الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
(1)
وَمِنْهَا: رَأْيُ قومٍ تَغَالوا (2) فِي تَعْظِيمِ شُيُوخِهِمْ، حَتَّى أَلحقوهم بِمَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ (3). فَالْمُقْتَصِدُ (4) فِيهِمْ (5) يَزْعُمُ أَنه لَا وليَّ (6) لِلَّهِ أَعظم مِنْ فُلَانٍ، وَرُبَّمَا أَغلقوا بَابَ الْوِلَايَةِ دُونَ سَائِرِ الأُمّة إِلا هَذَا الْمَذْكُورَ، وَهُوَ بَاطِلٌ مَحْضٌ، وَبِدْعَةٌ فَاحِشَةٌ؛ لأَنه لَا يُمْكِنُ أَن يَبْلُغَ المتأَخرون أَبداً مَبَالِغَ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَخَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ (7) الَّذِينَ رأَوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (8)، وَهَكَذَا يَكُونُ الأَمر أَبداً إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ. فأَقوى مَا كَانَ أَهل الإِسلام فِي دِينِهِمْ وأَعمالهم وَيَقِينِهِمْ وأَحوالهم فِي أَول الإِسلام، ثم لا يزال (9) يَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلى آخَرِ الدُّنْيَا، لَكِنْ لَا يَذْهَبُ الْحَقُّ جُمْلَةً، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَائِفَةٍ تَقُومُ بِهِ وَتَعْتَقِدُهُ، وَتَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ على حسبهم في زمانهم (10)، لا على (11) مَا كَانَ عَلَيْهِ الأَوّلون مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لأَنه لَوْ أَنفق أَحد مِنَ المتأَخرين وَزْنَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحد مِنْ أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا نَصِيفَه حَسْبَمَا أَخبر عَنْهُ الصَّادِقُ صلى الله عليه وسلم (12). وإِذا
(1) قوله: "فصل" ليس في (غ) و (ر).
(2)
في (خ): "التغالي".
(3)
في (غ) و (ر): "بما لا يستحقون".
(4)
في (غ) و (ر): "فالمقتصر".
(5)
في (خ): "منهم".
(6)
في (غ): "الأولى".
(7)
قوله: "القرن" ليس في (خ).
(8)
قوله: "ثم الذين يلونهم" الثانية ليس في (خ)، وهو بهذا يشير إلى الحديث المتقدم تخريجه (ص66).
(9)
في (خ): "لا زال".
(10)
في (خ): "إيمانهم"، وفي (م):"أمانهم".
(11)
قوله: "على" ليس في (خ).
(12)
قوله: "حَسْبَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ الصَّادِقُ صلى الله عليه وسلم" ليس في (خ).=
كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَالِ، فَكَذَلِكَ فِي (1) سَائِرِ شُعَبِ الإِيمان، بِشَهَادَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَادِيَّةِ.
ولِمَا تقدَّم أَول الكتاب من (2) أَنه لَا يَزَالُ الدِّينُ فِي نَقْصٍ فَهُوَ أَصل (3) لا شك فيه، وهو عَقْدُ (4) أَهل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَكَيْفَ يَعْتَقِدُ بَعْدَ ذَلِكَ في أَحدٍ (5) أَنه ولي أَهل الأَرض ليس (6) فِي الأُمة وَلِيٌّ غَيْرُهُ؟ لَكِنَّ الْجَهْلَ الْغَالِبَ، وَالْغُلُوَّ فِي التَّعْظِيمِ، وَالتَّعَصُّبِ لِلنِّحَلِ، يُؤَدِّي إِلى مِثْلِهِ أَو أَعظم مِنْهُ.
وَالْمُتَوَسِّطُ يَزْعُمُ أَنه مساوٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِلا أَنه لَا يأَتيه الْوَحْيُ (7). بَلَغَنِي هَذَا عَنْ طائفة من الغالين في شيخهم، الحاملين لطريقته (8) فِي زَعْمِهِمْ، نَظِيرَ مَا ادَّعَاهُ بَعْضُ تَلَامِذَةِ الْحَلاّج فِي شَيْخِهِمْ، عَلَى الِاقْتِصَادِ مِنْهُمْ فِيهِ، وَالْغَالِي (9) يَزْعُمُ فِيهِ أَشنع مِنْ هَذَا، كَمَا ادَّعَى أَصحاب الحَلاّج فِي الحَلاّج.
وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الشُّيُوخِ أَهل الْعَدَالَةِ وَالصِّدْقِ فِي النَّقْلِ أَنه قال: أَقمت زماناً في بعض قرى (10) الْبَادِيَةِ، وَفِيهَا مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْمُشَارِ إِليها كَثِيرٌ. قَالَ: فَخَرَجْتُ يَوْمًا مِنْ مَنْزِلِي لِبَعْضِ شأَني، فرأَيت رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ قَاعِدَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ (11)، فَاتَّهَمْتُ (12) أَنهما يتحدَّثان فِي بَعْضِ فُرُوعِ طَرِيقَتِهِمْ، فَقَرُبْتُ مِنْهُمَا عَلَى اسْتِخْفَاءٍ لأَسمع مِنْ كَلَامِهِمْ ـ إِذ من شأنهم الاستخفاء
=والحديث أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه مسلم (2540) من حديث أبي هريرة.
(1)
قوله: "في" ليس في (م).
(2)
قوله: "من" ليس في (خ) و (م).
(3)
في (خ): "أصلي".
(4)
في (خ) و (م): "عند".
(5)
قوله: "أحد" ليس في (خ).
(6)
في (خ): "وليس".
(7)
في (غ) و (ر): "جبريل".
(8)
في (خ): "لطريقتهم".
(9)
في (خ): "والقالي".
(10)
في (خ): "القرى".
(11)
قوله: "يتحدثان" ليس في (خ).
(12)
كذا في جميع النسخ! ولعل صوابه: "فتوهَّمت"؛ قاله رشيد رضا.
بأَسرارهم ـ، فتحدَّثا (1) فِي شَيْخِهِمْ وعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ، وأَنه لَا أَحد (2) فِي الدُّنْيَا مِثْلَهُ، فَقَالَ أَحدهما لِلْآخَرِ: أَتحب الْحَقَّ هُوَ النَّبِيُّ، قَالَ: نَعَمْ (3)، وطَرَبَا لهذا المقالة طَرَباً عَظِيمًا، ثُمَّ قَالَ أَحدهما لِلْآخَرِ: أَتحب (4) الْحَقَّ؟ هُوَ كَذَا (5)، قَالَ: نَعَمْ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ. قَالَ الْمُخْبِرُ لِي (6): فَقُمْتُ مِنْ ذَلِكَ الموضع (7) فارًّا أَن تصيبني معهم قَارِعَة.
وهذا نمط من نَمَطُ (8) الشِّيعَةِ الإِماميَّة، وَلَوْلَا الغُلُوّ فِي الدِّينِ والتَّكَالُبُ عَلَى نَصْرِ الْمَذْهَبِ، وَالتَّهَالُكِ فِي مَحَبَّةِ الْمُبْتَدَعِ، لَمَا وَسِعَ ذَلِكَ عَقْلُ أَحد، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ"(9)، الْحَدِيثَ. فَهَؤُلَاءِ غَلَوْا كَمَا غَلَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى عليه السلام؛ حَيْثُ قَالُوا: إِن الله هو المسيح ابن مريم، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ *} (10)، وفي الحديث:"لا تُطْرُونِي كَمَا أَطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (11)، وَلَكِنْ قُولُوا (12): عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"(13).
وَمَنْ تأَمَّل هَذِهِ الأَصناف وَجَدَ لَهَا مِنَ الْبِدَعِ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَثِيرًا؛ لأَن الْبِدْعَةَ إِذا دَخَلَتْ (14) في (15) الأَصل سَهلَتْ مداخلتها الفروع.
(1) في (م): "فتحدثنا".
(2)
في (خ): "لأحد".
(3)
قوله: "فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَتُحِبُّ الْحَقَّ هُوَ النَّبِيُّ، قال: نعم"، سقط من (خ)، وانظر التعليق بعد الآتي.
(4)
في (غ) و (ر): "أتريد".
(5)
في (خ): "هو النبي".
(6)
قوله: "لي" ليس في (خ).
(7)
قوله: "الموضع" سقط من (م)، وفي (خ):"المكان".
(8)
قوله: "من نمط" ليس في (خ) و (م).
(9)
أخرجه البخاري (3456 و7320)، ومسلم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(10)
قوله تعالى: "قل" ليس في (خ).
(11)
الآية (77) من سورة المائدة.
(12)
قوله: "ابن مريم" من (خ) فقط.
(13)
في (م): "قالوا".
(14)
أخرجه البخاري (3445) من حديث عمر رضي الله عنه.
(15)
في (ر): "داخلت".
(16)
قوله: "في" ليس في (غ) و (ر).