الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَمِثَالُ مَا يَقَعُ فِي الْمَالِ (1): أَن الْكُفَّارَ قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (2)، فإِنهم لما استحلّوا العمل به؛ احتجّوا بقياسٍ فاسدٍ، فَقَالُوا: إِذا فَسَخَ الْعَشَرَةَ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا إِلى شَهْرٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ إِلى شَهْرَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إِلى شَهْرَيْنِ، فأَكذبهم اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ؛ أَي (3): لَيْسَ الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا. فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ أَخذوا بِهَا مُسْتَنِدِينَ إِلى رأْيٍ فاسدٍ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ المُحْدَثات؛ كَسَائِرِ مَا أَحدثوا فِي الْبُيُوعِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمُ، الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْخَطَرِ (4) وَالْغَرَرِ.
وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ قَدْ شَرَعَتْ أَيضاً أَشياءَ فِي الأَموال؛ كَالْحُظُوظِ الَّتِي (5) كَانُوا يُخْرِجُونَهَا للأَمير مِنَ الغنيمة، حتى قال شاعرهم (6):
(1) في (غ): "الآمال".
(2)
سورة البقرة: الآية (275).
(3)
قوله: "أي" سقط من (خ)، وعلق رشيد رضا على موضعه بقوله: لعله سقط من هنا كلمة "أي".اهـ.
(4)
في (ر) و (غ): "الخطار".
(5)
في (خ) و (ت) و (م): "الذي".
(6)
هو عبد الله بن عَنَمَةَ الضّبِّي شاعر مخضرم كما في "تهذيب التهذيب"(5/ 345 ـ 346 رقم 599)، وهذه القصيدة قالها يرثي بها بسطام بن قيس لما قُتل، ومطلعها:
لأُِمّ الأرضِ وَيْلٌ ما أَجنَّتْ
…
غَدَاةَ أضرَّ بالحَسَن السبيلُ
وقد نسبت هذه القصيدة للأصمعي؛ كما في "الأصمعيات"(ص32)، ولعلّه اعتماداً على قول أبي علي القالي في "الأمالي" (1/ 142):"وأنشدنا الأصمعي: لك المرباع منها والصفايا ـ وحكمك والنشيطة والفضول"، ولا يلزم من إنشاد الأصمعي لها أن يكون هو القائل. وانظر "البيان والتبيين" للجاحظ (1/ 199)، و"الحماسة" لأبي تمَّام (1/ 420)، و"معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (2/ 479)، و"تاريخ دمشق" لابن=
لَكَ المِرْبَاعُ فِيهَا والصَّفَايا
…
وحُكْمُكَ والنَّشِيطَةُ والفُضُولُ
فالمِرْباع: رُبع المَغْنَم يأْخذه الرَّئِيسُ. والصَّفَايا: جَمْعُ صَفِيّ (1)، وَهُوَ مَا يَصْطَفِيهِ الرَّئِيسُ لِنَفْسِهِ مِنَ المغنم. والحُكْمُ: ما يَحكم (2) فيه مِنَ الْمَغْنَمِ (3). والنَّشِيطَةُ: مَا يَغْنَمُهُ الْغُزَاةُ فِي الطَّرِيقِ، قَبْلَ بُلُوغِهِمْ إِلى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدُوهُ، فَكَانَ (4) يَخْتَصُّ بِهِ الرَّئِيسُ دُونَ غَيْرِهِ. والفُضُولُ: مَا يَفْضُلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ.
وَكَانَتْ تَتَّخِذُ الأَرضين تَحْمِيهَا عَنِ النَّاسِ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا وَلَا يَرْعَوْهَا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِقِسْمَةِ الغنيمة في قوله تعالى: {(5) عع {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
…
} (6) إلى آخر الْآيَةَ (7)؛ ارْتَفَعَ حُكْمُ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، إِلا بَعْضُ مَنْ جَرَى فِي الإِسلام عَلَى حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَمِلَ بأَحكام الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ عَلَى الْعَمَلِ بأحكام الله تعالى.
وكذلك جاءَ (8): "لا حِمَى إِلا لِلّه (9) ورسولِه (10) "، ثُمَّ جَرَى بَعْضُ النَّاسِ (11) ـ مِمَّنْ (12) آثَرَ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ ـ عَلَى سَبِيلِ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ (13)، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (14). ولكن الآية
=عساكر (33/ 296)، و"الكامل" لابن الأثير (1/ 488)، و"لسان العرب"(7/ 414 ـ 415)، و (8/ 101)، و (11/ 526)، و (14/ 462).
(1)
في (ت): "صفية".
(2)
في (ر) و (غ): "ما تحكم".
(3)
قوله: "والحكم ما يحكم فيه من المغنم" سقط من (خ) و (ت).
(4)
في (غ) و (م) و (ر): "فكأنه"
(5)
قوله: "واليتامى" سقط من (غ).
(6)
سورة الأنفال: الآية (41).
(7)
من قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} إلى هنا ليس في (خ) و (م)، ومن قوله تعالى:{وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} إلى هنا ليس في (ت).
(8)
علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: لعله سقط من هنا كلمة: "في الحديث".اهـ.
(9)
في (خ) و (م) و (ت): "لا حمى إلا حمى الله".
(10)
أخرجه البخاري (2370) و (3012).
(11)
قوله: "الناس" ليس في (غ) و (ر).
(12)
في (غ) و (ر) و (م): "من".
(13)
بعد هذا الموضع في (ت) زيادة: "وقال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} ".
(14)
الآية: (50) من سورة المائدة.
والحديث وما كان في معناهما أَثبتت (1) أَصلاً فِي الشَّرِيعَةِ مُطَّرِدًا لَا يَنْخَرِم، وَعَامًّا لَا يَتَخَصَّص، ومُطْلَقاً لَا يَتَقَيَّد (2)؛ وَهُوَ أَن الصَّغِيرَ مِنَ المُكَلَّفين وَالْكَبِيرَ، وَالشَّرِيفَ وَالدَّنِيءَ، وَالرَّفِيعَ وَالْوَضِيعَ؛ فِي أَحكام الشَّرِيعَةِ سَوَاءٌ، فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُقْتَضَى هَذَا الأَصل خَرَجَ مِنَ السُّنَّةِ إِلى الْبِدْعَةِ، وَمِنَ الِاسْتِقَامَةِ إِلى الِاعْوِجَاجِ.
وَتَحْتَ هَذَا الرَّمْزِ تَفَاصِيلُ عظيمةُ الموقعِ، لَعَلَّهَا تُذكر فيما (3) بعد إِن شاءَ الله تعالى، وقد أُشير إِلى جملة منها (4).
(1) في (خ): "أثبت".
(2)
في (ت): "لا يقيد".
(3)
قوله: "فيما" سقط من (غ) و (ر).
(4)
قوله: "وقد أشير إلى جملة منها" سقط من (غ) و (ر).