الرَّائِيَ قَدْ يَرَاهُ مَرَّاتٍ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَيَرَاهُ الرَّائِي عَلَى صِفَةٍ، وَغَيْرِهِ عَلَى صفة أُخرى. ولا يجوز أَن تختلف صورة (3) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا صِفَاتُهُ، وإِنما مَعْنَى الْحَدِيثِ:"مَنْ رَآنِي عَلَى صُورَتَيِ الَّتِي خُلِقْتُ عَلَيْهَا، فَقَدْ رَآنِي، إِذ لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي"، إِذ لَمْ يَقُلْ: مَنْ رأَى أَنه رَآنِي، فَقَدْ رَآنِي، وإِنما قَالَ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي. وأَنّى لِهَذَا الرَّائِي الذي رأَى أَنه رآه على صورته أَنه رَآهُ عَلَيْهَا وإِن ظَنَّ أَنه رَآهُ؟ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَن تِلْكَ الصُّورَةَ (4) صُورَتُهُ (5) بعينها، هذا (6) مَا لَا طَرِيقَ لأَحد إِلى مَعْرِفَتِهِ.

فَهَذَا ما نقل ابْنِ (7) رُشْدٍ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلى أَن الْمَرْئِيَّ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وإِن اعتقد الرائي أَنه هو.

والتأْويل (8) الثَّانِي: يَقُولُهُ علماءُ التَّعْبِيرِ: إِن الشَّيْطَانَ قَدْ يأَتي النَّائِمَ فِي صُورَةٍ مَّا مِنْ مَعَارِفِ الرائي وغيرهم، فيشير له إِلى رجل ويقول (9): هذا فلان النبي، أَو هذا (10) الْمِلْكُ الْفُلَانِيُّ، أَو مَنْ (11) أَشبه هؤلاءِ مِمَّنْ لا يتمثل الشيطان به، فيوقع اللَّبْسَ عَلَى الرَّائِي بِذَلِكَ، وَلَهُ عَلَامَةٌ عِنْدَهُمْ. وإِذا كان كذلك أَمكن أَن يكلمه ذلك (12) المشار إِليه بالأَمر والنهي غير

(1) تقدم تخريجه (ص94).

(2)

تقدم تخريجه (ص94).

(3)

في (خ) و (م): "صور".

(4)

قوله: "الصورة" ليس في (غ) و (ر).

(5)

قوله: "صورته" ليس في (م).

(6)

في (خ): "وهذا".

(7)

في (خ): "عن أبي" بدل (ابن).

(8)

قوله: "التأويل" ليس في (غ) و (ر) و (م).

(9)

في (خ): "آخر" بدل "ويقول".

(10)

في (خ) و (م): "وهذا".

(11)

في (غ): "أو ممن".

(12)

قوله: "ذلك" ليس في (خ).

ص: 97

الْمُوَافِقَيْنِ لِلشَّرْعِ، فَيَظُنُّ الرَّائِي أَنه مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَلَا يُوثِقُ بِمَا يَقُولُ لَهُ (1) أَو يأَمر (2) أَو يَنْهَى.

وَمَا أَحرى هَذَا الضَّرْب أَن (3) يَكُونَ الأَمر أَو النَّهْيُ فِيهِ مُخَالِفًا (4)، كما أَن (5) الأَول حقيق بأَن يَكُونَ فِيهِ مُوَافِقًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَبْقَى فِي المسأَلة إِشكال. نَعَمْ لَا يَحْكُمُ بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَا حَتَّى يَعْرِضَهَا عَلَى الْعِلْمِ؛ لإِمكان اخْتِلَاطِ أَحد الْقِسْمَيْنِ بِالْآخَرِ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يَسْتَدِلّ بِالرُّؤْيَا (6) فِي الأَحكام إِلا ضَعِيفُ الْمُنَّةِ (7). نعم يأْتي العلماء (8) بالمرائي (9) تأَنيساً وَبِشَارَةً وَنِذَارَةً خَاصَّةً، بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُونَ بِمُقْتَضَاهَا حُكْمًا، وَلَا يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَصلاً، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ فِي أَخذها، حَسْبَمَا فُهم مِنَ الشَّرْعِ فيها، والله أَعلم.

(1) قوله: "له" ليس في (ر) و (غ) و (م).

(2)

في (خ): "أو يا".

(3)

في (ر) و (غ): "بأن".

(4)

في (غ) و (ر): "والنهي مخالفاً".

(5)

في (خ) و (م): "لكمال". وذكر رشيد رضا في (ص265) من المجلد الثاني في موضع آخر أن لفظ "الأول" لا يظهر له معنى في هذا الموضع والموضع الآخر محل التعليق، وهو الآتي في (ص100).

(6)

قوله: "بالرؤيا" ليس في (م)، وفي (غ) و (ر):"بالأحلام".

(7)

الْمُنَّةُ ـ بالضم ـ: هي القوّة، وخص بعضهم بها قوة القلب. انظر:"لسان العرب"(13/ 415).

(8)

قوله: "العلماء" ليس في (خ) و (م).

(9)

في (خ): "المرئي" وفي (م): "المرائي".

ص: 98